آراء

ما بين الاحتفال برأس السنة وتغير المناخ

شهدت نهاية سنة 2022 ارتفاعا ملحوظا في درجات الحرارة مع حلول فصل الشتاء في بلدان وتساقط ثلوج وعواصف مدمرة في أخرى، لكن الإنسان رغم ذلك لم يتوانى عن الاحتفال بقدوم سنة 2023 رغم اضطرابات المناخ حول العالم فكل كائن بشري يسعى لاختلاق مناسبات للفرح والاحتفال كنوع من التغيير في مناخ العواطف ومحاولة منه للتغلب على الحالات النفسية التي تخلفها كل متغيرات العالم المحيط به.

في بعض البلدان الأقل تقدما يبدو أن الفرد في فترة احتفالات نهاية سنة وقدوم أخرى مشغول جدا بكل من يحتفل بفرح بقدوم سنة جديدة بحجة أنه احتفال لا يعنيهم مع أن التقويم الميلادي هو التقويم المدني المعمول به مدنيا في أغلب مدن العالم وعليه الاحتفال هو احتفال بقدوم سنة مدنية جديدة يحتفل بها المتدين وغير المتدين ولا علاقة لها في أذهان الكثيرين بتحيز لايديولوجيا معينة كما يصفها البعض أو تشبه بشعوب أخرى.

بالمقابل يغيب التغير المناخي الذي يشهده كوكب الأرض منذ سنوات خلت عن اهتمامات الغالبية وسط الشعوب الأقل تقدما بل لديه الجواب الجاهز: هذا كله من أفعالنا! وإذا سألتهم ما ذنب الأناس الجيدين والأطفال الأبرياء والحيوانات والنباتات في أفعالنا، لا تسمع منهم جوابا، بل ربما يتخذ الحديث منحى آخر نحو التهم التي لا منطق لها ولا أساس.

لقد اهتم الإنسان عبر التاريخ بتغير المناخ الذي بقدر ما ساهم في تشييد حضارات بوفرة المياه والنباتات والحيوانات بقدر ما تسبب في هدم البعض منها بسبب الجفاف والفيضانات.

إن الإنسان منذ وجد على سطح الأرض وهو يحاول فك شيفراتها حتى وصل إلى ما وصل إليه من تقدم علمي في جميع المجالات ومع هذا التقدم الهائل إلا أنهم يقولون حسب بعض الكتب أنهم بالكاد خدشوا سطح قدراتهم العقلية بينما لايزال الكثيرون يستهزئون بقدرة الإنسان على التقدم أكثر وهو ما جعلهم في حالة جمود فكري تمنعهم حتى من التفكير في العالم المتغير المحيط بهم والذي يواجه أكبر مشكلة يعرفها عبر تاريخه وهي التغيرات المناخية وما تسببه من تهديد لصحة الإنسان والكوكب بصفة عامة بسبب الغازات الدفينة التي يسببها الإنسان نفسه والتي سببت ارتفاع درجة حرارة الكوكب.

لقد وصلت اللامبالاة عند الكثير من الأفراد في بعض الدول الأقل تقدما حد عدم تقدير عواقب تغيرات درجات الحرارة على الإنسان والحيوان والنبات والبيئة بينما نجدهم من أول المعارضين لكل مظاهر الفرح وأول المنتقدين لكل من يفكر مع أنه لولا الفكر لما وصل العالم إلى هذه الدرجة من التقدم والتي لا يتوانى أغلبهم على التمتع بما يجود به فكر الآخر المختلف عنه بدل محاولة المشاركة ولعب دور ايجابي في هذا التطور العالمي حتى يكتبه التاريخ منتجا نشطا لا مستهلكا كسولا.

حسب الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية، فإن تغير المناخ يؤثر على المحددات الإجتماعية والبيئية للصحة: الهواء النقي ومياه الشرب المأمونة والغذاء الكافي والمأوى الآمن.

لكن يبدو أن الفرد في بعض البلدان الأقل تقدما لا يعي الخطر الذي يهدد الصحة العامة نتيجة اضطراب وتغير المناخ من وفيات وأمراض تسببها موجات الحر الشديدة التي تليها موجات البرد الشديد في بعض مناطق العالم، والعواصف والفيضانات وزيادة انتشار الأمراض المعدية التي تنتقل عبر الأغذية التي تنشأ في بيئة غير مستقرة مناخيا.

إن البلدان المتقدمة وعت بالخطر الذي يهدد الكوكب منذ تفاقمه فسعت لدراسة الأسباب ومحاولة ايجاد الحلول من خلال مؤتمرات الأمم المتحدة للتغير المناخي لتقييم التقدم المحرز في التعامل مع المشكل، آخرها كانت قمة شرم الشيخ بمصر في نوفمبر 2022 والتي سبقتها قمة غلاسكو في اسكتلندا أين قام عشرات الآلاف من الأشخاص بالتظاهر بمدينة غلاسكو مطالبين باتخاذ اجراءات فورية لمواجهة التغير المناخي وحماية الدول الفقيرة الأكثر تضررا، وقد قامت على اثرها مظاهرات عديدة بكل من سيدني وملبورن بأستراليا و عاصمة كوريا الجنوبية ولندن وباريس يطالب أصحابها ب " العدالة المناخية".

ألم يصل مستوى الوعي لدى الفرد في بعض البلدان الأقل تقدما للتفكير في مستقبله ومستقبل أبنائه بعد سنوات ليست ببعيدة في ظل الاحتباس الحراري والفيضانات التي تهدد الصحة والبيئة، في حين نجد تصريحا لشابة نرويجية متظاهرة لا تتجاوز الاثنين والعشرين عاما تقول فيه: " إنه مستقبلنا ومستقبلي ومستقبل أولادي" وآخر لمراهق لم يتجاوز الخمسة عشر عاما يقول فيه" يوما ما قد يكون منزلي مغمورا بمياه الفيضانات" .

كما شهدت الكثير من المواقع عبر العالم احتحاجات من كل الفئات المجتمعية تسمى ب " أيام الجمعة من أجل المستقبل " للمطالبة بتعويضات جراء الأضرار التي يلحقها التغير المناخي بالأفراد الأضعف تطورا.

يرجع البعض عدم اهتمام البعض بهذا المشكل إلى مستوى المعيشة وغرق الفرد في مشاكل الحياة مع أن نفس هذا الفرد غارق دوما في مواقع التواصل الاجتماعي منتقلا بين مقاطع فيديو لا فائدة ترجى منها إلا مضيعة الوقت الذي كان الأجدر أن يقضيه في تثقيف نفسه لمعرفة ما يدور في العالم المحيط به وحتى يكتب في صفحات التاريخ كعامل مؤثر لا هامشا منسيا.

***

لامية خلف الله/ كاتبة من شرق الجزائر

 

في المثقف اليوم