آراء

بوتين: ليس لدى روسيا أي اهتمام بضم أحد

زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى العاصمة البيلاروسية مينسك، هي الأولى بعد ثلاث سنوات، ولقاءه بالرئيس ألكسندر لوكاشينكو، حملت في طياتها العديد من الأجوبة، على الأسئلة (الملغومة) التي يثيرها العالم الغربي هذه الأيام، خصوصا مع تردد الانباء الغربية، عن الهجوم الروسي المرتقب على العاصمة الأوكرانية من جهة بيلاروسيا، ما أثار مخاوف الغرب وقلقه، وهو ما اكده المتحدث باسم مجلس الوزراء الألماني، شتيفن هيبيشتريت، بأن برلين قلقة من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لمينسك، وأن ألمانيا تتحسب من تغير موقف بيلاروس من العملية الروسية في أوكرانيا، في حين نصح المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، القائد العام للقوات الأوكرانية فاليري زالوجني، بأخذ قسط من الراحة، وذلك بعد تصريحات قال فيها إن موسكو ومينسك تعدان لعملية مشتركة ضد كييف.

الزيارة فندت وبشكل صريح كل ادعاءات ما تسمى بالمعارضة البيلاروسية وداعميها الغربيين، والترويج بإمكانية " ابتلاع " روسيا لجارتها بيلاروسيا، فقد فند الرئيس بوتين بما لا لبس فيه، تلك " الادعاءات " والمزاعم حول تخطيط روسيا لضم بيلاروس، ووصفها " بالهراء "، والتأكيد في الوقت نفسه، أن موسكو لا تسعى لذلك، وأن هذه المزاعم تندرج في محاولات الخصوم لعرقلة تكامل البلدين ضمن اتحاد روسيا وبيلاروس، وانه "ليس لدى روسيا أي اهتمام بضم أحد، هذا غير مجد اليوم"، وأن المسألة لا تتثمل في الضم، بل في تنسيق السياسات الاقتصادية، والاشارة إلى أن ذلك يحدث ضمن تجمعات أخرى أيضا.

علاقات الاتحاد ومستقبله، والتحديات المشترك، وبحث علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين، والتركيز على القضايا الأمنية، والوضع في المنطقة والعالم، والإجراءات المشتركة لمواجهة التحديات الراهنة،والتي برأي الرئيس الروسي، بانها ستحمل موسكو ومينسك على اتخاذ جميع التدابير الموثوقة لضمان أمن البلدين المشترك، وتعزيز قدرات الجيشين وتكثيف التدريبات والمناورات المشتركة، وإعطاء الأولوية لتدريب القوات، وزيادة استعدادها وقدراتها القتالية، ومواصلة التدريبات المشتركة المنتظمة وغيرها من التدريبات العملياتية والقتالية.

ولعل واحدة من اهم نتائج الزيارة، هي تأييد الرئيس الروسي، تدريب موسكو طواقم طائرات بيلاروس القادرة على حمل ذخائر نووية، والاشارة إلى أن هذه السابقة ليست روسيّة، حيث واشنطن تدرّب طواقم طائرات حلفائها في "الناتو" على مثل هذه المهام منذ عقود، والاتفاق أيضا على إن مينسك وموسكو تعتزمان إنشاء أسلحة جديدة بشكل مشترك ومواصلة ممارسة التدريبات العسكرية المشتركة، وإمكانية إنشاء فضاء دفاعي واحد، لضمان أمن دولة الاتحاد، وكذلك التعاون في إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعي، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أن رئاسة منظمة معاهدة الأمن الجماعي ستنتقل إلى بيلاروسيا اعتبارًا من الأول من يناير.

وكجزء من التنفيذ المستمر للعقيدة العسكرية المشتركة لروسيا وبيلاروسيا، يتم تنفيذ التخطيط العسكري المشترك، حيث تعمل مجموعة القوات الإقليمية الروسية البيلاروسية، وأنه وفقا للرئيس الروسي، يتم في الوقت الحاضر تنفيذ أنشطة على أراضي بيلاروسيا للتنسيق القتالي للتشكيلات والوحدات العسكرية لبلديهما، كما وتم إنشاء نظام دفاع جوي موحد وهو في مهمة قتالية"، وفي نفس اليوم، ناقش وزيرا دفاع روسيا وبيلاروسيا، سيرجي شويغو وفيكتور خرينين، تعزيز القدرة الدفاعية للبلدين كجزء من المفاوضات في مينسك. "

ولا يقتصر التعاون العسكري بين روسيا وبيلاروس، على التوريد المتبادل للأسلحة، بل يشمل الابتكارات، والإنتاج والتطوير المشترك لها، وقال بوتين، "تعاوننا العسكري لا يقتصر على التوريد المتبادل للأسلحة، بل يشمل التعاون المشترك في ابتكار وتصميم وتطوير الأسلحة والمنظومات الدفاعية"، وأن هذا ينسحب أيضا على قطاع الفضاء بخططه واستراتيجياته المشتركة بين البلدين، كما ان روسيا وبموجب نتائج المباحثات بين الرئيسين بوتين و لوكاشينكو، مستعدة لتطوير المشاريع النووية في بيلاروس وإعداد الكوادر، وأشار بوتين، الى انهم يبنون محطة للطاقة النووية، ويعمل فيها الان المفاعل الأول، وهي تحل محل حوالي 4.5 مليار متر مكعب من الغاز، واعلن الرئيس الروسي استعداد بلاده لمواصلة تطوير هذا المشروع، والعمل، وبناء المفاعلات، وبرأيه إن الشيء الأكثر أهمية هو أنهما مستعدون ويقومون بإنشاء الصناعة، وتدريب الكوادر الوطنية، وتطوير العلوم بطريقة مناسبة.

زيارة الرئيس الروسي الى بيلاروسيا، جاءت في الوقت الذي يتعرض فيه الرئيس الأوكراني (المهرج) زيزو، لأبشع حملة انتقادات ساخرة في مواقع التواصل الاجتماعي الغربية، وعلى مايبدو ان الضربات الصاروخية الروسية الأخيرة أفقدت " المهرج " عقله، فمنهم من يتهمه " بالخرف والهذيان " عندما صرح زيلينسكي بأن ما سماها بعملية "تحرير شبه جزيرة القرم بدأت في عقول الناس، وعقول الأوكرانيين بدأت استعادتها عمليا"، دون ايضاح تصريحه هذا الشبيه بالهذيان، وانتقد رواد "تويتر" تغريدة الحساب الرسمي لأوكرانيا، تحت عنوان "خسارة الفيفا"، عقب رفضهم بث خطاب الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، قبل نهائي كأس العال، ونشره على الحساب الرسمي الأوكراني، تغريدة تقول: "لا يهم من سيفوز اليوم، لقد خسرت الفيفا بالفعل"، فعج "تويتر" بالتعليقات الساخرة والناقدة للتغريدة الأوكرانية، ومنهم من خاطب " زيزو " بالقول "الفيفا، ليست عرض يوروفيجن كي تستعرض فيه بطولاتك يا زيلينسكي"، وآخر يقول "لقد أنقذت الفيفا زيلينسكي من الحرج الذي كان سيتعرض له، من موجة الانتقادات التي كانت ستنهال عليه، لو ألقى خطابه خلال البطولة" وآخرون، في حين أفادت صحيفة Politico، بأن صبر قادة الغرب تجاه رفض الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، التفاوض مع روسيا، يوشك على النفاد.

كما أن الرئيس الأمريكي جو بايدن لا ينوي زيارة كييف لأسباب أمنية، وعلى الرغم من قرار بايدن عدم زيارة كييف، نظرا للمخاطر الأمنية، إلا أنه تحدث الأسبوع الماضي إلى زيلينسكي، الذي دعا إلى مواصلة تدفق أسلحة الدفاع الجوي الأمريكية، في وقت يقود بايدن القادة الغربيين إلى التعهد بدعم أوكرانيا "طالما تطلب الأمر ذلك"، إلا أن موجة جديدة من اللاجئين الأوكرانيين، ستضع موارد القارة على المحك بشكل أكبر، حيث تسببت أزمة الطاقة في جميع أنحاء أوروبا في إجراء تخفيضات كبيرة، وقد تكون القارة، التي تبلغ فيها مستويات التضخم 11%، على حافة الركود الاقتصادي، ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب، بدأت مشاعر زيلينسكي تختبر صبر القادة الأوروبيين، حيث يعتقد مساعدو البيت الأبيض أن بايدن سيحتاج إلى الضغط على القادة الأوروبيين للحفاظ على المسار مع تصاعد الهجمات الروسية.

والغريب هنا في تصريحات الغربيين، انها تقوم على مبدأ " اكذب أكذب حتى يصدقك الناس "، فهم من يطلق التصريحات والمقترحات حول ضرورة مناقشة " الهدنة " ووقف الاعمال العسكرية بين روسيا وأوكرانيا، وهم أنفسهم من يعود الى رفض هذه المقترحات، وبهذا الخصوص يصف نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي دميتري مدفيديف تصريحات السياسيين البريطانيين بأن قرار الدخول في مفاوضات مع روسيا يعود لأوكرانيا، بأنها تصريحات "كاذبة ووقحة"، ويعيد إلى الأذهان تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بأنه "لا يمكن أن تكون هناك أي مفاوضات قبل أن تسحب روسيا قواتها من أراضي أوكرانيا"، وأن هذا يأتي في الوقت الذي "يتحدث فيه الانغلوسكسوني في كل مكان مناسب وغير مناسب حول أن الأوكرانيين سيقررون بأنفسهم هل سيجرون مفاوضات معنا أم لا".وأكد "وبالتالي هذا كذب ونفاق ووقاحة لا حدود لها".

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم