آراء

في الهوية الفكرية والعقائدية للداعمين للرئيس قيس سعيد

قراءة في المشهد السياسي: من مظاهرة 3 أكتوبر 2021 إلى تشكل مبادرة "لتنتصر تونس"

إن المتأمل في هوية من نزلوا يوم الأحد 3 أكتوبر إلى شارع الحبيب بورقيبة لمساندة قرارات رئيس الجمهورية ودعمها ولا سيما الأمر الرئاسي عدد 117 الصادر بالرائد الرسمي بتاريخ 22 سبتمبر 2021 وهو بمثابة نظام مؤقت للسلط ألغى به دستور 2014

 وآستولى بمقتضاه على جميع السلط ومكن لنفسه صلاحيات لا حدود لها. هؤلاء خليط عجيب وغريب في مكوناته: تيارات قومية بألوانها المختلفة، الشيعة، المداخلة، حزب التحرير، اليساريون – الوطنيون الديمقراطيون -، التجمعيون أتباع النظام البائد.لقد نزل كل فريق بخلفية محددة حسب مرجعيته الفكرية أو العقائدية لكن هذا لا يمنع من وجود قواسم مشتركة تجعلهم يجتمعون حول قيس سعيد الرجل الذي فيه شركاء متشاكسون بحكم شخصيته وتكوينه الفكري وقناعاته الإيديولوجية والعقائدية. ما يجمع هؤلاء هو معاداتهم للديمقراطية البرلمانية مع رفضهم للإختلاف والقبول بالآخر وعدائهم المرضي لتيار سياسي بعينه، رغم ما يتظاهرون به من حداثة سياسية مغشوشة لا تعدو أن تكون مساحيق يجملون بها وجوههم القبيحة ويسترون بها عوراتهم.

1 – في الخلفيات الفكرية والعقائدية:

التيارالقومي: نشأت التيارات القومية في رحم الإنقلابات العسكرية فتطبعوا بطباع العسكر وتلوثت رؤاهم بمناخات الولاء للقائد الملهم والزعيم الفذ والرئيس الأوحد..و آصطبغت كتاباتهم بالتنظير للمستبد العادل المصطفى الذي يرى بنور الله والذي هو ظل الله في الأرض توجبت طاعته. لا عجب أن يصطف هؤلاء وراء قيس سعيد، لقد إستبطنوا سلوكات العبيد الذين، حين تأتيهم الحرية يفرون إلى سيدهم ليهدئ من روعهم ويسبغ عليهم من نعمه حتى يستمروا في خدمته.هذه التيارات تجد راحتها في ظل الإنقلابات مهما كان شكلها وتعمل على تجييرها لصالحها، وتنفيذ أجندتها من خلالها. إنها موضوعيا في خندق الثورة المضادة، وهي كذلك متحالفة مع عرابي الإنقلابات في دول الخليج ممن تزعجهم التجربة التونسية ومسار الإنتقال الديمقراطي. إن الحركة القومية ورغم كونها نشأت في أمة مضطهدة إلا أنها لم تتحول إلى حركة تحرر عربي بل إنها أصبحت عن طريق الإنقلابات العسكرية أنظمة كليانية وفاشية تضطهد كل نفس تحرري ولم تغير من هذه الطبيعة اليمينية شعارات الوحدة والحرية والإشتراكية التي صارت شعارات جوفاء مفرغة من كل معنى.

المداخلة: هم أتباع ربيع المدخلي زعيم أحد التيارات السلفية العلمية و هم غلاة الطاعة يفرطون في مسألة طاعة السلطان ويعتبرون أن واجب الأمة الإلتفاف حوله لتجنب الفتنة، فالسلفية العلمية تتبرأ ممن يخرجون عن الحاكم ولو كان ظالما ويتبرؤون من الحراك الثوري ويعتبرونه من بدع الجماعات الجهادية. يبدو أن الأوامر قد أعطيت لمداخلة تونس بالتعامل مع قيس سعيد كولي أمر، هؤلاء الذين يأتمرون بفتاوي تأتيهم من أبو ظبي ومن السعودية، يحرمون على الشعوب الخروج على الحاكم ولا يجدون حرجا في مساندة الرئيس " ولي الأمر " والدفاع عنه وإن لزم الأمر حمل السلاح في وجوه مخالفيه فسلطان غشوم خير من فتنة تدوم، ألم ينحازوا إلى اللواء خليفة حفتر في ليبيا لضرب الثورة الليبية وضد الشرعية فشاركوا في حصار طرابلس بغية إجتياحها، تلبية لأوامر صدرت إليهم من الإمارات.

الشيعة: شيعة تونس في الحقيقة هم وكلاء إيران وهم تبعا لذلك من الشيعة الإثناعشرية ويدينون بالولاء للولي الفقيه في إيران، رغم أن تاريخ الشيعة في تونس والذي مثلته الدولة الفاطمية، هو تاريخ المذهب الإسماعيلي، أحد المذاهب الشيعية، لا نستغرب البتة إنحيازهم لقيس سعيد، رغم أن دستور 2014 يضمن لهم حرية الضمير التي تتيح لهم ممارسة شعائرهم في كنف الحرية، إلا أن دورهم الوظيفي وتبعيتهم للمركز يجعلهم مجرد أدوات لتنفيذ سياسات إقليمية. إن الحشد الشعبي التونسي الذي لقيت نشأته ترحيبا كبيرا في الأوساط الرسمية الإيرانية، أصبح خطرا يتهدد البلاد، فكل ما تثيره التسمية من معان حافة، إنما هي ممارسة العنف خارج الأطر الشرعية وآختراق التجانس الإجتماعي للشعب التونسي بغرض إحداث شرخ عميق عبر إثارة الصراع المذهبي السني / الشيعي الذي إكتوت به شعوب في الشرق كسوريا واليمن والعراق. فالرئيس ذو الميولات الشيعية سيصبح في نظرهم " إماما معصوما " ألم يقل الرئيس أنه مسؤول أمام الله، وقد يبحثون له عن نسب يصله بأهل البيت فتكتمل شرعيته في نظرهم. ألم تعمل إيران على تحويل شيعة اليمن الزيدية إلى شيعة إثناعشرية في عملية مقايضة السلاح والمال، مقابل تبني نظرية الولي الفقيه.

حزب التحرير: يلتقي هذا الحزب مع الرئيس قيس سعيد في معارضته لمنظومة الحكم المنبثقة عن دستور الثورة وقد رأى في الأمر الرئاسي عدد 117 فرصة لتجديد الصلة مع الرئيس بعد قطيعة بينهما، ففي الحملة الإنتخابية الرئاسية نفى الحزب أية علاقة له بالمترشح قيس سعيد في بيان صدر بتاريخ 19 سبتمبر 2019، كما أن الحزب إنتقد تمسك الرئيس بالحكم إستنادا إلى الدستور وذلك في تصريح لأحد قيادييه في إذاعة موزاييك بتاريخ 24 جويلية 2020، ما ورد في الأمر الرئاسي دفع بالحزب مساندة الرئيس لاسيما في تمشيه القائم على نسف دستور 2014 من خلال التنظيم المؤقت للسلط المفضي إلى تغيير منظومة الحكم وإعداد دستور جديد وعرضه على الإستفتاء.إن رؤية حزب التحرير للحكم تقوم على إسترجاع الخلافة كشكل من أشكال الحكم، حيث يكون الخليفة هو الجامع للسلط جميعها وهنا تتقاطع رؤية الحزب مع نزوع رئيس الدولة الإنفراد بالسلطة والإستحواذ على الصلاحيات كلها ولا معقب لأمره.كما أنهما قد يلتقيان في المضامين السياسية لنمط الحكم، لذلك لا نستغرب خروج أنصار الحزب في مظاهرة 3 أكتوبر.

اليسار- الوطنيون الديمقراطيون: هذا الفصيل اليساري بنى سردية وجوده في الساحة السياسية على عدائه المرضي للإسلام السياسي وسخر إمكاناته للتصدي للإسلاميين وملاحقتهم سواء بالجامعة التونسية – أحداث منوبة 1982 – أو وضع كوادره على ذمة نظام المخلوع فكانوا يده التي يبطشون بها فتم زرعهم في الأجهزة الأمنية والقضائية وكذلك من خلال الإعلام المدجن للتنكيل بالإسلاميين وإخماد كل نفس تحرري في البلاد. رغم ما أحدثته الثورة التونسية من زلزال سياسي ظل هذا الفصيل اليساري منغلقا في دوغمائيته، عاجزا عن قراءة التحولات الإجتماعية والثقافية التي طرأت على المشهد السياسي رغم خيباته المتتالية على إمتداد المحطات الإنتخابية الفارطة. هذا الفصيل الوظيفي كان منتظرا أن يصطف وراء قيس سعيد فهؤلاء لا معنى لوجودهم إلا في ظل نظام الفرد الواحد حيث يعرضون خدماتهم ويتوسلون الحاكم بأمره أن يلتفت إليهم. ها هو عبيد البريكي الوطدي حد النخاع يبحث عن قواسم مشتركة بين النظام المجالسي للرئيس ونظام السوفيات جوهر الشيوعية. السوفييت تعني المجلس بالعربية وكانت تطلق للإشارة إلى عدة نظم سياسية روسية مثل مجلس وزراء القيصر الذي كان يسمى " سوفييت الوزراء " والسوفييت الأعلى وهو برلمان الإتحاد السوفياتي. إنه مجلس يتكون من عمال وفلاحين وجنود في علاقة بالأفكار الشيوعية. بناء على ذلك يقول البريكي مخاطبا رئيس الجمهورية مستعطفا: " ما قمتم به سيدي الرئيس خطوة مهمة وممتازة جديرة بالدعم والمساندة وحتى نظام المجالس الذي تبشروننا به اليوم فهو فكرة منحدرة من عائلتنا الشيوعية وقد سبق أن ناقشناها في الوطد بالجامعة تحت عنوان نظام السوفياتات " ثم يتوسل إليه بأن ينظر إليهم بعين لطفه ويستخدمهم في مشروعه، يقول: " ولكن الله يرحم والديك إمنحنا مكانا صغيرا إلى جانبك فنحن شركاؤك وخلانك في كل ما تريد وترغب فيه." (عن تدوينة للدكتور رفيق عبد السلام بتاريخ الخميس 30 سبتمبر 2021) هكذا تتأكد وظيفية هذا الفصيل اليساري وآستعداده الدائم لخدمة الأنظمة الدكتاتورية.

2 – مبادرة " لينتصر الشعب " نداء تونس في ثوب جديد

تأتي مبادرة " لتنتصر تونس " لتلملم شتات أولئك الذين آمنوا بمسار 25 جويلية والذين إنفرط عقدهم وتآكل " الإجماع الشعبي " حول الرئيس. يدرك القائمون على المبادرة أن البلاد وهي تعيش على وقع إنتخابات تشريعية باهتة، يزمع إجراؤها في 17 ديسمبر القادم، وسط مقاطعة أغلبية الطيف السياسي والمجتمع المدني لها مما يضاعف الخوف لديهم بآنهيار المشروع السياسي لقيس سعيد وإزدياد عزلة النظام القائم.، قد تكون هذه المبادرة لحشد المناصرين للرئيس بهدف إنجاح الإستحقاق الإنتخابي الذي يتهدده الفشل حسب العديد من المراقبين. إن النظر في مكونات المبادرة يلاحظ إلتقاء العديد من الروافد المشكلة لها كالتيار الشعبي والبعثيين واليسار المتطرف ممثلا في المنجي الرحوي والنقابيين مثل كمال سعد ومحمد علي البوغديري،...تهدف المبادرة إلى إعادة إنعاش مسار 25 جويلية بعد أن فقد بريقه لآنفضاض عدد كبير من المساندين له من حوله بسبب غياب الرؤية وإستفراد الرئيس بالرأي وإحتكاره لمختلف السلطات وعدم تشريكه لكل أولئك الذين ظلوا طوال شهور ينتظرون لفتة منه وهم الذين مافتئوا يجددون ولاءهم له ويتمسحون على أعتاب قصره. يعمل أصحاب المبادرة على تصعيد عدد من النواب المترشحين للبرلمان من خلال دعمهم والحرص على إيصالهم إلى المجلس، فقد صرح المنجي الرحوي في أحد تدخلاته في إذاعة خاصة أن ما يقارب الأربعمائة من المترشحين للإنتخابات البرلمانية عبروا عن رغبتهم في الإلتحاق بالمبادرة وهو أمر يخفي نزوع أصحاب المبادرة إلى تحويلها إلى حزب سياسي له كتلة برلمانية وازنة يسيطرون عبرها على رئاسة المجلس وتكون لهم الأغلبية في لجانه المختلفة.إن العمل على توسيع قاعدة المنتمين إلى المبادرة من شأنه أن يمد الرئيس برصيد كاف من الكفاءات التي يمكن الإعتماد عليها في تأليف الحكومة الجديدة التي ستخلف حكومة السيدة نجلاء بودن رمضان عقب الإنتخابات التشريعية التي سينبثق عنها برلمان جديد، لا سيما بعد أن إتضح فشل الرئيس في إختيار الولاة والمعتمدين الذين كان أداؤهم كارثيا والذي كان مبنيا على الولاء أكثر مما هو مبني على الكفاءة. المعروف عن الرئيس أنه لا يؤمن بالأجسام الوسيطة: الأحزاب، النقابات، منظمات المجتمع المدني، فأين يمكن أن نصنف هذه المبادرة؟ إنها جسم هجين لا هي بالحزب السياسى ولاهي بالجمعية ولا هي بالنقابة. فكيف سيتعامل معها رئيس الجمهورية؟ هل سيعامل مع أعضائها بصفة فردية على أنهم من الشرفاء الصادقين أم أنه سيتبرأ منهم حين تقتضي تقلبات السياسة وإدارة الشأن العام ذلك؟ إن مبادرة " لتنتصر تونس " من حيث مكوناتها ومن حيث تنوع روافدها ومن حيث إجتماعها حول رئيس الجمهورية تشبه إلى حد كبير حزب نداء تونس الذي إستطاع مؤسسه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي تجميع قوى سياسية من مشارب مختلفة وشخصيات نقابية حوله، مع فارق كبير بين التجربتين وهو أن نداء تونس تأسس من رحم المعارضة السياسية للسلطة آنذاك ممثلة في الترويكا: حركة النهضة، التكتل من أجل العمل والحريات وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، ثم إن الباجي قائد السبسي كان رجل دولة يؤمن بالمؤسسات وبالأحزاب والأجسام الوسيطة من مجتمع مدني ونقابات وإعلام. أما مبادرة " لتنتصر تونس " فهي بصدد التشكل من رحم سلطة الإنقلاب الحاكمة وترتكز في بناء تصوراتها على شخصية رئيس الجمهورية وعلى مشروعه السياسي وهو مشروع لا يؤمن بالديمقراطية التمثيلية ولا بالأجسام الوسيطة ويعمل على تفكيك المؤسسات الدستورية للدولة وإعادة بنائها بتصور إنفرادي وهلامي.إن إستمرار مبادرة " لتنتصر تونس " رهين بقاء قيس سعيد في رئاسة الجمهورية وإن أبدى بعض المنتمين للمبادرة نيتهم في أن يأخذوا مسافة من الرئيس إذا إمتنع عن تقديم ترشحه لولاية ثانية ولمحوا إلى أنهم سيقدمون مرشحا من داخل المبادرة. (آنظر تصريحات صلاح الداودي لإذاعة شمس أف آم بتاريخ 24 نوفمبر 2022)، وأكدوا على أنهم بصدد بناء حركة وطنية جديدة. إن مصير مبادرة " لتنتصر تونس " لن يختلف كثيرا عما آل إليه حزب نداء تونس، إنها تحمل داخلها بذور فنائها. فأعضاؤها في أغلبهم خاضوا تجارب سياسية ضمن تحالفات وجبهات كان مصيرها الفشل ثم إن رؤيتهم تتأسس على حصاد هزيل لمسار 25 جويلية بدءا بالإستشارة الوطنية ذات المشاركة الضعيفة والتي لم يتبنى الرئيس مخرجاتها ولا سيما مسألة كتابة دستور جديد، مرورا بالإستفتاء على الدستور والذي خط فصوله الرئيس وجاء تعبيرا عن رؤيته الخاصة لنظام الحكم الرئاسوي والذي تحولت بمقتضاه مختلف السلط إلى وظائف، وصولا إلى القانون الإنتخابي الذي يتسم بالإرتباك والتخبط والذي ستجرى بمقتضاه إنتخابات تشريعية قائمة على الأفراد والتي ستقاطعها الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية والتي ستكون بلا طعم كما قال الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي في الذكرى السبعين لإغتيال الزعيم فرحات حشاد. فهل هذا المنجز الهزيل يمكن أن يتأسس عليه مشروع حركة وطنية جديدة وأعضاؤها يقدمون سردية مبتورة للثورة ونقد إنتقائي لمسار الإنتقال الديمقراطي ثم يرتبون عليه نتائج جوهرها الإقصاء ورفض الآخر المختلف، مبادرة بمثل هذه المواصفات لن تكون إلا أحد وجوه الثورة المضادة.

***

بقلم: رمضان بن رمضان

في المثقف اليوم