آراء

وقاحة الغرب التي تخفي الفشل الكامل

اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مع عدد من ممثلي وسائل الاعلام الغربية والعربية، بما فيهم كاتب هذه السطور، كان مهما للجميع، وعنوان هذا المقال أستمد أسمه من مقولة للوزير الروسي وهو يكاشف الاعلام الغربي بحقيقة مهمة للتعامل الغربي وازدواجيته " الصلفة " تجاه العديد من القضايا الدولية، وفي المقدمة منها التعامل مع روسيا، والتطرق لقضايا الساعة والمفهوم الجديد للسياسة الخارجية الروسية ومفهوم حرية التعبير في الدول الغربية

تجربتنا الإعلامية في روسيا والي تمتد لأكثر من 25 سنة، كشفت لنا وبشكل كبير، أن موسكو ومؤسساتها الحكومية المختلفة، ووزارة الخارجية على وجه الخصوص، ومنذ بداية العملية العسكرية الخاصة، هي أكثر إنفتاحا، على وسائل الإعلام، لعرض الحقائق كما هي، وفي المقدمة منها، العقوبات، والتي قال عنها الوزير الروسي، بأنها جزء من الحرب الهجينة الاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية ضد بلاده، " و أنا على ثقة أن الصحفيين شأنهم شأن الدبلوماسيين يهتمون بالحقيقة والموضوعية ".

الحقائق والأدلة يجب أن تصل في نهاية المطاف إلى القارئ الذي يقع ضحية للتحليلات والتكهنات والاستنتاجات، ويجب علينا جميعا البحث عن الحقيقة، لذلك قامت وزارة الخارجية الروسية بتنظيم 60 رحلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بواقع 20 رحلة في السنة، لنقل وجهة نظر البلاد، ورغبة روسية في التمييز عن الغربيين الذين يزعمون أنهم دعاة الديمقراطية، في الوقت الذي يحجبون فيه وسائل الإعلام الروسية، ويضعون الشارات على وسائل الإعلام التي يسمونها "مرتبطة بالكرملين" .

وقد بات هذا واضحا من خلال الهجوم على RT و"سبوتنيك" من قبل الغرب قبل 5 سنوات من بدء العملية العسكرية الخاص، وبدأ مجلس الاتحاد الأوروبي في وقت سابق عملية تعليق تراخيص البث للقنوات التلفزيونية الروسية NTV و REN TV و Rossiya 1 والقناة الأولى، بالإضافة إلى ذلك، فرض الاتحاد الأوروبي، كجزء من الحزمة التاسعة من القيود، عقوبات على منظمة غير ربحية مستقلة TV-Novosti، وهذا من وجهة النظر القانونية، فإن مثل هذا الخط بشأن إلغاء وسائل الإعلام الناطقة بالروسية، ينتهك بشكل صارخ الالتزامات التي تعهدت بها جميع الدول الغربية داخل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لضمان حرية وسائل الإعلام والوصول المتكافئ إلى المعلومات لجميع سكان منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.

وترك الوزير الروسي في لقاءه الحكم للحاضرين في اللقاء، فالمفوض الأعلى للسياسة الخارجية والأمن جوزيب بوريل يؤكد إن حجب وسائل الإعلام الروسية بمثابة "الدفاع عن حرية التعبير "، ولكن وفق المبادئ التي ينادي فيها الغرب، فإن عملية حجب وسائل الإعلام الروسية تنتهك كافة القوانين التي تقرها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، كذلك فبعد أن أقدمت روسيا على أنشاء وسائل إعلام موضوعية وشفافة، كان ذلك بالنسبة لفرنسا وللأوروبيين أمرا غير مناسب، لأن خداع الجمهور أصبح العادة السائدة بالنسبة للمجتمع الأوروبي، لذلك وبحسب تعبير لافروف، " اليوم نرى نفس ما كان يحدث في الاتحاد السوفيتي، وما تنبأ به جورج أورويل، في حجب الرأي الآخر، يحدث في أوروبا " .

ما يفعله الغرب هو استهزاء بحرية الكلمة والتعبير، فبعد تصريح Highly Likely" " الشهير لتيريزا ماي، قام الغرب بطرد 150 دبلوماسيا روسيا من العواصم الغربية، ولا يريدون إجراء تحقيقات بشأن تفجير خط الأنابيب "السيل الشمالي"، ولنرى كيف ستتمكن سكرتارية الأمم المتحدة من إجراء التحقيقات استنادا إلى طلب إحدى الدول الأعضاء (روسيا)، خصوصا وان تقرير سيمور هيرش حول تفجير "السيل الشمالي" مبني على الحقائق، وهو "ما كنا نتوقعه منذ زمن طويل ولا نرى أي رد فعل من الغرب" بحسب قول الوزير لافروف . .

إن تفجير "السيل الشمالي"، بتأكيد روسيا، كان حل الغرب النهائي لقضية الغاز الألمانية، حتى لا تحاول برلين لعب دور مستقل، ولعب دور مستقل في المنظور التاريخي، وتنمو كقوة أوروبية رائدة، أولا وقبل كل شيء، بفضل مصادر الطاقة الروسية الموثوقة الرخيصة وبأسعار تنافسية تضمن نمو الاقتصاد الألماني، مثلما يحاولون الآن حل المسألة الروسية بشكل نهائي .

واستغرب الوزير الروسي من رفض السويد والدانمارك الكشف عن نتائج التحقيق في اعتداء "السيل الجنوبي"، وصمتهم منذ نصف عام، ومنذ سبتمبر، لم يرد السويديون ولا الدنماركيون على الرسائل الرسمية لرئيس الوزراء الروسي، الذي عرض بلباقة شديدة تعيين شخص ما، للتواصل معه لبحث ذلك، لأن الحادث وقع في مياه السويد والدنمارك الحصرية، وخطوط الأنابيب ملك لشركة روسية، وقال "أنا أعتبر أن هذه وقاحة، ولكن هذه الوقاحة تخفي الفشل الكامل لمحاولات التعتيم على مسؤولية الغرب المتكاتف بقيادة الولايات المتحدة عن التخريب وتنفيذ هذا العمل الإرهابي"، والاشارة إلى أنه إذا نُسب شيء مشابه إلى روسيا في ما يتعلق، على سبيل المثال، بخط أنابيب النفط "الكندي الأمريكي"، فلن يكون للصحفيين "وظيفة أخرى" وسيجبرونهم على الكتابة عن هذا فقط.

في الغرب أشاروا إلى الجمهورية العربية السورية، بعد مشاهد مصطنعة لـ"الخوذ البيضاء"، واعتبروها أساسا ليس فقط لإجراء تحقيقات وإنما لاستصدار قرارات من مجلس الأمن، والآن وبعد تحقيق سيمور هيرش، الذي تتوافق فيه كل الحقائق، يقول موظفو الأمم المتحدة إنه ليس لديهم أساسا يمكن الاستناد إليه لإجراء تحقيق، وذلك لان سيمور هيرش، ذكر السبب وهو عدم منح ألمانيا الفرصة للحصول على الغاز بشكل آمن ومستقر من هذه الأنابيب التي توفرها شركات روسيا للنمسا وألمانيا وإيطاليا، و إن ما يحدث الآن من وجهة نظر الوزير لافروف، هو أحد الأمثلة على "القواعد" بدلا من القوانين، والتي لا يهتم من يضعونها بالتداعيات التي تقع أضرارها حتى على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وإذا كان نيد برايس المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يتحدث عن تقرير السيد سيمور هيرش بوصفه "هراء"، فهذا يعد مؤشرا عن العلاقة بحرية الإعلام والصحافة.

والغريب في الامر هو ذلك التناقض في التصرفات والفكر الغربي، فجميعنا قرأنا ما يقوله المستشار الألماني ووزيرة الخارجية الألمانية، دائما إن الغرب تمكن من تجاوز العقوبات الروسية، والسؤال هو عن أي عقوبات روسية يدور الحديث ؟ فروسيا كما اكد لافروف لم تفرض عقوبات، ولكن العكس هو ما حدث، فهناك فقط تقارير استعراضية حول "كيف تمكننا من الحصول على الغاز" دون ذكر الفرق (في الأسعار).

أن ما يحدث اليوم يحدث بمساعدة الاعلام الغربي، والذي كشف هو الاخر عن " ازدواجيته " في التعامل مع القضايا الدولية " والترويج لكذب سادته، فالولايات المتحدة وأقمارها الصناعية تشن حربًا هجينة شاملة ضد روسيا، والتي تم إعدادها لسنوات عديدة، باستخدام الراديكاليين الوطنيين الأوكرانيين ككبش فداء، والغرض من هذه الحرب ليس مخفيًا، ليس فقط هزيمة روسيا في ساحة المعركة، وتدمير اقتصادها، ولكن أيضًا لإحاطة بها بطوق صحي، و"تحويلنا إلى نوع من البلد المنبوذ "، بحسب تعبير الوزير الروسي.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم