آراء

إزدواجية العدالة الإلهية.. كيف نفهمها؟

مقالة الدكتور رضا العطار المنقولة من الكاتب الليبرالي شاكر النابلسي والمرسلة الينا من الاخ الاستاذ ضياء الحسن حفزتني لأكتب هذا المقال القصير عسى ان يتوجه القلم العربي الى ثورة القلم كبداية للتخلص من اقلام الفساد والساكتين عن الحقوق الذين اوصلوا الامة الى هذا الدرك الاسفل من الفساد والانهياردون مبالاة بحقوق الناس. ان يميلوا عن كتابات التراث الاعمى وتكهنات مؤسسة الدين خلف ظهورهم لنحيا من جديد.

من صفات الاسماء الكثيرة التي أعطيت للأرادة الآلهية هي القادر القدير.. كونه الاله القديرالمخلص الوحيد للبشرية جمعاء وصاحب العدالة المطلقة للخلق اجمعين.. فلا يرتجى من غيره الخلاص من مِحَن الزمان أبداً. ان التوبة له والامل به لتحقيق العدالة نابع من ايمان عميق بعدالته المتناهية دون شك من يقين.

حين يؤمن الانسان بربه القدير ان يكون تحت رحمته.. يعتقد انه في مأمن الحياة الدنيا وحسن المثاب.. وهذا الذي يعكس ثقته بالآله القادر القدير. فالثقة الحقة لا تمنح لاي مخلوق الا لخالقه.. ولو اعتقدنا بالثقة الذاتية لنا لخرجنا من دائرة الاعتقاد الكلي الى دائرة الاعتقاد الذاتي.. واذا فعلنا هذا فاللعنة سنستحقها بجدارة الاعتقاد الناقص بالاله القدير. فملعون الانسان الذي يضع الثقة الكلية في شخصه او في الاخر.. لان الله وحده هو الثقة العالية.. العادل الاعدل والقادر القدير.. لكل رجاء وراجية.

أمثلة ربانية كثيرة قرئناها في الكتب السماوية كانت صعبة التحقيق.. لكن عندما وصلت الامور الى استبعاد الحق واحلال الباطل.. هنا تدخل الآله لاسعاف المظلوم من الظالم. والا يبقى وجوده ووعوده مجرد وعود أوهام تنفذ في يوم القيامة التي لا زالت مجهولة التحديد.. فمتى يتدخل الآله القادر القدير لازالة الحكام المستبدين عن الشعب المظلوم ليحل محلهم أخرين..؟

خذ قصة آدم وحواء في القرآن وكيف تجسدت في العدل الآلهي حين نبه الله آدم ان لا يأكل من الشجرة الملعونة.. وعندما أغواه أبليس وأكل منها.. انزله من سماء العرش المكين الى الارض هو وزوجه ليس انتقاما ولكن ليكون صاحيا وصاحية لتدبر الامر الصحيح، يقول الحق: اهبطوا منها جميعاً فأما يأتيكم منى هدىً فمن اتبع هدايَ فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. البقرة 38: .

قصة نوح والسفية وغرق قومه عقابا لما كانوا يعملون. فقد كذبت قوم نوح المرسلين: الشعراء 105: فنوح كان هاديا لقومه الخارجين على الشرعية واخلاقية السلوك الصحيح، فقالوا فيه انه مجنون، بعد ان أرسله الله الى قومه هاديا ومصلحاً يقول الحق: لقد أرسلنا نوحاً الى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من آله غيره اني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم، الأعراف 59: . وحين استبدوا ورفضوا الطاعة ارسل عليهم الفيضان الذي اغرقهم الا نوحا وجماعته حتى ان الله رفض ان يُنجي ابن نوح من الغرق لانه ليس من أهله الصالحين، يقول الحق:: ونادى نوح ربه فقال ربِ ان أبني من أهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين، قال يانوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم اني اعظك ان تكون من الجاهلين، هود45-46: . هنا الآية الكريمة تجسد الحق المطلق والعدالة المطلقة بين الناس.

من هنا فأن الله جعل النبوة في ذرية نوح وابراهيم لاخلاصهما للحق والعدل والطاعة لرب العالمين، يقول الحق: ولقد ارسلنا نوحاً وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتدٍ وكثيرُ منهم فاسقون، الحديد 26.

ومن احفاد نوح النبي هود المرسل الى قوم عادٍ في الاحقاف.. وهو الذي دعا قومه الى التقوى وعبادة الله الواحد الاحد، وقيل فيه انه اول من تكلم العربية وقد سميت احدى سور القرآن بأسمه.. ومن خلال التحري التاريخي يبدو ان عاش في مجتمع مترف ومتحضر قياسا لذلك الوقت.. لكن قومه رفضوا دعوته فقالوا له: انا لنراك في سفاهة وانا لنظنك من الكاذبين الاعراف 66: هنا استجاب الله تعالى له فاراد الانتقام من قومه فسلط عليهم القحط والريح العاتية فهلكهم جميعاً.. يقول الحق: انا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً وفي يوم نحسٍ مستمر تنزع الناس كأنهم اعجاز نخلٍ منقعرٍ: القمر 19-20: . فطال عذابهم ثمانية ايام فهلكوا في غالبيتهم ومن بقي منهم هاجروا الى مكة.

ومن بعد هود جاء الانبياء صالح وابراهيم الخليل واخرين وعدد اخر بلغ 26 نبيا.. والفرق بين النبي والرسول:ان النبي هو الشخص المصطفى من الله من بين قومه ليوحي اليهم بدين او شريعة، أما الرسول من أوحي اليه الله بشريعة معينة.

وقصة ابراهيم وقومه شائعة ومعروفة في تكسيره للاصنام.. وقرارهم في حرقه بالنار، لكن الله انقذه منها.. وكانت أخر دعواه: حسبي الله ونعم الوكيل.. فأمر الله النار ان تكون برداً وسلاماًعلى ابراهيم، سورة الانبياء آية 69.

ونعود لموس بن عمران (ع) الذي تربى في بيت الفرعون المصري ونشأ مخالفا له.. فاراد ان يستخدم مع الفرعون سبل الحوار ليقنعة بما هو فيه ودعوته للانصياع للحق، فذهب اليه مع اخيه هارون بدعوة من الله يقول الحق: اذهبا الى فرعون انه طغى، فقولا له قولا ليناً لعله يتذكر أو يخشى طه 43-44: وحين لم يقتنع اراد قتل موسى ومن معه.. لكن الله ارشده لعبور البحر والهرب من فرعون ونجاته منه يقول الحق: وأنجينا موسى ومن معه أجمعين، الشعراء 65.. لكن فرعون اراد اللحاق به وقتله، وعنما دخل البحر من وراء موسى حصل الانطباق المائي عليه وعلى جنودة فاماتهم جمياً يقول الحق: الآن وقدعصيت قبلُ وكنت من المفسدين، الشعراء 91.

اماعيسى(ع) ليخلصه الله من اعدائه رفعه الى السماء ولا نعلم عنه الا النزر القليل. والمسيحية تدعي انه قتل ودفن في بيت المقدس ثم اخرجه الله ورفع الى السماء وسيعود مرة اخرى كما في قصة الامام المهدي عند طائفة من المسلمين، لكن القرآن يرفض القصة المسيحية فيقول: وماقتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم: النساء 157: وهكذا نجا من القتل...

أما خاتم الانبيا محمد(ص) فقد مر بمحن كثير في مكة هاجر منها الى المدينة جبرأ حين يقول والله مات ركتها الا اني أجبرت جبراً عليها وبقصد مكة.

واحداث الدعوة في المدينة وما لاقاه من المصاعب من قريش وغيرها كثيرة تحتاج لبحث مستقل.

القصص القرآنية عبر الزمن بحاجة الى تدبر وتحليل لمعرفة كيفة وقوف الحق من الصالحين ضد الظالمين.. بعد ان فسرت على غير القصد الاساس منها.

والسؤال المهم الذي اريد معرفة جوابه من مؤسسة الدين واصحاب الفكر الرصين من المثقفين والعارافين الليبراليين على وجه الخصوص هو: لماذا لا يتكرر هذا الانتقام الرباني من الظالمين اليوم الذي افسدوا في الارض وتحدوا قول الحق.. مادام البشر كلهم من صنع الإله القادر القدير.. أم أنتهت مهمة السماء.. اليوم ؟ بعد ان أوكلها لمؤسسة الدين.. ؟علينا ان نعرف لنبدأ من جديد..

***

د.عبد الجبار العبيدي

في المثقف اليوم