آراء

علماء النفس والسياسة.. يحق أم لا يحق؟!

تعليقا على عودة صفحة (حذار من اليأس) لتواصل سنتها التاسعة في جريدة (الصباح) كتب الصديق الأديب عاصم جهاد بالنص ما يأتي:

(الاخ الدكتور العزيز.. أقول:

انشغل بهموم المجتمع وايجاد الحلول لها.. واترك السياسة وهمومها التي لا تنتهي!. ولا تضيع وقتك وتحرم الناس من ايجاد الحلول والعلاجات النفسية للكثير من مشاكلهم وهمومهم. لم تجن من السياسية غير تعب القلب وتقلب وتعكير المزاج واضاعة الوقت، في مقابل ذلك لم تحصد من حذار من اليأس غير محبة وتعاطف وتفاعل المجتمع الأنساني. دمتم ألقا).

ولأن مثل هكذا موضوع يعتبر عاما وليس خاصا، فقد استطلعت الرأي، فكانت المواقف كالآتي:

مؤيد للنصيحة

* سمير العبيدي: هدف نظيف.

* كرار كاين، تقي حميد، سرحان الزيدي: أتفق

* هادي علي: نصيحة جيدة وتحتاج إلى قرار حازم من قبلكم للإلتزام بها، بعد ألأقتناع طبعا.

* عباس موسى: اجمل وأنقى نصيحة.

* جليل رهيف: نعم لقد قال حقا، السياسة مع هؤلاء الفارغين خسارة وقت ودوخة راس.

غير مؤيد للنصيحة

* ريسان الركابي: يقول (ابو گاطع) رحمه الله.. السياسة مثل النعاس تجيك غصبا، لأنه لا يمكن لأي انسان يحب وطنه أن يرى الخطأ.. ويبقى صامتا.

* د. نصيف جاسم الدليمي: لا أتفق معه مع كبير احترامي وتقديري لرأيه، فالعلماء هم ضمير الأمة وهموم الناس تقع ضمن أولويات بحثهم ومشاكل الحكم هم أول من يشخصها ويقترحوا حلولا لها.

* حسب الله يحيى: السياسة تدخل في صلب كل شئ في حياتنا. الحديث عن الخبز والمدرسة والمشفى والسوق والشارع كل هذا سياسة. وهي ليست بالضرورة انتماء لحزب وانما هي وعينا بكل شئ يجري حولنا.

* ناصر عزيز، عبد العزيز ججو، عباس خفاجي: أحنه العراقيين بشكل خاص لا نستطيع الأبتعاد عن مواضيع و هموم عالم السياسة/. وهل هناك عمل دون أن يكون له صلة بالسياسة؟!/. حياتنا في العراق أصبحت كلها سياسة في سياسه !.

* عشتار فينيسا: لا اتفق. النصيحة السياسية للساسة واظهار الخطأ والصح في المسار السياسي وعيوب الساسة، واظهار امراض المجتمع النفسية والعادات بسبب التخبط السياسي وعدم تحقيق الالتزامات الواجب تحقيقها من قبل الساسة للوطن والشعب هي نفسها دراسة نفسية اجتماعية عميقة للمجتمع في ظل سياسة فاشلة، فنفس الانسان وتفاعله الاجتماعي عناصر متداخلة السياسة العامة اهم جزء فيها.

* طارق الكناني: كلمة حق يراد بها باطل.. هو وكل من يمثل الطبقة السياسية ومن المتعلقين بالسياسة ان تنفذ كلماتك الى قلوب متابعيك، علما انك ترصد ظواهر اجتماعية وتطرحها بشكل علمي وهم يعتبرونها سياسة. يحسبون كل صيحة عليهم.. . لا تنشغل بهكذا ناصحين.

* دكتور فراس. اخصائي نفسي: أرى ان جنابكم اعطى ما بذخيرته العلمية للناس سواء من الناحية النفسية والاجتماعية والسياسية ومؤلفاتك تشهد بذلك، ولم تبخل باي شيء من علمك للناس خاصة وان المتخصص بعلم نفس الشخصية يجب ان يكون ملما بكل جوانب الحياة النفسية والاجتماعية والسياسية.

* جليل الجشعمي: بتناولك علم النفس السياسي في طروحاتك فان حجمك العلمي يكون بحجم مساحة العراق والوطن العربي. واذا جرد علمك عن السياسة فيكون حجمك عيادة دكتور في علم النفس ليس الا. بكتاباتك اصبحت تزعج الفاسدين والسراق والقتله، وبصمتك سجلت في ذاكرة العراقيين.. ويشهد لك التاريخ بذلك.

يحق.. أم لا يحق؟

السؤال هنا: هل يحق لعلماء النفس الأنشغال بالسياسة أم عليهم ان ينصرفوا لعلمهم الأكاديمي؟

هنالك ثلاثة مواقف: الأول يتبناه سلفيون يرون (أن الكلام في السياسة في عامة الناس خطأ، لأن السياسة لها رجال وأقوام، رجالها ذوو السلطة والحكم، اما أن تكون السياسة منثورة بين أيدي العوام وفي المجالس فهذا خلاف هدي السلف الصالح). والثاني يرى ان السياسة تخص جميع ابناء الشعب وحق للجميع، ولا احد له الحق في منع آخر. والثالث يتبناه أكاديميون من مختلف الأختصاصات يرون أن لهم الحق في الأنشغال بها.

متى انشغل علماء النفس بالسياسة؟

تعدّ الحرب الفرنسية البروسية، والثورة الاشتراكية التي جسدتها كومونة باريس 1871، هي السبب الذي دفع ادولف باستيان المتخصص بعلم الاجناس الى استخدام مصطلح علم النفس السياسي (Political Psychology) بكتابه رجل في التاريخ (Man in History)، ثم تطور ليصبح علما اكاديميا وتطبيقيا متعدد الاختصاصات يهدف الى فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور علم النفس، وفهم العمليات العقلية للسياسيين من منظور اجتماعي سياسي.

وتعدّ العلاقة بين السياسة وعلم النفس.. ثنائية الأتجاه، فعلم النفس يستخدم عدسته لفهم السياسة والسياسيين، والسياسة تستخدم عدستها لفهم سلوك الجماهير ومواقف الخصوم من منظور علم النفس. غير ان علم النفس السياسي يركز على فهم العلاقات المتبادلة بين الأفراد والسياقات التي تؤثر في: المعتقدات، الدوافع، تغيير الاتجاهات، دور القائد في صنع السياسة الداخلية والخارجية، السلوك في العدوان الأثني، الحرب والأبادة الجماعية، دينامية وصراع الجماعات، التطرف السياسي.. ويدرس أسس وديناميات ونتائج السلوك السياسي مستخدما نظريته في السياسة ومستعينا بنظريات علم نفس الشخصية تحديدا.

ومن هذا الفهم، ادرك رؤساء دول كبار في العالم حاجتهم لعلماء النفس، واستعانوا بهم كمستشارين يصطحبونهم معهم في لقاءاتهم بقادة سياسيين كبار لاسيما في اوقات الأزمات والصراعات.. قدموا لهم المشورة العلمية، ليس فقط بتحليلهم ما وراء كلام الخصوم، بل وحتى لغة الجسد التي تكشف ما خفي.. ما يعني أن لعلماء النفس الحق بالأنشغال في السياسة بما يخدم شعوبهم.

توثيق شخصي للتاريخ

عذرا أنني ساتحدث عن نفسي لأن الموقف يتطلب ذلك.. أوجزه بالآتي:

في( 2003)انتخبت رئيسا لرابطة اساتذة جامعة بغداد عملت بنشاط ادى الى استشهاد استاذين من هيأتها الأدارية. وقد ترأست وفودا قابلت اعضاء مجلس الحكم باستثناء المعممين للمطالبة بمساواة اساتذة الجامعات في العراق بأقرانهم في دول الخليج، لأن بريمر وقتها حدد راتب الأستاذ الجامعي بين مئة الى ثلاثمئة دولار، ما اضطر كثيرين الى ان يبيعوا مكتباتهم. وكان بين الذين قابلناهم الراحل الدكتور احمد الجلبي.. ولما انتهى اللقاء انفرد بي وعرض علي الأنضمام لكتلته السياسية.. واعتذرت.

ولأنني كنت الأعلامي والأكاديمي الأبرز الذي يظهر عبر(الجزيرة) الفضائية العربية الوحيدة في 2003، ووجهت كلاما حادّا الى بريمر طالبته باطلاق سراح ستة دكاترة اختطفتهم القوات الامريكية، فان مدير مكتبه بعث في اليوم الثاني بعضوة مجلس الحكم (السيدة جل) وابلغتني بدعوته لمقابلته. وحين انتهى الحوار معه بوعد باطلاق سراحهم، لمّح لي بأنه يسره التعاون معه.. ولو ان احدا غيري استثمرها، لكان الآن في اميركا.

وبسبب نشاطي الأعلامي والجماهيري ومقالاتي بجريدة المدى( التقدمية الوحيدة حينها) تعرضت لمحاولة اغتيال في شارع ابي نؤاس صباح احد ايام توجهي لرئاسة جامعة بغداد.. ما اضطرني الى ان اغادر الى اربيل في (2005)

وكنت اسست في (2017) منظمة (تجّمع عقول) تضم نخبة من الأكاديميين والمثقفيين والفنانيين والأعلاميين من داخل العراق وخارجه، عقدنا مؤتمرات واقمنا ندوات في بغداد والمحافظات، فالتقى بي قيادي بارز يعرض عليّ الأنضمام لحزبه (الأسلامي)! فاعتذرت. وقبل كذا سنة.. زارني وفد من الحزب الشيوعي العراقي في بيتي بشارع حيفا.. وعرض عليّ العودة للحزب فشكرتهم واعتذرت.

اقول هذا لأثبت انني ما كنت طامعا بمنصب سياسي، وان ما قمت به من عقد مؤتمرات وندوات في بغداد ومراكز المحافظات، كانت تستهدف تقديم النصيحة العلمية للسياسيين واشاعة الوعي الأنتخابي بين العراقيين من منطلقي علم النفس السياسي وعلم نفس الشخصية.. وسنبقى، وعشرات من علماء النفس العراقيين، نواصل هذه المهمة من اجل شعب استثنائي في وطن استثنائي يمتلك كل المقومات لأن يعيش بحرية وكرامة.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم