آراء

رحم الله أمرئ عرف قدر نفسه

تتذكرون قبل عدة أسابيع، كان لنا مقال هنا بعنوان " هل بدأ الغرب بالتخلي عن زيلينسكي "، وعندها قدمنا بعض الوقائع التي تثبت بأن الغرب بصدد التخلي عن دعم الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي، وعلى ما يبدو أن رؤيتنا بدأت تتحقق تدريجيا، وجاء حادث سقوط صاروخين على بولندا، وردود الأفعال الدولية التي حبست أنفاس العالم، والمخاوف من ان ينجر العالم الى حرب عالمية ثالثة، ليقسم ظهر " المهرج " زيلينسكي، الذي يواصل الإصرار على أن روسيا تقف وراء الهجوم الصاروخي على بولندا، على الرغم من أن الاستخبارات الأمريكية والغربية أشارت إلى أن الصاروخ أوكراني.

وحتى لم يبرد حطام صاروخ الدفاع الجوي الأوكراني بالقرب من قرية برزيودوف البولندية، كان زيلينسكي " والطفيليات " من دول الاتحاد الأوربي، يبث سموهم، فمثلا اعتبر " زيزو "، ان إطلاق صواريخ على أراضي الناتو .. هجوم صاروخي روسي على الأمن الجماعي! وهذا تصعيد كبير جدا، ويجب ان نتحرك "، وبدأت أكثر الهستيريا المعادية للروس في دول البلطيق، فقد قال وزير دفاع لاتفيا، أرتيس بابريكس، إن بلاده تؤيد إغلاق الأجواء فوق أوكرانيا، وأكدت إستونيا أنها مستعدة "للدفاع عن كل شبر من أراضي الناتو"، ووصفت المتحدثة باسم السيماس الليتواني، فيكتوريا سميليت نيلسن، الحادث بأنه "إرهاب صاروخي روسي".

وفجأة انقلب السحر على الساحر " زيزو " وجماعته، وأشار الرئيس الامريكي جو بايدن، منذ البداية بحذر و أخبر بالفعل شركائه في حلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع أن الانفجار في بولندا، كان نتيجة للدفاع الجوي الأوكراني، وكشفت المعلومات ان زيلينسكي أراد استخدام وتوظيف الحادث لنفسه، لكن التوبيخ الأمريكي يظهر بوضوح أن أمريكا لا تريد جر الناتو إلى الصراع مباشرة (بإغلاق سماء أوكرانيا أو إدخال القوات البولندية في غرب مناطق أوكرانيا).

واستمرت عربدة الاتهامات هذه، على الرغم من حقيقة أنه أصبح واضحًا منذ البداية أن روسيا لا علاقة لها بالحادث، وبالطبع، لم ينتبه أحد إلى التصريح الذي ظهر على الفور من وزارة الدفاع الروسية بأن الأهداف القريبة من الحدود البولندية لم تتعرض لإطلاق نار وأنه كان استفزازًا متعمدًا، واستمروا في إلقاء اللوم على روسيا بشكل عشوائي، حتى بعد أن أبلغ البولنديون أنفسهم عن العثور على شظايا صاروخ S-300 في موقع الانفجارات، ومثل هذه الصواريخ، نظرًا لبعدها من مكان سقوطها في بولندا إلى المواقع الروسية، لم تستطع الوصول إلى مكان الحادث من الجانب الروسي، وفي الكرملين، وُصفت مثل هذه الموجة من الاتهامات ضد روسيا بأنها "انفجار لردود الفعل المسعورة ضد روسيا، والتي لا تستند إلى بيانات حقيقية".

وبدأت تطفو على السطح المزيد من الخلافات بين الرئيس الأوكراني والغرب، وقد ظهر ذلك جلياً إثر سقوط صاروخ أوكراني على بولندا مؤخراً، وأوضحت البيانات المختلفة إن أحد الاختلافات الرئيسية الأولى في الرأي بين واشنطن وكييف، وهو تحالف عمل إلى حد كبير بسرعة وبطريقة منسقة لما يقرب من تسعة أشهر لمساعدة أوكرانيا على صد تقدم روسيا، وان قلل الاعلام الغربي والمسؤولين الأمريكيين من أهمية الخلافات، لكن احتمال استمرار الصراع خلال الشتاء يعني أنه قد يكون هناك المزيد من هذه الخلافات، ويمكن لموسكو الاستفادة منها.

واوقع زيلينسكي نفسه " بعنترياته "، ومحاولاته الصدام مع حلف شمالي الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة وبريطانيا، والذين اجمعوا ووفقا لبياناتهم الاستخبارية، على ان الصاروخ (لم يعثر على حطام الصاروخ الثاني)، الذي سقط في بولندا وادت الى مقتل شخصين، هي أوكرانيا ومن نوع سوفيتي (اس 300)، ولكن الحاح " زيزو " وتكذيبه لهذه المعلومات، ودعوته التحريضية ضد روسيا، ومطالبة الدول الغربية الى الصدام مع روسيا، احرجت الدول الغربية بشكل كبير، ما حدا بالمسؤولين الأمريكيين للحديث مع الجانب الأوكراني والحلفاء الأوروبيين، وحثوهم على توخي الحذر في التعليقات حول ما حدث في بولندا..

الرئيس الاوكراني وضع " سيده " في البيت الأبيض بموقف محرج، فبعد خسارة جو بايدن وحزبه الأغلبية في مجلس النواب الأمريكي لصالح الجمهوريين، وإعلان الجمهوريون عن خططهم للتحقيق في المعاملات التجارية لجو بايدن وابنه هان مع أوكرانيا، وفتح ملفات التمويلات المالية الكبيرة التي خصصها بايدن للحكومة الأوكرانية ومبالغ التسليح، وانهم سيقفون بالمرصاد لأي تخصيصات جديدة، وانهم لن " يحرروا شيكات على بياض للرئيس الاوكراني "، وأعلان عضو الكونغرس الأمريكي، مارغوري تايلور غرين، أن أعضاء الحزب الجمهوري في مجلس النواب طرحوا مشروع قانون لمراجعة المساعدات المالية المقدمة لأوكرانيا.

الرئيس الأمريكي، وتفاديا للأحراج الذي اوقعه فيه " زيزو "، تجاهل المكالمات الهاتفية التي طلبها زيلينسكي، وشدد على إنه لا يعتبر تصريح فلاديمير زيلينسكي، دليلا على براءة كييف من سقوط صواريخ على أراضي بولندا، كما ان الاستياء من سلوك الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بعد حادث الصاروخ في بولندا، تزايد في صفوف حلف شمال الأطلسي، ونقلت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، عن دبلوماسي من إحدى دول الناتو يعمل في كييف، قوله "هذا الأمر بات يثير الضحك. الأوكرانيون يدمرون ثقتنا بهم. لا أحد يلوم أوكرانيا، لكنهم يصرون على الكذب علانية، وهذا أكثر تدميرا من الصواريخ".

وآخرون دعوا الحلف الى التوقف عن تزويد نظام كييف بالأسلحة، لتفويت الفرصة على الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة، وأعلن السياسي الفرنسي، فلوريان فيليبو، أن الغرب لن يمتثل لطلبات فلاديمير زيلينسكي الجديدة بعد تصريحاته الكاذبة حول "الصواريخ الروسية" في بولندا، وكتب أندرو كوريبكو، على الموقع الإلكتروني لمعهد "رون بول الأمريكي للسلام والازدهار" أن طغمة كييف حاولت إشعال حرب عالمية ثالثة عبر الخداع، وأكدت هنغاريا وعلى لسان مدير مكتب رئيس الوزراء الهنغاري غيرغلي غولياش، ان الأوكرانيين مسؤولين عن حقيقة أن رئيسهم تصرف بشكل غير مسؤول وألقى باللوم على موسكو على الفور في هذا الحادث.

قناعة الجميع، هي إن الجميع سئموا من نظام كييف، ولاسيما رئيسه فلاديمير زيلينسكي المتوتر، والذي يستجدي العطف باستمرار، ويئن، ويبتز ليأخذ المزيد والمزيد من الصدقات بالمال والأسلحة، وإنه وكما كتب نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف على "تلغرام"، يتصرف "كطفل يعاني من مشاكل في النمو"، والاشارة إلى أن المحاولات الفاشلة لاتهام روسيا في قصف بولندا لم تنجح ولم يقبلها حتى "البولنديون الذين يعانون أكثر من غيرهم من رهاب الروس".

إن من أعراض الإدمان التي يعرفها الأطباء النفسيون هو الكذب، و يستمر المريض في الكذب حتى عندما يتبين أنه يكذب ويشير إليه الجميع، ويدعي زيلينسكي الآن أن الصاروخ الذي سقط على بولندا لم يكن أوكرانيًا على الإطلاق، انطلاقًا من رد فعل الولايات المتحدة، التي بدأت تفهم الأمور بانها كانت سيئة وأن الوقت قد حان لتغيير زيلينسكي إلى شخصية أكثر ملاءمة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم