آراء

آراء

"حرب الهلال والصليب"! أردوغان الحائز على جائزة الشجاعة من «المؤتمر اليهودي الأميركي» سنة 2004، يهدد بحرب دينية على منوال حروبه في قرباغ وليبيا، ويدس أنفه في الكفاح التحريري الوطني للشعب الفلسطيني! إذا سمحت المقاومة الفلسطينية لأردوغان فعلا بأن يدس أنفه في الشأن الفلسطيني لمرحلة ما بعد حرب الإبادة الصهيونية على غزة باسم المشاركة في الهيكل الأمني الذي سيتم تشكيله بعد الحرب وفي الوقت الذي ظل أردوغان يتفرج مكتفيا بالخطابات الفارغة ورفض قطع العلاقات مع الكيان الصهـ يوني كما فعلت دولة مسيحية يحكمها اليسار مثل بوليفيا واكتفي باستدعاء سفيره من دولة العدو للتشاور وفي وقت رفضت فيه المقاومة أي انتداب أو تدخل أجنبي في شؤون إدارة القطاع حتى من دولة شقيقة كمصر، أقول؛ إذا سمحت المقاومة الفلسطينية لأردوغان بالتدخل تحت شعارات دينية "حرب الصليب والهلال" فإنها سترتكب خطأ كارثيا يلحق أفدح الضرر بمستقبل هذه المقاومة وبالشعب الفلسطيني كله لعقود طويلة. ولكن ما يجعنا متفائلين بالمستقبل هو أن هذه المقاومة بكافة تلاوينها الإسلامية والوطنية والقومية واليسارية رفضت رفضا باتا تحويل الصراع مع الكيان الصهيوني من كفاح تحرير ضد احتلال استيطاني إلى حرب دينية وأصرت هذه المقاومة بإسلامييها قبل يسارييها على أن تفرق بين اليهود كيهود والصهاينة العنصرين في خطابها وأدائها السياسي وغير السياسي. هذه أدناه فقرات من مقالة بعنوان (إردوغان وفلسطين و«الحرب الدينية») بقلم الزميل المتخصص بالشأن التركي محمد نور الدين:

1- في الاحتفال الجماهيري الذي نظّمه حزب العدالة والتنمية دعماً لغزة وفلسطين قبل أقل من شهر في 28 تشرين الأول الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان: «أيها الغرب إنّي أخاطبك هل تريد أن تحيي من جديد حرب الهلال والصليب؟ إذا كانت نيتك كذلك فاعلم أن هذه الأمة لم تمت. وستقف منتصبة على رجليها. واعلم أنه بالعزيمة نفسها التي خضناها في ليبيا وقره باغ سنخوضها في الشرق الأوسط». كان إردوغان يواجه الغرب بالتشكيك في نواياه من دون الجزم بما يمكن أن تكون عليه. لكن نهار الأربعاء في 15 تشرين الثاني وأمام نواب كتلة «العدالة والتنمية» تحدّث إردوغان هذه المرة بوضوح حاسم لا يقبل التأويل؛ بأن اعتبر المواجهة الجارية حالياً في غزة وفلسطين هي مسألة هلال وصليب: «في أحداث شارلي إيبدو قُتل 23 شخصاً، فسار رؤساء دول ورؤساء حكومات في تظاهرات مندّدة بالحادثة. حسناً الآن أكثر من 13 ألفاً قُتلوا حتى الآن فأين هم هؤلاء الرؤساء ورؤساء الحكومات؟ هيا سيروا في تظاهرات لها علاقة بهذا (غزة). أليس من ضمير وعدالة عندكم؟ القضية هي مسألة صليب وهلال. هكذا ننظر نحن إلى القضية».

2- من التشكيك والتلميح وصولاً إلى التصريح، كان إردوغان يقطع في الصفة الدينية للمعركة الجارية في غزة. وهو يتهم الغرب كله، بالطبع مع إسرائيل، بإشعال حرب جوهرها الصراع بين المسيحية والإسلام. فهل الأمر في غزة وفلسطين هو فعلاً كذلك؟

3- لا بد من الإشارة أولاً إلى أن إردوغان استخدم في تصريحيه هذين، مصطلح الهلال والصليب وليس الإسلام والمسيحية. ومع أن ذلك جائز وطبيعي ولكنّ مفردتَي الهلال والصليب تحفران أكثر في الذاكرة وتصبغان على المسألة «حدّية» تقارب النفور والكراهية أكثر من مفردتَي الإسلام والمسيحية اللتين تمنحان بعضاً من التعميم والمرونة في الحديث عن طرفين في نزاع ديني.

4- لا شك أن النزعة الدينية في نظرة الغرب إلى «باقي» العالم غير المسيحي قائمة وموجودة، ولا يمكن إنكار وجودها وتأثيرها في العديد من القرارات والأفعال منذ عقود بل قرون. وإذا قفزنا عبر العصور وانتقلنا سريعاً إلى القرن العشرين بالذات، فإننا نعثر، على سبيل المثال لا الحصر، على المشاهد التالية:

5- إنّ الحرب العالمية الأولى كانت حرباً بين قوى «مسيحية»، والدولة العثمانية «المسلمة» تحالفت فيها مع قوة مسيحية كبيرة هي ألمانيا.

6- إن الحرب العالمية الثانية كانت بالكامل بين قوى مسيحية وبوذية، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى الصين واليابان.

7- إن الحرب في فيتنام كانت بين قوى مسيحية فرنسية وأميركية وبوذية.

8- إن الحرب في أوكرانيا هي الآن بين قوى مسيحية، روسيا من جهة وكل الغرب من جهة أخرى.

9- وفي قره باغ، وهذا مثل «طازج»، كيف نفسّر تخلي الغرب «المسيحي» عن أول الناس المسيحيين في العالم وهم الأرمن، وتركهم ينزحون، مشياً مع أغنامهم وخيولهم، من أرض أجدادهم التي وُلدوا فيها حتى قبل أن يولد العرق الطوراني بكل بطونه وأفخاذه، تحت الخوف من إبادة جديدة، على أيدي «المسلمين» الأذريين وحلفائهم من «المسلمين» الأتراك و«اليهود» الإسرائيليين؟

10- ولكن إذا انتقلنا إلى تركيا نفسها فإن الصورة ستكون أكثر وضوحاً بما لا يقاس:

لقد تحالفت تركيا منذ عام 1947 مع قوة «مسيحية» هي الولايات المتحدة بوجه الاتحاد السوفياتي.

* وفي عام 1949 اعترفت تركيا «المسلمة» بدولة «غير مسلمة» يهودية تُعتبر العدو الأول للعرب والمسلمين وهي إسرائيل. وفي عام 1952 انضمت تركيا إلى حلف كله من المسيحيين هو حلف شمال الأطلسي.

11- وفي الخمسينيات، في عهد رئيس الوزراء «الإسلامي» عدنان مندريس، عرفت العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية ذروة ازدهارها السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي. وتكرر تعزيز العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية في الثمانينيات في عهد رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية طورغوت أوزال "الإسلامي".

12- وماذا نقول لليهود المعادين للمشروع الصهيوني ومنهم الشهيدة راشيل كوري التي سحقتها الدبابات الإسرائيلية عام 2003؟ إذا انتقلنا إلى مرحلة ما بعد عملية «طوفان الأقصى» والعدوان الإسرائيلي على غزة، نجد أن التظاهرات عمّت شوارع المدن «المسيحية» في أوروبا وحتى الولايات المتحدة، وأن دولاً «مسيحية» في أميركا الجنوبية قطعت العلاقات مع إسرائيل أو استدعت سفراءها منها. ونجد أن 99% من دول العالم «العربي والإسلامي» لم تتخذ أي إجراء ضد إسرائيل «غير المسلمة» أو أميركا «غير المسلمة» حتى الآن رغم مرور أكثر من شهر ونصف شهر على العدوان الإسرائيلي.

13- وبالنسبة إلى تركيا نفسها فهي اكتفت بالصراخ ولم تتخذ أي خطوة إجرائية وعملية ضد إسرائيل، حيث لا يزال يصل يومياً إلى الموانئ الإسرائيلية ما معدّله سبع سفن تركية (منذ 7 تشرين الأول وصلت 300 سفينة) تحمل موادَّ ومنتجات مختلفة إلى إسرائيل. كما لم تتخذ تركيا المسلمة أي إجراء ضد القواعد الأميركية في تركيا التي تستخدمها واشنطن «المسيحية» لدعم إسرائيل عسكرياً.

14- وكانت القفزة الكبرى في العلاقات بين تركيا المسلمة وإسرائيل اليهودية مع وصول حزب العدالة والتنمية «الإسلامي» إلى السلطة عام 2002، حيث نال إردوغان جائزة الشجاعة من «المؤتمر اليهودي الأميركي» غير المسلم عام 2004.

***

علاء اللامي

..........................

1- رابط يحيل إلى مقالة محمد نور الدين: إردوغان وفلسطين و«الحرب الدينية»

https://al- akhbar.com/Palestine/373377/

2- أردوغان: مستعدون لتولي المسؤولية في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد انتهاء الحرب بغزة

https://gulf365.net/world- news/12246146/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86- %D9%85%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF%D9%88%D9%86- %D9%84%D8%AA%D9%88%D9%84%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%A4%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9- %D9%81%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D9%87%D9%8A%D9%83%D9%84- %D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A- %D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF- %D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A- %D8%B3%D9%8A%D8%AA%D9%85- %D8%A5%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%A4%D9%87- %D8%A8%D8%B9%D8%AF- %D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%87%D8%A7%D8%A1- %D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A8- %D8%A8%D8%BA%D8%B2%D8%A9.html

لم يكن ما حدث فى "حجر الديك" بقطاع غزة من قتل لعدد كبير من الجنود الإسرائيليين هو الرد الوحيد على تصعيد الحرب، رغم أنها كانت مقتلة هائلة؛ حتى خرج أحد الإسرائيليين على قناة عبرية يؤكد استقبال مقبرة هرتزل لعدد من الجنود بلغ 50 جندياً فى 48 ساعة بمعدل جندى واحد كل ساعة!

لكن التصعيد حدث فى جبهة المقاومة بالتزامن، فبدلاً من العمليات الفردية السابقة بدأت المقاومة تتحرك فى مجموعات. وبدلاً من استهداف عدد محدود من الآليات، تضاعف عدد الآليات المعطوبة يومياً حتى وصلت النسبة لنحو 15 آلية يومياً.

صحيح أن نقاط الاقتحام ازدادت، وانضمت للمحاور السابقة مرتكزات قتالية فى جباليا والزيتون ومناطق الوسط، إلا أن الاقتحامات تحدث دون فرض سيطرة على مناطق الاقتحام، بل إن الانسحابات المتتالية من مناطق المرحلة الأولى تشى بغياب الهدف الاستراتيجى للجيش الإسرائيلي أو انعدام قدرتهم على تحقيقه.

وبفرض تحقيق السيطرة على تلك المناطق، فهى مجرد شوارع خالية تحوى أبنية مهدمة، ولا يمكن بحال من الأحوال تحويلها إلى نطاق آمن (buffer zone) لأن المقاومة تعود إليها بين حين وآخر لتنفيذ عمليات نوعية.

مقبرة هرتزل تتكدس

وإذا كانت مقبرة هرتزل قد تكدست بالجثث كما جاء فى الإعلام العبري، فماذا عن عشرات المقابر الأخرى، كم عدد الجثث الإسرائيلية بها؟ إذ أن من الواضح أن الإعلام العسكرى الرسمى للجيش الإسرائيلي يكذب. وقد تم فضح أكاذيبه فى أول وأسرع تحقيق أجرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مؤكداً أن الطيران الإسرائيلي هو الذى قصف مهرجان غلاف غزة، منعاً لحصول المقاومة على أسرى أو رهائن. وأن ذلك القصف تسبب فى مضاعفة خسائر إسرائيل البشرية إلى المئات، بالإضافة لما صحب هذا القصف من تدمير لمنشآت وسيارات ومهمات.

بعض التقديرات وصلت بحجم الخسائر البشرية فى صفوف الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر الماضى إلى ما يزيد عن ألفى قتيل! وقد تم تدمير نحو نصف عدد الآليات المشاركة فى الحرب فى مرحلتها الأولى، والتى تمت بفرقتين عسكريتين، ما يعنى أن المركبات المدمرة قد يصل إلى نحو خمسمائة مركبة حتى الآن!

الحديث يجرى داخل الكابينت الإسرائيلي حول تقليص عدد جنود الاحتياط، لأن تكلفة إعاشتهم وتسليحهم باهظة، خاصةً بعد أن لجأ الكيان الإسرائيلي لاقتراض مبلغ 6 مليارات دولار لإكمال مهمته الحربية. ما يعنى أن الاقتصاد الإسرائيلي يتداعى يوماً بعد يوم. غير أن الضربة الأكبر التى تلقتها إسرائيل هى الضربة القادمة من أقاصى الجنوب..من جماعة الحوثى فى اليمن!

اغتنام سفينة!

فوجئ العالم بما طارت به الأنباء أن جماعة الحوثى نفذت تهديدها باستهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية المارة بجوار اليمن عبر مضيق باب المندب. وأنها استطاعت الاستيلاء على سفينة تُدعَى (جالاكسي ليدر) يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي وهو عضو عامل فى أحد معاهد الأمن فى إسرائيل. تحركت السفينة من تركيا متجهة إلى الهند حيث تم استهدافها بالقرب من السواحل اليمنية، وطريقة استهدافها غاية فى الغرابة والغموض، فقد تم الهجوم عليها عن طريق طائرة هليكوبتر تقل عدد محدود من الجنود المسلحين الذين سيطروا فى البداية على قمرة القيادة، ثم اتجهوا لباقى أجزاء السفينة التى تم اقتيادها إلى مكان مجهول. ثم أعلنت جماعة الحوثى احتجازها لعدد يبلغ 52 من أفراد طاقم السفينة لاستجوابهم وربما لمفاوضة الجيش الإسرائيلي فى إطار حربه الهمجية على قطاع غزة!

تلك الخطوة التصعيدية الخطيرة أتت فى أعقاب الإعلان الإسرائيلي ببدء المرحلة الثانية من الاقتحام البري لقطاع غزة. وكأن التصعيد الإسرائيلي كان إيذاناً بتوسيع رقعة الصراع فى عدة جبهات. لاسيما جبهة جنوب لبنان التى أعلنت مؤخراً دك قاعدة إسرائيلية بالصواريخ والطائرات المسيرة المزودة بالقنابل!

كل هذا يحدث ولم نسمع عن ردة فعل قوية سريعة من أمريكا كما هو المعتاد فى مثل تلك الحالات. بل إن الدعم العسكرى الأمريكي بدا هزيلاً فى الأيام الأخيرة من المعركة؛ نتيجة تباين وجهات النظر بين قادة الرأى فى كل من أمريكا وإسرائيل؛ ففى حين ترى إسرائيل استمرار عملية الاقتحام البري بطريقتها الدموية، ترى أمريكا ضرورة التروى من أجل استعادة الأسرى، ثم إعادة التدخل بقوات دولية.

والحق أن الرأى العام داخل أمريكا وإسرائيل يزداد اشتعالاً وضجيجاً من أجل وقف الحرب. ولا يمكن تجاهل مثل تلك الضغوط الشعبية طويلاً، وخاصةً فى ظل انتخابات أمريكية وشيكة، وتدنى شعبية جو بايدن والحزب الديمقراطى إلى أدنى مستوياته.

رقصة أصحاب الأرض

المظاهرات الشعبية الداعمة للمقاومة الفلسطينية فى غزة بدأت هى الأخرى فى التوسع والتمدد، وبعد أن رأيناها فى لندن وباريس ونيويورك وبعض دول المغرب العربي والخليج، بدأنا نشاهدها فى برلين وفنلندا وباكستان وميادين ليفربول ومانشستر فى بريطانيا.

ولعل أقوى ما انتشر فى أغلب تلك المظاهرات أيقونات ورموز فلسطينية عديدة.. على رأسها الكوفية الفلسطينية الشهيرة، ثم أغنية تحيا فلسطين (viva Palestine) التى أصبحت مثل تريند عالمى. أما أغرب الرموز والأيقونات التى انتشرت فى المظاهرات وعلى مواقع السوشيال فكان رمز شريحة البطيخ، وهو رمز له دلالاته.. فبعد صدور قوانين وتعليمات بمنع ظهور العلم الفلسطيني، استعاضت الجماهير بألوان هذا العلم فى شريحة البطيخ! إنه نوع من التحايل على تكميم الأفواه وفرض القوانين التعسفية.

ثم هناك رقصة المحارب، أو رقصة أصحاب الأرض.. تلك الرقصة التى قام بها شاب فلسطينى يقلد فيها طريقة الهنود الحمر، ومن خلفه تشتعل الإطارات، وبدأ ظهور هذه الرقصة منذ انتفاضة العودة عام 2018 ومسيرات يوم الأرض. ثم اليوم نرى أجانب يقلدون رقصة الشاب الفلسطينى ، بل وعدد من السكان الأصليين فى أمريكا يقلدونها، كنوع من التعاطف البديهى بين شعبين لقيا ما لقيا من حروب الإبادة وعمليات التهجير القسرى والتهميش لسنوات طويلة.

المفاجآت تتوالى

كل يوم تفاجئنا المقاومة الفلسطينية بأنباء لعمليات نوعية ومكاسب جديدة تحققها ضد بغى الجيش الإسرائيلي الغاشم. والمفاجآت الآن تأتى من الجنوب والشمال، منذرة بفتح جبهات جديدة للمعركة.

لكن المفاجأة الأكبر التى تخشاها أمريكا، ويحذر منها البنتاجون قد تأتى من الصين ومن روسيا. ولو أن الصين استغلت ما يجرى فى الشرق الأوسط لتستولى على  تايوان، فسوف تقع أمريكا بين المطرقة الروسية فى أوكرانيا وبين سندان الصين فى تايوان.

الصين بدأت تدخلها بالفعل، حيث أرسلت مبعوثاً خاصاً لمنطقة الشرق الأوسط لإيجاد حلول للأزمة القائمة فى غزة.

الحديث عن الهدنة وصفقة تبادل الأسرى يذهب ويجىء دون حسم. هناك خلافات بين الجانبين فى تفاصيل عملية تبادل الأسرى. فهل سنشهد هدنة تستمر عدة أيام تدخل فيها المساعدات إلى الأشقاء النازحين فى الجنوب الغزاوى؟ وهل تؤثر حادثة السفينة الإسرائيلي على مجريات الحرب؟ أسئلة تكمن إجاباتها فى قادم الأيام!

***

د. عبد السلام فاروق

ومن شعر المقاومة

أيها المارون بين الكلمات العابرة

احملوا أسماءكم وانصرفوا

ايها المارون بين الكلمات العابرة

منكم السيف - ومنا دمنا

منكم الفولاذ والنار - ومنا لحمنا

منكم دبابة أخرى - ومنا حجر

منكم قنبلة الغاز - ومنا المطر

وعلينا ما عليكم من سماء وهواء

فخذوا حصتكم من دمنا وأنصرفوا

محمود درويش

***

استفادة المقاومة الوطنية الفلسطنية في عملية (طوفان الاقصى) عندما اقدمت في السابع من أكتوبر بدخولها إلى المستوطنات الإسرائيلية المتاخمة لحدود غزة، من عمليات حركات التحرر الوطني العربية والعالمية وكما في حرب التحرير الجزائرية ضد الاستيطان الفرنسي، وكذلك في حرب فيتنام ضد الفرنسين والأمريكان من جل تحرير البلد، كان جيش التحرير الفيتنامي بقيادة المناضل هوشي منة والقائد جياب واضع الخطط العسكرية في مجال حرب الأنصار ضد جيش منظم في العدة والعدد، فقد رسم خطة سميت بمعركة بيان بيان فو العسكرية والتي أنهت الامبريالين وهزمتهم ووحدة شمال فيتنام بجنوبه، وكذلك قوات التحرر الوطني، لكوريا الشمالية (كوريا الديمقراطية اليوم) بجيش تحرير البلد من المستعمر الامبريالي بقيادة القائد الشيوعي كيم ال سونغ وحزبه حزب العمل الكوري، وتجارب لشعوب أخرى مثل كوبا وجنوب افريقيا.

