آراء

لمن يوجه الحلف الصيني الروسي؟

اختتام زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ، (أول زيارة خارجية له منذ إعادة انتخابه رئيسا للصين لولاية ثالثة)، إلى موسكو في رحلة استغرق ثلاثة أيام، بالتوقيع على وثيقتين بين موسكو وبكين، وهما وثيقة تهدف لتعميق العلاقات الروسية الصينية وخطة لتطوير التعاون الاقتصادي حتى العام 2030، اكدت ان موسكو وبكين يسعيان الى المحافظة على ديناميكيات عالية للتجارة المتبادلة، وفي العام 2023 يمكن أن تتجاوز التجارة عتبة الـ200 مليار دولار.

الوثيقة الأهم في الزيارة، هي البيان المشترك عقب محادثات الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جين بينغ (الذي عقد مع بوتين 39 اجتماعا وجها لوجه) عقب محادثاتهما، أكدت أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبيرة للنظام العالمي، وأن العلاقات الروسية-الصينية القائمة على شراكة شاملة وتعاون استراتيجي، تدخل عصرا جديدا، وان الرئيسين لخصا معا نتائج تطور العلاقات الثنائية على مدى السنوات العشر الماضية واتفقا على أن العلاقات الصينية الروسية تجاوزت العلاقات الثنائية، وهي ذات أهمية حيوية للنظام العالمي الحديث ولمصير البشرية".

وبشأن القضية الأهم التي ينتظر نتائجها العالم اجمع، فقد أشار الرئيس الصيني إلى أن بلاده تتمسك بموقف موضوعي وغير متحيز بشأن الأزمة الأوكرانية، وتعمل بنشاط على تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات لحلها، والتأكيد أنه فيما يتعلق بهذه التسوية، "فإننا نسترشد بشدة بأهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ونلتزم بموقف موضوعي ومحايد، وبفاعلية تعزيز المصالحة واستئناف المفاوضات "، وان هذا الموقف مبني على جوهر القضية والحقيقة، " نحن دائما مع السلام والحوار، ونحن نقف بثبات على الجانب الصحيح من التاريخ "، في حين أشاد الرئيس بوتين بموقف بكين المتوازن في هذا القضية، وغيرها من القضايا الدولية، والتشديد على أن روسيا منفتحة على المفاوضات في الأزمة الأوكرانية، وأكد احترامه للمبادرة الصينية، كما وعبرت روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية عن قلقهما الشديد بشأن الأنشطة البيولوجية العسكرية للولايات المتحدة، بما في ذلك خارج الأراضي الأمريكية، وتطالبان بتوضيحات.

إن روسيا اعتمدت بحسب تعبير الرئيس الروسي، على حقيقة أن الوضع مع أوكرانيا يمكن حله سلميا، ولم تسع أبدا إلى المواجهة، ولكن الشركاء الغربيين رفضوا الحل السلمي في دونباس، وقال "انطلقنا من فرضية أننا سنكون قادرين على حل (الوضع) بالوسائل السلمية المطلقة، لم نسع أبدا إلى أي نوع من المواجهة"، والتأكيد أن روسيا في 2014 لم يكن بإمكانها رفض دعم سكان القرم ومساعدتهم وحمايتهم، من بطش النازيين، والشارة الى ان كل ما حدث في شبه جزيرة القرم، واضح للجميع! ببساطة لم يتمكنوا من رفض دعمهم وحمايتهم لشعب القرم، من قبل النازيين كما يسمون أنفسهم في أوكرانيا.

وبشأن القضايا الدولية الأخرى، فان البيان ركز على أن روسيا والصين تؤيدان الحفاظ على القطب الشمالي كمنطقة سلام وتعاون بناء، والتأكيد على دعم موسكو وبكين سيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا وليبيا، وتدعم الأطراف سيادة واستقلال وسلامة أراضي سوريا، وتسهم في تعزيز عملية تسوية سياسية شاملة، ينظمها وينفذها السوريون أنفسهم، ويدافع الجانبان عن حماية سيادة واستقلال ووحدة أراضي ليبيا، والمساهمة في تعزيز عملية تسوية سياسية شاملة، "ينفذها ويقودها الليبيون أنفسهم كذلك"، والتشديد على عدم مقبولية وجود محاولة استبدال مبادئ القانون الدولي وقواعده المعترف بها بشكل عام، وأن روسيا والصين تعارضان فرض دولة واحدة لقيمهما على دول أخرى، مؤكدين عدم وجود شيء يسمى بـ "ديمقراطية أعلى"، ودعت روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية، حلف شمال الأطلسي "الناتو" إلى احترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها، وتأكيدهما أن بكين وموسكو تعارضان التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية.

أن العلاقات بين روسيا والصين ليست تحالفا عسكريا ومواجهة، وليست موجهة ضد دول أخرى، ورغم أنها ليست تحالفا عسكريا سياسيا مشابها للتحالفات التي أقيمت خلال الحرب الباردة، وكما جاء في البيان المشترك، تتفوق على هذا الشكل من التفاعل بين الدول، في حين أنها ليست ذات طبيعة تكتلية ومواجهة وليست موجهة ضد الغير، وأن العلاقات بين روسيا والصين ناضجة ومستقرة ومكتفية ذاتيا، وصمدت في وجه الوضع الدولي المضطرب ولا تخضع لتأثير خارجي.

كما شددت المباحثات الروسية الصينية على أن روسيا والصين ضد سياسة القوة، والتفكير في الحرب الباردة، والمواجهة بين المعسكرين (الغربي والشرقي)، وأشارت موسكو وبكين إلى المساهمة الإيجابية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في إمكانية تطوير التعاون بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي وجمهورية الصين الشعبية لضمان السلام والاستقرار، ويلاحظون إمكانية تطوير التعاون بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي والصين من أجل ضمان السلام والاستقرار في المنطقة".

وأعربت روسيا والصين عن قلقهما بشأن الوضع في شبه الجزيرة الكورية، وتحثان جميع الأطراف على التحلي بالهدوء وضبط النفس، وبذل جهود للحد من التوتر، وتأكيد البلدان رفضهما القاطع لمحاولات استيراد "الثورات الملونة" والتدخل الخارجي في شؤون آسيا الوسطى، واستعدادهما لتعزيز التنسيق المتبادل لدعم دول آسيا الوسطى في ضمان سيادتها وتنميتها الوطنية، ولا تقبل محاولات استيراد الثورات الملونة والتدخل الخارجي في شؤون المنطقة، والإشارة الى إن روسيا ستدرس مبادرة الحضارة العالمية للجانب الصيني.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اعتبر ان التعاون التجاري والاقتصادي يعتبر أولوية في العلاقات بين روسيا والصين، وانهما يحافظان على ديناميكيات عالية للتجارة المتبادلة، ففي العام 2023، يمكن أن تتجاوز التجارة عتبة الـ200 مليار دولار، والأشارة إلى أن التجارة بين روسيا والصين وصلت إلى رقم قياسي تاريخي تجاوز مستوى 185 مليار دولار في العام 2022، ومن المتوقع أن تتجاوز التجارة بين البلدين في العام الجاري مستوى 200 مليار دولار، والاشارة الى إن "الفرص الإضافية لإطلاق إمكانات الاقتصادين الروسي والصيني يتم توفيرها من خلال الاتحاد الأوراسي ومبادرة الرئيس الصيني (حزام واحد - طريق واحد)".

المحادثات الروسية الصينية ناقشت بالتفصيل مشروع "قوة سيبيريا-2" (أنبوب لضخ الغاز من روسيا إلى الصين عبر منغوليا)، وسيتم وفقا للرئيس الروسي، زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال من روسيا إلى الصين، مشيرا الى ان مؤسسة الطاقة النووية الروسية والوكالة الصينية المتخصصة توقعان برنامج تعاون طويل الأمد، كما وان الوثائق الموقعة خلال الزيارة تعكس مستوى العلاقات بين موسكو وبكين، والتي هي عند أعلى مستوى في التاريخ، كذلك لفت إلى أن الوثائق الموقعة مع الصين، تتضمن هدفا بمضاعفة حجم التجارة معها.

روسيا وخلال لقاء الرئيس الصيني و رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، كشفت عن أن موسكو ستعزز التعاون الاستراتيجي مع بكين، والاشارة إلى وجود مشاريع حكومية بقيمة 165 مليار دولار بين البلدين، وتشمل محفظة هيئة الاستثمار الحكومية 79 مشروعا، وأن التعاون الاستراتيجي يغطي بحسب ميشوستين، كلا من النقل والمشاريع التكنولوجية، وليس فقط شراكات الطاقة، والحديث يدور عن بناء الطائرات والهندسة الميكانيكية وأبحاث الفضاء وكذلك التقنيات" الشاملة "التي تهدف إلى إنشاء منتجات مبتكرة وتقديم الخدمات، وكما يجري إعداد مشاريع جديدة من شأنها زيادة حركة المرور بشكل كبير على طول الطرق العابرة لسيبيريا وعبر آسيا.

وابرزت الزيارة وفقًا للخبراء، انها جاءت على خلفية رفض إدانة الصين لروسيا، وتهديد الولايات المتحدة بكين مرارًا وتكرارًا بعقوبات ثانوية، وغالبًا ما كانت تجيب (بكين) على الأمريكيين بردود غاضبة - يقولون، ليس للولايات المتحدة أن تقرر بكين مع من تكون صديقة، وإلى جانب ذلك، ألمح ضمنيًا إلى أن الغرب هو الذي يؤجج الصراع بإمدادات الأسلحة إلى كييف، وأكدت إن موسكو كانت تنتظر رئيسًا صينيًا لفترة طويلة، ففي أوائل فبراير من العام الماضي، حضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في بكين، وفي ضوء الممارسة الراسخة للزيارات المتتالية، وعلى خلفية "البيان المشترك للبلدين بشأن دخول العلاقات الدولية حقبة جديدة والتنمية المستدامة العالمية"،، كما وجاءت الزيارة إلى روسيا في مرحلة مهمة للغاية في الحياة السياسية الصينية، فقبل أيام قليلة، تم التأكيد بالإجماع على شي جين بينغ في الدورة السنوية للبرلمان كرئيس لجمهورية الصين الشعبية لولاية ثالثة، ومن وجهة النظر هذه، كانت الرحلة إلى موسكو هي الأولى له بعد إعادة انتخابه، والتي، بالطبع، تبين أنها رمزية معينة، ففي عام 2013، عندما انتخب شي لأول مرة زعيمًا للصين، كانت روسيا أيضًا وجهته الخارجية الأولى، ومنذ ذلك الحين.

الوثيقة الصينية المؤلفة من 12 نقطة، حول رؤية بكين للمخرج من الأزمة الأوكرانية، تهدف إلى إظهار أكبر قدر ممكن من الحياد والتأكيد على مفاوضات السلام، وبحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وي بين، فإن فكرة الصين "تنبع من اقتراح واحد، وهو الدعوة إلى السلام وتعزيز المفاوضات"، في وقت لا تريد الصين أن يتصاعد الصراع إلى الوضع الحالي، ويأمل الرئيس الصيني في زيارته التي وصفتها " غلوبال تايمز " الصينية بالفعل بأنها "زيارة صداقة وتعاون وسلام"، في مساعدة روسيا وأوكرانيا، في إيجاد حل سياسي، إلا ان الغرب انتقد الوثيقة على الفور، واعتبرها موالية لروسيا بشكل علني، وأثارت الزيارة بالفعل موجة من القلق بشأن زيادة تعزيز محور موسكو وبكين، واعتبروا (الغرب) وصول الزعيم الصيني واللقاء بالرئيس الروسي بمثابة تحد للولايات المتحدة وحلفائها الذين سعوا للضغط على الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات، في حين أعطت موسكو تقييمًا إيجابيًا لوثيقة السلام الصينية .

الزيارة على ما يبدو كشفت أن المزاج الكئيب للغرب، وقبل كل شيء واشنطن، يعود إلى حقيقة أن الاتصالات رفيعة المستوى بين قادة البلدين، أصبحت دليلًا واضحًا آخر على فشل المحاولات لعزل موسكو في الساحة الدولية، وإشراك أكبر عدد من المشاركين في العقوبات المناهضة لروسيا، وجزئيًا، عكس هذا أيضًا استياء الولايات المتحدة من دور الصين نفسها في الشؤون الدولية، حيث اعتادت الولايات المتحدة على لعب دور الكمان الأول فيها، والاعلان السعودي الإيراني قبل أكثر من أسبوع بقليل من الزيارة التي تمت بوساطة الصين، عن استئناف العلاقات الدبلوماسية، والذي مهد هذا الاختراق الطريق أمام جهود بكين التي سلطت الضوء على النفوذ السياسي والاقتصادي المتزايد للصين في المنطقة، والذي شكله النفوذ الأمريكي منذ فترة طويلة، وفي ظل هذه الخلفية، ربما أصبحت صورة الوسيط في الصراع الأوكراني أكثر إزعاجًا للولايات المتحدة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم