آراء

النظام الطبقي في مصر بين الريف والحضر

الطبقية تاريخ طويل من انعدام العدالة والمساواة بمصر...!!

كانت مصر قديماً تعيش نظاماً طبقياً بين "الريف والحضر"، والريف كان يمثل أكثر من 75% من السكان، ويعيشون تحت خط الفقر دون أي خدمات أو أي امتيازات، وكان يسود المجتمع الريفي الأمية، والفقر، والمرض ويوجد داخل المجتمع من يمثل الطبقة العليا من "ناظر الخاصة الملكية، أو ناظر الإقطاع والحاشية"، وكان ذلك في عهد الملكية.

بينما "الحضر" يحظى بالمدنية من المدن والحدائق والشوارع المرصوفة والأحياء الراقية والمساكن الأنيقة والمدارس الحديثة، وتوجد بها تقريباً كل ما تحظى به مصر من مستشفيات ومصحات وأطباء، للمصريين أو الأجانب، وينافس سكان مصر حينها في مستوى معيشتهم سكان أكثر الدول تقدماً في العالم.

كانت تسكن المدن الطبقة العليا ونسبتها كانت ضئيلة جداً، بالنسبة لمجموع السكان، وتتكون من ملاك الأراضي والكبار من الإقطاعيين، وعلى قمة الهرم الأسرة الملكية وحاشيتها، وكان لا يزال الكثير من عائلات هذه الطبقة العليا ينظرون إلى بقية المصريين على أنهم مجرد "فلاحين" وخدم لهم.

كما كانوا غارقين حتى الأذن في نمط الحياة الغربية، تختلط في كلامهم اللغة العربية مع مفردات بلغات أجنبية، ويمارسون كل عادات الغرب في المأكل والمشرب، والملبس، والمسكن، فضلاً عن المدارس التي يرسلون إليها أولادهم.

كل هذا كان من شأنه أن يعزل هذه الطبقة عزلاً شبه تام عن بقية المجتمع المصري في قصورهم ونواديهم وشواطئهم التي قد لا يراها بقية الناس من بعيد دون أن تطأها أقدامهم هذه الأماكن.

تواجد هذا العصر قبل عام 1952، ومن أهم ما يميزه "الطبقية" دون أن ينقسم إلى شرائح اجتماعية، عليا ودنيا، فتتمتع العليا بمتع الحياة، والجاه، والسلطة، بينما تحرم منها الشرائح الدنيا.

الغريب في ظل تلك الأوضاع ظهرت طبقة تخدم هذه الطبقة داخل المجتمع الريفي، واعتبرت نفسها أعلى من الطبقة الدنيا في المجتمع الريفي من نظار، ومهنة مثل الخولي في الزراعة والباشكاتب في الإقطاعيات الزراعية، بالاضافة إلى أن بعضهم كان يسند لهم مناصب مثل العمد ومشايخ الناحية؛ وتقوم أدوارهم بخدمة أسياد الطبقة العليا.

أوضاع الفقراء في مصر تزداد صعوبة/ رويترز

ثورة يوليو 1952م والتغيير الطبقي

لقد قامت ثورة يوليو عام 1952م للقضاء على هذه الازدواجية، وسرعان ما أدرك الشعب المصري ذلك وسعد به، ولكن بعد مرور عشرين عاماً أو أقل على قيام هذه الثورة، كانت هناك ازدواجية جديدة قد حل محلها من طبقة تعلمت وكبرت في عيون آبائهم من الطبقة المهمشة السابقة التي سمحت لهم الثورة أن يتولوا المناصب.

ومع قيام الثورة كانت الإجراءات والقوانين المتعاقبة من قانون الإصلاح الزراعي، وتأمين الشركات قد أظهرت طبقة جديدة تتربع على السلطة، وكانت تبحث عن امتيازات مادية، وتبحث عن المساكن الفاخرة واستغلال بعض الأماكن التي تم تأميمها، وتطلع بعضهم إلى حياة ما قبلهم من الإقطاعيين، وحاولوا تقليدهم في استغلال النوادي والشواطئ والقصور على أنها إرث لهم.

رغم ذلك لم تكن الازدواجية الجديدة بنفس حدة وقسوة الازدواجية القديمة، ولا كانت قائمة على المفارقة بين الريف والحضر كما كانت قبل عام 1952م، إذ دخل أصحاب السلطة الجديدة إلى الريف أيضاً، وانتقلت شرائح كبيرة من الفقراء ومتوسطي الدخل إلى الحضر، بسبب التوسع في التعليم ووظائف الحكومة والجيش والصناعة في المدن الحضرية.

لكن ظل عدد المهشمين كبيراً، بل ربما أصبح أكبر مما كان عليه قبل الثورة، إذ إن التهميش الآن لم يعد بسبب العامل اقتصادي فقط، بل أصبح يشمل نسبة كبيرة من المتعلمين والمثقفين الذين أصابهم نوع جديد من الاغتراب لا علاقة له بانخفاض الدخل.

ازدواجية المال والسلطة

عندما توفي جمال عبد الناصر في 1970م، كان نظامه قد خفف بلا شك من الازدواجية البغيضة بين الغني والفقير، وبين الحضر والريف، ولكنه ترك عناصر طبقة جديدة تحلم بالقفز إلى السلطة بمجرد أن تتاح لهم الفرصة، وهو ما تحقق بدرجة مذهلة في العشرين سنة التالية بعد حرب أكتوبر عام 1973 وصولاً لعام 1993، مع بداية هجرة العمالة المصرية لدول النفط.

حيث تم ترسيخ هذه الطبقية بعد حرب أكتوبر عام 1973م، وهذا ما ذكره بالتفصيل الدكتور جلال أمين في مذكراته ومقالاته؛ حيث تحدث عن التغييرات الطبقية التي حدثت في المجتمع المصري.

قد ظهر مع نهاية عصر السادات ما يعرف اصطلاحاً بزواج "السلطة بالمال"، فأوجد ازدواجية جديدة من القطط السمان وتجارة الأراضي والذين قاموا بتسقيعها ونهبها وأصبحت هذه الطبقة تسيطر على مفاصل الدولة.

إن صعود ازدواجية بين رجال السلطة ورجال الأعمال خلق طبقة واسعة داخل المجتمع من المهمشين رغم أنهم حظوا بنسبة كبيرة من التعليم والثقافة؛ مما جعلهم ناقمين على كل الأوضاع، بسبب سيطرة أصحاب رؤوس الأموال على القرار السياسي والاقتصادي بالدولة المصرية، ويتضح ذلك جلياً بوصول رجال الأعمال للبرلمانات والمناصب الوزارية، خصوصاً في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وصولاً للعهد الحالي الذي يسيطر فيه رأس المال على السلطة مع اختلاف الشريحة المسيطرة، فأصبح على عالم الاقتصاد والسياسة حيث تدخل الجيش في مفاصل هذا العالم، مع تحجيم دور رجال الأعمال في عهد مبارك، على الرغم من امتلاكهم سلطة اقتصادية يستطيعون من خلالها الحفاظ على مكتسباتهم السابقة.

لذلك يحتاج المصريون للنهوض بالعدالة والمساواة كما كافح من أجلها المناضل الأسود القس "مارتن لوثر كينغ" في صراعه في ستينيات القرن الماضي مع البيض الأمريكان، التي أضاءت الطريق للوصول لرجل أسود من أصول إفريقية وإسلامية إلى سُدة الحكم بإعلان فوز "باراك حسين أوباما" ووصوله إلى البيت الأبيض!

***

محمد سعد عبد اللطيف .

كاتب مصري وباحث في الجيوسياسية

 

في المثقف اليوم