عندما دخلوا أبطال المقاومة الوطنية الفلسطنية، لمستوطنات قشرة غزة بمخطط محكم ومدروس من كل جوانب العمل العسكري التكتيكي على يد قادة المقاومة الوطنية الفلسطنية.

وهناك جرى اعتقال قادة من مايسمى بجيش الدفاع الاسرائيلي، وهذه القوات كانت مزودة في أجهزة أحدث تكنولوجيا متطورة تتضمن خطط الدفاع والاتصالات وكذلك تقارير من العملاء وخرائط، سحبوها إلى الداخل الفلسطيني، مع عسكرين تتراوح رتبهم بين جنود وقادة، أخذوا أسرى من إجل تبادلهم بالألف من أسرى الفلسطينين من الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذه العملية أذهلت الصهاينة ومن ورائهم الأمريكان والبريطانيين والفرنسيين ودول أوربية من الذين هم يمدوا هذا الكيان الصهيوني بالمال والمعدات العسكرية الحديثة، وبعض العسكرين يقترحوا تدريس خطة طوفان الاقصى في الأكاديمية العسكرية لاهميتها، وبدءت الاساطيل الحربية الأمريكية تجوب سواحل البحر المتوسط وكذلك الأحمر وباب المندب دفاعا عن ربيبتهم صنيعتهم، واعطوا الضوء الأخضر (لجيش الدفاع الاسرائيلي)، أن يقوم بطلعاتهم الجوية مزودين بأحدث الصواريخ المتطورة ولم تأخذ بنظر الاعتبار قوانين الحرب وتحيد المدنيين من القصف، قامت بقصف غزة، وقتل المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ وحتى مدارس الاطفال كما حدث في ضرب وقصف مدرسة تابع الى الانروا ويدرس فيها طلاب قتل عدد منهم، ولم تسلم منهم المستشفيات كما حدث في مستشفى المعمدانية ومشفى الرنتسي والشفاء والاقصى والاندنوسي، وغيرها، حيث تعاني المستشفيات من قطع الكهرباء وتعطيل أجهزة الكشف الطبي والعلاج، وعدم وجود الادوية الضرورية والاسعافية، وكذلك مواد الطاقة كالنفط والبنزين، علما بأن وجود عدد من المرضى، مرضى الكلى ومرض السرطان والجرحى نتيجة القصف المستمر على الابنية وعلى السكان الامنين والقنص لكل من يتحرك في الشارع بعد دخلولهم إلى مناطق محددة في جنوب غزة مثل بيت حانون، وانهم الان في دخولهم يعانون من مقاومة شديدة من قبل قوات المقاومة الوطنية الفلسطنية في حرب شوارع ومن بيت إلى بيت، كلفتهم بعدد من القتلى والجرحى أضافة إلى ضرب المقاومة لدباباتهم، ومعداتهم العسكرية، ولازلت قوى المقاومة الفلسطنية تقوم بإطلاق زخات من الصواريخ على الداخل الاسرائيلي، ودخلت قوات المقاومة في الجنوب اللبناني لتخفيف الضغط على غزة، وذلك بإطلاق صواريخ بركان على تجمعات جنود العدو الصهيوني، والموقف اليمني بالمشاركة في الحرب إطلاق الصواريخ على ميناء ايلات وكذلك انذروا السفن العائدة إلى الكيان الصهيوني والشركات العالمية المتعاونة معهم بالحجز، وهذا ما تم فعلا مع سفينة تحمل بضاعة إلى دولة الكيان الصهيوني، وهناك قوى عراقية تضرب بالطائرات المسيرة قواعد عسكرية أمريكية في العراق وسوريا وهذا يدل على أن قوى المقاومة تنشط اليوم ضد العدوان السادي القاتل الذي يجري ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية.

الدروس والنتائج من معركة طوفان الأقصى

1- أن دخول قوى المقاومة الفلسطنية في عملية (طوفان الاقصى) إلى غلاف غزة في المستوطنات وبشكل محكم وسري للغاية دون علم حتى حلفاء المقاومة، جاءت بنتائج، منها اخذ عدد من الأسرى من الجنود والمستوطنين، والغرض هو واضح من أجل أطلاق سراحه الالاف من الأسرى في سجون ومعتقلات العدو من الشباب والأطفال والنساء. وكذلك الحصول على أجهزة تكنولوجيا متطورة تتضمن خطط الدفاع الاسرائيلي وفيها معلومات خطيرة حتى عن المتعاونين من الخونة.

2-عندما جن جنون حكومة نتنياهو واقدم على ضرب وتهديم البنايات على ساكنيها من الأطفال والنساء والشيوخ وضرب المستشفيات والمدارس ومحاصرة شعب غزة، لا غذاء ولا كهرباء ولا ماء ولا دواء، تغيرت مواقف دول الغرب ونشطاء برلمانين ونقابات عمالية، لصالح المقاومة الفلسطنية، وعمت التظاهرات في واشنطن ولندن وباريس وفي هولندا وبلجيكا والنروج والدنمارك والسويد والنمسا والمانيا ودول غربية وعربية وهذانصر للقضية اعادها إلى العالم كقضية شعب شرد من وطنه.

3- توسعت المقاومة في بلدان عربية رغم ان بعض هذه البلدان لديها سفارات إسرائيلية او اقدمت على أقامة علاقات مع إسرائيل في السر او العلن. استنكرت ولو على الورق هذا العدوان واتخذت موقف من عدم قبول لاجئين من غزة إلى بلديهما، الاردن وجمهورية مصر، علما أن شعب غزة مستفيد من تجربة عام 1948 في خيانة الأنظمة له، وأعلن انهم صامدون في بلدهم، ولم يتركوا بلدهم.

4- ونتيجة القصف الوحشي لسكان مدينة غزة وقتل المدنيين من الأطفال والنساء وكل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها دولة الكيان الصهيوني، قدم طلب إلى محكمة الجنائية الدولية، بأعتبار هذه الجرائم والابادة الجماعية جرائم ضد الإنسانية ومنافية لقوانين الحرب، يجب أن تحاسب عليها دولة الكيان الصهيوني، وقد تقدم بها الطلب كل من جمهورية جنوب افريقيا، جيبوتي، وبوليفيا، وبنغلادش، وجزر القمر، وفنزولا.

أن قضية شعب فلسطين ومقاومته المجيدة ومعهم كل قوى الخير والحرية، سوف تنتصر وينتهي الاحتلال إلى زوال،

رافعين شعار البطل الأممي ارنستو تشي جيفارا: الوطن أو الموت.

***

محمدجواد فارس - طبيب وكاتب

 

استغربتُ مِن إعجاب شابٍ صحويّ- منقلب على «الصّحوة»- بأبي نواس (ت: نحو 195هـ)، يحفظ شعره. سألته: كيف جمعت بين النّقيضين؟ قال: بفضل دروس شيوخنا، فقد اتخذوا ثلب أبي نواس دليلاً لصحوتنا! فقررتُ، والكلام له: أتعقب شعره، وما سرّ اهتمام صاحب اللسان ابن منظور(ت: 711هـ) به، حتّى خصه بكتابٍ؟ فأعجبتُ به، وانتصرتُ لأبي نواس كما تراني (اللِّقاء مع الشّاب عام 2010 بداره بالرّياض).

لستُ بصدد تقديم قراءة لكتاب «جرائم نظام البعث في العِراق»(103 صفحة)، والمدون في غرته «مقرر دراسي للجامعات الحكوميّة والأهليّة»، وهو مِن مناهج وزارة التَّعليم العالي والبحث العلميّ، لكن لم أجد فيه علماً ولا بحثاً، فالممارسات عينها قد استمرت، وأُضيف لها شراهة الفساد وغياب الكهرباء، وجماعات مسلحة توازي الدَّولة، فالنّظام انتهى قبل عشرين عاماً، و«الجرائم» كـ«تجفيف الأهوار» مازالت (وردت واحدة مِن جرائم البعث)، ألا يسأل الطّالب الجامعيّ: وماذا عن الأهوار اليوم؟ هل وصلها الماء، أم اكتمل جفافها وتصحرها؟!

كذلك ورد عن المقابر الجماعيّة، فماذا عن عددها بعد(2003)، عن التَّعذيب والقتل والاغتيال، تفاقم الفقر وتعاظم الشّحاذة، والعراق غير محاصرٍ كالسّابق. حصل هذا مع زيادة تصدير النِّفط أضعاف مضاعفة. لا أحد يسأل عن ضياع تريليون دولار، فالسُّؤال محرمٌ؟! هل أُصلح الخراب خلال العشرين عاماً، أم زاد خراباً؟ ماذا عن قتل ضباط الجيش والطَّيارين والكادر العلمي والإعلامي بالآلاف؟ أتظنون أنّ الجيل الذي ولد بعد «البعث» لم ينتبه، كي لا يقابل بين الحِقبتين، فستكون النتيجة نفسها التي توصل إليها الصّحوي وأُعجب بأبي نواس.

سيحتج أحدهم بتجربة ألمانيّا مع النازيّة! فتلك أخرى وزمن آخر، متفق عليه دولياً، وهو تدريس الفكر مع تدارك الخراب، بإعادة حُكام ألمانيا (الشّرقية والغربيّة) البناء بزيادة. أما ما فعله «البعث» الذي حُدد في الكتاب بالعراق، كان ممارسةً وليست فكراً، فإذا عاد الطَّلبة وقرأوا كتب «البعث» سيجدون فيها شعارات التّحرر والتقدم والوطنيّة، وقضية فلسطين في المقدمة، مثلما هي في دفاتركم، وسيجد النقيضين داخل البعث: عبد الخالق السّامرائي (أُعدم 1979)، المثل في النّزاهة والوطنيّة، والمتورط بدمه، فأدبيات البعث غير تصرفاته، فهل تدرسون مساوئ النّظرية، أم الممارسة؟!

إذا كانت الممارسة فهل كنتم، بعد العشرين، منزهين؟! لا أُقدم نفسي مدافعاً عن «البعث»، فأنا أحد ضحاياه، لكننا أمام بلدٍ مبتلى، لم يعد يتحمل دورات انتقام جديدة، وادعاءات لا تصمد أمام الموجعات، فإذا درس الطَّالب مساوئ عسكرة البعث للعراق، ماذا سيسمي السَّبعين ميليشيا، وكل واحدة منها حكومة قائمة بذاتها؟ وماذا لو التفت إلى محو الأمية، في ذلك الزّمن وضخ الملايين مِن الأميين منذ الحصار إلى اليوم؟ ألا ترون البلاد تجتاحها أُمية مركبة، صار فيها الاستثمار بالخرافة طابع المرحلة؟

ما حصل يا سادة تنفيذ سياسة انتقام، والحقد الطّائفي أُسها، كان الاجتثاث مثالاً، وتسليم البلاد بقضها وقضيضها، لمَن يُحارب بدّم ومال العراقيين، لتصفية حساباته. حاسبوا أنفسكم وأوقفوا الخراب، وبعدها انتقموا ودَرسوا ما شئتم. أظن تشبعنا، في المدارس، ببيت شهيرٍ قديم نُسب لعدد مِن أعاظم الشُّعراء: «لا تنه عَن خلقٍ وَتَأْتِي مثله/عارٌ عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم»(ابن الورديّ، تحرير الخصاصة).

ما حصل كان انتقاماً لا إصلاحاً، فصح ما تنبأ به الشّاعر عندما انتصرتم: «تَصوَّرِ الأمرَ معكوساً وخُذْ مَثَلاً/ممَّا يَجرُّونه لو أنهم نُصِروا/ أكانَ للرِّفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ/ أم كانَ عن«حِكمةٍ» أو صحبِهَ خَبَر/ واللهِ لاقتِيدَ زيدٌ باسم «زائدةٍ»/ ولاصطلى «عامرٌ» والمبتغى عُمَر»(الجواهريّ، تحرك اللَّحدُ 1936). مشكلة القائمين والسَّابقين واحدة، لا يرون ممارساتهم إلا صلاحاً وإصلاحاً، وهي خلاف ذلك. أقول: ليطمئن البعث، فكم مِن خصمٍ أعاد مجدَ خصمه!.

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

عند بداية الأعوام الأولى لسقوط النظام السياسي، كنت من أوائل الذين وقفوا الى جانب سياسة تشجيع ودعم الجامعات الأهلية في العراق، من منطلق اعتبارها منافس حقيقي وند مكافئ – هذا ما كنت أظن - للجامعات الحكومية التي كان مستواها العلمي قد شارف على التآكل، جراء تفشي علاقات الاستزلام والزبائنية المرتبطة بالانتماءات الحزبية والولاءات الإيديولوجية، ليس فقط داخل الحرم الجامعي وضمن مقرراته المنهجية فحسب، بل وكذلك بين أروقة ملاكاته الإدارية وهيئاته التدريسية التي كانت عقليتها وعلاقاتها قد تأدلجت الى حدّ يعيد.

ولعل الخطأ الذي اركبته، هو الاعتقاد بان من مزايا الجامعات والكليات الأهلية كونها مؤسسات تعليمية تعود ملكيتها للقطاع الخاص كمشروع تجاري، يستهدف الأرباح المالية لقاء الاستفادة من مخرجاته العلمية والمعرفية. هذا بالرغم كونها (الجامعات الكليات) ملزمة بمراعاة بعض الشروط العلمية والفنية والإدارية التي تحددها وزارة التعليم العالي كجهة حكومية مسؤولة. غير أنها لا تخضع – شكليا"على الأقل - لأية اشتراطات سياسية أو اعتبارات إيديولوجية، لا بالنسبة لسياسة قبول الطلبة ولا بالنسبة لطبيعة المناهج الدراسية المقررة مثلما هو شأن نظيرها الجامعات الحكومية. بحيث يتيح لها هذا الأمر أن تكون بمنأى عن الالتزامات والاملااءات التي تخضع لها نظيرتها الأخيرة وتكون ملزمة بمراعاتها والتقيد بضوابطها. هذا وقد فاتني في حينها أن شروط نجاح المشاريع ذات الطابع الخاص – بما فيها مشاريع المؤسسات التعليمية / الجامعية - تحتاج الى أوضاع سياسية مستقرة ومتوازنة، تكون فيها (الدولة) هي الجهة المسؤولة والوحيدة عن تنفيذ القوانين وسريان التشريعات، دون السماح لأية جهة أخرى التدخل في شؤونها الوطنية والمساس في صلاحياتها السيادية.

ونظرا"الى ركام الخلفيات السياسية والمرجعيات الإيديولوجية الموسومة بالتحزب والتعصب التي هيمنة – على مدى عقود عمر الدولة (الوطنية) - على عمل المؤسسات البيداغوجية (المدارس والمعاهد والجامعات) في المجتمع العراقي، حيث سيادة الرؤى الواحدية لسيرورات الواقع وهيمنة التصورات النمطية لثقافات المجتمع، فقد كان حصول أي تغيير في هذه المسارات أو وقوع أي تحويل في تلك العلاقات، كفيل باستقطاب المشاعر الرافضة وتحفيز النوازع المناهضة التي كانت تنظر بعين الرضى والقبول الى كل ما كان يطرأ على أنظمة الحكم السياسي الشمولية من انكسارات إيديولوجية وانهيارات مؤسسية كنوع من أنواع (الثأر) للأنا المخصي والمقموع ، وذلك بصرف النظر عن طبيعة المصدر أو الجهة التي أحدثت التغيير وساهمت في التحول. بحيث ان لحظة سقوط النظام السابق كانت بمثابة دعوة مجانية لإطلاق تلك النوازع الثأرية المختزنة من عقالها، لاختراق تلك الشقوق والتصدعات التي كانت سلطات الأنظمة السابقة تحاول إخفائها وترميمها دون جدوى.

والمشكلة هي انه كلما تطاول العهد بالأنظمة السياسية التوتاليتارية وتصلبت قبضتها السلطوية في الردع والقمع، كلما تزايدت انحرفات المجتمع وتعاظمت إخفاقات الدولة، الأمر الذي يفضي بالمكونات الاجتماعية المتذررة اثنيا" وقبليا"وطائفيا"الى استمراء مظاهر الفساد في المؤسسات الحكومية واستشراء ظواهر الفوضى في العلاقات الجماعية كنوع من أنواع التعويض عن الحرمان الاقتصادي والامتهان الاجتماعي. بحيث تستطيع تلك المكونات من تحقيق مصالحها الشخصية كأفراد وبلوغ مآربها الفئوية كجماعات، عبر توظيف واستثمار علاقات الاستزلام والربائنية التي سرعان ما تنتعش في مثل هذه البيئات الموبوءة والأجواء المشبوهة.

وإذا ما كانت مظاهر الفساد وظواهر الفوضى على مستوى النظام السياسي قمينة بضعضعة كيان (الدولة) وانحسار هيبتها واضمحلال تأثيرها، فان عواقبها على مستوى النظام الاجتماعي كفيلة بتفكك عرى (المجتمع) ونخر بناه وتآكل قيمه واندثار أخلاقياته. ولعل مكمن الخطورة في هذا المجال هو تسارع التحول فيما هو (طارئ) من قيم و(استثنائي) من علاقات، الى ما يشبه (المأسسة) و(الشرعنة) لظواهر الفساد والفوضى، لاسيما في ميادين العلم والفكر والثقافة التي من شأن التفريط بمعاييرها والاستغناء عن شروطها، الانحراف بسيرورة المجتمع صوب مئالات الانحطاط الأخلاقي والخراب الحضاري.

***

ثامر عباس

في الحق قد تكون هذه هي المرة الأولى التي أشعر فيها أن الشعب الأمريكي الغارق في أوضار ثقافتة المادية، وواقعه الذي يعرفه القاصي والداني، يهتم بقضايا تدور خارج محيطه اللجب، كنت أخال أن الشعب الأمريكي لا يهتم إلا بسداد الفواتير التي تؤرق مضجعه، وتعكر صفوه نهارا وأن يأخذ حظه من قطوف اللذة الدانية والغرق في قاعة المدلهم ليلا، أما نصرته للقضية الفلسطينيه، وتعاطفه معها بهذه الصورة الصلدة التي تدل على تعاطف صادق وعميق هو ما جعلني أرفع حاجب الدهشة،وأظهر هذه الغبطة وهذا السرور، وصفوة القول إنه تعاطف منزه عن المنفعة، وقوامه الشعور الإنساني المحض، الذي يسعى للحفاظ على حياة شعب يريد الكيان البغيض أن يستأصلها ويزهقها،لقد أدركت هذه الشعوب بأن ليس هناك وسيلة لانقاذ غزة، وأطفال وشيوخ غزة، سوى تلك المظاهرات النبيلة المنددة بعسف حكوماتهم، وتعاونها الموثوق مع الكيان المغتصب السادر في غيه، والممعن في ضلاله، هذه الشعوب التواقه دوما للحرية أيقنت حتى تكون غزة في مأمن من خطر الإبادة، وغيرها من الأخطار التي تحدق بها، أن تواصل في تظاهرها المندد بعنجهية الاحتلال، ونازيته الصارخة، وبربريته المعهودة، ولعل كل هذه الشواهد تشير على عدة معطيات من الواجب علينا رصدها والوقوف عندها، ففي وجهة نظري القاصرة إن شيء عظيم قد نشأ، فبوسعي أن أؤكد لكم، وبإمكانكم تصديقي، أن لا ريبة تتنازعي، أو شك يخامرني مطلقا في عاطفة الشعب الأمريكي وإنسانيته المطلقة، و لكن ثمة أشياء ينبغي علينا أن نفكر فيها، ونقف عليها ونطيل الوقوف، حتى ونحن في ظل هذه الجائحة التي تمر بها غزة الصامدة على عرك الشدائد، لقد كانت الأيام تمضي أيها السادة خلال سنوات الابتلاء، دون أن نشاهد مثل هذا التعاضد، والحرص على الحياة الإنسانية التي قدستها الأديان، وصانتها القوانين، ورعتها الأخلاق، وكأن تلك الشعوب أدركت فجأة أن التهاون في مثل هذه الفظائع التي يرتكبها الصهاينة من الآثام التي لا يمكن تداركها، نحن هنا لا نغمط الغرب حقه، أو نجحد فضله، فقد انبرت جموع غفيرة منه فيما مضى مستهجنة ومستنكرة ما تكابده غزة من قتل وتنكيل، ولكن تلك المظاهرات لم تكن بتلك الحدة وهذا الالحاح الذي نبصره الآن، ففي تقديري أن هذه الشعوب المرهفة قد أتيح لها ما لم يكن متاحا لها من قبل من معرفة ودراية بخبايا الأمور، فقد نجحت الجاليات العربية والإسلامية التي تعيش الآن في الغرب في تنوير هذه الأمم بحقيقة الصراع الذي يجري في فلسطين، وأن الشعب الفلسطيني وحضارته ومقدساته التي اجترئ عليها عتاة اليهود هو صاحب الأرض والأحق بالعيش فيها، وأن نفس هذا الشعب الذي تعتدي عليه اسرائيل الآن في عهود غابرة كان يكبر الحياة الإنسانية، ويرفض المساس بها عمدا كان أو خطأ، ولعل الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، والواقع الذي لا تسومه مبالغة، أن اليهود في بدايات تدفقهم إلى فلسطين في مطلع القرن الماضي، لم يحتاجوا أن يدفعوا عن أنفسهم أنكال البغي والعدوان، فالشعب الفلسطيني لم يكن يكن يعاني من ضعة النفس التي يعاني منها الصهانية، بل كان سمحا كريما يوادد من قدم إليه، ويتحفهم بسجايا نبيلة توارثوها من أسلافهم ومن نبع دينهم الصافي الذي لا يخالطه كدر، أدركت هذه الشعوب الغربية رغم ضخامه الآله الإعلامية لليهود بفضل تلك الجاليات العربية والإسلامية أن الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا واستراليا وغيرها من دول الصلف والغرور التي لا تعرف لحياة الأفراد والجماعات حرمة، أنها قد ألحت على فلسطين بالكيد والتربص والاعتداء، حتى اضطرتها إلى ضعف وهزال شديد، وهدفها من كل هذا أن تذعن إليها، وأن تظهر الطاعة والامتثال لما تبتغيه، ولكن ما ترومه دونه خرط القتاد، فهي وإن لم تستطع أن تدفع عن نفسها مظاهر البغي والعدوان ما زال شبابها وعرانينها يكبرون فلسطين، ويتهافتون على الموت من أجلها، الآن أيها السادة تمعن هذه الشعوب التي نحسبها غنية مترفة، تعيش في دعة وسعة، في مآلات هذا الصراع الدامي بين العرب والصهاينة، ويقينها إن هي صمتت وكفت عن الرفض والانكار أن غزة التي استخفت بالحياة، واستهانت بها، من أجل صون كرامتها وعزتها سوف تؤول إلى زوال، هذا يعني أن تلك الشعوب التي أزرت بها الحروب من قبل ستتصدى لحكوماتها، وستجد منها عنتا لم تلاقيه من قبل، كما أنها لن تكتفي بما يجري في غزة، بل ستنتبه لدماء أخرى تستباح في مناطق أخرى في الشرق الأوسط أو افريقيا، وأنها بعد أن اتضح حجم الكذب والتدليس في التعاطي مع ملف غزة من قبل أشهر المؤسسات والقنوات الاخبارية، لن تكتفي بتصديق كل ما يقال لها، بل ستمحص الأخبار وتسبر غورها، حتى تصل إلى برد اليقين.

أيقنت الشعوب الغربية أن حكوماتها قد سقطت سقوطا مدويا في حضيض البربرية والسادية الهوجاء، وأنها تواطئت مع دولة الاحتلال في كل جرائمها، فهي الداعمة والمهللة لكل فوادحه، أدرك الشعب الأمريكي أن رئيسه ووزير خارجيته، قد أهدرا حياة الأطفال في غزة وأن دولتهم تسلطت على فلسطين كما تسلطت على كثير غيرها من أقطار العرب، ما لا يتنابنا فيه شك أن هذه الشعوب لن تقبع فيما كانت عليه من غفلة غافلة، ولكن ستزيج عنها جدار التقصير وستنفق غداتها، وأول ليلها، في قراءة وتدبر لذلك الدين الذي جعل متحدث حماس يظهر بهذا الجلد والثقة كأنه يمتلك من وسائل البأس والبطش ما لا تملكه اسرائيل، لقد عرفت هذه الشعوب أن مجاهدي القسام وغيرها من حركات الكفاح المسلح ألا أبو عبيده ولا اخوته يطمئنون إلى القتل، ولا يستريحون إليه ولكنهم يقاتلون عدوا غاشما تسود فيه الضغائن والأحقاد، ويدعم هذا العدو دولا لا تبتغي إلا الموارد والمال، على ضوء ما أوردناه نستطيع أن نزعم أن تلك الدول الباغية سيأتي عليها يوما تندم فيه على كل تلك المخاز التي اقترفتها، وأن خططها التي دبرتها، وكيدها الذي كادته، ستنجلي غمرته بفضل جهاد يحرص كماته فيه على الموت كما يحرص جيش اسرائيل على الحياة، إن تلك الدول التي تحرص على الشر، وترغب فيه، وتتهالك عليه، قد علمت أن الصهاينة رغم تبجحهم بقوة جيشهم، وزعمهم بأنه الجيش القاهر لمن حوله، إلا أن كتائب القسام قد فضحت ضعفه، وجبن أفراده.

نذكر في خاتمة هذا المقال شعوبنا العربية الوادعة التي ينظر الكثير منها إلى أحداث غزة في رتابة وملل، أن تحذو حذو الشعوب التي أظهرت حزنا ولوعة، وأن تكشر عن أنيابها، وتهب من سباتها، وتتمسك بعرى دينها، وتعرف أن عزتها تنبع من أصالة هذا الدين وسننه وعوارفه، عليها أن تؤوب إليه، وأن تسعى إلى نشره واذاعته، وأن تتفانى في تطبيق ما جاء به هديه، وأن ترعى سنامه الذي يكفل لها نزع هذا الشر المحيط الذي وضعه الغرب في خاصرتها.

***

د. الطيب النقر

 

لا تخفى أحداث الحرب الدائرة اليوم بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل على أحد، يمكننا أن نقول على مهل أن الأحداث التي بدأت في صباح السابع من أكتوبر أخذت منحنيات سياسية وإعلامية غير مسبوقة، ومع التدفق الإعلامي الضخم في تحليل وتغطية هذه الحرب من الجانب الغربي وبعض القنوات العربية، أصبحت الحقيقة جلية وواضحة، إسرائيل ملائكية كما ينبغي للإنسان المثالي أن يكون والمقاومة ما هي إلا مجموعات إرهابية تتغذى على القتل ولا قضية حقيقية تربطها بالواقع الذي تعيشه المنطقة، الفرضية التي أطرحها في الأسطر السابقة مستفزة، نعم هي كذلك بطبيعة الحال، وذلك لمن يعيش الواقع فعلا ولا يستفيض في نزع ذاته وروحه أخلاقيا من مبدأ التجذر الأخلاقي.

أليس الصراع في فلسطين المحتلة يدور حول التاريخ وما جرى قبله وما يُعمل من خلاله؟ تجرأت الأقلام أن تؤطر هذا الصراع في أحداث السابع من أكتوبر تحت كلمة الإرهاب وما هو إلا سقوط أخلاقي يدل على التهافت العقيم للكيان المحتل وأحضانه، والتقصي الغير موضوعي للقضية الفلسطينية وما دار في الماضي وما يجري في الحاضر التي عانت من ويلات التآمر الغربي منذ 1917 للميلاد، ما فاقم الأمر سوءا أن كتبت هذه الأقلام بما يعرف في السلك المعرفي بفلسفة الأخلاق والدخول في التنظير الأخلاقي للأشياء، أوهمت هذه الكتابات بأن المقاومة إرهابية وأنها اعتدت على إسرائيل الملائكية ولسان أقلامهم يقول هذه إسرائيل المسالمة التي لم تعتدي على البشر والأرض والشجر، هذه إسرائيل التي تحمل في طياتها خطط السلام والتنمية، وكما أسلفت فهذا الطرح غير موضوعي في هذا الباب، إذ أن التحليل للمنظور الأخلاقي لا ينطلق إلّا من جذر القضية نفسها فمنذ تطبيق الخطط الاستعمارية المتتالية من قبل الإدارات الغربية كوعد بلفور يأبى الغرب إلّا أن يرينا سياساته العنصرية واعتداءاته الغاشمة على المنطقة عموما وفلسطين المحتلة خصوصا.

تُحتم علينا الأحداث الحالية أن نتحدث عن الواضحات البديهيات وكأنما يخفى على جنود الصهاينة والمتصهينين العرب من المدونين والإعلاميين الواقع والصورة، تلعب إسرائيل وأذرعها الإعلامية من الشرق والغرب على توحيد صورة الفلسطيني الإرهابي، هذا هو النقل الإعلامي الدوغمائي الغربي للصورة الذي يؤثر علينا كعرب. تؤثر علينا مجريات القضية الفلسطينية كونها مكونا عربيا لا يمكن لأحد مهما شاء أو حاول أن يختزل ذلك من العرب الشرفاء المؤمنين بضرورة توحيد البقعة العربية في كل أحوالها وتحولاتها، ربما ستغير هذه الأحداث المتكررة من الوعي الشعبي العالمي، إذ أننا من استقراء تاريخي متكرر ليس علينا أن نعول على الحكومات فجُلها يجري بمجرى السياسات ذات المصالح النفعية والتي لا تنعكس على الشعوب بقدر ما تستفيد منها الأحزاب والكراسي السياسية.

دوما ما يكون النقاش حول الحقيقة محتدما بين البشر، إن المبدأ الأخلاقي المحكوم منطقيا هو المقياس الذي تدور عليه النقاشات وإذا ما استنبطنا فعلا أخلاقيا واحدا يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة فإن هذا الفعل هو المقاومة، هذه المقاومة هي طبيعة أخلاقية لشعب يتم قصفه وتهجيره واستيطان أراضيه، حتى مع الدعوات والاتفاقيات المزعومة كحدود 1967 ميلادي إلا أن الكيان المحتل يثبت للعالم أجمع بأن أهدافه ومساعيه في توسع دائم، لذا فإن الجدوى الوحيدة التي تعزز الوجود والحق الفلسطيني هي المقاومة لا غير، ومن واجبنا الأخلاقي والإنساني أن نقف بما نستطيع مع كل ما يدعم سبل المقاومة ويعزز قيمها ووجودها نحو بناء أرض حرة ذات مجتمع حر أبيّ كسابق عهده وعادته، لابد أن لا نستجدي العالم الغربي في القضايا الإنسانية العادلة بل لابد أن نتخذ موقفا يدفعها إلى احترام السيادة العربية في المنطقة وأقول هذا لأن الإدارات السياسية الغربية بنفاقها الأخلاقي ستبرر كل جريمة تشارك بها، هم يقتلون الفلسطينيين باسم المبادئ والقيم، حتى عند القصف الأمريكي للعراق وموت الملايين من المدنيين أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا بررت مادلين أولبرايت ذلك بالقول: "إن الثمن يستاهل"، وهذا المشهد لا يغيب عن الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعد متكررا في أغلب أحواله ويتضح هذا من المشاهد الوحشية التي نشهدها من المستشفيات سواء كان ذلك بالقصف أو إجبار المرضى والمصابين لمغادرة المستشفيات. 

إن الموقف الغربي السائد اتجاه منطقة الشرق الأوسط أصبح واضحا، هي سلطة مضللة لا أخلاقية يتبعها شرذمة من العرب تسعى إلى تغيير المناخات الفكرية المؤيدة للمقاومة ونبذ الاحتلال. هي مسارات توشحت برداء الرذيلة لأنها خالية من الأحكام الأخلاقية الفكرية هذه الأحكام ليست الأخلاق فقط، لكنها الأحكام التي تبني للبشر المسار التصحيحي للاعتقادات الموضوعية والبناء المعرفي المنطقي ذو المنهجية العلمية التي تستقي للإنسان حق الحياة، حق حب الحياة.

نحن أبناء جيل عربي متخم بالمآسي والكوارث التي تعصف علينا منذ قرون طويلة، اليوم لابد أن نطور مسار المقاومة الشاملة بمنهجية معرفية تضمن إحياء المبادئ والقيم العليا كوننا لسنا تحت مآلات القصف والتهجير إلى وقتنا الحالي بأقل تقدير، علينا أن نبني معرفة يحق فيها الحق ويطمس من خلالها الكذب والخداع الذي تمارسه الصهيونية وأذرعها منذ القرن الماضي إلى الآن، هذه المعرفة تكون قائمة على الوعي  والإدراك الإنساني بضرورة الكفاح بأشكاله المتعددة وصوره المؤثرة على الساحة الرقمية لصد البروباغندا الغربية المستعمرة وصد كل ما له علاقة بتزييف الحقيقة والميل نحو قبول الكيان المحتل، كذلك على الحكومات العربية أن تعيد النظر في ممارساتها التغيبية على أبناء الوطن العربي وتكف عن التطبيع العلني أو حتى التطبيع الناعم بمسمى البحث العلمي والثقافي لأن مآلاته على نفسها سيعود بنتائج وخيمة لن تمرره الذاكرة الشعبية العربية ولن يستسهلها تاريخ المستقبل.

***

محمد المحروقي – سلطنة عمان

 

من سيميولوجيا طوفان الأقصى، ونتائجه وتوابعه الحدثية والزمنية، ومشاهده وصوره التاريخية، ومفاعيله الميدانية نجد:

ـ الجيش الصهيوني النازي الفاشي الداعشي غلف بهالة من الوهم والأسطورة والخرافة؛ من حيث قدراته وإمكانياته وإمكاناته الخارقة لطبيعة الجيوش، نتيجة النفخ فيه من قبل المهزومين والخائفين، والدعاية الصهيونية العنصرية، وتعظيم حلفائه له بمشهدية إجرامه في كل أصقاع العالم بالقتل والاغتيالات، والاعتداءات على الشرعة الدولية وقوانينها وأنظمتها ومؤسساتها العالمية، والتي تحميه فيها أغلب الدول الغربية برئاسة مجرمه الأكبر الأمريكي الهمجي.

فهو الجيش النازي الفاشي الداعشي الذي كان يصور نفسه أمام الآخر بالغول الأسطوري القادر على فعل كل شيء، ويسوق لها بملحمات متوهمة على المدنيين العزل في فلسطين، وحقيقة من يعتدي على المدنيين العزل هي الضعف والعجز، وهذا ما أكده طوفان الأقصى ومن قبل أكدته ضربات المقاومة الإسلامية في لبنان فضلا عن حرب 2006. والواقع الذي لا يمكن نفي أحداثه ووقائعه وحججه ودلائله أنه أهون من بيت العنكبوت.

ـ الصهيوني النازي الفاشي الداعشي فوق الإنسانية بمعناها البشري والأخلاقي والقانوني، فهو أرقى عرق في الكون يتطاول على أسياده الذين أوجدوا كيانه، ومازالوا يحضنوه لحد الساعة بكل ما يملكون، حتى سيادتهم أمامه لا تساوي شيئا، فمعاداة السامية ما هي إلا بابا لإهانة كل فرد ومنظمة ودولة في أرضها وتحت سيادته. فمن ينتقد هذا العنصر " السامي " من مواطني الغرب وكيفما كان؛ يكون مصيره المحاكمة والإذلال والسجن. فأي سيادة لهذه الدول؟ وأي كرامة وإنسانية للإنسان الغربي والصهيوني يتابعه ويحاكمه في بلاده وبقضائه؟ في المقابل لا يستطيع القضاء الغربي أن يقاضي أي مجرم صهيوني يرتكب على أرضه الاغتيالات وجرائم الحرب! والأعظم من ذلك أن هذا العنصر " السامي " يتطاول على العالم كله وعلى منظماته العالمية، وما أنتجته البشرية من شرائع وقوانين وحقوق وغيرها، وأمام أعين العالم، ولا يستطيع أحد أن ينكر علية بله يحاكمه. لذا؛ فهو عنصر " سامي " تتشرف الإنسانية بوجوده على رأسها لأنه أرقى منها! وهي عبد عنده، يجب عليها أن تخدمه برموش عينيها أو كرها وغصبا عنها.

وانطلاقا من " سامية " هذا الكيان العنصري، وجب على الفلسطيني أن يكون عبدا له محبة أو إكراها، وإلا الإبادة مصيره؛ فجاء جواب النفي مع طوفان الأقصى بأنك أيها الكيان الهمجي لست أرقى سلالة من غيرك من البشر، بل أنت أحط وأخس وأنتن خلق الله في هذا الكون. فإن كنت تتسيد على أنسان الغرب، فنحن لسنا كذلك لعزة أنفسنا وكرامة ذاتنا وحسن أخلاقنا وسلامة عقيدتنا.

ـ ضعف وتخلف الأنظمة العربية التي حشرت نفسها في حب الدنيا، ورضيت بالقعود عن الأخذ بأسباب القوة من فكر وعلم وتكنولوجيا وسلسلة ما أنتجه العقل من مظاهر القوة. فهي ذهبت إلى الانسداد العقلي والفكري والاكتفاء بملذات الحياة والتشبث بكرسي الحكم تحت مظلة ومذلة الغربي، الذي عمل على إبقاء تخلفها وتأخرها قرونا للوراء، وغيبت كل عوامل التطور والنماء من

استقلال وسيادة وحرية وديمقراطية ... ما أنتج مظاهر التخلف على نطاق واسع في دولنا العربية والإسلامية، فغياب الديمقراطية عن الوطن العربي والإسلامي أنتج الاستبداد، والاستبداد أنتج التخلف، والتخلف أنتج الضعف، والضعف أنتج التبعية، والتبعية أنتجت العجز التام عن الفعل، والعجز التام أنتج البؤس الإنساني والحضاري والمأساة على مختلف أنواعها وأشكالها ودرجاتها. فلا يمكن للأنظمة المهزومة من داخلها نفسيا وماديا وفكريا أن تتفوه ولو بحرف استنكار، بله أن تنتج إرادات ومواقف وأفعال. فهي ميتة في هذا العالم، يفعل بها ولا تفعل.

وهو طوفان الأقصى قدم بين يدي الواقع أدلة دامغة غير مدحضة على الموت السريري للأنظمة العربية والإسلامية التي لم تستطع فتح معبر رفح أو إدخال كيس دقيق لغزة العزة. فهي عاجزة لا تملك شيئا، وفي أحسن أحوالها وأعلاها درجة وأرفعها قمة تملك الخطابات الجوفاء، وقد ذهبت في عجزها وضعفها إلى حد تنفيذ ما طلب منها اتجاه المقاومة الفلسطينية. فقد سبق أن أدانت بعد الأنظمة العربية المطبعة وشقيقتها الإسلامية غير العربية المقاومة الفلسطينية في أكثر من عملية فدائية تقاوم من خلالها المغتصب والمستعمر الصهيوني النازي الفاشي الداعشي، ومتنكرة لحق مقاومة المستعمر ذي الدمغات القانونية المتعددة من دينية ودولية وإقليمية ومحلية! ومازال البعض يدين حماس وباقي الفصائل المقاومة عن طوفان الأقصى بدعوى أنها البادئة بالهجوم على الكيان الغاصب، التي جلبت الخراب على غزة العزة. وهذا غير مستغرب عن أنظمة لا قيمة لها في الوجود، ولا اعتبار لها عند الصهاينة وأسيادهم الغربيين.

ـ قوة وعبقرية وذكاء وشجاعة الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة، التي أظهرها وأجلاها طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023 المجيد. ما يدل دلالة قاطعة على أن الإرادة تصنع المعجزات في الواقع، فقد فاق العقل الفلسطيني العقل الصهيوني الهمجي باستباقية فكرية وعلمية ومنهجية شلت عقله وفكره، وبينت عجزه وفقره. وهي العملية التي أدهشت العالم كله بدون استثناء، وتمنى المنبطحون لو لم يقع طوفان الأقصى لكيلا يتعرون أمام الشرفاء والأعزاء والكرماء في هذه الأمة العربية والإسلامية؛ لذا عملوا منذ البد\اية على استصغار العملية ووسمها بسمات لا تعبر عن حقيقتها وكينونتها. فكانوا معبرين عن أنفسهم وخستها وذلها ومهانتها وهوانها واستصغارها أمام هذه المقاومة الفلسطينية والإسلامية والعربية، فضلا عن أسيادهم الحاضنين لكراسيهم وكروشهم.

