آراء

الأستاذ الرهيمي وإحتفال البريطانيين بملكتهم

نشر الأستاذ عبد الحليم الرهيمي في جريدة الصباح في عددها 5424 الصادر في يوم الأربعاء 8 حزيران 2022 صفحة "آراء" مقاله الموسوم "إحتفلوا بملكتهم محبة وقتل ملكنا كرامة". تناول فيه إحتفال الشعب البريطاني بالملكة إليزابيث الثانية، فكان إحتفالاً بهيجاً برأيه دل على إحترام وتقدير من جانب الشعب للملكة، وقد شارك في الإحتفال حتى أولئك الذين لهم رأي سلبي بالنظام الملكي. ما سبب ذلك؟

يُعَلّل الرهيمي ذلك بثقافة الشعب البريطاني الرافضة للعنف في تغيير النظام السياسي، ولمحبتهم لشخص الملكة التي إمتلكت شخصية كارزمية محببة لهم.

لم نختلف مع جناب الأستاذ الرهيمي بما قرره في أعلاه، لكننا سنختلف معه كثيرا بما "إستذكره"! نعم، فقد إستغل الرهيمي هذا الإحتفال ليستذكر ما حدث للعائلة المالكة في العراق يوم 14 تموز 1958!، ناعياً على العراقيين عدم الإحتفال رسمياً في أي ذكرى سنوية للملوك الثلاثة: فيصل الأول ـ غازي ـ فيصل الثاني. وقد إقتصر التقدير والإحترام برأيه على بعض القادة السياسيين والروحيين وعلى رأي عام صامت، لكنه يُعبّرُ من دون تردد على رأيه السلبي بالوصي عبد الإله. وأن من إرتكب مجزرة قصر الرحاب قد عَبَروا عن روح الكراهية التي يحملها بعض الضباط وبتحريض من بعض الجماعات السياسية التي عملت على تعبئة هؤلاء بالحقد والكراهية دونما أسباب وجيهة.

لا أعرف ما الذي سَوّغَ للأستاذ الرهيمي أن يعقد هذه المقارنة؟ فهل صلاحيات الملكة البريطانية مشابهة لصلاحيات الملك العراقي؟ ألم يذكر الرهيمي نفسه في مقاله الحالي (رغم أن الملكية في بريطانيا تسود ولا تحكم)؟ فهل إطَلَع الرهيمي ـ وهو مُطَلِعٌ عليها كما نُرَجّح - على صلاحيات الملك العراقي؟ ألا يعلم بأن الملك في العراق:

يُهيمن على تكوين الوزارة، فكان إختيار رئيس الوزراء حقاً شخصياً ومُطلَقاً للملك. وأنه هو الذي يختار الوزراء في الحقيقة. وهيمنته على تكوين الوزارة لم تمنعه من الهيمنة على أعمالها أيضاً. بل إمتدت هيمنته لتكوين مجلس الأمة وأعماله، وقد مارس دوراً تشريعياً مستقلاً عن طريق إصدار المراسيم ذات القوة القانونية (1)

ثم هل طبيعة الشعب البريطاني كطبيعة الشعب العراقي؟ وطبعاً لن نقف عند هذا الإستفهام، فالوقوف عنده سيعني إدانة الشعب الأخير كما أفصح الرهيمي في مقاله الموجز. فالوقوف على طبيعة الشعبين سيقودنا لدراسة الأوضاع والظروف المحيطة بهما، فطبيعة الإنسان تَتَشَكّلُ بالتفاعل مع بيئته ونظامه. فهل كانت ظروف الشعب البريطاني السياسية والثقافية مشابهة لظروف الشعب العراقي؟ لا حاجة للإجابة هنا، فالفرق بينهما جَلِيٌ لا غبار عليه.

بالإضافة لذلك، هل واجه الشعب البريطاني تحت ظِل ملكته يوماً كيوم مايس 1941؟ ويوم الوثبة في 1948؟ وإنتفاضة كإنتفاضة 1952 وجنرالاً مُنَصّبَاً على رأس الحكومة من قِبَلِ الوصي لضربها؟ وحكومة مراسيم كالحكومة السعيدية في 1954؟ هل وهل ... الخ

أما عن مجزرة تموز، فليس أمامنا إلا الآتي:

(هل كان هذا عملاً وحشياً أو لا إنسانياً؟ ربما لا يكون إصدار مثل هذا الحكم ملائماً، ولكن علينا أن نضيف - لا تبريراً بل توضيحاً - أن نوري وولي العهد لم يكونا أبداً رحيمين بحياة الناس. ثم: أيُستَغرَب أن تنبع الاإنسانية من الأوضاع اللاإنسانية التي كان يعيشها "شرقاوية" ـ سكان الأكواخ الطينية ـ بغداد؟) (2)

كان الأجدر بالأستاذ الرهيمي الإبتعاد عن هذا المقارنة غير المسؤولة، والإبتعاد عن العاطفة في موضوع لا يحتملها بل يلفظها.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

...................

يُراجَع:

1- فائز عزيز أسعد: إنحراف النظام البرلماني في العراق، تقديم منذر الشاوي، مطبعة السندباد بغداد ط2 ص247 و 248 و 249

2 - حنا بطاطو: العراق - الكتاب الثالث / الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، بترجمة عفيف الرزاز، منشورات دار القبس الكويت ص111 و 112

 

في المثقف اليوم