آراء

اللغة الفرنسية من غنيمة حرب إلى عائق للنهوض والتطور

على هامش القمة الفرنكفونية  الثامنة عشر- جربة تونس، 19 و20 نوفمبر 2022

تبدو مقولة الكاتب الجزائري كاتب ياسين " اللغة الفرنسية غنيمة حرب " قد تآكلت وتجاوزها الزمن، لقد كان لذلك الموقف من اللغة الفرنسية شيئا من المعقولية إبان فترة الإستعمار والنضال لآسترداد الأرض والعرض،بآعتبار أن لغة المستعمر كانت سلاحا ثقافيا وظفه في مشروعه التوسعي .عملت الشعوب المستضعفة على إفتكاك ذلك السلاح وإشهاره في وجوه الجلادين دفاعا عن ذواتهم وتعرية للإنتهاكات التي كان يأتيها المستعمر في حق السكان الأصليين وكشفا للنهب الممنهج للثروات وسعيا دؤوبا لضرب هويتهم وإنتمائهم. لقد تعرض صاحب المقولة أعلاه إلى النقد من أبناء جلدته الذين إنتظروا منه الإنخراط معهم في معركة التحرر من الغزو اللغوي الثقافي الروحي الذي إستهدف كل مكونات الهوية. لقد جعل كاتب ياسين من تلك الكلمة طوق نجاة وفرارا معبرا عن حالته الخاصة وحياته التي عاشها منفيا وأسيرا بفكره وروحه ووجدانه داخل لغة أجنبية، صحيح أنه كان مجبرا على ذلك وإن برر ذلك بقوله: " أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إنني لست فرنسيا. " بحثا عن طمأنينة داخلية يفتقدها. لقد حاول أن يمزق شرنقة اللغة الفرنسية ويحدث ثقبا في جداراتها ليخرج منها ناجيا فلم يتمكن قط، على حد عبارة الأستاذ عبد العلي الدغيري في مساءلته لكاتب ياسين " هل الفرنسية غنيمة حرب " فعلا؟ (موقع almayadeen.net  بتاريخ 2 آب 2022)

1 – الفرنسية لم تعد لغة العلم:

لقد تدحرجت اللغة الفرنسية في سلم اللغات التي يعتد بها في المجال العلمي والأكاديمي أمام الحظوة التي تلقاها اللغة الانجليزية سواء في الإتساع المستمر لمستعمليها أو في البحوث العلمية والأكاديمية التي تنشر في كبريات المجلات العلمية المحكمة في مختلف الإختصاصات العلمية وكذلك في المسابقات الدولية المرموقة على غرار جوائز نوبل بمختلف أنواعها. وهو ما حدا بعدد من الدول التي ظلت لعقود تحت هيمنة اللغة الفرنسية،  لأسباب تاريخية متصلة بالهيمنة الإستعمارية، إلى التفكير جديا في فك  الإرتباط بهذا الإرث الثقافي – الإستعماري  الذي ظلت الشعوب المستعمرة ترزح تحت نيره وفي وضع حد لهذا الوضع المأسوي في علاقة بالتبعية المهينة للغة الفرنسية، وذلك بالتفكير في جعل اللغة الثانية بعد لغتها الوطنية لغة أخرى وهو ما حدا بالجزائر مثلا إلى إدراج اللغة الانجليزية في مناهج التعليم الإبتدائي فقد قال الرئيس عبد المجيد تبون في مقابلة مع وسائل الإعلام، السبت 30 جويلية 2022 إن اللغة الفرنسية هي غنيمة حرب بالنسبة إلى الجزائريين،  لكن اللغة الدولية هي الإنجليزية وبموجب هذا القرار ستصبح الإنجليزية ثاني لغة أجنبية في المرحلة الإبتدائية إلى جانب الفرنسية، كذلك أخذت المغرب نفس التمشي وقررت أن يتم تدريس جميع المواد العلمية باللغة الانجليزية وسيكون ذلك بحلول سنة 2030 .  في تونس مازال الإصلاح التربوي يراوح مكانه وكل التجارب السابقة جعلت من بلدنا مخبرا لتجارب صنعت في الخارج كفرنسا وكندا ثم باءت بالفشل، لقد أثبتت التجارب السابقة أن دعاة الفرنكفونية لهم اليد الطولى في رسم سياساتنا التربوية وتوجيه البرامج الدراسية الوجهة التي تكرس رؤيتهم وتوجهاتهم التي تعمل على صياغة مواطن بمواصفات محددة. صحيح أن الإصلاح التربوي سيظل رهين التجاذبات الإيديولوجية للفاعلين في قطاع التعليم وستلعب خلفياتهم  الفكرية دورها في صياغة البرامج ونحت التصورات،  ستكون المعركة شرسة، لأن الرهانات كبيرة.

2 – اللغة الفرنسية معيقة للإستثمار:

الإدارة التونسية هي وريثة التنظيم الإداري الفرنسي سواء في بنيتها وتركيبتها أو في القوانين التي تسيرها. فالبيروقراطية التي تنخر مختلف دواليب الإدارة وكذلك العوائق التي تكبل أداءها وتعكس تخلفها هي بسبب ذلك الإرث الإستعماري الذي تنوء بحمله ولا تستطيع تجاوزه وهو ما تسبب في نفور المستثمرين. هذه الإدارة بقوانينها المفرنسة جعلت دول الخليج والدول الآسيوية ذات الإقتصاديات الصاعدة كأندونسيا والفلبين وماليزيا واليابان حيث اللغة الإنجليزية هي لغة التعامل، لا تعتبر تونس بلدا جاذبا للإستثمار بحكم هيمنة النزعة الفرنكفونية على قوانينها وعلى إدارتها،  أضف إلى بيروقراطيتها المتخلفة والمعيقة لبعث المشاريع. والفرنسيون مدركون جيدا لتخلف لغتهم عن بقية لغات العالم التي تبدع في عالم التكنولوجيا والإقتصاد، يقول الباحث كريم بوريان في مداخلة له ضمن برنامج حصاد 24 على قناة الزيتونة بتاريخ 09 / 11/ 2022 : " إن الفرنسيين أنفسهم في المعهد العالي للدراسات الإقتصادية I .H. E. C بباريس يدرسون طلبتهم جميع المواد المتعلقة بهذا الإختصاص باللغة الإنقليزية. " مما يشي بإدراكهم أن لغتهم قد أصابها الوهن الحضاري وأنها لم تعد تستجيب لحاجيات العصر ومتطلباته.إن كلفة إستعمال اللغة الفرنسية على الإقتصاد التونسي باهظة جدا بسبب تراجع النمو الاقتصادي لبلادنا وعجز الميزان التجاري التونسي لصالح فرنسا  بآعتبارها الشريك الإقتصادي الأكبر وكذلك لصالح الإتحاد الأوروبي. مع هروب المستثمرين بسبب العوائق الإدارية المعيقة للتنمية والمنفرة لبعث المشاريع. والملاحظ أن الدول التي جعلت من الفرنسية لغتها الرسمية بسبب تعدد لهجاتها لم تستطع أن تنهض وتتطور مثال ذلك النيجر ومالي والتشاد.

نحو آفاق أرحب:

منذ أن بوأت دولة الإستقلال اللغة الفرنسية منزلة اللغة الثانية بعد اللغة العربية والذي تزامن مع تهميش اللغة العربية من خلال ضرب التعليم الزيتوني والتنكيل بخريجيه بإبعادهم عن المناصب العليا في الدولة الوطنية. نشأت في تونس طبقة من المتعلمين والمثقفين الذين درسوا في فرنسا والذين فتحت أمامهم أجهزة الدولة على مصراعيها فتقلدوا المناصب العليا والحساسة فيها وعملوا من خلالها على الترويج لثقافة المستعمر وحضارته من خلال تدعيم حضور اللغة الفرنسية في شتى مناحي الحياة، ولاسيما في مجال البرامج التعليمية وأصبحوا  يروجون لشعارات تكرس التبعية لفرنسا، من قبيل أن النهوض والتقدم والإلتحاق بركب الحضارة رهين بالتشبع بالقيم الفرنسية وبآدابها ومناهجها في التربية والتفكير. إن نقدنا للتوجه الفرنكفوني لتونس من خلال مؤسساتها الرسمية، لا يعني إستبداله بتوجه أنقلوفوني آخر أو الإنغلاق والتقوقع داخل اللغة الوطنية بل نحن مع التثاقف الحضاري القائم على الأخذ والعطاء بعيدا عن منطق الإستعلاء والتبعية. فنحن مطالبون بضرورة إيلاء اللغة العربية المكانة التي هي جديرة بها بآعتبارها المفتاح الحقيقي للنهوض والتقدم والإبداع وبدونها سنظل نراوح مكاننا. ينبغي أن تكون اللغة العربية لغة العلوم والإبداع الفكري والفلسفي وذلك بتطوير وسائل تدريسها والعمل على إبتداع الطرق البيداغوجية المناسبة التي تحبب الناشئة في لغتهم الوطنية.

***

بقلم: رمضان بن رمضان

 

في المثقف اليوم