آراء

الهوية في مواجهة التطور العالمي

تزامن انعقاد الدورة الواحدة والثلاثين لجامعة الدول العربية مع احتفالات الذكرى الثمانية والستين المخلدة لثورة أول نوفمبر المجيدة، ثورة التحرير التي شارك فيها الجزائريون من أمازيغ ومعربين على حد سواء ط، اتحدوا على هدف واحد وهو تحرير هذه الأرض التي تضمهم جميعا دون تمييز، فالأرض تحتوي من يخدمها وتتعايش مع من يحييها، وأول خطوة نحو الحياة هي الحرية لهذا اجتمع الكل على إعادة الحياة لها باعلان انطلاق ثورة التحرير المجيدة في ليلة الفاتح من نوفمبر من عام ألف وتسعمائة وأربعة وخمسين.

لا تزال قلة لا تتقبل انتماء هذه الأرض بأي شكل من الأشكال إلى كل مسمى عربي، وفي المقابل فئة لا تتقبل أمازيغية الأرض.

إن الدارس للتاريخ يعرف أن الأصل في هذه الأرض أمازيغي لكن هذا لا ينفي وجود الثقافة واللغة العربية إلى جانب الثقافة واللغة الأمازيغية لقرون، حد اكتساحها للعامية الجزائرية التي وإن كانت خليطا من لغات ولهجات لكن الغالب عليها هو اللغة العربية ويتفاهم الجزائريون في الواقع فيما بينهم بهذه العامية التي تطبع يومياتهم.

ولا أحد ينفي أهمية الهوية بالنسبة لكل شعب من شعوب الأرض لكن علينا أن نحافظ على الجانب الايجابي فيها ونجعله فيه من الايجابية لخدمة الصالح العام لا عامل تفرقة وكراهية.

نحن نعيش في وطن بحجم قارة بما يحويه من ثروات بشرية وطبيعية هائلة والتي تُحتم على كل فرد ترك الخلافات العرقية جانبا والالتفات للبناء والتشييد، ولو أن ما تم بناءه لحد اليوم لا يمكن الاستهانة به، لكن بلدا بحجم قارة لا يزال يحتاج منا التكتل وتكثيف الجهود من أجل بناء دولة حديثة ناشئة تضاهي دولة مثل الصين التي كانت بالأمس القريب سائرة في طريق النمو لتغدو دولة تنافس كبرى القوى العالمية، أو دول الخليج التي أضحت مناطق جذب للعمال والسياح والمستثمرين.

إننا لنبني دولة حديثة ناشئة يجب علينا تغليب المصلحة العامة وإعادة ترتيب سلم الأولويات بما يتناسب مع ما تعيشه الجزائر حاليا من دور بارز في الأزمات الدولية والطلب المتزايد على الموارد الطبيعية مع تقادم الاستثمارات الأجنبية التي تقتضي ترك الخلافات الهوياتية جانبا وتوحيد الجهود لبناء وطن وفق معايير عالمية وهذا يُحتم على الفرد التفكير وفق أسس عالمية لا محلية لأنه جزء لا يتجزأ من عالم شاسع يتأثر به ويؤثر فيه؛ يتأثر بكل تغيراته وتطوراته ويؤثر فيه بفكره وعلمه.

إنه عالم في تطور مستمر، تطور يكتبه التاريخ، تاريخ لا مكان فيه إلا لمن يفكر ويعمل، لكننا بالذوبان في قضية الاختلاف الهوياتي لا يمكن أن نحجز مكانا مهما في التاريخ إلا إذا اتحدنا ضمن وطن نتقبل فيه التعددية الثقافية التي هي أمر واقع.

نعم، واقعنا يقول أنه على تعدد موارد البناء الطبيعية هناك تعدد ثقافي جميل علينا استغلاله في الجانب الايجابي الذي يجعل الزائر لهذا الوطن ينجذب لتلك التعددية الثقافية التي تميزه عن غيره فتصبح بذلك عنصر جذب اقتصادي إلى جانب الثقافة.

إن الحل، كل الحل، يكمن في توحيد الصفوف والتكتل للعمل ضمن تمازج فكري وتقبل لاختلاف الآخر وبهذا لا يعود الفرد يفكر سوى في العمل والبناء ومسايرة النمو والتقدم العلمي العالمي الذي لا يمكن أن يتم إلا ضمن حالات نفسية تقتضي امتلاك الرغبة والعزيمة اللازمة التي لا يمكن أن تنمو في جو مشحون بالكراهية العرقية بل في تمازج جميل يجعل من الأرض حديقة غنية بمختلف الألوان.

إن الفرد في أكبر قوة في العالم المتمثلة في أمريكا تعايش مع الآخر وتمازج معه وسار وفق رؤية عالمية يحكمها التطور العلمي، كما أن لتحسين حياة الفرد هناك أولوية كبرى تجعله يتعايش مع الآخر المختلف عنه ويعمل معه تحت ظل التعدد الفكري حتى أضحت أمريكا أكبر قوة مؤثرة في العالم.

***

لامية خلف الله - كاتبة من شرق الجزائر

 

 

في المثقف اليوم