آراء

تونس بين راهنية اللحظة والأفق الغامض

ربما نسي أو تناسى أصحاب العقول الراجحة من هذه البلاد الغارقة في نفق الانكسار ان هذه القطعة من جغرافيا العالم ليس لها من سبيل للخروج من عنف الزجاجة سوى الوقوف على أرض ثابتة وامتلاك الفكر النقدي والمرجعية الديمقراطية والافق الاجتماعي دون نسيان قيم المواطنة والحداثة والتقدم والاستفادة من تطور العلوم والتكنولوجيا.. اي مشروع سياسي لا يحمل هذه المكونات يصير بالضرورة مشروعا بلا هوية كطفل بلا امومة أو أرض بلا امطار او حديقة بلا ازهار.. أن أي مشروع سياسي وطني لا تعبر عنه هذه المكونات ليس له مقومات النجاح والتواصل والديمومة..

تونس الراهنة المثخنة بالجراحات والانكسارات والخيبات والمؤامرات - من الداخل والخارج - ليس لها من افق للخروج من الأزمة الخانقة سوى الانخراط الفعلي من طرف القيادة السياسية الحاكمة في برنامج ومشروع متكامل يمس كل القطاعات بلا استثاء لايصال البلاد إلى بر الأمان وضفة الإستقرار  وهذا لن يحدث دون الذهاب الآن قبل الغد في مسار تشاركي حقيقي بين السلطة والقوى السياسية والاجتماعية والمدنية المنخرطة في مسار الخامس والعشيرن من جويلية/ يوليو المدافع بشراسة على مشروع الدولة الديمقراطية ذات الأفق الاجتماعي والحقوقي وتدعيم المكاسب المتصلة بالحقوق والحريات وعدم التفريط في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والنقل مع تكريس السيادة الوطنية على أرض الواقع خاصة في مجال الغذاء..

لا سبيل للخروج من عنق الزجاجة والإنخراط في منظومة العصر والإقتراب من عالم الدول المتقدمة إلا بالقطع بشكل كامل وصارم مع السياسات السابقة التي كرست الفساد والإفساد والمحسوبية والزبونية في المشهد السياسي المتعفن بطبعه...

بامكان القيادة الحاكمة ان تسرع في تطبيق برنامج التغيبر الشامل وتكريس مبدا الشفافية ومحاسبة كل من ساهم- تخطيطا وتمويلا وتنفيذا- في نهب المال العام دون نسبان كشف وفضح الجمعيات المشبوهة واجنداتها الخارجية وعلاقاتها المسترابة مع دول دعمت ومولت الإرهاب -فكرا وتمويلا وتنفيذا ...

تونس اليوم هي محط انظار العالم على مستوى الانتقال الديمقراطي والقطع بشكل جدي ونوعي مع انظمة الإستبداد والإستغلال في الوطن العربي المنكوب بحكامه ونخبه السياسية الغارقة في الفساد والإنتهازية والوصولية.. لا يشك عاقلان في امكانية تأسيس الجمهورية الديمقراطية الإجتماعية التي يكون محورها الإنسان ومركزها الحقوق والحريات وبعدها الإستراتبجي العدالة الإجتماعية....

ليس لكل التونسيبن من سبيل للخروج من راهنية اللحظة المفعمة بالانكسار والخيبات سوى رفع التحدي والمشاركة الشعبية الواسعة والاستفادة من اراء ومقاربات شخصيات وطنبة وازنة من كل القطاعات مشهود لها بالنزاهة والكفاءة والإستقلالية.

تونس الحضارة والتي كانت لها السبق في تأسيس أول منظمة نقابية وأول رابطة حقوقية في الوطن العربي والقارة الإفريقية. بامكانها ان تذهب بعيدا في مشروعها الديمقراطي الإجتماعي وتكريس دولة المواطنة وعلوية القانون على أرض الواقع بعيدا عن رفع الشعارات الفضفاضة والدعاية السياسية الفجة..

***

البشير عبيد - كاتب سياسي من تونس

 

في المثقف اليوم