آراء

مزهر جبر الساعدي: ايران: ايران النووية، ليست ايران القنبلة النووية

في الاول من يونيو من هذا العام، صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي؛ ان اسرائيل سوف تقوم، بكل ما هو ضروري لمنع ايران من ان تمتلك السلاح النووي. في اليوم التالي لهذا التصريح؛ ألغت الخارجية الامريكية، او انها علقت زيارة لوزيرها الى الكيان الاسرائيلي، وقد ربط المراقبون هذا الإلغاء او التعليق بالموقف الامريكي من برنامج ايران النووي. ان هذا التصريح لم يكن هو الاول من نوعه، سواء منه او من بقية المسؤولين الاسرائيليين وحتى الامريكيون، خلال العقدين الماضيين، لم يقما او ينفذا (امريكا واسرائيل) ما هددا به ايران خلال هذين العقدين، سوى البعض من الاعمال المخابراتية في الداخل الايراني، سواء كانت هذه الاعمال باستهداف علماء ايران او المواقع النووية الايرانية، اما بخلاف هذا، فلم تطلقا حتى لو طلقة مسدس على ايران. في هذا الوقت، أو خلال هذه العشرين سنة الماضية الى الآن؛ يواصل البرنامج النووي الايراني تطوره حتى بلغ اخيرا ما بلغ. في تزامن لتصريح نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي، او قبل  هذا التصريح بأيام؛ ترددت الانباء على ان سلطنة عُمان تقوم بواسطة او انها صارت كما هو ديدنها، خلال كل السنوات السابقة، بالقيام بالواسطة بين ايران وامريكا؛ حلقة وصل للمفاوضات غير المباشرة، بين ايران والولايات المتحدة الامريكية، حول اعادة العمل بالصفقة النووية بين ايران والولايات المتحدة الامريكية، او ان الاصح بين ايران والدول الكبرى المشاركة بالصفقة النووية مع ايران، والتي نفاها الجانب الامريكي. ان هذا النفي من وجهة نظري المتواضعة؛ لا يلغي حقيقة وجودها، بل ان هذا النفي يؤكدها. الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي ذات التوقيت، واثناء زيارة رئيسها والوفد المرافق له، الى ايران، قبل ايام من تصريح نتنياهو؛ اكدت من ان الملف الخلافي لبقايا اليورانيوم المخصب بدرجة اكثر من 80%، والتي تدعي الوكالة من انها عثرت عليه في وقت سابق في احد المواقع النووية الايرانية السرية، والتي لم تكشف ايران عنها، والتي تم كشفها للوكالة الدولية للطاقة الذرية من قبل عملاء ايرانيين يعملون لصالح المخابرات الامريكية والاسرائيلية؛ تم طي صفحته، ولم يعد ملفا خلافيا. كما انها اي لوكالة الدولية للطاقة الذرية، اوردت عن فحوى زيارتها الأخيرة الى ايران، أو النتائج التي توصلت إليها مع ايران؛ ان ايران وافقت على اعادة نصب كاميرات في مواقع نووية محددة، التي كانت ايران قد رفعتها في وقت سابق، بالإضافة الى مواقع جديدة اخرى. الخارجية الاسرائيلية في تعليقها على اغلاق ملف اليورانيوم المخصب، ونصب الكاميرات، وتعاون الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع ايران في التوصل الى حلول حول البرنامج النووي الايراني، وايجاد قاعدة عمل مشتركة؛ تتيح لمفتشي الوكالة الدولية، مراقبة الموقع النووية الايرانية؛ قالت في هذا التعليق، من ان الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ تعرضت للضغط السياسي الايراني. الحقيقة ان الوكالة الدولية لم تتعرض للضغط السياسي الايراني، لأن الأخيرة ليس في حوزتها مثل هذه الادوات للضغط السياسي، بل ان الضغط هو امريكي صرف؛ لإيجاد او توفير اجواء لأبرام صفقة جزئية ومرحلية بين ايران وامريكا؛ لمراقبة برنامج ايران النووي، إنما الخارجية الاسرائيلية؛ لا تريد ان توجه اتهاما الى امريكا بايدن؛ كي لا توتر علاقتها مع امريكا بايدن، على ما فيها حاليا من تأزم وتوتر. ان هذا التأزم او التوتر بين اسرائيل نتنياهو وطاقمه العنصري وامريكا بايدن؛ لا يؤثر بالمطلق على التحالف بينهما، او الاصح والادق توصيفا؛ الالتزام الامريكي بحماية اسرائيل وضمان تفوقها العسكري وفي غيره من مجالات التطور على جيرانها العرب. ان المفاوضات الايرانية الامريكية غير المباشرة، بواسطة سلطنة عُمان؛ تهدف الى اعادة احياء الصفقة النووية، جزئيا ومرحليا، كما اشارت الى ذلك الكثير من التقارير الصحفية، سواء الامريكية او الروسية او غيرهما. ايران حتى هذه اللحظة لم تعلق على هذه التسريبات. الولايات المتحدة الامريكية سواء هذه الادارة او اي ادارة امريكية اخرى؛ تريد سواء بالطرق الدبلوماسية او بالضغط الاقتصادي والمخابراتي؛ ان تصل مع ايران الى اتفاق ما، حتى لو كان جزئيا ومرحليا؛ لضمان الاشراف على برنامج ايران النووي، والحيلولة دون صناعة ايران للقنبلة النووية، مع السماح لإيران العتبة النووية، اي ايران القادرة في اي زمان وظرف على صعيد المستقبل، على صناعة السلاح النووي في الحالة، او الظروف التي تفرض عليها، صناعته. ان المنطقة تشهد متغيرات اقليمية؛ جنحت فيها الدول الاقليمية الفاعلة، ايران وتركيا والسعودية ومصر، وغير هذه الدول من دول المنطقة العربية والخليج العربي ودول الجوار الاسلامي، في الاشهر الاخيرة الى حلحلة وتفكيك المشاكل والخلافات التي تعاني منها المنطقة العربية، وحتى جوارها الاسلامي، واعادة العلاقات الدبلوماسية بينها. اعتقد ومن وجهة نظري المتواضعة؛ ان الاتفاق الجزئي والمرحلي لمعالجة اشكالية البرنامج النووي الايراني؛ ربما كبيرة جدا؛ ان يتجه الى الحلحلة والتفكيك ولو جزئيا ومرحليا، الى الاتفاق الجزئي والمرحلي، بين ايران والولايات المتحدة الامريكية، كجزء مهم جدا، من السياسة الايرانية الجديدة؛ بالعمل على وضع الحلول للمشاكل والمعضلات، وتهدئة الخواطر والمخاوف لدول المنطقة العربية، التي تقف حاجزا يحول دون مسار التعاون البناء بين دول المنطقة العربية ومن بينها، بل من اهمها في هذا الاتجاه؛ دول الخليج العربي وبالذات المملكة العربية السعودية. ان ايران هي الدولة الفائزة بما نتج من هذه المنازلة والاشتباك؛ من نتائج هي لصالح ايران. أذ انها، ربما، كما اوضحت في اعلى هذه السطور المتواضعة،، ربما كبيرة جدا؛ ستنتزع الاعتراف كدولة عتبة نووية اي ايران النووية، من الولايات المتحدة الامريكية؛ وليس ايران القنبلة النووية. المسؤولون الايرانيون يدركون تماما؛ من انهم، او ان ايران النووية بلا سلاح نووي في هذه المرحلة، مهم جدا لها في هذا الوقت، لعبور نهر الضغط الاقتصادي والعزلة الدولية والاقليمية الى الجرف المقابل من هذا النهر؛ حيث الهواء الطلق، الاقتصادي والتجاري والسياسي والثقافي.

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم