آراء

قراءة التاريخ

يفتقر العديد من قراّء التاريخ الى روح النقد والصبر على البحث والتمحيص في المعلومة التاريخية من حيث توافقها مع الواقع وانسجامها مع طبيعة عصرها وكذلك غياب التدقيق في مرجعية المؤرخ والبحث في مصداقيته في ضوء ما يقدمه من طروحات وأحداث ومعظمها لا يستند الى مصدر موثوق ذلك ان العديد من الروايات التاريخية التي يتناولها المؤرخون تعرضت الى تأويلات مختلفة وشابها الكثير من الشكوك في مصداقيتها بسبب الفارق الزمني الكبير بين وقوعها وتدوينها، كما ان عددا من المؤرخين لا يتمتعون بالقدر المطلوب من الحيادية والمصداقية والنزاهة مما يجعل التسليم برواياتهم على انها الحقيقة المطلقة تاريخيا امرا صعبا، وعليه لا يمكن ان نعول على صحة كل ما تذكره الكتب من أحداث وسير شخصية خصوصا التي تقدمها الكتب المدرسية المليئة بعبارات التمجيد والمدح لشخصيات تاريخية قامت بانتهاكات انسانية عديدة وقدمتها هذه الكتب على انها شخصيات عظيمة واسطورية، لقد تعلمنا من تاريخنا المعاصر ان امتلاك السلطة يعني السيطرة على الاعلام والتصرف بالحقائق وفق ما يشتهي الحاكم وعادة ما تأتي منسجمة مع هوية وسياسة السلطة القائمة وبالتالي يحتاج التاريخ الى قراءة نقدية وعقل متفتح يتقبل ازاحة الثوابت عند اكتشاف خطأها خصوصا في طبيعة الروايات التاريخية التي جاءت ورسخت في اذهان الغالبية عن طريق التلقين واصبحت مثل صخرة جاثمة على العقول تحتاج الى قوة جبارة لزحزحتها، فهؤلاء لا يريدون ان يصدقوا ان التاريخ ملغوم بالأكاذيب والمبالغات وان الكثير من أحداثه كُتب بإرادات الحكام وبالأقلام الخائفة والمأجورة لتبرير اخطاء الحكام وحماقاتهم الكارثية لهذا فان الثقة المطلقة بها تصبح عاهة مستديمة ومؤخرا اختير لحاملها وصف (القافل).

 المعروف عن الكاتب الفرنسي (أناتول فرانس 1844 ــ 1924) هو استهتاره بالتاريخ وتجاهله له، ويوم سُئل عن اسباب ذلك أفاد مشيرا الى حادثة مرور وقعت أمامه وهو جالس في شرفة بيته، قال رأيتها بأم عيني ولكنني عندما قرأت ما كتبته الجرائد عنها في اليوم التالي جاء مناقضا كليا لما شهدته، واكثر من ذلك لم تتفق الجرائد المختلفة في سردها لما وقع ناقضت كل واحدة منها الاخريات، وقال كيف تنتظرون مني ان اصدق ما أقرأه في الكتب عن احداث وقعت قبل مئات السنين بعد ان رأيت بعيني كيف ضاعت الحقيقة بين ليلة وليلة.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم