آراء

روسيا: لانفطنا ولا غازنا للدول التي تضع سقفا للأسعار

التحذيرات الجديدة القديمة التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذه المرة جاءت خلال محادثة هاتفية، اجراها الرئيس بوتين، مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وشدد خلالها على أن الخطط الغربية لفرض سقف أسعار النفط والغاز الروسي، قد يكون لها "عواقب وخيمة" على أسواق الطاقة، كما انها تأكيد روسي على أن مثل هذه التصرفات تتعارض مع مبادئ علاقات السوق، ووصف الرئيس الروسي العمل القائم بمشاركة روسيا والعراق في إطار "أوبك+" بالإيجابي، موضحين أن ذلك هو ما ساعد على ضمان استقرار أسواق النفط.

كما اكدت موسكو وعلى لسان المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصدر تعليمات بعدم تصدير النفط والغاز للدول التي تضع سقفا للأسعار، في وقت جددت روسيا قبل أيام تلويحها بالتوقف التام عن بيع النفط وتخفيض الإنتاج بشكل حاد إذا وضع سقف لأسعار نفطها، وقال نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إن بلاده تتعهد بعدم تصدير النفط لأي دولة تضع حدا أقصى على أسعار النفط الروسي.

وفي الوقت الذي اعفى الاتحاد الأوروبي هنغاريا، وكما اعلن ذلك وزير الخارجية الهنغاري بيتر سيارتو، من تحديد سقف أسعار النفط الروسي، وإعلان السكرتير الصحفي لشركة ميرو باربورا بوتسوفا استئناف إمدادات النفط من روسيا إلى سلوفاكيا عبر أوكرانيا، الا ان الدول ال 27 للاتحاد فشلت في التوصل إلى اتفاق بشأن تحديد سقف لسعر برميل النفط الروسي، وهي المبادرة التي اقترحتها مجموعة G7، ووصلت إلى طريق مسدود، إذ تبين أن المستوى المقترح في حدود 65 إلى 70 دولارا للبرميل منخفض جدا بالنسبة للبعض ومرتفع للغاية لآخرين .

كما فشل وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماعهم الأخير، في التوافق على وضع سقف لأسعار الغاز، وقرروا عقد اجتماع آخر في منتصف ديسمبر المقبل، حيث كان من المفترض أن يناقش الوزراء مقترحا للمفوضية الأوروبية تم الكشف عنه قبل يومين، وينص على تحديد سقف لأسعار الغاز يبلغ 275 يورو للميغاواط ساعة، لكن العديد من الدول الأعضاء اشتكت من أن الخطة مرفقة بشروط تجعل من المستحيل الاستفادة منها، في غضون ذلك رجح وزير البيئة الإيطالي جيلبرتو بيتشيتو فراتين، أنه في اجتماع استثنائي لوزراء الطاقة في دول الاتحاد الأوروبي في ديسمبر، سيكون الاتفاق ممكنا على سقف أسعار الغاز الروسي، مشيرا في الوقت نفسه الى إن إيطاليا حتى الآن غير راضية عن الاقتراح الحالي، و إلى أن روما يمكن أن "تستغني عن تحديد سقف السعر" إذا تم وضع معايير واضحة لتجنب المضاربة وارتفاع أسعار الطاقة.

وخطة تحديد سقف للأسعار، والتي لم تكن المفوضية متحمسة لها في الأساس، قد حيدت بضغط من بلدان مثل ألمانيا وهولندا، التي كانت تخشى أن تؤدي إلى تحويل إمدادات الغاز إلى أسواق مربحة أكثر مثل الأسواق الآسيوية، ومع ذلك، تطالب 15 دولة في الاتحاد الأوروبي على الأقل (أي أكثر من نصف بلدان التكتل) بسقف عملي لأسعار الغاز بالجملة للتعامل مع النقص في الإمدادات، لكن العديد من الدول الأعضاء اشتكت من أن الخطة مرفقة بشروط تجعل من المستحيل الاستفادة منها، وانتقدت فرنسا وإسبانيا واليونان أيضا مقترح المفوضية.

كما تدعو روسيا، إلى إنشاء نظام مستقل للمدفوعات الدولية على أساس العملات الرقمية وتقنيات "بلوك تشين"، لإن نظام المدفوعات الدولي وفقا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في كلمته في مؤتمر للذكاء الاصطناعي، يخضع الآن لسيطرة مجموعة ضيقة من الدول، ويعد هذا المجال أحد خطوط الهجوم على روسيا، في الوقت الذي يتوجب على المؤسسات المالية العالمية، عليها أن تعكس واقع العالم متعدد الأقطاب، وأن تقوم على مبادئ ديمقراطية مفتوحة، وأن تستبعد الإملاء وسوء المعاملة والاحتكار.

ووزعت وزارة الخزانة الأمريكية توجيهات بشأن تنفيذ سياسة تحديد أسعار النفط الروسي المنشأ في إطار اتفاقيات مجموعة السبع، على النحو التالي من الوثيقة، وأصبحت فكرة إدخال سقف أكثر ليونة من وجهة نظرها، على الرغم من أن مستوى السقف لم يتم الإعلان عنه رسميًا بعد، وأشارت إلى أن تكاليف والجمارك والتأمين ليست مشمولة في السعر الهامشي ويجب أن يتم إصدار فواتير بها بشكل منفصل وبأسعار معقولة تجاريًا.

ويترتب على الوثيقة أنه بعد اجتياز النفط الروسي للتخليص الجمركي "في ولاية قضائية غير الاتحاد الروسي"، لا تنطبق قيود الأسعار على عمليات البيع الأخرى على الأرض، ولكن إذا تم تصدير الوقود مرة أخرى عن طريق البحر "دون معالجة كبيرة خارج الاتحاد الروسي، فلا يزال الحد الأقصى للسعر ساريًا"،  ومن خلال فرض سقف لأسعار النفط، لا يسعى الغرب إلى الحد من حصول روسيا على أرباح زائدة، بقدر ما يسعى للوصول إلى الهيدروكربونات المحلية على قدم المساواة مع المشترين الآسيويين، وفقًا للخبراء وكحجج، يستشهدون بمعلومات تفيد بأن التكلفة الهامشية مستمرة في الارتفاع أثناء مناقشتها، بالإضافة إلى أنه سيتم تخفيف الحظر عن عدد من البلدان الأوروبية واليابان.

وكان القرار بشأن سقف السعر متوقعا في 23 نوفمبر، لكن دول الاتحاد فشلت حتى الان على الاتفاق بينها، ووفقًا لأحدث البيانات، كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يناقشون الأسعار ما بين 60 و 70 دولارًا للبرميل، ومع ذلك، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: ان روسيا لن تزود النفط للدول التي ستضع سقفاً سعرياً، وفي المستقبل القريب، يمكن توقع انخفاضًا في صادرات الذهب الأسود بمقدار 0.7-1.2 مليون برميل يوميًا، ولكن من المحتمل إعادة توجيه جزء كبير من هذا الحجم إلى آسيا، كما يعتقد المحللون.

ويوفر القرار، إغاثة إضافية لعدد من دول الاتحاد الأوروبي واليابان، وعلى سبيل المثال، يُسمح بـ "عمليات معينة" تتعلق باستيراد النفط الروسي إلى بلغاريا أو كرواتيا أو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي دون منفذ إلى البحر، وحتى 30 سبتمبر 2023، يُسمح لليابان بنقل النفط الخام المنتج في إطار مشروع سخالين -2، بشرط أن يكون مخصصًا فقط للاستيراد إلى هذا البلد، كما سيسمح بالتفريغ من السفن التي تحمل النفط الروسي في حالة الطوارئ المتعلقة بصحة أفراد طاقمها أو تهديد البيئة، لكن الوثيقة توضح أن فرض سقف سعر على النفط لا يلغي الحظر المفروض على وارداته إلى الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن الحظر المفروض على النفط الروسي سيدخل حيز التنفيذ في 5 ديسمبر، إلى جانب سقف الأسعار، يعتقد الخبراء أن هذا سيكون له تأثير ضئيل على الصادرات من الاتحاد الروسي، ومن الواضح اليوم أن الشركات الروسية والشركات من الدول الصديقة يمكنها تأمين السفن الروسية، وعلى سبيل المثال، في الهند، تم إنشاء مجمع تأمين بقيمة 60 مليون دولار خصيصًا لتأمين نقل النفط الروسي، بالإضافة إلى ذلك، تحتوي الوثيقة التي وزعتها وزارة الخزانة الأمريكية على تاريخ سطحي للغاية لخلط النفط الروسي مع أي زيت آخر، مما يسمح بتفسيرات مختلفة لهذا الجانب، وقالت ايكاترينا كوساريفا، الشريك الإداري في WMT Consult، سيتم تحديد الأسعار الهامشية للذهب الأسود المحلي عند مستوى مناسب للاتحاد الروسي.

ووفقًا للمحللين، فإن الغرب نفسه، يخلق ثغرة للالتفاف على الحظر من خلال إدخال تكلفة هامشية، وإذا كان النفط خاضعًا لسقف سعر فقط عند شرائه لأول مرة من قبل المشتري على الأرض، فقد اتضح أن لا أحد يحظر إعادة بيع هذا الوقود، ومع ذلك، صرح الرئيس فلاديمير بوتين في وقت سابق أن روسيا لن تزود النفط لتلك الدول التي من شأنها أن تحد من أسعارها، وأن هذا يعني أن الهدف الذي حدده الغرب لن يتحقق - وسيستمر تدفق المواد الخام بشكل أساسي إلى آسيا، وستكتسب هذه المنطقة مزايا تنافسية في الصراع الاقتصادي العالمي.

وقدر رئيس مركز تطوير الطاقة، كيريل ميلنيكوف، الانخفاض المحتمل في صادرات النفط البحرية في الفترة من ديسمبر إلى يناير بنحو مليون برميل يوميًا، وأن الحظر المفروض من الغرب على الشكل قيد المناقشة يمكن أن يؤدي إلى خفض الصادرات بمقدار 1.2 مليون برميل يوميًا، ويمكن إعادة توجيه 0.5 مليون برميل إلى آسيا، و يمثل هذا انخفاضًا بنسبة 20٪ تقريبًا، وهو ما سيكون هامًا للسوق .

ويجمع الخبراء على أن عمليات التسليم إلى الدول الصديقة ستستمر، والتي ستوفر الناقلات والتغطية التأمينية لهذا الغرض، وخاصة للصين، في وقت بلغت صادرات النفط الروسية إلى دول خارج رابطة الدول المستقلة في عام 2021، 4.62 مليون برميل يوميًا، وكما أشار الرئيس السابق لمنظمة أوبك، محمد باركيندو، فإن الحجم الإجمالي لإمدادات النفط والمنتجات النفطية من روسيا إلى السوق العالمية يبلغ حوالي 7 ملايين برميل يوميًا.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم