آراء

محمد جواد فارس: 75 عاماً من النكبة

75 عاما من النكبة الفلسطينية ولكن فلسطين ستبقى عربية والاحتلال الاستيطاني الصهيوني الى الزوال.

يا عدوَّ الشّمس لكن لن أساوم

و إلى آخر نبض في عروقي سأقاوم

ربما تسلبني آاخر شِبر من ترابي

ربما تُطعم للسجن شبابي

ربما تسطو على ميراث جدي

من أثاث وأوان وخوابي

ربما تُحرق أشعاري وكتبي

ربما تطعم لحمي للكلاب

ربما تبقى على قريتنا كابوس رُعب

ياعدو الشمس لكن لن اساوم

وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم

سميح القاسم

شاعر المقاومة الفلسطينية

يعلمنا التاريخ الحديث أن الاستيطان لم يكتب له الخلود. و أن الشعوب لن تسكت عنه، بل تقاومه ولدينا أمثلة، ثورة الشعب الجزائري تحتاالإستيطان الفرنسي الذي دام 150 عاما، عملوا خلاله على فرنسة الشعب. ولكن الشعب الجزائري الذي بدء بثورته عام 1954 مستخدما أسلوب الكفاح المسلح تحت قيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية، فقدم الشعب خلال فترة التحرير أكثر من مليون شهيد. حتى أعلن شارل ديغول عام 1962 سحب الجيش الفرنسي وأعلنت جبهة التحرير استقلال الجزائر وسميت (جمهورية الجزائر الشعبية الديمقراطية). ولا ننسى كيف أن الفرنسيين في استيطانهم في الجزائر دمروا هذا الشعب وقامو بتجاربهم للاسلحة النووية في الصحراء الجزائرية ومدى تأثيرها على البشر والطبيعة لسنوات.

اما البلد الآخر الذي انتزع الاستقلال من الاستيطان الإنكليزي، فهو جمهورية أفريقيا الجنوبية، بعد أن حكما البيض الانكليز في حكومات الابرتايد حوالي 250 عاما. وتعاملوا مع أصحاب الأرض من السود بتمييز عنصري. إلى أن قامت حركة تحرير جنوب افريقيا بزعامة نلسن ماندلا ورفاقه. وجرت انتخابات حرة فاز فيها حزب المؤتمر الوطني بقيادة نلسن ماندلا وكان له دور في طرح شعار التسامح بين أصحاب البلد والموستوطنين البيض. واليوم يعيش من البيض حوالي 4, 2 مليون متضامنين أ اخوة مع السواد الاعظم من الأفارقة، وانتهى عصر الاربتايد في هذا البلد.

ومن هذه المنطلقات الموضوعية في القرن العشرين بات النضال من أجل إنهاءآخر معقل للعنصرية في فلسطين المحتلة.

فلسطين البوصلة

بعد الحرب العالمية الأولى والتي اندلعت عام 1914 - 1918 والذي توج بانتصار الحلفاء، واندحار العثمانيين الذين كانوا يحتلون فلسطين. يومها كان سكان فلسطين من مسلمين ومسيحيين ويهود متعايشين بشكل إيجابي. وجاء وعد بلفور في رسالةأرسلها آرثر جيمس بلفور بتاريخ الثاني من نوفمبر عام 1917 إلى الصهيوني روتشيلد وفيها إشارة صريحة لموافقة الدولة البريطانية لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وقد سبق وعد بلفور أتفاق سايكس -بيكو الذي تم عام 1916.

وعندما وصل الغرباء من اليهود الصهاينة إلى ارض فلسطين العربية وصلت الهجرة ذروتها عام 1948 وسمي بعام النكبة. فهجّروا أبناء البلاد من ديارهم واستخدموا أساليب جرمية ومنها مجزرة دير ياسين التي ذهب ضحيتها الكثير من سكنة دير ياسين الفلسطينية. طُرحت القضية الفلسطينية أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وصدر في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947 قرار التقسيم والذي أحدث صدمة لدى الشعب الفلسطيني والقوى الوطنية والتقدمية في المنطقة العربية، وعلى سبيل المثال موقف الحزب الشيوعي العراقي بقيادة الرفيق الخالد يوسف سلمان يوسف (فهد) وهو مؤسس الحزب الشيوعي العراقي عام 1934 ,  وهو في السجن ومحكوم بالإعدام ورفاقه، فأرسل رسالة إلى الرفاق في التنظيم ضمّنها موقف الحزب ضد التقسيم، ودعا إلى رفع شعار (فلسطين العربية) يتعايش فيها المسلمون والمسحيون واليهود من أصحاب البلد، ولكن موقف السوفيت كان مع دفع الاحزاب الشيوعية والعمالية العالمية المنضوية تحت الكومنترن، إلى إقرار قرار تقسيم فلسطين، وذلك بإقامة دولتين؛ يهودية (إسرائيل) وأخرى عربية فلسطين. وبدء العرب حربهم. ولكن خيانة الأنظمة العربية لم تسمح للجيوش العربية بكسب المعركة، فانسحبت. وكان الجيش العراقي قد شارك في المعارك وترك في فلسطين شهداءه في مقبرة جنين.

وبقيت قضية فلسطين وتحريرها من الصهاينة تتفاعل في الحركات الوطنية بين اليسار والقوميين وطرحت شعارات تضمنية، ومنها شعار فلسطين؛ يحررها أبنائها، وأنشئ في العراق بعد ثورة تموز عام 1958 جيش التحرير الفلسطيني برعاية من الجيش العراقي وحتى في سورية.

وفي الأول من عام 1965 تم الإعلان عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، عندما تداعى عدد من الفلسطنيين ومنهم ياسر عرفات وخليل الوزير وابو إياد وآخرين.التي رفعت شعار التحرير والكفاح المسلح كطريق لنيل الحرية. ولاقت تأييداً من قبل القوى الوطنية والشعوب في الوطن العربي. وتطوع الشباب فيها. وبعد ذلك أصبح هناك عدد من المنظمات المقاومة ومنها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية القيادة العامة وجبهة النضال الفلسطيني، وجبة التحرير الفلسطينية والجبهةالعربية لتحرير فلسطين وقوات الصاعقة الفلسطينية واخيرا ظهرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وحركة الجهاد الإسلامي.

وفي حرب الأيام الستة عام،1967 أقدمت دولة الكيان الصهيوني على شن العدوان على الجبهتين المصرية والسورية. وانتهت الحرب باحتلال سيناء وعبور القناة إلى الجهة الاخرى وتم تدمير القوة الجوية المصرية وهي جاثمة في المطارات. واحتُلّت هضبة الجولان السورية. وبدء عبد الناصر بإعادة تسليح الجيش المصري بعد عدوله عن الاستقالة، وطلب من السوفيت الموافقة على تزويد الجيش المصري بالطائرات والأسلحة، ووافق السوفييت. وشارك الهواري بومدين الرئيس الجزائري في دفع مبلغ من المال لتسليح الجيش المصري. وبعد وفاة جمال عبد الناصر وتبوء نائبه أنور السادات تحول إلى أمريكا وزار إسرائيل وأصبحت المصالحة والاعتراف والتفاوض مع إسرائيل، والتحقت بعده الأردن ومنظمة التحرير الفلسطنية.

ولكن القيادة الفلسطينية للمقاومة بكل منظماتها لازالت ملتزمة بقرارات قمة الخرطوم. وطرح جمال عبد الناصر في المؤتمر اللاءات الثلاث: لا تفاوض لا صلح لا إعتراف. وإسرائيل موغلة في عدوانها على المقاومة وتعمل من أجل القضاء عليها وهذا لم يتم.

و في عام 1982 صيفا قرر المحتل الاسرائيلي الحرب على الجنوب اللبناني لضرب تجمعات المقاومة الفلسطينية التي كانت تنطلق المقاومة من الجنوب، ووضع كل قواه العسكرية من طيران ودبابات ومشاة، وصدم بمقاومة شديدة وخاصةً في قلعة شقيف اللبنانية التي صمدت وقاومت. وعندما قام بحصار بيروت العاصمة، وكنت شاهد عيان على ذلك عندما وصلتُ بيروت قبل ساعات من الحصار على بيروت؛ انا كاتب هذه السطور،و كنت متطوعاً باسم الحزب الشيوعي العراقي كطبيب. وعملت مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مشفى ميداني في المصيطبة. وبقيت لحين خروج المقاومة الفلسطينية.و شاهدت كيف أن المقاومة الفلسطينية أبلت مع المقاومة الوطنية اللبنانية بلاء حسناً، والتي تشكلت من الحزب الشيوعي اللبناني وحزب العمل الشيوعي والناصريين وحركة المرابطين وحركة امل. وقد خط البيان الأول لانطلاقها جورج حاوي سكرتير اللجنة المركزي للحزب الشيوعي اللبناني ومحسن ابراهيم من حزب العمل الشيوعي وقد تركت منظمة التحرير اسلحة ثقيلة بعد مفاوضات مع الموفد حبيب وجرى الاتفاق على خروج منظمة التحرير الفلسطنية وانسحاب جيش الاحتلال الاسرائيلي، بعد مقاومة باسلة لدخول جيش العدو إلى بيروت الغربية والضاحية وهزم نتيجة خسائره. وبهذا التاريخ المجيد لمقاومة استمرت وتطورت بإستخدام كل الأساليب منها السلمية والاعلامية، ففي جنوب لبنان ظهرت المقاومة المسلحة الإسلامية متمثلة بحزب الله، حتى طردت الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب.

والمقاومة الفلسطنية هزمت كيان الاحتلال في قطاع غزة بضربات المقاومة، وفي الضفة الغربية لعبت مقاومة الشعب الأعزل دوراً مهما في التصدي لعمليات الاحتلال، وذلك في انتفاضة الحجارة الأولى والثانية. واليوم هناك مقاومة مسلحة ترد على عمليات الاحتلال التي يقوم بها، ومنها تهديم البيوت وانتزاع الأراضي من أصحابها وإقامة مستوطنات سكنية لليهود القادمين من اوربا.

أن التطور الحاصل اليوم في تصنيع السلاح ومنه الصواريخ البعيدة المدى التي تدكُّ المدن الإسرائيلية مثل يافا وتل أبيب وحتى وصلت إلى أطراف ديمونة حيث المفاعلات النووية، ماهو إلاّ إشارة تدل على أن النصر قريب، وخاصة عند تفكك الكيان الصهيوني في جيشه وكذلك الرعب والهلع الذي اصاب المستوطنين وهروبهم إلى الملاجئ. مما أحدث نقلة نوعية بوقف الهجرة الى إسرائيل والتفكير بالهجرة المعاكسة إلى الدول التي قدموا منها، والتظاهرات التي استمرت لأسابيع في تل أبيب ضد نتنياهو والقوانين الجديدة، وهذه الظاهرة الأولى من نوعها ضد نتنياهو رئيس الوزراء وحزب الليكود الاسرائيلي.

و مما تقدم نجد أن هناك مؤشرات تدلل على أن هذا الكيان العنصري الفاشي لن يدوم طويلا لأسباب منها:ــ

تفكك المجتمع الاسرائيلي بين الطوائف الدينية والمجتمعية وظهور معارضة شعبية في تظاهرات جرت وتجري في تل أبيب ضد خطط نتنياهو لتغير النظام القضائي والمظاهرات تجري أسبوعيا. وانضم عدد من قوات الاحتياط إلى المتظاهرين. وهذا مؤشر خطر يدلل على أن رئيس الوزراء مهدد بنهاية حكومته.

كما أن الاقتصاد الاسرائيلي والذي يعتمد على المساعدات المالية من الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك المملكة البريطانية المتحدة، أصبحت تشكل عجزا في الوضع الحالي وذلك بسبب ان الامبريالية اليوم تعاني من وضع اقتصادي يعتمد على المديونية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

كذلك اشتداد المقاومة الفلسطينية وأستخدام أسلوب الكفاح المسلح في الانتفاضة الأخيرة في مدن الضفة الغربية، بعد أن كانت الحجارة هي السلاح، وأصبح الان السلاح الفردي هو الكلاشنكوف والمسدس والسلاح الأبيض، من أجل وضع حد لإعتداءات المستوطنين والجيش الاسرائيلي، مما أربك سكان المستوطنات لخوفهم على حياتهم من المقاومين الفلسطنين. وأصبحوا يفكرون بالعودة إلى بلدانهم من حيث أتوا إلى فلسطين، أي الهجرة المعاكسة إنقاذاَ لحياتهم وعوائلهم.

كما أصبحت المقاومة في غزة وجنوب لبنان تملك من السلاح المتطور (الصواريخ) بعيدة المدى التي تصل إلى المدن في الأرض المحتلة مثل تل أبيب والقدس ويافا وحيفا والجليل وعسقلان وبئر السبع. ووصل مدى هذه الصواريخ إلى 75 كم و80 كم. وشاهد العالم هذه الصواريخ تتساقط فيدب الرعب في سكان المدن فيهرعون إلى الملاجئ، ولن تحميهم صواريخ الباتريوت.

إضافة إلى توقف الهجرة الى فلسطين من دول اوربا بسبب هذه الأوضاع غير المستقرة للعيش بسلام وأمان. بل على العكس أصبحت الهجرة المعاكسة أي العودة إلى بلدانهم للحفاظ على حياتهم.

ومن هنا يمكن أن نستنتج أن آخر دولة استيطان في العالم وهي دولة الكيان الصهيوني لن تكمل مئويتها، والنصر سيكون لفلسطين ولشعبها العربي،

وأخيرا استعير مقطع من نشيد ثوري: باسم الشعب الملحمة سنقولها أنت وأنا فلسطين والقدس ستبقى لنا.

***

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

في المثقف اليوم