آراء

صابر جيدوري: الوطنية سلوك وليست كلامًا في الهواء

أطلق السوريون في الشهور الأولى للثورة شعارات كثيرة، كان أهمها شعار "الشعب السوري واحد"، كما أطلقوا على أيام الجُمع التي كانوا يخرجون فيها من المساجد تسميات كثيرة، كـ جمعة صالح العلي، وآزادي (الحرية)، وحماة الديار وغيرها من التسميات، التي كانت تعكس مواقف السوريين النبيلة، والتي ظهرت تجلياتها في المظاهرات الشعبية في عموم المحافظات السورية، قبل أن يدفعهم نظام الأسد إلى حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم وعوائلهم، وبخاصة بعد أن تكررت ممارساته الأمنية العنيفة.

وبعيدًا عن المواقف الأيديولوجية المسبقة، من الضروري أن ندرك أن رفع شعار "الشعب السوري واحد"، أو آزادي، أو أطلاق اسم صالح العلي على احدى الجُمع، لحثّ شريحة معينة على ضرورة أن تسلك سلوكًا وطنيًا تجاه الثورة، لا يعني بشكل طبيعي وأوتوماتيكي أن الآخر أصبح من أهل هذه القيم (الشعارات)، والدليل أن الواقع يُثبت أن من يُفترض بهم أن يتمثلوا سلوك صالح العلي (الوطني)، راحوا يعيثون فسادًا ودمارًا في البلاد والعباد، كما أن من رُفع لأجلهم شعار (آزادي) راحوا أيضًا يُهجّرون الناس من قراهم ومدنهم، ليقموا عليها كانتون قومي تحت الرعاية الامريكية.

من هنا فإن الخطر الحقيقي الذي يواجهنا كسوريين، على هذا الصعيد، هو أن يتم التعامل مع شعار "الشعب السوري واحد" بوصفه شعارًا ناجزًا، وأنه الحل السحري لمشاكلنا المختلفة، فـ شعار "الشعب السوري واحد" في بعده النظري، وبعده التطبيقي، ليس مشروعًا ناجزًا، وإنما هو من المشروعات المفتوحة على كل المبادرات السورية، التي نأمل أن تجد طريقها إلى النجاح يومًا ما، وعلى الجميع أن يعرف أنه لا يوجد شعب سوري واحد دون أن نؤمن جميعًا بوحدة الأراضي السورية، وإن أي شعار لا يصدقه الواقع هو شعار شكلي لا قيمة له، وإن حجر الزاوية في مشروع الشعب السوري واحد هو وحدة الأراضي السورية، كما أن حجر الزاوية في مشروع الحرية هو وجود الإنسان الحر، الذي يترجم قيم الحرية ويدافع عن مقتضياتها ومتطلباتها، مع ملحوظة أن هذه العملية لا تتم اعتباطًا أو صدفة، و إنما هي بحاجة إلى تهيئة وتنشئة وتربية.

ولهذا، فإن المطلوب ليس الصراخ باسم الشعارات الجديدة التي أطلقتها الثورة، وإنما العمل على التربية عليها، لأن التربية على هذه الشعارات والقيم والمبادئ هو الطريق الطبيعي لخلق وقائع مجتمعية منسجمة مع مقتضيات هذه القيم، وشعار "الشعب السوري واحد" كممارسة، ليس خطابًا يلقى، أو ادعاء يدعى، وإنما يجب أن يكون إرادة إنسانية صلبة، تتجه نحو التمسك بوحدة الجغرافيا السورية ومقتضياتها. وحيث تتوفر الإرادة الإنسانية المتجهة صوب وحدة الوطن السوري، تتحقق بذات القدر قيم المواطنة والانتماء والحرية، فحجر الزاوية في مشروع وحدة الأراضي السورية، هو إرادة السوريين. من هنا ينبغي الاهتمام بمفهوم (التربية على بناء إرادة قوية لا تسمح بتفكيك الوطن وتقسيمه كما يرغب بعضهم)، إذ إن المهمة العامة الملقاة على كاهل جميع النخب هي تربية شرائح المجتمع المختلفة على ضرورة أن يبقى الوطن السوري موحدًا، مع التأكيد أن التربية على مثل هذه الإرادة تحتاج إلى: استعداد نفسي تام للقبول بكل متطلبات المواطنة، وكذلك الاطلاع والتواصل الثقافي مع المنجز الثقافي الإنساني لكل أطياف الشعب السوري، الذي يؤسس لخيار وحدة الأرض ويبلور مضامينه.

من هنا يمكن القول: الوطنية سلوك وليست كلامًا في الهواء، لا تحدثني عن الوطن وأنت ترتمي في أحضان مخابرات الدول التي تتآمر على وطنك، ولا تحدثني عن الوطن وأنت تختصر الوطنية في شعارات تنشرها على صفحات التواصل الاجتماعي، أو أغنية وطنية تدغدغ مشاعرنا وتتحدث عن واقع افتراضي يتم تزييفه، ولا تُسطر لنا شعرًا أو نثرًا عن الوطنية وأنت لا تتمثله في سلوكك اليومي اتجاه وطنك..

الوطنية الحقة تعني أن تحصل على حقوقك وتؤدي واجباتك اتجاه وطنك دون نفاق أو رياء، والوطنية تقتضي ألا تستغل ثورة شعبك ضد الظلم لتتسلق عليها وتسرق مقدراتها، وتتآمر مع مخابرات الدول ضدها وضد وطنك.. ومن ثم، فإن المطلوب هو تربية وطنية جديدة تكون قادرة على بناء رؤية ثقافية متكاملة تساهم في تفكيك القيم المضادة لوحدة الوطن السوري، وبناء وقائع ومناهج وخيارات تُسهم في تعزيز خيار قيم الثورة في الفضاء الوطني الخاص والعام، فضلاً عن صياغة كيفيات وآليات التحول نحو القيم الجديدة والسلوك بموجبها في الحياة العامة.

***

صابر جيدوري

في المثقف اليوم