آراء

معاوية وأبو لؤلؤة.. جدل درامي تاريخي في رمضان

عادة ما يبدأ الترويج للمسلسلات التي تعرض في شهر رمضان من كل عام مبكرا قبل بدء عرضها في الشهر الفضيل، ومن بين قوائمها المسلسلات التاريخية التي غالبا ما تلقى رواجا واقبال لدى شريحة كبيرة من الجمهور، خاصة إن كانت تسرد سيرة إحدى الشخصيات التاريخية التي أثارت الجدل في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو السبب الذي يبحث عنه المنتجين والذي بالطبع سيضمن لها جذب أكبر شريحة ممكنة من المشاهدين، كما حدث قبل عدة سنوات وذلك الجدل الذي أثير حول مسلسل "القعقاع بن عمر التميمي" واتهامه بالترويج لقبيلة كبيرة معينة في الخليج، في خطوة تركت أصداء إيجابية كبيرة على صناع العمل.

وقبل عدة أسابيع اثار مسلسل "معاوية بن أبي سفيان" المزمع عرضه في شهر رمضان القادم، جدلا واسعا لدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في العراق، حيث رأى الكثيرون بأنه يروج لأجندة مذهبية وطائفية، ما أثار حفيظة واستهجان بعض القنوات التابعة لإحدى المدارس الشيعية.

ولم تكد تعلن قناة mbc السعودية عن بدء تصوير المسلسل، حتى جاء الرد من إحدى القنوات العراقية التي أعلنت عن إنتاج فيلم "شجاعة أبو لؤلؤه" الذي يتناول سيرة قاتل الخليفة عمر بن الخطاب ويروج له. وعلى إثر تلك المواضيع وهذا الجدل الطائفي القائم، قررت هيئة الإعلام والاتصالات في العراق، منع بث مسلسل "معاوية" وفيلم "أبو لؤلؤة"، حيث قالت بأن التوجيه يأتي في إطار الرغبة في عدم بث أي أعمال فنية تتناول موضوعات تاريخية جدلية ومنها العملان الفنيان المذكوران.

لقد أعاد هذا الجدل "الطائفي" لذاكرتنا تلك المناظرات الطائفية التي كانت تعرض في إحدى القنوات الفضائية اللندنية في السنوات الماضية، والتي تقوم باستضافة شخصيات جدلية من "أهل السنة والشيعة" لعمل مناظرات عن الخلافات المذهبية بين الجماعتين، والشهرة التي حققتها آنذاك لتتوسع بعدها وتشمل المذاهب الأخرى كـ"السلفية والصوفية والأشاعرة والأزيدية" وغيرها..، ومن الطريف أن المتناظرين كانوا يتركون الحكم للمشاهد، وكأن آلاف المشاهدين المتابعين للبرنامج، كانوا على علم بـ"الكلام الإسلامي" ومعرفة بصحة العقائد الإيمانية ولديهم جميع المراجع الدينية لإطلاق الأحكام.

ولا شك في أن منتقدي العملين الدراميين، يرون أن الدراما الرمضانية والترويج لسياسات وأجندات طائفية، اساءة لحرمة هذا الشهر الفضيل، الذي يتسابق فيه صناع تلك الدراما   لعرض محتواهم سواء برامج أو مسلسلات. وهو شهر القرآن الذي يكثر فيه المسلم من قراءة القرآن الكريم وختمه وتدبر آياته ومعانيه التي تدعو إلى الوحدة والتآلف بين الناس عامة وليس المسلمين فقط ، بعكس إثارة النعرات الطائفية، التي تجعل المنطقة ملتهبة وترجعها مئات الخطوات الى الوراء، بعد خروجها المؤقت من حالة نزاع طائفي شرس راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء، كحوادث تفجيرات المساجد أثناء صلوات الجمعة في الكويت والسعودية والعراق واليمن وغيرها.

وبكل أسف.. أقولها إننا في العالم العربي أو الإسلامي نفتقد للحس النقدي، ليس في الأعمال التلفزيونية فقط وإنما حتى في الكتابات التاريخية، ومن المؤسف أن نرى الرد على مسلسل معاوية يكون بإنتاج عمل "مضاد"، وهو هجوم سابق لأوانه لكثيرين يرون ذلك، فالعمل لم يعرض بعد!، صحيح أنه لن يتناول سيرة مؤسس الدولة الأموية بالنقد والتحليل وأنما سيغلب عليه الجانب التبجيلي، لكن هذا هو حال جميع المسلسلات التاريخية سواء  التي أنتجتها قنوات محسوبة على السنة أم الشيعة.

وهو ما يشبه الردود المتبادلة في السجالات المذهبية بين الجماعتين فعندما ألف الفقيه الشافعي ابن حجر الهيتمي كتابه "الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة" تصدى له من الجانب الآخر نور الله التستري بكتابه "الصوارم المهرقة في جواب الصواعق المحرقة"، فهل انتقل السجال الطائفي بين المذاهب الإسلامية من الكتب إلى الأفلام والمسلسلات؟

***

بقلم: أ. صالح البلوشي

كاتب و إعلامي عماني

 

في المثقف اليوم