آراء

هستيريا الديمقراطية التوافقية

ان تعمد الى إرساء النظم الديمقراطية في بلدان باكورتها السياسية نابعة من خلفية ديكتاتورية او حكم فوضوي سلطوي جثم على صدور الناس عقود.فهذا بحد ذاته يعتبر انتصارا الى إرادة الحياة على الموت. الديمقراطية التوافقية هي صورة حديثة الى نهج وسطي يعالج الأزمات لدى الدول التي تملك تعدديات قومية وعرقية وغيرها. هنا يصعب الاعتماد على الديمقراطية التمثيلية التي ستعمد على سحب البساط من الجميع  والذهاب نحو مكون واحد يدعى المكون الأكبر لذا ان تذهب نحو التوافقية هذا  بحد ذاتها تعتبر مساحة واسعة تعطي  الدعم الى القوى والممثليات العامة في إدارة البلد بشكل مشترك وفي نفس الوقت وسيلة جيدة للقضاء على الصراعات والنزاعات الداخلية  والحروب الاهلية التي تنشب بحجة الاضطهاد او التجاهل للمكونات الصغيرة  او المكونات  الأخرى. هنا يمكن القول ان اشراك الجميع في الحكم سيسدل الستار على مشاهد العرض المسرحي للصراع الواحد في البيت الوطني. إلا ان هذا النموذج يمكن أن يتحول الى أداة تعمل على انهيار قيمة المنظومة العامة للدولة من خلال بعض النقاط التي تغير الوجه الجميل الناعم للديمقراطية الى باب من أبواب الفساد العام وتتحول إلى هستيريا  حيث يمكن من خلال التوافقات ان نرسم صورة نمطية للتكريس والانتماء الضيق أي نجعل من المكون او المذهب او العقيدة او الفئة في الصدارة بعيد عن الفضاء والانتماء الوطني، فيتحول الناخب او المواطن من مواطن يحمل اسم الدولة سين الى مواطن يحمل المذهب او القومية او العقيد الخ  وهنا نستطيع القول ان الديمقراطية التوافقية افرزت لنا انتماء متقدم وآخر متراجع والذي يدعى او يسمى الوطن.وهذا ما شهدناه في العراق تراجع قيمة الانتماء الوطني أمام الانتماء المذهبي والمناطقي على العكس مما هو الحال في ألمانيا التي تعمد النهج التوافقي في الحكم. حيث المواطن يعتد في مواطنته وانتمائه الوطني لا انتمائه الإقليمي او العقائدي الخ.

"ان الديمقراطية بشكل عام هي فكرة غبية تكرس مفهوم جديدي للديكتاتورية لكن في اختيار جمعي بدل أن يجثم على الشعب حاكم واحد أصبح الشعب هو من يختار حاكمه بعد التسويق من قبل منظومة تفرض على الأغلبية اختيار احدد السيئين "

تعمد التوافقية الى اضعاف مركز القرار وهنا يتيح لنا البابا امام تهالك الوحدة الإدارية الفاعلة للبلد من حيث تسلط كل جهة على مناصب معينة وتعمل على دعم وتقوية وتمركز عناصرها الحاكمة وان كان هناك خرق للدستور او القانون الا ان المهم هو اصدار باب السيطرة والنفوذ من اجل السعي الى تقديم بعض الخدمات الى ناخبيهم او بعض المهمات الى المتنفذين للسيطرة على المال العام من أجل إتمام دورتهم الحياتية حيث لا حكم بدون أموال.وهذا جانب اخر من جوانب عبثية التوافقية.

الديمقراطية التوافقية غالب ما تنتج حكومة ائتلافية وهذا بحد ذاته يقيد السلطة التنفيذية او يقيد الحكومة في البرنامج المتفق على تنفيذه من قبل الجهات الحزبية صاحبة الجمع التوافقي  وبهذا تنتج لنا حكومة مغلولة اليد لا تملك القدرة على التنفيذ وفق البرنامج الوزاري ويأتي في اشتراطات حزبية ومن واجبه أن يعمل على تنفيذها وفق الكتالوج المتفق عليه.وهذا كفيل ان يحطم ويدمر المنظومة الإدارية للبلدان على عكس ما تجده في سويسرا التي تمتاز احزابها الأربعة في التوافق إلا أنهم غير مؤتلفين  في واقع سياسة حزبية فتجد الوزير يمتاز في حرية العمل مع المهنية والرقيب الاوحد هو الجمهور  وصاحب الكلمة  الفصل.

كما اسلفت أعلاه ان التوافقية تأتي هنا لقتل الازمات والمشاكل بين الأغلبية والأقليات واعطائهم مجال وباب في الحكم الا انها بنفس ذات الوقت تعد باب من أبواب الدمار والخراب في المجتمعات صاحبت الديمقراطية النامية او الجديدة كما هو العراق،الخلل لم يأتي من باب النظرية بقدر ما يأتي من الخلل في النسق والتطبيق حيث العراق خرج من نظام شمولي يعيش في عزلة عن العالم لذلك لم يفهم معنى الديمقراطية بالشكل الصحيح. فدخلنا في فوضى التحالفات السياسية ورحنا نعمد الى انشاء قاعدة جديدة تختلف عن مثيلاتها إلا أنها في الواقع تملك ثوابت الديمقراطية. وبذلك هذه القاعدة لابد لها ان تغادر المشهد السياسي ونعمل على الذهاب نحو الديمقراطية التمثيلية وتتحمل  الأغلبية ضربات سياط الأقليات وهنا لابد لهم ان يجعلوا النجاح هدف بلا بديل.

***

علي مهدي الأعرجي

كتاب وإعلامي عراقي

في المثقف اليوم