فطوفان الأقصى أفصح عن عقل فلسطيني استراتيجي قادر على التفكير من خارج الصندوق ومن داخله، والتخطيط والتدبير والفعل النظري والعملي في الميدان، وهو مازال يظهر حنكة وقدرة على التحكم في مفاصل وتفاصيل، وإدارة المعركة في غزة العزة رغم آلامه وجراحه الكبيرة عن مواطنيه، الذين يظهرون بسالة اجتماعية لا نظير لها عند العدو الهمجي العنصري، وهم يساندون مقاومتهم. بل؛ يعيشون يومياتهم بدمائهم ومعاناتهم، وتحت ضغط تكالب العالم الرسمي عليهم بما فيه بعض الأنظمة العربية والإسلامية حفيدة عبد الله بن أبي ابن سلول. فهل من عقل إنساني يساوي بين الجلاد والضحية؟ فلن يدوم هذا الوضع إن شاء الله تعالى، وسنرى فيهم عجائب وغرائب الشعوب.

ـ اختباء بعض الجيوش العربية والإسلامية إن لم يكن جلها من وراء أنظمتها لضعفها أمام العدو العنصري رغم ما تمتلك من عتاد كبير، فهي غير قادرة على استعماله، ولا على التغيير الداخلي، ولا مواجهة الخارج بما فيه من جيش العدو المهزوم، والذي يتلقى الضربات القاسية من رجال المقاومة الفلسطينية ومحورها الإقليمي الشجعان. فهي جيوش مستعدة للحرب مع أشقائها وضد نفسها، وليست مستعدة لغير ذلك لضعف يعرب عن ذاتية غارقة في المصلحة الخاصة، والتي تفيد أن ما يسمى الوحدة العربية والإسلامية هي مجاز في القاموس العربي والإسلامي لا حقيقة لها، ولا مصداقية، ولا ماصدق له في الواقع يثبته، غير أن ما ينفيه هو القائم في واقع العالم العربي والإسلامي. لذا؛ فلا يعول الإنسان العربي والإسلامي بصفة عامة والمقاوم الفلسطيني والعربي والإسلامي على هذه الجيوش للدود عنه ولا رفع الضيم عنه؛ بله خوض المعارك المسلحة من أجله. فهذه الجيوش ترهلت وهرمت وتدلت كروشها أمامها لما يدخ في جيوبها ومشاريعها ومصالحها، فلله المشتكى. فهي مستعدة للتواطئ على المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية لأجل الحصول على رضاء الأمريكي الهمجي والصهيوني العنصري.

ومنه؛ فطوفان الأقصى يصرح بكل اللغات أن تغيير الواقع غير مطروح ومؤجل إلى أن يبعث الله في هذه الأمة قوما يشبهون المقاومين والمجاهدين في إيمانهم وآمالهم، وفي تفكيرهم وعزيمتهم وإرادتهم. وأما الراهن فلا يشي بشيء من ذلك. ومع الأسف الشديد إلى هذا الحد من التبلد الحسي أصبح لهؤلاء الجيوش وأنظمتها تجاه الجرائم والإبادة القائمة في غزة العزة والضفة الغربية وأراضي 48 الباسلة، وأخال لو نهض الكيان الصهيوني النازي الفاشي الداعشي إلى إعلان الحرب على أي دولة عربية أو إسلامية؛ فلن تجد من الجيوش من سيحاربه ويقاتله، بل؛ ستكتسح أراضيها خلال ساعات لأنها أنظمة وجيوش لا إرادة لها في القتال، بل سيقفون موقف المستغل والانتهازي لكسب المصالح الخاصة! وهذا؛ وقع ويقع في واقعنا العربي والإسلامي من خلال من يندد بحماس ويدينها ابتداء وانتهاء، وقد جيش من ورائه جوقة من " العلماء والشيوخ والفقهاء " وجيوشا من " الذباب والناموس وكل الحشرات النهارية والليلية الإلكترونية " لإدانة المقاومة الفلسطينية، وتوهيم خلق الله بأن ما قامت به هو عبث لم يأت إلا بالخراب؛ لكن الله سبحانه وتعالى ينصر أولياءه وأهله دون الصهاينة النازيين الفاشيين والداعشيين من كل الأجناس والأوطان. ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا﴾ " النساء: 52".

ـ للقراءة والوعي:

لابد للقراءة الناقدة أن تخلق الوعي عند القارئ الفطن الذي لا يكتفي بظاهر النص المسطور أو الواقع المنظور، وإنما هو الذي يعمق وجوده في أعماقهما بكل أدوات الحفر والتنقيب لبناء معمار فكري مستقل وحر قادر على الفعل بكل أبعاده. وكتاب طوفان الأقصى المسطور أو واقعه المنظور يفيدنا الكثير من العبر للاعتبار، والدروس لاستخلاص النتائج الإيجابية والسلبية للاستثمار والتجاوز، بخلق فرص النجاح من رماد الخيبة، التي يشاهدها العربي والإسلامي في يومياته من مواقف الأنظمة والجيوش والحكومات والمنظمات والمؤسسات الدولية على بروع هذا العالم، العاجزة عن الفعل وردة الفعل سوى التنديد في أحسن الأحوال.

ومن هذا الموقع الإعلامي أقول للشعب الفلسطيني إنك أقمت الحجة على العالم؛ لذا فلا داعي للمناشدة أو الاستنكار، فعول على الله أولا ثم على مقاومتك ثانيا وعلى نفسك ثالثا، وثق بإيمان قوي في الله عز وجل أنه ناصرك مهما كانت التضحيات والآلام والأحزان والخسائر، فهذا مسمار في نعش الصهيوني الهمجي، ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ "الروم: 47".

***

عبد العزيز قريش

إنهم يعلمون كيف يحمون ما سرقوه من أراضى وحقول، فصنعوا جدراناً عازلة وارتقوا بالأسوار المكهربة، وظنوا أنهم بمأمن حتى جاء يوم السابع من أكتوبر فتغيرت قناعاتهم وانتهت للأبد!. ولأنهم متخصصون فى الدراسات والأبحاث النفسية وطرق التلاعب بالعقول، أقاموا جدراناً نفسية وهمية أنهم الأقوى وألا سبيل لهزيمتهم، حتى رأينا كل تحصيناتهم تتهدم وتتفتت كأنها بيوت العنكبوت! وكل هذا حدث فقط فى 40 يوماً!!

ما بعد الأربعين

إنها الهدنة يسعى إليها المهزوم سعياً.. فمن الذى انتصر حقاً؟

الآن وبعد تكدس الآليات المعطوبة بفعل راجمات المقاومة، وبعد النزيف المؤلم للجيش العرمرم على أرض غزة، وبعد اقتناعهم باستحالة التوصل إلى مكان الأسري أو حتى تحرير أسير واحد منهم، وبصعوبة العثور على نفق واحد من مئات الأنفاق فى شبكة غزة الخارقة للتحصينات. باتت الهدنة أقصى أمانيهم!

سياسياً هناك انشقاق داخل دوائر الحكم والقيادة فى إسرائيل، وضغوط كبيرة مؤداها أن حكومة نتنياهو تلفظ أنفاسها الأخيرة. وعلى الجانب الآخر من الشاطئ تنحسر شعبية جو بايدن وحزبه الديمقراطى إلى الذيل، وحزب المحافظين البريطانى تحت ضغوط شعبية ومليونيات ثورية تنادى بوقف الحرب، والتوقف عن دعم الكيان الإسرائيلى المحتل صاحب المجازر النازية غير المسبوقة.

وعسكرياً لا يوجد تقدم على أى محور من محاور الاقتحام البري، بل يبدو المشهد وكأنه كادر سينمائى ثابت متجمد على بيت حانون وبيت لاهيا ومخيم الشاطئ وما حول مستشفى الشفاء. والحديث يجرى عن معارك سجال بين طرفين قويين، لا عن اقتحام وفرض سيطرة ونشر قوات للجيش الأقوى والأكثر عتاداً!

الآن وبعد أربعين يوماً على القصف الغاشم على غزة، لم يعد ثمة حلول إلا هدنة قصيرة من أجل تحرير بعض الأسرى، وكلها تتم بشروط تمليها المقاومة المنتصرة !

عجائب المتعاطفين مع غزة

لعل أهم مكاسب ما حدث فى فلسطين المحتلة التعاطف العالمى المذهل مع غزة، وتلاشى فاعلية ومصداقية الإعلام الصهيوأمريكى.

المتابع لمظاهرات نيويورك ولندن سيجد فى صفوفها الأولى عائلات يهودية متعاطفة مع القضية الفلسطينية! وشباب بأوشام وتقاليع غربية. وعروض رقص يؤديها رجال بأزياء الهنود الحمر، يتذكرون مأساتهم ويربطونها بمأساة غزة وفلسطين!

أغلب المتعاطفين مع غزة حول العالم ليسوا عرباً ولا مسلمين! وإنما هم خليط من كافة التيارات والأحزاب والعقائد والأجناس. إنه تعاطف إنسانى خالص تجاه صمود يبدو كصمود الجبال الرواسي لأهل غزة، وطغيان إسرائيلى يعيد للأذهان محارق الهولوكوست النازية، وقبضة الدكتاتوريات الفاشية، ومجازر المغول والتتار!

المشهد الأعجب يحدث بيننا! عندما تلاحظ حولك أناس تغربلهم المحنة، فينفضوا عن قلوبهم وعقولهم وأكتافهم كل ماضيهم الذى تعاطفوا خلاله مع الماركسية حيناً ومع الليبرالية حيناً ومع العلمانية بعض الوقت، ثم يكتشفون أنهم لا يملكون إلا التعاطف مع المقاومة الفلسطينية حتى وإن كانت تتعارض مع معتقداتهم وأفكارهم ومزاجهم السياسي والنفسي!

الحق أن ما يحدث فى فلسطين المحتلة اليوم يعيد هيكلة العقل الجمعى لا أقول فى منطقتنا بل فى العالم كله. وسوف نرى فى المستقبل من التداعيات والنتائج ما يثير الحيرة والعجب والاندهاش أكثر وأكثر.

زمن سقوط الأقنعة

بعد معركة طوفان الأقصى لم يعد التخفى خلف شعارات المداهنة والنفاق ممكناً..

بات من السهل تمييز الوجوه كلها بوضوح. وجه الإمبريالية الاستعمارية المتدثر بعباءة الليبرالية وحماية الحريات. ووجه الشيوعيية الأحمر الدامى الرابض خلف قناع النضال الكاذب والدعوة الزائفة لحفظ حقوق الفقراء والضعفاء والعمال والفلاحين. وهؤلاء وأولئك خرسوا تماماً أمام مجازر جيش الاحتلال الإسرائيلي فى غزة. بل إن بعضهم بات لساناً للظلم ضد المظلومين!

هل تعلم أن المعضلة الأكبر أمام الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الآن فى تفاوضهما مع المقاومة الفلسطينية هى غياب الوسيط بين الجناح العسكرى الغزاوى وبين المفاوض الإسرائيلي؟! والسبب أن المقاومة لم تعد تثق فى أحد خارج نطاق المعارك على الأرض، وبات التواصل الوحيد من خلال المتحدث العسكرى للمقاومة الفلسطينية، والذى أصبح يلعب دور السياسي والإعلامى بالإضافة لدوره العسكرى! كأن كثرة الأقنعة وتداعيها من حول أفراد المقاومة، دفعهم ألا يثقوا إلا فى أنفسهم، الأمر الذى يفسر سرية عملية طوفان الأقصى منذ بدايتها؛ كأن العارفين بساعة الصفر كانوا أقل من أصابع اليد الواحدة!

وثيقة كامبل السرية!

عام 1905 عُقد مؤتمر كامبل بنرمان فى العاصمة البريطانية لندن. إنه مؤتمر دعا إليه حزب المحافظين البريطاني سراً . واستمرت مناقشات المؤتمر حتى عام ١٩٠٧. وقد ضم المؤتمر جميع الدول الاستعمارية في ذاك الوقت وهي:بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، اسبانيا، إيطاليا، وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية دعوها "وثيقة كامبل" نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.

انتهى المؤتمر الحاشد إلى قرار خطير مفاده: اعتبار البحر الأبيض المتوسط هو الشريان الحيوي للاستعمار والجسر الذي يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والأفريقية وملتقى طرق العالم..وأن العقبة الكبيرة للسيطرة عليه، هى الوحدة الدينية والتاريخية واللغوية للشعوب المطلة على جنوب وشرق البحر.. وعليه فإن قادة المؤتمر قرروا الآتى: أولاً: إبقاء شعوب تلك المنطقة مفككة جاهلة متأخرة اقتصادياً وتنموياً. ثانياً: منع أى اتحاد بين أجزاء المنطقة المقسمة بفعل الاستعمار ثم باتفاية سايكس بيكو الشهيرة. ولضمان تحقيق ذلك تم التخطيط لإقامة دولة إسرائيل كشوكة مغروسة فى حلق المنطقة تعيق توحدها وتغرقها فى مشكلات مزمنة.ثالثاً: تفكيك نسيج الدول المستهدفة من داخلها من خلال دعم الأقليات وإثارة نعرات التفرق والانقسام بكل أشكاله العقائدية والعرقية والقبلية بحيث لا يستقم النسيج الاجتماعى لهذه الدول إلا من خلال تدخلات خارجية ورعاية أممية! .

إنها وثيقة تمثل نهج الدول الغربية ما بعد خروجها الظاهرى وانسحاب جيوشها من المنطقة، لضمان استمرار سيطرتها ونهضتها على حساب تراجع منطقة الشرق الأوسط حضارياً وسياسياً وعسكرياً واقتصادياً ليظل العرب طوال الوقت معتمداً متكئاً على الغرب موالياً له كل الموالاة!

مستقبل المحمية الأمريكية!

لم يعد أحد يجهل حقيقة أن إسرائيل هى الطفل المدلل لأمريكا، وأنها محميتها فى الشرق الأوسط..

كيف لا، وهذه السفن الحربية وحاملات الطائرات وأطنان الذخيرة والسلاح تطير من أمريكا إلى إسرائيل عبر جسر جوى دائم لتحيط إسرائيل المحتلة إحاطة السوار بالمعصم؟! خطوات ليست وليدة اللحظة، بل هو دعم قديم ودائم وشامل لكل عناصر القوة من سلاح وعتاد وأموال وتقنيات بل وجنود مرتزقة من أوروبا والغرب!

ومنذ كتابات هنرى كيسنجر التى دعت إلى منع أى انتصار عربي، إلى قرارات دعم الكيان بأقوى طيران وأقوى ترسانة قنابل وذخيرة فى المنطقة، وحتى معركة اليوم التى جمعت أساطيل أوروبا وأمريكا وأحلاف الغرب، نستطيع أن نفهم أن الصراع يدور حول المصالح الغربية فى المنطقة، بقناع أيديولوجى عقائدى!

ونظرة سريعة لنتائج المعركة على الأرض يستطيع أن يصل إلى يقين تام أن المصالح الغربية فى المنطقة لن تتحقق، وأن المحمية الأمريكية الشرق أوسطية المسماة إسرائيل، سوف ينكشف عنها غطاء الدعم الغربي، وأنها ستكتسب مزيداً من الكره والاحتقار من جانب الرأى العام العالمى، وأن الانقسامات الداخلية الحادثة فى النسيج الاجتماعى الإسرائيلى، كعقاب عادل لمؤامرات مؤتمر كامبل وأشباهه، تنذر بتحقق ما اصطلح على تسميته "لعنة العقد الثامن".

ولن تمر سنوات قليلة إلا وتتحول المحمية المحاطة بسياج ضخم من الجدران والحصون ووسائل الحماية، إلى مقصد لكل فلسطينى ترك أرضه قسراً وصدره ينطوى على حلم العودة الذى لم ولن يزول.

***

عبد السلام فاروق

ترجمة وتقديم: علاء اللامي

لم تبرز صهيونية توماس فريدمان، والذي دافع عنه البعض كليبرالي مفيد ومعتدل كما برزت في هذه المقالة الفاضحة الواضحة والخطرة والمفيدة أيضا. وقلت المفيدة لأنها كشف علنا أوراق الطرف الغربي الصهيوني بوضوح وأن أشد ما يقلق هذا الطرف هو احتراق أوراق ما يسمى حل الدولتين والذي دمرته دولة الكيان وليس طرف عربي أو فلسطيني بل إن صيغة حل الدولتين تجد تطبيقها وتبنيها العربي الرسمي في ما سمي "المبادرة العربية للسلام/ خطة الأمير السعودي عبد الله قبل تتويجه". وفريدمان يقول ذلك صراحة، وكأن بروز شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر

 (Palestine will be free, From the river to the sea)

على ألسنة التقدميين الذين يتظاهرون في العالم كابوسا شخصيا له فيسميه " الشعار العدمي"!

مقالة فريدمان هذه حاسمة وتأسيسية من الضروري الاطلاع عليها وتحليلها بعمق لأنها تكشف عن مأزق العدو الصهيوأميركي بعد الطوفان، ومن الضروري الاستعداد من الآن لخطط العدو المستقبلية والتي ستنفذ اعتمادا عليها فهم لن يسمحوا لنتنياهو بالاستمرار في خططه المجنونة لتوريطهم بجرائم حرب ضخمة كهذه لإنقاذ مستقبله السياسي الشخصي وتدمير دولة الكيان والسماح بنشوء تيار فلسطيني وعربي وعالمي يسعى لتحرير فلطسين من النهر إلى البحر وتفكيك الكيان الآيديولوجي الخرافي النازي الملطخ بدماء الأطفال ولن ينقذ هذا النظام إذا ما فشل بايدن والزعامات الغربية عن ردع نتنياهو والدولة الصهـيونية ووقف جريمة الإبادة التي ترتكبها أمام أنظار العالم أجمع! ترجمة المقالة:

اللحظة الأكثر كشفا من رحلتي إلى إسرائيل بقلم توماس ل. فريدمان

خلال الأيام التسعة التي أمضيتها مؤخرا في إسرائيل والضفة الغربية، لم أكن أعلم أن اللحظة الأكثر كشفا ستأتي في الساعات الأخيرة من زيارتي. إذ بينما كنت أحزم أمتعتي للمغادرة ليلة السبت، عقد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤتمرا صحفيا أشار فيه إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة ليس لديهما رؤية مشتركة حول كيفية إكمال إسرائيل لحربها في غزة أو كيفية تحويل أي انتصار إسرائيلي على حماس إلى سلام دائم مع الفلسطينيين.

بدون وجود مثل هذه الاستراتيجية المشتركة، ستحتاج إدارة بايدن والشعب الأمريكي، وخاصة اليهود الأمريكيين الذين يدعمون إسرائيل، إلى اتخاذ بعض القرارات المصيرية.

سيتعين علينا إما أن نصبح أسرى لاستراتيجية نتنياهو - التي يمكن أن تأخذنا جميعا إلى الحضيض معه - أو صياغة رؤية أمريكية لكيفية إنهاء حرب غزة. وسيتطلب ذلك خطة من إدارة بايدن لإنشاء دولتين لـ "شعبين أصليين" يعيشان في مناطق غزة والضفة الغربية وإسرائيل.

نعم، أنا أتحدث عن خطة للسلام في زمن الحرب، إذا ما وافقت إسرائيل عليها، يمكن أن تساعد في منح إسرائيل الوقت والشرعية والحلفاء والموارد التي تحتاجها لهزيمة حماس – دون أن تعلق في وحول حكم كل غزة وكل الضفة الغربية إلى الأبد، مع عدم وجود أفق سياسي للفلسطينيين.

إن نتنياهو يقدم في الوقت الحالي، وبدون أية أوهام، رؤية واحدة فقط: سبعة ملايين يهودي يحاولون حكم خمسة ملايين فلسطيني إلى الأبد – وهذه وصفة لكارثة لإسرائيل وأمريكا واليهود في كل مكان وللعرب المعتدلين من حلفاء أمريكا.

يمكن لخطة بايدن – ولسنا بالمتفرجين على ما يجري؟ - أن تستخدم اقتراح الرئيس دونالد ترامب لحل الدولتين كواحدة من نقاط البداية، لأن نتنياهو تبنى تلك الخطة في عام 2020، عندما كان لديه ائتلاف مختلف. (عمليا، كتب نتنياهو وسفيره في واشنطن خطة ترامب). وسأورد ثانية المزيد من المعلومات حول ذلك.

وأدرج هنا، بدءا من ليلة السبت الماضي، السبب في أننا في منعطف يتطلب أفكارا جريئة. أعلن نتنياهو، متحدثا باللغة العبرية في مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع يوآف جالانت والوزير بيني جانتس، رفضه لمخاوف الولايات المتحدة والعالم بشأن آلاف الأرواح الفلسطينية التي فقدت بالفعل في الحرب لاقتلاع حماس من غزة. والأهم من ذلك، أعلن أن الجيش الإسرائيلي سيبقى في غزة "طالما كان ذلك ضروريا" لمنع استخدام قطاع غزة مرة أخرى لشن هجمات على المدنيين الإسرائيليين. وقال إن غزة "ستكون منزوعة السلاح". وأضاف: "لن يكون هناك تهديد آخر من قطاع غزة على إسرائيل، ولضمان ذلك فأن قوات الدفاع الإسرائيلية، ما دام ذلك ضروريا، ستسيطر على أمن غزة لمنع الإرهاب من هناك".

هذه مخاوف إسرائيلية مشروعة، بالنظر إلى الفظائع التي ارتكبتها «حماس» في 7 تشرين الأول، لكن نتنياهو أشار أيضا إلى أن إسرائيل ستعارض عودة السلطة الفلسطينية – شريك إسرائيل في عملية أوسلو للسلام التي تحكم الفلسطينيين في الضفة الغربية – إلى غزة بعد الحرب. وقال نتنياهو إن السلطة هي "سلطة مدنية تربي أطفالها على كراهية إسرائيل، وقتل الإسرائيليين، والقضاء على دولة إسرائيل... سلطة تدفع لعائلات القتلة بناء على عدد قتلاهم ... سلطة لم يدن زعيمها، بعد 30 يوما، المذبحة الرهيبة ".

ولم يقدم بيبي – الذي لا ينسب للسلطة الفلسطينية الفضل في عملها كل يوم مع مسؤولي الأمن الإسرائيليين لإخماد العنف في الضفة الغربية – أي اقتراح حول كيف ومن أين يمكن أن تنشأ سلطة حكم فلسطينية شرعية بديلة مستعدة للعمل مع إسرائيل.

كان هذا ذما مباشرا لموقف إدارة بايدن الذي عبر عنه وزير الخارجية أنتوني بلينكن يوم الأربعاء الماضي. حيث أعلن خلال اجتماع لوزراء الخارجية في طوكيو، وكما ذكرت ذلك صحيفة التايمز، أنه يجب توحيد غزة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية بمجرد انتهاء الحرب.

وللاحتفاظ بحلفاء أمريكا العرب والغربيين، قال بلينكن: في الوقت الحالي – في هذا اليوم - يجب علينا توضيح "عناصر إيجابية للوصول إلى سلام مستدام". وقال "يجب أن تشمل هذه العناصر، صوت الشعب الفلسطيني وتطلعاته في القلب من حكم ما بعد الأزمة في غزة". ويجب أن يشمل الحكم الذي يقوده الفلسطينيون وغزة موحدة مع الضفة الغربية تحت السلطة الفلسطينية".

ترجمتي لاقتراح بلينكن لإسرائيل: "ساعدينا كي نساعدك".

ومع ذلك، لم يقدم بلينكن أي تفاصيل حول كيفية حدوث ذلك، ويحتاج فريق بايدن إلى تجسيد ذلك.

لماذا يحاول نتنياهو تدمير السلطة الفلسطينية كخيار حكم لغزة ما بعد الحرب؟ لأنه يقوم بالفعل بحملة للاحتفاظ بالسلطة بعد انتهاء حرب غزة، وهو يعلم أنه سيكون هناك زيادة هائلة في عدد الإسرائيليين الذين يطالبونه بالتنحي بسبب الطريقة التي شتت بها هو ورفاقه اليمينيون المتطرفون وقسموا إسرائيل وجيشها من خلال السعي إلى انقلاب قضائي قالت مصادر استخباراتية إسرائيلية لنتنياهو إنه سيشجع ويغري أعداء مثل حماس وحزب الله في مخططاتهم.

الطريقة الوحيدة التي يمكن لنتنياهو من خلالها البقاء في السلطة هي عدم تخلي حلفاؤه اليمينيون المتطرفون عنه، وخاصة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. ومن أجل الحصول على دعم العنصريين اليهود في حكومته – الذين يريد بعضهم أن تقيم إسرائيل مستوطنات في غزة في أقرب وقت ممكن – يتعين على نتنياهو أن يعلن الآن أن الفلسطينيين لن يكون لهم تمثيل شرعي ومستقل في غزة أو الضفة الغربية.

نعم، أعلم أنه من الصعب تصديق ذلك، لكن نتنياهو يقوم بحملة انتخابية في خضم هذه الحرب.

لقد حان الوقت للرئيس بايدن لخلق لحظة الحقيقة للجميع - لنتنياهو والفلسطينيين ومؤيديهم ولإسرائيل ومؤيديها ولأيباك، اللوبي المؤيد لإسرائيل. يحتاج بايدن إلى توضيح أن أمريكا لن تكون الأحمق الذي يستفيد منه نتنياهو. وسنضع مبادئ خطة سلام عادلة في صباح اليوم التالي لهذه الحرب - خطة تعكس مصالحنا، وتمكننا أيضا من دعم إسرائيل والفلسطينيين المعتدلين وكسب تأييد العرب المعتدلين لإعادة البناء الاقتصادي لغزة بعد الحرب.

لا أستطيع أن أرى أي دعم اقتصادي كبير لإعادة إعمار غزة يأتي من أوروبا أو من دول مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ما لم تلتزم إسرائيل وبعض السلطات الفلسطينية الشرعية بمبادئ إطار السلام لإنشاء دولتين لشعبين.

على بايدن أن يقول: "يا إسرائيل، نحن نغطي جناحك عسكريا بحاملتي طائراتنا، وماليا بمساعدات بقيمة 14 مليار دولار ودبلوماسيا في الأمم المتحدة. وثمن ذلك هو قبولكم لإطار سلام قائم على دولتين لشعبين أصليين في غزة والضفة الغربية وإسرائيل قبل عام 1967". وتستند هذه الخطة إلى قراري الأمم المتحدة 242 و338، اللذين كانا أيضا حجر الزاوية للمفاوضات في خطة السلام التي طرحها ترامب في عام 2020.

"بيبي، هل تتذكر ما قلته عن خطة ترامب التي أعطت الفلسطينيين حوالي 70 في المائة من الضفة الغربية كدولة، بالإضافة إلى قطاع غزة الموسع وعاصمة في منطقة القدس؟" لتذكيرك، إليك وإليكم ما روته وكالة أسوشيتد برس في 28 كانون الثاني 2020: "لقد وصفها نتنياهو بأنها "اختراق تاريخي" مساو في الأهمية لإعلان استقلال البلاد في عام 1948".

رفضت السلطة الفلسطينية بحماقة خطة ترامب بشكل قاطع بدلا من طلب استخدامها كنقطة انطلاق. والآن هناك فرصة للتعويض عن هذا الخطأ - أو الكشف عن عدم جديتها.

ويعرض جيدي غرينشتاين، عضو فريق إيهود باراك التفاوضي في كامب ديفيد، في كتابه الجديد القيم عن تاريخ عملية السلام، "مشاهد: صنع السلام في عملية أوسلو، ثلاثون عاما وما يتلوها"، بأن خطة ترامب توفر أساسا طبيعيا لإحياء عملية السلام لحل الدولتين.

هذا ليس فقط لأن نتنياهو وافق عليها بالفعل، كما أخبرني غرينشتاين في مقابلة معه، وهوما لم يفعله المستوطنون المتشددون في حكومته ولا يزالون على موقفهم. أن خطة ترامب قابلة للتطبيق لأنها استندت في الواقع إلى شرط أن السلام سيكون ممكنا فقط بعد إزالة حماس من السلطة في غزة وتمكن السلطة الفلسطينية من السيطرة على قطاع غزة، الذي، كما عرضت خطة ترامب، سيتم توسيعه من خلال الأراضي التي ستستقطع من صحراء النقب الإسرائيلية.

يمكن لبايدن أيضا أن يقترح أنه بمساعدة حلفائنا العرب المعتدلين، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر والأردن والبحرين، سنتوصل إلى خطة لإصلاح السلطة الفلسطينية، وتطهير نظامها التعليمي من المواد المعادية لإسرائيل، وتحديث قواتها التي تعمل يوميا مع فرق الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية والتخلص التدريجي من دعمها المالي للسجناء الفلسطينيين الذين أضروا بالإسرائيليين.

هل السلطة الفلسطينية قادرة على مثل هذه الصفقة؟ هل أن التقدميون في الغرب الذين يساندون الفلسطينيون ويرددون الشعار العدمي " فلسطين حرة، من النهر إلى البحر" على استعداد لذلك؟ هل ستكون هناك أغلبية صامتة في إسرائيل إذا هزمت حماس؟

دعونا نرى ما يمثله هؤلاء جميعا حقا - أو إذا كان لديهم إجابة أفضل - لأن أيا منهم لن يختفي. وسيحتاج بايدن إلى اختبارهم جميعا.

أعلم أن الكثير من القادة اليهود الأمريكيين يرغبون سرا في أن يطرح بايدن مثل هذه الخطة، لكن حتى الآن هناك واحد فقط، رونالد لودر، وهو جمهوري منذ فترة طويلة ورئيس المؤتمر اليهودي العالمي، لديه الشجاعة للدعوة إليها، وأين؟ في صحيفة سعودية، في مقال بعنوان "وقت السلام وحل الدولتين". وكما أوضح، "فقط حل الدولتين سيضمن للإسرائيليين والفلسطينيين حياة كريمة وآمنة وبمنظور أفضل من ناحية الوضع الاقتصادي، مما سيؤدي إلى مستقبل مستدام".

مثل هذه الخطة من شأنها أن تحمي مصالح أمريكا وتوضح أننا نهتم بما هو أفضل للإسرائيليين والفلسطينيين وحلفائنا في المنطقة، وليس ما هو الأفضل لمستقبل نتانياهو السياسي – الذي أخبرني العديد من المحللين الإسرائيليين أن مستقبله الأفضل سيكون بإطالة أمد الحرب، حتى لا يتم الإطاحة به من خلال المظاهرات الجماهيرية، أو بجرنا إلى صراع مع إيران على أمل أن يلقي ذلك بظلاله على جميع أخطائه.

إذا تبنت إسرائيل خطة الدولتين، حتى مع وجود تحفظات، فإنها ستعزز للعالم أن إسرائيل ترى في حربها في غزة حربا ضرورية للدفاع عن النفس ومقدمة لسلام دائم. وإذا تبنت السلطة الفلسطينية مثل هذه الخطة، حتى مع وجود تحفظات، فإن ذلك سيعزز أن السلطة تعتزم أن تكون البديل لحماس في تشكيل مستقبل مستقل للفلسطينيين إلى جانب إسرائيل – وأنها لن تكون متفرجة على جنون حماس أو ضحية له.

إذا ولد الرجال أحرارًا، فلن يشكلوا أي تصور للخير والشر، طالما بقوا أحرارًا. "باروخ سبينوزا"

في الفنون، كما في الثقافة والسياسة، يمكن للاضطهاد أن يجتاز حدود النقد والتأويل، ويصبح الصديق عدوا، والمؤنس بديلا عن الشيطان الكامن في الظل. هكذا، تتسارع أحداث النظرية الأمريكوصهونية (معي أو ضدي)، تماشيا مع سياسة الغرب الآن، تجاه مذابح غزة وإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره قسريا تجاه الموت الزؤام، حيث يتحول منطق الديمقراطية، إلى القيم المعكوسة، وتتداعى بإزاء ذلك، كل القياسات الإنسانية والكونية، في الحرية والمساواة والعيش الكريم.. ومقاومة الاحتلال؟.

انضم الفنان والناشط الصيني المعارض آي ويوي، المعروف بدعمه للقضية الفلسطينية، إلى قافلة المنبوذين في الفضاء الأوربي، مباشرة بعد الإفصاح عن رأيه في الحرب الراهنة على قطاع غزة، حيث تم إلغاء معرضه بليسون في العاصمة البريطانية لندن.

وعلى الرغم من خفة التعليق على الأحداث العدوانية المذكورة، واشتمال تصويره للصراع، كونه يجسد (شعبين وأرضين)، دون الإشارة حتى إلى فوارق الوضعيات وظروف الاحتلال واختلالات السياسة في النمطين المتناقضين، متمثلا بالقول، أنه "لا يوجد مكان للنقاش الذي يمكن وصفه بأنه معاد للسامية أو معادٍ للإسلام"، ومتجاوزا في عمق الحديث عن المآلات، أسباب وخلفيات العنف الدموي ومثاراته في الجيوسياسية الغربية والصهيونية، مشخصا بعض هذا الانزلاق، بالذهاب إلى أن "الشعور بالذنب تجاه اضطهاد الشعب اليهودي" قد انتقل إلى العالم العربي. مع أن الشعور باليأس تجاه ذلك، مرده الإذعان والتصديق القطعي للسردية التاريخية الغير بريئة، والمتماشية مع "الأسطورة"، و"القلق الوجودي النفسي".

يخالف آي ويوي، عبث الحرب الغربية الصهيونية على غزة، ويكبح أساساتها بقوة القيمة الحقوقية للعقل، وليس بالتدليل على حجم الخسارة، في مرماها السياسي الضيق. ويوجه فوق كل ذلك، سهام الانتقاد للبروبجندا المهولة، التي أطلقتها الآلة المدسوسة، والمدعومة بالمال والعتاد والثقافة .. ويقول، إن "الجالية اليهودية لها تأثير قوي في وسائل الإعلام والمالية والثقافة في الولايات المتحدة، وإن الدعم العسكري السنوي الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل بقيمة 3 مليارات دولار (2.45 مليار جنيه استرليني) يعني أن البلدين لديهما مصير مشترك".

ويحتمي المعارض الصيني المنتصر للحقوق الفلسطينية المشروعة، بحياديته الطقسية المكسوة بروح الفنان وصفاء السجية، مبادرا إلى تحقيق نوع من الإنصاف والعدالة، على نحو من الموضوعية، "دون إصدار أحكام أخلاقية أو اتهامات أو تقييم للأفعال البشرية"، لكنه، لم ينج من الاستخفاف والاقصاء ؟.

هو يعلم ذلك بالتأكيد، ولا يحتمل أي فرضية إيجابية تجاه رأيه، لدرجة أنه فضل أ يقول الحقيقة تعبيرا مفصحا، ودون تردد: "عند مناقشة الصواب أو الخطأ، لا بد أنني مخطئ. لقد اعتبرت دائمًا حرية التعبير قيمة تستحق النضال من أجلها والاهتمام بها، حتى لو جلبت لي مصائب مختلفة"، مستطردا "يجب بشكل خاص تشجيع الآراء غير الصحيحة. إذا كانت حرية التعبير مقتصرة على نفس النوع من الآراء، فإنها تصبح سجناً للتعبير. حرية التعبير تتعلق بأصوات مختلفة، أصوات مختلفة عن أصواتنا".

لا مناص، أن إلغاء ثلاثة معارض أخرى للفنان الصيني آي ويوي، في معرض ليسون في نيويورك وجاليري ماكس هيتزلر في باريس وبرلين، سيكون له وقع كبير على صورة الغرب المقنعة، حيث تنبت الديمقراطية في حقول الادعاء والتوجيه الإيديولوجي وقهر الإنسان، وهو ما ترجمه الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، في إحدى حواراته الأخيرة، حيث قال "الأمر ربما لا يكون سهلا، "ففي الواقع ليس الجميع ضد الحرب، وهناك أوقات يجرفنا فيها التيار، ويطلب منا أن نختار جانبا ونتخذ موقفا، أنا أتخذ موقفا من قلق الإنسان"، مؤكدا في السياق ذاته، أنه "لم تتعرض الإنسانية قط لمثل هذا القدر من المخاطر، لأنه إذا انتشرت الحرب على نطاق واسع واستخدمت الأسلحة النووية وغيرها، فإننا لا نعرف إلى أين نتجه، لأي تراجع، أو لأي انحطاط".

أليست الكراهية، مثارا ملحا لفوضى العالم الآن، وسط حشود متنطعة من البشرية، تريد لهذه الحربية الشنيعة، أن تكون مستقبلا لفكرة الاستحواذ القاسي، تحت رحمة الخوف والإمعان في دحض قيم التسامح والتشارك والإبداع؟؟.

***

د. مصطَفَى غَلْمَان

قديما كان اليهود متواجدون في الأناضول، وهي منطقة قريبة من شرق آسيا، وتعتبر شبة جزيرة جبلية موجودة غرب آسيا، وهي محصورة ما بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود، حيث كان توجدهم قريبا كان في القرن الرابع قبل الميلاد، وهذا أول تواجد لليهود كما هو مذكور في التاريخ تقريبا.

بيد أن تاريخ وظهور اليهود بشكل كبير جدا في كتب التاريخ كان مقرونا بالدولة العثمانية والتي أسسها عثمان بن أرطغرل سنة 1299 م، حيث كانت الحياة السياسية والاقتصادية لليهود كانت تسير يخط متوازي مع المراحل المختلفة بطبيعة الحياة داخل الدولة العثمانية.

ولقد استطاع اليهود اختراق الدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك من خلال تفوقهم في مجالات مختلفة، فمثلا تمكن اليهود من دخول أول مكينة طباعة للأراضي العثمانية، وبذكائهم وتفوقهم تمكنوا أن يحتلوا مكانة مهمة في أنظمة الحكم العثماني.

أما في فترة الركود التي تعرضت لها الدولة العثمانية في القرن السابع عشر الميلاد، تعرض يهودي الدولة العثمانية لحالة كبيرة من الانهيار على المستوى الثقافي والاقتصادي، إلى جاءت الحرب العالمية الأولى، وأنهت الدولة العثمانية.

واليهود عموما عاشوا آمنين ومطمئنين في ظل الدولة العثمانية المسلمة مقارنة باليهود الذين عاشوا في ظل حكم أوروبا مع الدولة المسيحية.

قبل قيام الدولة العثمانية وفي عهد الدولة البيزنطية كان يوجد احتقان شديد ما بين اليهود وما بين الديانة المسيحية.

وفي هذا المقال نود أن نوضح سر العلاقة ما بين اليهود وما بين الدولة العثمانية كيف حدثت؟

أول لقاء جمع بين اليهود والأتراك كان ذلك في بلاد الرافدين، وهي منطقة جغرافية وتاريخية تقع في جنوب غرب آسيا، وتقع حاليا في العراقـ وسوريا، وتركيا، ومكان يتواجد ما بين نهري دجلة والفرات، حيث سمح الأتراك لليهود في اللقاء الذي تم بينهم بحرية العقيدة والدين، سواء لليهود الذين التقوا بهم في الأراضي التي فتحوها، أو من اليهود الذين هربوا من ظلم البيزنطيين، وهذا مقابل ضريبية يدفعها اليهود، وكانت توجد ثقة كبيرة جدا بين اليهود والأتراك في تلك الفترة، لدرجة أن وزير أحد الحكام السلاجقة كان يهودي، واليهود الذين كانوا قد هربوا من بلاد ما بين الرافدين والذي تم فيه أول لقاء تم بين اليهود والأتراك كما قلنا وهي سوريا وتركيا والعراق، وهذا كان بسبب الحرب الذي افتتحها " أورخان غازي" وهو ابن عثمان بن أرطغرل، وهؤلاء قد عادوا إليها، وذلك انتهاء الحرب، وأظهر " أورخان غازي  "، و" علاء الدين " – أخوه، اهتمام خاص جدا تجاه اليهود الذين كانوا متواجدين في بلاد ما بين الرافدين، حيث كان اليهود يضمنوا مكانتهم في تلك الفترة بسبب نجاحهم في الصناعة والتجارة وزكاة المال.

وبدأ العديد من اليهود في الدولة البيزنطية وهي امبراطورية مسيحية امتدت من العصور القديمة المتأخرة وحتى العصور الوسطى، وكان ذلك حوالي 1395-1453م، واليهود في عهد الإمبراطورية البيزنطية عانوا من اضطهاد كبير جدا، ومن أشكال هذا الاضطهاد مثلا أن الدولة البيزنطية قامت بإبعاد بعض اليهود من المناصب الحكومية في عام 404م، حيث منعوهم من الحدمة المدنية، ومن جميع المناصب العسكرية في سنة 418 م، كما استبعدوهم من جميع المناصب العامة المتبقية سواء المدنية منها أو العسكرية في سنة 425م، وتم حظر بناء معابد يهودية جديدة داخل الإمبراطورية البيزنطية.

وكان عموما الإمبراطورية البيزنطية تحاول قد الإمكان أن تضيق على اليهود كي يتركوا أراضي الإمبراطورية البيزنطية.

في تلك الفترة وفي ظل كل الاضطهاد وجدنا أورخان باشا بت عثمان برغبة اليهود في امتلاك حي خاص بهم، وهذه كانت أول نواة تمكن من خلالها اليهود أن يمتلكوا منطقة خاصة بهم، وهذه المنطقة تقع في بلاد ما بين الرافدين والتي كانت آنذاك تتبع الدولة العثمانية، ولاشك أن اليهود قد رحبوا بتلك الفرصة كي يتمكنوا من أداء ممارساتهم الخاصة بعاداتهم وشعائرهم الدينية بسهولة.

وفعلا تم تأسيس حي لليهود خاص بهم في تركيا، وتمكن اليهود من امتلاك الممتلكات والحقول في أي مكان للدولة، وكان يعفى من تلك الضريبة جميع اليهود المشتغلين بالحكومة في الدولة العثمانية، وكذلك تم إعفاء اليهود الذين كانوا يعملون في مناصب دينية، وتم منح اليهود حق في أنهم ينشئوا مدرسة لتعليم الدين اليهودي، وهذه كانت أول مدرسة تمكن اليهود من أن ينشئوها، وقد كانت موجودة في " أدرنة" وهي أحد المدن التركية والتي أصبحت مركز ثقافي وتعليمي لليهود في جميع أنحاء البلاد.

وهنا بدأ يتوالى قدوم اليهود للدولة العثمانية، وذلك لأنه بخلاف الهجرة الجماعية والتي كانت تتم إلى الأراضي العثمانية في عام 1492م من إسبانيا، كانت هناك لليهود هجرات جماعية أخرى، مثل اليهود المطرودين والهاربين من المجر عام 1376م، ومن فرنسا سنة 1394م وصقلية في بداية القرن عشر الميلادي، وفينسيا سنة 1420م.

وكل هؤلاء اليهود قد وجدوا خلاصهم الوحيد وملجأهم الوحيد إلى الأراضي العثمانية والتي كانت ترحب بهم في ذلك الوقت ، وهنا بدأت فترة النمو والازدهار لليهود، وفي عهد السلطان محمد الفاتح والذي كان خلال 1451 حتى 1481م كان يثق جدا في اليهود، ولهذا فقد أرسل حطابا للجماعات اليهودية في الأناضول والتي كانت تمثل مقر التواجد اليهودي في العصر القديم، حيث يدعوهم للقدوم إلى استانبول، وذلك لكي يزيد من عدد اليهود الذين موجودين في تلك المدينة.

وبالفعل استقر اليهود في استانبول وأقاموا حي خاص باليهود، وأعلن السلطان محمد الفاتح خلال الفرمان الذي أصدره أثناء حصاره للقسطنطينية، إلى أنه في حالة تعاون اليهود فسوف يتم لهم السماح بحرية الدين والعقيدة، وكذلك سبتم ترميم المعابد اليهودية القديمة، وكذلك سوف يأذن لهم بتحويل المنازل إلى معابد، وذلك نظرا لأن بناء معابد جديدة كان ممنوعا.

وبوجه عام كان العثمانيون يشعرون بالقرب من اليهود عن المسيحيين والسبب في ذلك هو شعورهم بالتشابه بين الديانة الإسلامية واليهودية والحروب التي كانت تخوضها أوروبا المسيحية في هذا الوقت ضد العثمانيين ن والتي كانت تسبب عداوة ما بين الدولة الإسلامية والدولة المسيحية.

ولقد كانت هجرة اليهود نحو الأناضول بداية لتشكيل الصهيونية العالمية في نهاية القرن التاسع عشر؛ إلا أن أهم الهجرات الجماعية كانت في عهد بايزيد الثاني، الذي رغم فشله في إنقاذ مسلمي الأندلس، إلا  أنه نجح في إنقاذ يهود شبه الجزيرة الإيبيرية. وحول هذه النقطة يقول المؤرخ الأميركي ستانفورد ج. شو: “لا يستطيع أي باحث مُنصف أن يُنكر دور السلطان بايزيد الثاني في إنقاذ يهود جزيرة إيبيريا من الفناء الكامل في أفران محاكم التفتيش”.

وإذا كان عهد بايزيد الثاني هو عصر إنقاذ اليهود واستقبالهم، فإن فترة حكم سليمان القانوني اعتبرت العصر الذهبي للصهيونية اليهودية، حيث شكّلت سياسة سليمان استمرارًا لسياسة بايزيد الثاني في استقبال اليهود، الذين أدخلوا العثمانيين إلى مناطق غير  خاضعة للأتراك، كما حدث حين خرج وفد من اليهود برئاسة شخص يدعى جوزيف بن سالومون إسكنازي من مدينة بودا بالمجر، واستقبلوا سليمان القانوني خارج المدينة وسلّموه مفاتيحها بلا قيد ولا شرط، ليصدر السلطان العثماني فرمانًا يعفي سالومون وسلالته من أداء جميع أنواع الضرائب.

ولم يقف دعم سليمان القانوني اليهود عند هذا الحد، بل تعدى ذلك إلى مساعدتهم في تأسيس أول كيان يهودي لهم في مدينة طبريا، حيث تناولت المصادر اليهودية هذا الدعم بكثير من التفصيل، بينما حاولت المصادر العثمانية جاهدة نفي هذا الدعم، وتبرئة ذمة سليمان القانوني من هذه الخيانة، وهو ما يدفع إلى المزيد من البحث والتنقيب بين المصادر، لتسليط الضوء حول هذه النقطة الخطيرة، التي كانت لها إسقاطات خطيرة على التراكمات التاريخية التي أدت إلى التمهيد لهجرة اليهود نحو فلسطين.

وفي كتاب “اليهود في الإمبراطورية العثمانية.. صفحات من التاريخ”، ترصد الكاتبة الروسية إيرما لفوفنا الوضع القانوني للطوائف، وخلصت إلى أن المكانة الرفيعة لليهود دفعت الطرفين لتمسك كل منهما بالآخر لتحقيق مصالح مشتركة.

أما في القرن السادس عشر، فتم تتويج اليهود ملوكًا للمال والثراء الفاحش، وكذلك التجارة الدولية الواسعة بين السلطنة وأوروبا، وكان لمعرفة اليهود باللغات الأوروبية، وعلاقاتهم مع الجاليات اليهودية هناك، أثره الواضح على تطور أعمالهم.. والسؤال الآن: هل ساهم العثمانيون في إنشاء دولة الصهاينة على أرض فلسطين؟.. هذا ما سوف نجيب عنه في المقال القادم.

***

د. محمود محمد علي - كاتب مصري

.......................

المراجع:

1- تاريخ اليهود الاسود من البداية الى الآن عشرون دقيقة فقط.. يوتيوب.

2-“ إيرما لفوفنا: اليهود في الإمبراطورية العثمانية.. صفحات من التاريخ.

3- ستانفورد جاي شو: “يهود الدولة العثمانية والتركية”.

4-

لماذا الهرولة المريبة نحو الدفع لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية؟ توقيت اتصال أطراف خليجية بالإدارة الأمريكية من أجل لإطلاق سراح الرهائن يثير أكثر من علامة استفهام يدعونا للتأمل في طبيعة وحقيقة المواقف .

لا شك في أن طول أمد الحرب في قطاع غزة  قد أرهق الجيش الإسرائيلي وكبّده المزيد من الخسائر غير المنتظرة ولا المتوقعة  في الأرواح، أما خسائره في السلاح والعتاد فالأمر لا يهمه طالما أمريكا ملتزمة بدفع الفاتورة حتى ولو غضب أو اعترض دافعوا الضرائب الأمريكيين .. الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لإسرائيل فالجبهة الداخلية مضطربة حيث تضغط الأسر والعائلات بشدة على الحكومة لاسترجاع أبنائهم الرهائن، والوسيط القطري يسعى بوتيرة أسرع وعلى أعلى مستوى مع الإدارة الأمريكية من أجل تحقيق هذا الهدف، إلا أن التوقيت يفضح المواقف، فالمقاومة الفلسطينية على الأرض تحقق منذ أيام انتصارات لافتة وتتبع أساليب مغايرة وتستخدم نوعيات متطورة من الأسلحة، كما أن التوزيع الجغرافي للعمليات في قطاع غزة  يشير إلى الانتشار المدروس والواسع لعناصر المقاومة وتمركزها الجيد الذي سمح لها بتغيير المواقع بسرعة هائلة أثارت اضطراب الجنود الإسرائيليين وحيرتهم، وهو مؤشر على مدى تحكمهم في الوضع على الأرض، إذن يأتي توقيت التحرك لإطلاق سراح الرهائن في شكل مريب لأنه يهدف على ما يبدو بكل بساطة إلى إسقاط ورقة ضغط هامة  بيد الجانب الفلسطيني  وحرمانه من الاستفادة منها في نيل أيمكاسب، والواضح أن الجانب الإسرائيلي ومن يدعمه يريد أن يتخلص من هاجس الرهائن لتهدئة الداخل الإسرائيلي المضطرب الذي أصبح يهدد المستقبل السياسي لنتنياهو، ثم يتملص  فيما بعد من أي التزامات للتهدئة ـ فلا شيء من بعد سيوقف تدخله العسكري الغاشم وسيواصل دفع الفلسطينيين أكثر  نحو المناطق الجنوبية لقطاع غزة حتى يضعهم بين ثلاثة خيارات إما الموت قتلا، أو الموت غرقا في المتوسط، أو الموت جوعا عطشا في صحراء سيناء، وبالطبع سيكون المحتل سعيدا لو تحرك الضمير المصري لإنقاذهم، وتوفير الملاذ الآمن لهم لاعتبارات إنسانية .

لن يكون الأمر متاحا للمخطط الإسرائيلي إن هو انتظر وقتا أطول من ذلك، وكانت الإدارة الأمريكية محقة عندما أوصت المحتل الإسرائيلي بأن ينهي الأمر في ظرف أسبوعين قد مر منهم أسبوع، فالهرولة أخذت خطى أسرع لإنهاء الأمر ولكن على أساس واحد وهو إطلاق سراح الرهائن ولا غير ذلك .

المنتظر حسب المنظور الإسرائيلي أن لا يتحقق إطلاق سراح الرهائن سوى بلي ذراع المقاومة من خلال زيادة إيلام الشعب الفلسطيني والضغط عليه بتركه يأن تحت وطأة صعوبة العيش إلى أن يبلغ حافة استحالة الحياة والموت الجماعي، والمتوقع أن لا يتعدى حدود تدخل الدول " الشقيقة " المهرولة إلا في حدود تقديم شربة ماء لحفظ ماء الوجه .

***

صبحة بغورة

عالم متوحش يدعم المجرمين ولا يسمع صراخ صوت المغدورين عبر الفضاء اطفال ومسنين في الوطن المغتصب.. انها ارواح واجساد تنبئكم بالموت.. ابناء غزة جهزوا اكفانهم قبل حين واليوم دفنوهم  بقبور جماعية في مجزرة للطفولة الفلسطينية لم تالفها البشرية جميعهم اطفال ومسنين في المشافي من خلالهم يستهدفون قتل التاريخ ليمضي مع قتل المسنين وقتل المستقبل بقتل الاطفال وتنتهي احلام الاجيال الحالمين وهكذا يقتلون الامل بين حين وحين حتى يسدل الستارعلى تحرير فلسطين الوطن المغتصب وتنتهي الجريمة وهكذا هم اعداء البشرية حلفاء النازية وبوضوح تجري وبقسوة غيرمسبوقة مجزرة ليس لها مثيل وباجحاف من دعاة حقوق الانسان والجزارين تحت خيمة الديمقراطية المزيفة وصمت الاخوة الشياطين عرب ومسلمين تركوا شعب غزة يموت دون ان يحركوا ساكنا..تركت غزة تدمر واهلها يحملون رسالتهم واطفالهم كالطيور مع مقدسهم الاقصى مقدسهم الازلي مع احزانهم واحلامهم.. تركهم العرب كما ترك كل شيئ في وطنهم المشنوق..لماذا نتجاهل هذا كله؟ ولماذا نتجاهل اسلامنا وعروبتنا عند الشدائد ؟ ولماذا نكرر السؤال دائما ولا إجابة ؟؟؟ لماذا نذهب الى الظلام من كوابيسنا بوقاحة؟؟؟؟ اسئلة واخرى تتكرر وصمت اسلامي وعربي يسكن ردود الافعال العالمية صمت وقح معتوه مظلم يتلون في كل وليمة مجازر جماعية للعروبة والاسلام.. هل قرروا العرب الهروب من المشهد فالنعرض جامعتنا العربية واخوتنا الاسلامية للاستثمارالجديد لتشمل الدولة العبرية بقانون جديد للعار والخزي وهل ثمة خزي اكثرمن ان نترك ابناء غزة واطفالها يموتون خوفا من جرح مشاعرامريكا والدول الغربية الصهيونية... مالذي سنقوله للقدس ورام الله والجليل وكل فلسطين وغزة مالذي سنقوله لاجدادنا ومن سبقونا هل فرطنا بالامانة...مالذي سنقوله لكل اطفال العرب ولكل نساء العرب مالذي سنقوله  لكل الجداريات التي تقول فلسطين عربية اسلامية ومالذي سنقوله للساحات والشوارع التي سميت باسم فلسطين والقدس في بلداننا الاسلامية والعربية..هل سنكتفي بالتفرج على اعلام فلسطين المنتشره في العالم الى متى نبقى نغش ونتاجر بالعروبة واسلام المؤمنين نضطهد ونغدر باخوتنا في العروبة والدين قادرين على غدر بعضنا البعض ونرتمي باحضان الكافرين الى متى نبقى نقتل بعضنا البعض خدمة لامن اسرائيل..هل سنكتفي بذرف الدموع على صور اطفال غزة والمجازر في المستشفيات وهل سنكتفي بالتفرج على انين الشوارع والساحات في غزة التي تنقلها الينا الشاشات.. اليس العرب والمسلمين كلهم عاقين لدينهم وعروبتهم بحق غزة والقدس وكل فلسطين..بين وجع فلسطين وغربتها بين منصة كبريائها مضى اطفال غزة المتوجين بالشهادة والبراءة مضو بصمت حناجر قتيلة وانهاء احلام المستقبل اليس موحشا هذا الموت وهذه الجرائم المتكررة لابناء غزة وهم يقتلون كقرابين لكل فلسطين والقدس..انه وجع كبيرمجزرة اطفال غزة الا توقف هذه المجزره المروعة..الا توقض هذه المجزرة احدا من تجار العروبة والدين ؟ الا يرعب انين غزة المدوي وطنيتكم وعقيدتهم ايه العرب الادعياء..يالله كم نحن وابناء غزة مدججين بالفزع تعساء سلطوا علينا حكام سفلة.. نحن المحكومين عرب ومسلمين وابناء غزة وكل فلسطين ابناء الكلمة واولاد الفطنة صناع الامل لن نفقد الامل ولم يفقده كل شعوب العرب والمسلمين.. لقد رحل الاف الشهداء من اطفال غزة وفلسطين رحلوا وتركوا الطواغيت والخونة.. وسيبقى الامل مع جيل المستقبل وكل القادمين المتفائلين وسيبقى الامل يعطي الارواح التي غادرتنا هدوء كما الاذان..فاليتغمدهم الله بواسع رحمته وستبقى ادانات المجزرة لأطفال غزة تتجدد في ذاكرة المؤمنين.. 

***

د. قاسم محمد الياسري

جمهورية الصين الشعبية هي موقع اخر "مهم" وتشكل محور "أساسي" من الصراع الامبراطوري العالمي الدائر حاليا والذي "لا" يتوقف في تحولاته على صعيد الكرة الأرضية والذي "ِشكل" نجاح عملية طوفان الأقصى والانتصار العربي الفلسطيني فيه الى التوقع الحتمي الى زيادة التغيرات المتوقعة في العالم وتسارعها الانتقالي الى عالم متعدد الأقطاب ناهيك عن القناعة الذاتية عند التي تم ايجادها عند الجميع والتي تقول ان الكيان الصهيوني العنصري المقام على ارض دولة فلسطين المحتلة هو كيان "لا" افق له، و"لا مستقبل زماني له، وانه زائل وسينتهي وهذا الرعب الأكبر الذي اصبح الوشم في الروح عند كل العرب والمسلمين وهذا الامر يعرفه ويدركه الغزاة الأجانب لذلك حصل ما حصل من هيستيريا الانتقام الوحشي البربري ضد المدنيين العزل المحاصرين في قطاع غزة.

ان علينا ان نقرأ الموقف الصيني من هكذا صراع وأيضا انتقال متعدد الاقطاب ضمن واقع مصالحنا العربية المتداخلة مع مصالح جمهورية الصين الشعبية وهي القطب الامبراطوري القادم للسيطرة وازدياد وتضخم نفوذه الدولي مع خطوط التجارة الدولية الجديدة التي يقوم بأنشائها وتطويرها على كامل الكرة الأرضية، ان هكذا قراءة مصلحية مطلوبة ضمن عقلية عربية "رسمية و"شعبية" تريد الاستفادة من هكذا تداخل وتقاطع مصلحي مشترك وهذه رسالة منا الى النظام الرسمي العربي، تطلب منه ان يعيد دراسة اتجاهاته وطرق تعامله في العلاقات الدولية وخططه المستقبلية ضمن "عقلية" و"مخ" يتفهم ويدرك ويستوعب هكذا تشابك وتناغم مصلحي مفيد نافع بيننا وبينهم، ومن هنا علينا قراءة "الموقف الإيجابي" للصين حيث شكل استخدام الصين حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار الأمريكي، يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أقوى انخراط صيني في الحرب الصهيونية العنصرية الاجرامية على غزة، وعلينا ان نلاحظ ان الصين لم تستخدم المصطلحات المعتادة في التعبير عن موقفها من تلك الحرب؛ بل أعلن وزير خارجيتها وانج يجي- بكل وضوح، وفي أكثر من مناسبة- أن رد الفعل "الإسرائيلي" على هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) “يتجاوز حد الدفاع عن النفس”. ويتناقض موقف جمهورية الصين الشعبية هنا هذا مع السياسة الأمريكية الحالية تجاه الحرب في قطاع غزة؛ ولهذا أيدت الصين مرتين مشروعات القرارات التي تقدمت بها روسيا في مجلس الأمن لبناء مسارات إنسانية مستدامة لقطاع غزة، مع الدعوة إلى وقف كامل للحرب، وهو موقف يختلف مع السياسة الأمريكية التي ترفض تمامًا وقف الحرب في الوقت الحالي كما يرغب بذلك ويأمرها الكيان الصهيوني.

ان هذا الموقف الصيني المختلف والجديد قد اوجد "صورة نمطية إيجابية" عن الصين ك "دولة مسؤولة" "رزينة" "لا" تدعم استمرار الحرب الصهيونية على قطاع غزة المحاصر، وتطالب بوقف هذه الحرب في أقرب وقت.

على العكس من الصورة النمطية الأخرى "السلبية" عن الولايات المتحدة الامريكية و"ِشلة الدول" التابعة لها ضمن حلف الطاغوتي الربوي العالمي الذين يؤيدون قتل الأطفال وتفجير المدنيين في الذخائر العسكرية وتدمير المساجد والكنائس واقتحام وقصف المستشفيات والإبادة البشرية ضد العرب الفلسطينيين الذي يقوم به الكيان الصهيوني بدون توقف منذ أكثر من واحد وأربعين يوما لكي ينتقم من هزيمته العسكرية المذلة في عملية طوفان الأقصى.

ضمن هذا الكلام وهذه المواقف الصينية "الإيجابية" وفي اليوم الواحد والأربعين لما بعد الانتصار العربي الفلسطيني ضد الغزاة الصهاينة في معركة طوفان الأقصى، تأتي زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ" للولايات المتحدة الامريكية حيث حملت معها بالتأكيد ملفات كثيرة متعددة مهمة للبلدين ولكن يبرز المكان الجغرافي لموقع الزيارة ذاته؟! حيث يزور الرئيس الصيني مدينة سان فرانسيسكو؟! وليس العاصمة الامريكية واشنطن؟! وسان فرانسيسكو هي موقع جغرافي غريب الاطوار !؟ وليس هناك منطق نجده في هذه المكان للزيارة الرئاسية الصينية الا انه موقع يمر فوق البحر مباشرة من الجغرافيا الصينية حيث تنطلق الرحلة الرئاسية، وعلينا ان نلاحظ ان مسار الرحلة "لا" يعبر فوق أي أراضي أمريكية ولهذه الامر دلالة كبيرة وهي عدم الثقة الصينية في الولايات المتحدة الامريكية؟ ومن الواضح التوجس الأمني والاستخباراتي الصيني؟ حيث تمثل مدينة سان فرانسيسكو الطريق الأقرب، وعلينا ان نعلم ان هذه المدينة كموقع للزيارة قد اختارها الرئيس الصيني ولم يتم اختيارها من الجانب الأمريكي.

ولمن لا يعرف طبيعة هذه المدينة فأنها موقع "قذر" و"متعفن" لتجمعات اللوطيين والشواذ والمنحرفين جنسيا ودعاة ممارسة الجنس مع الأطفال وباقي اشكال الانحرافات السلوكية المريضة، مع انتشار الجريمة المنظمة المافياوية العصابية، وتراكم جيوش العاطلين عن العمل، والمشردين في الشوارع بدون مأوي و"لا" منزل و"لا" رعاية صحية، مع انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها وتواجد أشلاء بشرية من المدمنين في الازقة والحارات وتحت الجسور ضمن جو عام بشع ليس به روح و"لا" أجواء إنسانية طبيعية تحتوي "وجود" كل ما هو "بؤس" يمثل حقيقة النظام الطاغوتي الربوي العالمي على ارض الواقع بعيدا عن أوهام المسلسلات والأفلام السينمائية والتلفزيونية.

ان المفارقة الكوميدية إذا صح التعبير انه مؤسسات الدولة الامريكية المرتبطة في هذه المدينة تحولت لما يشبه "ربة البيت القلقة" و"المضطربة" التي تتنظر قدوم الضيوف لمنزلها المخجل في نظامه وترتيبه والفضائحي في واقعه وحقيقته، حيث قامت مؤسسات الدولة الامريكية في سابقة من سوابق الزمان الطاغوتي الربوي في هذه البلاد المنكوبة؟! قامت هذه المؤسسات في تنظيف الشوارع وللمرة الأولى شاهد السكان شوارعهم نظيفة وكذلك للمرة الأولى اختفت تجمعات المدمنين ومتعاطين المخدرات والمشردين وتم تجميعهم او طردهم من الشوارع الرئيسية وتم تفعيل "منع بيع المخدرات علنيا وتعاطيها؟! على العكس من السابق؟! ما نريد ان نقوله في اختصار انه تم تلميع المدينة وإزالة القرف الطاغوتي الربوي عنها تحضيرا لزيارة الرئيس الصيني مما يعطينا أيضا انطباعا عن وجود تعمد مؤسسي امريكي لصناعة المأساة الإنسانية وازالتها حسب الطلب؟ فمن أزال كل مظاهر العفونة والقرف هي نفس المؤسسات التي سمحت فيها؟ وهذا موضوع اخر ولكن:

يما يتعلق في توقيت الزيارة فأن لها علاقة كما ذكرنا في اكثر من ملف بين البلدين، ولكني أتصور ان احد اهم الملفات الخاصة في المنظومة الأمريكية الحاكمة لها علاقة في الانتخابات الرئاسية القادمة وهي مهمة جدا للحزب الديمقراطي حيث يحاولون منع حدوث أي انهيار اقتصادي متوقع وتأجيله لما بعد الانتخابات وهذا هو السبب الرئيسي وراء استعداد إدارة بايدن لبدء تحسين العلاقات الصينية الأمريكية، بما في ذلك العلاقات الاقتصادية والتجارية، وهو ضمن سياق غير مباشر عن الاعتراف "الغير معلن" بأن الولايات المتحدة الامريكية قد عانت بالفعل من حرب الرسوم الجمركية، والحرب التجارية ضد جمهورية الصين الشعبية، ما نقصده هنا ان الولايات المتحدة الامريكية هي قد تضررت من عقوباتها التي وجهتها ضد جمهورية الصين الشعبية؟!.

ويرجع ذلك إلى أن أغلب التعريفات والضرائب الإضافية التي فرضتها واشنطن على الصادرات الصينية قد تحملتها الشركات والمستهلكون الأمريكيون في نهاية المطاف، كما أدت إلى تفاقم التضخم في الولايات المتحدة. وأهم من ذلك هو إدراك إدارة بايدن أنه من أجل حل المشكلات الصعبة للاقتصاد الكلي للولايات المتحدة، بما في ذلك السيطرة على التضخم، وتمويل ديون الخزانة، فإن تدفق الأموال الصينية ضروري، بالإضافة إلى أن استقرار الاقتصاد الكلي العالمي يتطلب التعاون بين الطرفين وخاصة مع سقوط الحلف الطاغوتي الربوي العالمي في المستنقع الاوكراني وتأثيره الاقتصادي السلبي عليهم وأيضا الانتصار العربي الفلسطيني في عملية طوفان الأقصى ورطهم ماليا اكثر في دعم وامداد الكيان الصهيوني في الاف الملايين من الدولارات وتكاليف نشر الاساطيل البحرية على شاطئ البحر الأبيض المتوسط وتفجر العمليات العسكرية ضد قواعد الاحتلال الأمريكي ومراكز جواسيسها وخطوط سرقاتها للثروات العربية في الجمهورية العربية السورية وهذه احد نتائج ما بعد الانتصار الفلسطيني في عملية طوفان الأقصى.

لذا يمكن القول إنه قبل الدخول رسميًّا في الانتخابات العامة الأمريكية عام 2024، تم افتتاح “نافذة” لتحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والصين ومنها مناقشة ملف مهم يتعلق في مسألة بيع "الصين" ما لديها من سندات خزانة أمريكية مملوكة لها مما إثر "سلبيا" على الاقتصاد الأمريكي القادم كما هي العادة على انفجار فقاعة الوهم الربوي كما حدث في العام 1928 والعام 1984 والعام 2008، من هنا وانطلاقا من هذه المعطيات والدلائل اعتقد ان هذه الزيارة لها علاقة أساسية بهذا الموضوع تحديدا؟ ضمن مصلحة أمريكية صينية مشتركة، وخاصة ان الصين يهمها فوز الحزب الديمقراطي الذي يميل تاريخيا إلى إقامة علاقات طيبة ووثيقة معها.

لذلك تفضله الصين في الحكم اكثر من عودة "ترامب" الى مواقع السلطة والتأثير والرئاسة، حيث التزم "ترامب عند وجوده في هذه المواقع في سياسة المواجهة المباشرة ضد الصين فقد ساد هذه العلاقات حالة من التوتر الشديد والاتهامات المتبادلة خلال فترة الرئيس دونالد ترامب الذي شن حربا تجاريا على الصين، واستهدف صناعات تكنولوجية صينية مهمة، وأتهمها بالتواطؤ في انتشار فيروس "كوفيد-19"، وعبّر عن فخره بإغلاق الحدود أمام القادمين من الصين.، الذي أيضا في نفس الوقت حاول "تضبيط" و"ترتيب" العلاقة مع جمهورية روسيا الاتحادية، وعلينا ضمن هذا السياق ان نذكر حقيقة مهمة حصلت وجرت اثناء فترة حكم "ترامب" السابقة حيث انه لم يدخل في حرب عسكرية "مفتوحة" "مستمرة" مع أي موقع جغرافي في العالم على العكس من باقي رؤساء الولايات المتحدة الامريكية، حيث انه يحمل "اجندة امريكية داخلية" تلتزم في رؤية ومنهجية وسياسات القادم الجديد ضمن الواقع الأمريكي المحلي الخاص في التيار الشعبي الأمريكي المؤمن بأن "المحلي" هو اهم من "الخارج "، وان عليهم التراجع داخليا للحصول على مستويات معيشية افضل والحصول على تقليل للنفقات العسكرية المليارية في إعادة توجيهها بما يخدم المصلحة المحلية الممتدة ضمن اكثر من خمسين ولاية اتحادية تمثل الدولة الفيدرالية الامريكية وهذه المسألة في التراجع والانكفاء على المحلي الداخلي تمثل شيئا "خادما" للسياسة الروسية المتجهة لتحقيق تعدد اقطاب امبراطوري دولي وإعادة توزيع الكرة الأرضية حسب مقاسات ومناطق نفوذ جديدة، تحفظ وتضمن ما تريده روسيا من انجاز انشاء "حالة اوراسية" تضمن وجودها الامبراطوري ضمن موقع نفوذها القومي السلافي الأرثودوكسي ومحيط ذلك الموقع من قوقعة حماية "اوراسية".

اذن توجهات ترامب والتيار الشعبي المساند هو على العكس والنقيض والخلاف من "بايدن" الذي يمثل المنظومة الحاكمة الامريكية "الكلاسيكية" إذا صح التعبير والتي تريد مواجهة مباشرة ضد روسيا وتكسير المحيط الاوراسي والذي هو "القوقعة" الحامية والمحيطة لموقع النفوذ القومي السلافي الأرثوذكسي، ومن هنا جائت الحرب الأوكرانية المدعومة منهم وتحرشاتهم ضد روسيا في محيطها الاوراسي التي هي قوقعتها المحيطة فيها والتي هي تاريخيا ضمن مجالها الحيوي والتي "لا" تتنازل عنه و"لا" تسمح ولن تقبل لأي نفوذ أجنبي في الاقتراب او الدخول فيه.

اذن هناك تناقض و"ديالكتيك" روسي مع المنظومة الحاكمة الكلاسيكية الأمريكية ولكن هناك "تلاقي" و"توافق" روسي مع الحالة الامريكية القومية المحلية التي يمثلها ترامب ومن ورائه من دعم شعبي امريكي ممتد متشعب رافض ومتناقض مع "كلاسيكيات" المنظومة الحاكمة الامريكية التي أيضا ترفض "ترامب" وتريد الغائه ك "شخص" لما يمثله من "تعبير" عن تيار قومي امريكي محلي.

نحن هنا علينا ان نقول: اننا لا نقرأ هذه المشهدية بين الصين والروس والامريكان من باب الترف الفكري والبحث عن لغو كلامي ننشر بها مقالة من هنا او لكتابة قراءة للعلاقات الدولية من هناك، بل اننا نريد ان ننطلق بما يفيد الحالة العربية ونجاحها في صراعها "الوجودي" ضد الغزاة الصهاينة ومن معهم من أجانب احتلوا أراضينا العربية.

ان حصول تراجع امريكي دولي يضرب الكيان الصهيوني و"لا" يفيده وخاصة ان له علاقات تجارية مع جمهورية الصين الشعبية وليست سيطرة وتحكم كما هو الحاصل مع الولايات المتحدة الامريكية، حيث الكيان الصهيوني هو من يأمر ويتم التنفيذ والولايات المتحدة الامريكية هي ليس لديها أي موقع الا ان تترجي وان تطلب وان تدعم طلبات الغزاة العنصريين الصهاينة بما يريدون.

وكذلك عندما نعرف ان الحالة الإمبراطورية الاوراسية ليس لديها عقدة من وجود حالة إسلامية امبراطورية ممتدة وأيضا ليس لديها مشكلة مع الثقافة الإسلامية فأن ذلك أيضا من مصلحتنا ولعل ان ما جاء في كلام الكسندر دوغين يمثل أهمية لمن يعيش التخطيط والتفكير في النظام الرسمي العربي وكذلك النظام الرسمي الإسلامي حيث يقول : "تحرير ارض غزة وكل فلسطين يعتمد على الإسلام العالمي، اذا كان للمسلمين أي قيمة، فستحرر فلسطين، وسوف ندعم نحن ذلك، لن يشن احد هذه الحرب نيابة عن المسلمين لتحقيق العدالة التي يريدونها ويسعون لها، أيها المسلمون، هذه هي حربكم".

"لا" اريد هنا "جلد الذات العربية و"لا" إعادة "نقد الواقع الإسلامي، بل ان أقول:

ان علينا ان نتحرك في تكليفنا الشرعي الاسلامي والقومي العربي والوطني العاشق للأرض، بأن ننطلق من مواقع قوتنا كل واحد منا ضمن قدرته ومجال عمله وضمن قدراته الفردية او المؤسسية وهذا الكلام موصول لمن هم في مواقع السلطة والقرار والحكم في النظام الرسمي العربي والنظام الرسمي الإسلامي وهم أصحاب القوة العسكرية والأمنية والاستخباراتية وبيدهم "قوة" الدولة وتأثيرها.

ان على الجميع العمل والحركة من اجل صناعة التحرير والاستقلال الحقيقي من الأجانب الغزاة وهذه مسيرة هي قدر كل عربي ومسلم يريد ان يكون له مكان في التاريخ وصناعته.

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.. سورة التوبة 105

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.. آل عمران 200

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

 

في الوقت الذي تخاذلت فيه غالبية الأنظمة العربية، بل وتواطأ بعضها، عن نصرة غزة الذي تنزف فيه وحدها وتقاتل وحدها، ولا أحد يدفع معها ضرائب دم، برغم انقضاء نحو شهر كامل كما يقول أستاذنا عبد الحليم قنديل على حرب الإبادة الدموية للمدنيين في “غزة”، وأعدادهم تزيد على نحو فلكى كل يوم، والمجازر “الإسرائيلية” تتوالى بالعشرات، وأحدثها في مخيم “جباليا”، وما يزيد على العشرة آلاف قتلوا حتى اليوم بغارات وقصف وحشى لا يتوقف، أغلبهم من الأطفال والنساء، وكل موارد الحياة تقطع عن “غزة”، من الطعام والدواء والماء حتى الاتصالات والإنترنت، في محرقة بشرية شنيعة، يندر أن تجد لها مثيلا في مطلق التاريخ الإنساني .

وبرغم ذلك فقد ربحت غزة في تحويل مشاعر التعاطف العالمي من الجانب الإسرائيلي إلى الجانب الغزاوي نظراً لضخامة الفظائع التي ينقلها الإعلام العالمي مباشرة على مدار الساعة.

إن هزيمة إسرائيل المعنوية كما ذكر أستاذنا حمدي رزق لا تُتخيل، إسرائيل تنزف من كرامتها المهدرة، وكبريائها المجروحة، وغرورها الذي تهاوَى، إسرائيل الكبرى صغرت قوى في أعين العالم، باتت تتسول دعمًا ماديًّا وعسكريًّا وبشكل مهين للغطرسة التي كانت عليها قبلًا، كانت تستأسد علينا، فباتت بعد الطوفان مثل نعامة تخشى طفلًا فلسطينيًّا يحمل حجرًا. نعم لقد خسرت إسرائيل الجلد والسقط، سقطت في اختبار الأهلية الدولية، وخاصمتها الشعوب الحرة، والمنظمات والهيئات والجمعيات التي تعنى بشؤون الإنسانية وحقوق الإنسان، صارت دولة منبوذة إنسانيًّا، اسمها مرادف لكل ما في قاموس البربرية الغابرة.

لكن السؤال: هل يكفي هذا لكي نعتبر أن حماس حققت انتصاراً كبيراً أو مديداً على إسرائيل؟

اعتقد أنه من السابق لأوانه الجزم بذلك، كما أنه ليس من السهل توقع مسارات الأحداث ومآلاتها على صوت المدافع والصواريخ، فالحرب الحالية التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ردا على عملية “طوفان الأقصى” ما زالت في بدايتها، حسب ما تصرّح به كل قيادات الاحتلال السياسية والعسكرية، غير أن هول الضربة التي تعرضت لها إسرائيل خلال هذه المعركة وحجم القصف والدمار التي تستهدف به قطاع غزة في هذه الأيام، يمكن أن يعطي تصورات مبدئية إلى أين تسير الأمور، وخصوصا ماذا يسعى الاحتلال لتحقيقه من هذه الحرب.

لكن يبقى السؤال المهم هو ما بعد طوفان الأقصى ماذا سيكون؟!!!

يقول الأستاذ فراس ياغي : يبدو أن المعركة الدائرة الآن هي مصيرية ستحدد مصير كل الكيان الإسرائيلي، ولذلك إعتبر وزير دفاع الكيان "غالانت" أن إسرائيل تتعرض لمصير وجودي، وفعلا ما تم في السابع من أكتوبر هو في هذا السياق، فدولة المهاجرين والاستيطان تستند للأمن والإزدهار، وحين ينهزم جيش الأمة ويتم إذلاله وتفشل إستخباراته فوجوده لم يعد ولن يعود كما كان قبل "طوفان الأقصى"، هي ايام قليلة سيتحدد خلالها مصير هذا الكيان والمنطقة ككل، لأنه يتبين يوما بعد يوم أن كل مخططات هذا الكيان ومن معه فشلت وستفشل، لذلك على أمريكا أن توقف هذا الكيان عند حده وتبدأ في طرح تطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تُحقق الحرية والاستقلال والعودة للشعب الفلسطيني وتمكنه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

إذاً نحن نقترب من مرحلة جديدة مختلفة عما سبق، ناتجة من مضاعفات عملية عسكرية كبيرة نجحت في مكان ما لكن بكلفة مهولة. وثمة من يقول إن المستقبل سيكون من دون بنيامين نتنياهو وتوليفته اليمينية من جهة، وحماس من جهة أخرى.

نعم، التاريخ سيتغيّر لأن ما قبل الطوفان ليس كما بعده، وجغرافيا القطاع التي بدأت بالفعل معالمها بالتبدّل، أقصى ما ستنتجه من تداعيات هو مزيد من التضييق على أبناء الشعب الفلسطيني المقاوم، دون أن تستطيع محو إرادة البقاء لديه ولا إطفاء شعلة العزم على استعادة كامل أراضيه التاريخية المحتلة.

والسؤال الذي يطرح نفسه من قبل بعض كبار المهتمين بما يجري: هل يمكن أن تتكرر تجربة حرب أكتوبر التي قادت إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية؟

يقول الأستاذ هاني المصري في الإجابة على هذا السؤال: إن الرد الأولي أن الظروف مختلفة، وأهداف اللاعبين مختلفة، فالسادات خاض الحرب وفي ذهنه التوصل إلى تسوية، لذلك أطُلق عليها حرب تحريك وليست حرب تحرير. فلا يمكن أن تتحقق التسوية، حتى وإن كانت مختلة، بسبب عدم وجود شريك إسرائيلي لأي تسوية، حتى إذا تشكلت حكومة وحدة في إسرائيل، ولكن يمكن أن تتحقق التصفية إذا هُزِمت المقاومة وتحققت الأهداف الإسرائيلية؛ حيث عندها يكون هناك حل استسلامي، وهذا بات أصعب الآن إن لم يصبح مستحيلًا، وحينها سيستأنف قطار التطبيع سيره، وكذلك مخطط إقامة الشرق الأوسط الجديد، وستكون السلطة ممثلة للطرف الفلسطيني. لكن، هذه أضغاث أحلام، فما حدث في طوفان الأقصى ودلالاته يثبت مجددًا الشعبية الطاغية لخيار المقاومة، واستحالة القفز على الشعب الفلسطيني وحقوقه، فهو الرقم الصعب شاء من شاء وأبى من أبى.

***

د. محمود محمد علي - كاتب مصري

 

ما علاقة اليوم بالبارحة؟

وما علاقة الأحداث الماضية بالأحداث الجارية؟

وهل أن الحاضر مولود من رحم الماضي أم أنه مولود في أنابيب الإختبار؟

هل أن ما سبق يرسم ملامح ما لحق؟

تساؤلات تستحق التأمل والنظر.

وفي الطب هناك قاعدة معروفة مفادها أنك لكي تصل إلى التشخيص الصحيح للمرض عليك بدراسة وتتبع تأريخه، ولا زالت هذه القاعدة سارية رغم التقدم التكنولوجي، ولا تخلو إضبارات المرضى من الإسهاب في متابعة تاريخ المرض، لكي يتمكن الطبيب المعالج من فهم طبيعته وسلوكه وما يقتضيه من إجراءات مناسبة.

وما يقوم به البشر من سلوك في السابق ينجم عنه ما يعانيه في الحاضر والمستقبل.

فالشخص الذي لا يميل إلى النشاطات البدنية ويأنس للسكون والأكل الكثير، سيصاب بالبدانة ومضاعفاتها وبأمراض القلب والشرايين والسكر ويموت مبكرا.

وهذه القاعدة تنطبق على السلوك الفردي والجماعي،  فسلوك أي مجتمع في السابق يحدد حالته في الحاضر والمستقبل،  وما جرى في مجتمعنا في القرن العشرين وخصوصا النصف الثاني منه يرسم حاضرنا ومعالم مستقبلنا.

فالشيء مولود من رحم شيئ ولا يمكنه أن يكون إبن لا شيء.

وإذا أخذنا الأحداث السياسية العراقية -على سبيل المثال- وقارنا ما بين الأحوال والتطورات في الزمن الملكي والزمن الجمهوري، يتبين أن السلوكيات التي أدت إلى سقوط النظام الملكي قد ساهمت في  ما تحقق في الزمن الجمهوري الذي أسس لما جرى بعده.

وبما أن السلوك ناجم عن الأفكار الفاعلة في عقل الفرد والمجتمع، فأن الأفكار المتفاعلة فينا هي التي رسمت حاضرنا وستصنع أوجاع مستقبلنا، فالعلاقة ليست علاقة رقمية أو تبدو وكأنها بسيطة ومسطحة، وإنما هي تفاعلات عميقة خفية لا واعية في دنيا الفرد والجماعة، توفرت الظروف اللازمة لإطلاقها والتعبير عنها.

فالعيب لم يكن في النظام الملكي أو الجمهوري وما بعدهما وإنما بالعقليات الفاعلة فيها.

نعم، العيب فينا وليس بنوع النظام، ولن يتغير شيئ لو غيرنا الحالة السياسية ألف مرة، لأننا لم نتغير ولم نتبدل ونتفاعل بذات العقلية ونعبّر عن السلوك الناجم عنها، ونمارس في قراءاتنا وتحليلاتنا آليات إسقاطية وإنكارية، فلا نريد رؤية عيوبنا وندعي أن المشكلة في النظام، ونتمادى في إنكار إضطراباتنا السلوكية والفكرية والنفسية الفاعلة في تقرير مصير مسيرتنا الدامية.

ففي النظام الملكي لم تكن هناك رؤى وتصورات وطنية واضحة يمكن للمجتمع  أن يلتف حولها ويصنع وجوده المعاصر، ولم تنجب تلك المرحلة قادة ومفكرين ومثقفين وطنيين لهم القدرة على توجيه سلوك المجتمع نحو الأفضل.

فلم يمتلك الوطن على مدى القرن العشرين الريادة الثقافية والفكرية اللازمة لصناعة الحياة، لأن طبيعة التفاعلات في المجتمع لا تسمح بذلك إطلاقا وتقضي عليه فورا، ويظهر ذلك بوضوح بمقارنة بسيطة مع مصر وكيف تصرف قادتها مع الملك وكيف تصرفنا مع الملك عندما تحقق التغيير، وعلة ذلك أن مصر كان فيها قادة مثقفون يؤثرون في صناعة الرأي وبناء التطلعات الوطنية ذات القيمة الحضارية المعاصرة.

أما في العراق فلم يكن عندنا تلك القدرات، وإنما كانت التفاعلات المنفعلة والعواطف الساخنة هي الحَكم والمقرر الأخير لكل خطوة ووجهة نظر وتعبير،  وإن ظهر مُصلح إجتماعي وأخلاقي بيننا أذقناه الصعوبات والمعاداة وحاصرناه وطاردناه .

فنحن  نحسب أنفسنا من النسل المقدس الذي لا يعرف الهفوات، ونميل إلى التبعية العمياء ومعاداة الأشخاص، وأن أنانيتنا الحمقاء تقتل وطنيتنا السمحاء .

ومَن يقرأ أشعار الجواهري يرى ذلك بوضوح، فالرجل قد سطر تاريخ العراق الحقيقي في القرن العشرين وبحذاقة شاعر يعيش مأساة الشعب ويتحسس آلامه وقهره.

وبهذا فأن فقدان الرؤية الحضارية الواضحة وغياب العقول المثقفة الواعية  الفاعلة في الحياة، قد أوجد حالة من التخبط والإضطراب الكامن في النفوس والمحتقن في اللاوعي، وما أن يجد منفذا حتى يعبر عن وجوده بغابية ووحشية منقطعة النظير وتكرر ذلك مرارا، وقد عشناها في السنوات الماضية بأقصى ما يمكن أن يكون عليه التعبير والفعل المحتقن المشين.

وهذا الفقدان هوالذي جعلنا وعلى لسان قادة ذلك التغيير الذي أوجد الجمهورية بدعواتهم وبياناتهم، أن نحقق الهياج الإنفعالي العالي الذي توجناه بالقتل البشع والسحل في الشوارع، ومضينا على هذا المنوال في النصف الثاني من القرن العشرين .

ولا زلنا نعيش ضبابية وطنية وغياب مروّع للرؤية والمنطق والعقل المعاصر القادر على إستيعاب التناقضات، وإكتشاف القوانين اللازمة لتحقيق صيرورة وطنية ذات تأثير وطني نافع.

ولا توجد مؤشرات على وجود نظرية سياسية أخلاقية ذات قيمة حضارية ووطنية نافعة عند الذين حققوا التغيير في النظام السياسي في جميع الأحوال، وإن وجدت فأن الإلتزام بها يكون معدوما.

وسنبقى في حالة من الترنح والتخبط، لأن أفكارنا لا تتفاعل وعقولنا لا تتلاقح وإنفعالاتنا هي السائدة وعواطفنا تتحكم بنا رغما عنا، وما فينا يجلدنا ويقرر رؤيتنا ولا يسمح لنا برؤية ما حولنا، بل دوما نحن نندفع ونناضل من أجل أن نرى ونحقق ما عندنا من إنحرافات سلوكية تتمحور حول الكرسي، الذي يرمز للسلطة والقوة والإمتهان والثراء الفاحش على حساب المساكين من أبناء البلاد الأبرياء، المحكومين بالحاجة والفقر والعوز الشديد.

وما دمنا قد دخلنا في دائرة مفرغة من التفاعلات السلبية التي بدأت بتأسيس الدولة، وتفاقمت وتعاظمت وفقا لتفاعلات الأحزاب الدامية، فأن الأمر مترابط ومتشابك، وكل مرحلة تساهم في زيادة وتعقيد عناصر التفاعل المرير .

ولن يخرج البلد من مأزق الويلات وحمى الكراسي والتحزبية والمذهبية وغيرها من أمراض المجتمعات وأوبئة الضياع والخسران، إلا بتغيير الأفكار والرؤى والنظر إلى الدنيا بمنظار العصر، وعدم التمسك بمنظار ما مضى وما إنقضى وقراءة ما جرى ويجري بواسطته.

إن مأزق الوطن الحضاري، هو أن هناك مَن لا يرى بعيون الحاضر والمستقبل، وإنما يحمل منظار كان يا ما كان ويقرأ الحياة بواسطته، ويتصرف على ضوء ما فيه من جراثيم الأفكار والتصورات، والمعتقدات الخالية من الحياة والمتعفنة في صناديق الآهات.

فلا النظام الملكي أفضل من النظام الجمهوري، ولا السابق أفضل من اللاحق، ولا اللاحق أفضل من السابق، وإنما الحالات تدور في ناعور يغرف من جهة ويصب في جهة، وفقا لمعادلة تثمير الويلات ونهب القدرات والثروات، والجميع وأكثر يساهمون في تدوير الناعور .

فلن تتغير الأحوال للأفضل ، لأن الإناء ينضح بما فيه، وما فينا لا يحقق مصالحنا ويقضي على حاضرنا ومستقبلنا، وتلك محنتنا الحقيقية التي أوجدت الصراعات واحتضنت الويلات والقهر والمعاناة.

فهل سنغير ما في أنفسنا وعقولنا لكي يتغير واقعنا ونمارس الحياة الحرة الكريمة؟!

هذه قراءة لواقع عراقي لكنها قد تنطبق على الواقع العربي بأسره، فالأوطان أجهزة حية في بدن الأمة، إذا أصيب الواحد منها بعلة يؤثر على بدن الأمة ويُعلّه!!

***

د. صادق السامرائي

23\7\2010

 

تواجه عمليات تطبيق الديمقراطية في بعض بلدان الشرق الأوسط وخاصة العراق وليبيا ومجموعة الدول التي تعرضت لتغيير أنظمتها السياسية فوقيا وبمساعدة جراحية من قبل دول عظمى، هذه الدول وفعالياتها السياسية تواجه تحديات كبيرة ومعقدة في مجتمعات تتكلس فيها عبر مئات السنين موروثات اجتماعية ودينية وامراض نفسية وسلوكية تتقاطع بل تمنع قيام مجتمع ديمقراطي على النمط الغربي.

ولعله من اخطر تلك التحديات ان النخب السياسية ذاتها من انتاج مجتمعات تعاني تاريخيا من ظواهر سلبية متكلسة وموروثات معقدة في الفكر والسلوك، ناهيك بانها ادمنت أنظمة شمولية مستبدة لعشرات السنين او ربما لمئات السنين ضمن قوقعة بدوية قبلية محافظة يحكمها الخوف المريع من السلطة المتمثلة بفرد او مجموعة، ذلك الخوف الذي عبث بسلوكيات الفرد والمجتمع وفي هذه الجزئية المهمة يتفق غالبية علماء النفس والاجتماع على أن الخوف سبب تربوي مهم في نشوء ظاهرة الكذب والعديد من أنماط السلوك غير القويم كالتدليس والانتهازية، ناهيك عن مركبات النقص التي يعاني منها الفرد أو المجموعة التي تتصف بهذه الأنماط السلوكية، وهذه الظواهر والسلوكيات تنطبق بشكل كبير على المجتمعات التي تخضع لأنظمة مستبدة تشيع الخوف والرعب بين الأهالي باستخدام العقوبات المفرطة الشدة او الاعتقالات العشوائية خارج منظومة القوانين واستخدام أساليب التعذيب والترهيب مع المعارضين او حتى مع المتهمين بمختلف أنواع الجرائم او الانحرافات.

وبسبب التشبث بالسلطة والافراط بها وبتنفيذ العقوبات وخاصة العقوبات الصارمة التي تنفذ امام الملأ انتشر الخوف والرعب بين الناس وتضاعفت ظاهرة الكذب والانتهازية والتدليس والنفاق والتزلف، وقد انعكست مظاهر الانتهازية والعدوانية على شكل التعامل بين السلطة والأهالي من جهة، وشكل البناء الاجتماعي القروي والقبلي والنظام التربوي البدائي من جهة أخرى، في التعاطي مع الفعاليات الحياتية بكل أنماطها، في السياسة والمجتمع والاقتصاد والتربية والتعليم، وحتى على مستوى العلاقات الشخصية بين الأفراد أو المجموعات، حيث تسود مشاعر الأنانية والحذر الشديد والتوجّس، إلى درجة الخوف من الآخر، بل والشعور بالعدوانية تجاهه، ففي معظم مجتمعاتنا الشرقية التي تعاني من أمية أبجدية وحضارية وثقافة قروية وسلوك بدوي، ما زال يسكن دواخل الكثير من الذين غيروا أشكالهم وديكوراتهم بإكسسوارات المظاهر دونما الالتفات إلى نوعية السلوك وتقدميته، إلا بالقدر الذي يحافظ على مصالحهم الذاتية والمظهرية، والتي تنحصر في مجملها بعقلية الربح والخسارة، يسبقها دوماً سوء النية في التعامل اليومي والتعاطي مع تفصيلات الحياة اليومية بين البشر، على خلفية البقالة المجردة من المشاعر الخلاقة.

لقد مارست الطبقة الحاكمة، سواء كانت فرداً أو حزباً أو شريحة اجتماعية، ضغوطاً هائلة على المجتمع من خلال المجموعات التابعة والملحقة بها، من المستفيدين من عطاياها وسلطنتها، الذين يشكلون خطوط حمايتها وأبواق دعايتها وسدنة حكمها ومن ثم مراكز هيمنتها وإداراتها، حيث تولّت هذه (الملحقات المعوقة) مسؤوليات إدارية واقتصادية وحتى اجتماعية مهمة في المجتمع والدولة، وخير مثال على ذلك، تلك المجاميع التي أنتجتها النظم الدكتاتورية من خلال مؤسساتها القمعية والحزبية من الأميين وأنصافهم، منذ بدء حقبة الانقلابات، في كل من العراق وسوريا والجزائر وليبيا واليمن وإيران والسودان وبقية الدول الأخرى المشابهة، وتولي الكثير منهم قيادات مهمة في الجيش وحقائب وزارية وإدارة المحافظات والمدن، وحتى في الجامعات وعماداتها، ناهيك عن عشرات الآلاف من صغار ومتوسطي الموظفين في كل مفاصل الدولة.

وبدلاً من تكريس الحياة المدنية ونقلها إلى الريف والقرية وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية ترتقي بها من تلك الأنظمة المغلقة والمحدودة والمقيدة بنظام العبودية للشيخ والآغا، وأحياناً كثيرة لرجال الدين القرويين أشباه الأميين، إلى مستويات أعلى وأكثر تطوراً، بربط تلك المناطق بمنظومة من الطرق والاتصالات والخدمات والمناهج التربوية التي تحدث تغييرات مهمة في بنائها التحتي، عملت كل الانقلابات التي هيمنت على السلطة وادّعت تغيير النظام السياسي والاجتماعي، وأحياناً كثيرة الاقتصادي السابق لها، إلى نظام جمهوري مدني اشتراكي، لا إلى نقل المدينة إلى الريف، بل حصل العكس بنقل الريف وتهجيره إلى المدن، مما أضاع فرصة ثمينة لتطوير الريف والمدينة، بل عمل على مسخ هوية المدن وإغراقها بأنماط قروية وقبلية في السلوك والتصرّف.

وخلال عقود قليلة، تحوّلت تلك الأفواج من القرويين إلى مجموعات منقادة اخترقت كل أنظمة المجتمع والدولة، وبخاصة مؤسسات الجيش والشرطة والتعليم الأوسع انتشاراً من غيرها في الهيكل الوظيفي للدولة، هذه المجموعات التي أفرزتها تلك الأنظمة المستبدّة، سواء ما كان منها على دفة الحكم أو ما كان منها على شكل منظومة عادات وتقاليد اجتماعية استبدادية، وهي بالتالي تشكل العمق الاجتماعي للأنظمة السياسية المستبدة، حيث بساطة التفكير وسذاجته وعقلية القطيع، التي سهلت مهمة الأنظمة في السيطرة على هذه المجموعات، التي نقلت معها كل سلوكيات القرية والبداوة إلى مراكز المدن، بحثاً عن العمل أو الارتزاق خلف أنظمة سياسية استبدادية، تستغلّ سذاجتها، لاستخدامها أدوات سلطوية وقمعية في أجهزتها الخاصة، كما تفعل معظم أنظمتنا السياسية هنا في الشرق الأوسط، في الاعتماد على مجاميع من القرويين والقبليين في حماية النظام ورموزه ومؤسساته العسكرية والأمنية، حتى وصلت إلى مفاصل مهمة في مراكز القرار في الدولة والمجتمع، مما تسبب في ظهور عوق اجتماعي كبير هو ما نسميه بالنفاق الاجتماعي والانتهازية المقيتة، ويبدو ذلك اكثر وضوحا في كل من ايران والعراق وسوريا ولبنان حيث استخدم الدين والمذهب كأداة غاية في الخطورة لتخدير الأهالي واستكانتهم.

إننا اليوم في ظل أنظمة تمارس نمطا ديمقراطيا قلقا لإنتاج دكتاتوريات مرنة في مجتمعات مضغوطة بالخوف والرعب والإرهاب، نواجه تحديا خطيرا في معظم البلدان التي ذكرتها، وخاصة في بلادنا حيث أقحم الدين والمذهب في العملية السياسية وتم تفعيل النظام القبلي وتسخيره كأداة مساعدة في الحكم، مما عقد مسيرة بناء مجتمع ديمقراطي باستخدام أدوات ديمقراطية مفرغة من معانيها الحقيقية كالانتخابات المضللة ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية التي هيمنت عليها قوى شمولية تمارس الديمقراطية من طرف واحد تحت مظلة دكتاتورية مرنة بعيداً عن إحداث أي تغييرات اجتماعية وتربوية جذرية، وبخاصة ما يتعلّق بإزالة هواجس الخوف المنتجة لكثير من مظاهر العوق الاجتماعي في الكذب والتدليس والسلبية في التعاطي مع الآخر، كل هذه المحاولات تصطدم بكم هائل من الصراعات التاريخية سواء كانت دينية مذهبية او قومية عرقية ناهيك عن الصراع الازلي بين الطبقات، وما لم يعاد النظر بالجغرافية السياسية للمكونات والتحول من نظام الدولة المركزية الى نظام فيدرالي حقيقي  كخطوة أولى في تقزيم وانهاء الصراعات المذهبية والقومية لن تتوفر أي فرصة لتقدم البلاد والتفرغ لتحديث المجتمع تعليميا وتربويا معاصرا بما يؤهله للانتقال الى نظام ديمقراطي حقيقي.

***

كفاح محمود

ثمة أربعة أصنام آيلة للسقوط قريباً وفى غضون سنوات أو شهور..

أعلم أن كل الذين ينتمون لتلك الأيدولوجيات سوف يخالفوننى الرأى لكن لا بأس. إننى أتوقع وأزعم انهياراً وشيكاً لأربعة تابوهات لا لأمنيات خاصة ولا لرغبة دفينة، بل هو استقراء لواقع نراه ونعايشه. تلك الأصنام الأربعة هى: الليبرالية، والصهيونية العالمية، والمؤسسات الدولية، والإعلام العالمى. وسوف يكون السقوط سريعاً ومدوياً. واستبدال تلك الفلسفات والهيئات لحظة سقوطها رهن بمن أعدوا البديل!

الليبرالية والصهيونية

إن أغرب ما كشفته لنا عملية طوفان الأقصى السابع من أكتوبر أن بين العرب أنصار وذيول للصهيونية العالمية، وأن هناك خط تماس رفيع يفصل بين الصهيونية والليبرالية المزعومة.

المدخل الفلسفى لليبرالية يبدو لأول وهلة جذاباً ملهماً كدعاوى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ثم تكتشف أنها قشرة رقيقة زائفة تخفى وراءها القبح كل القبح. فها هى الولايات المتحدة الأمريكية راعية الليبرالية العالمية وحاضنة الصهيونية تلقى بكل قيم الحرية وحقوق الإنسان عرض الحائط لأجل إسرائيل.

لكن دعنا من صهاينة الغرب ودعونا نلتفت لما فعلته الليبرالية بنا فى عالمنا العربي..ها هى الليبرالية الاقتصادية تشيع ثقافة الاستهلاك والجشع والتطلع للرفاهية من أى طريق وبأى شكل، هكذا سادت ثقافة الاحتيال والنصب والغش والقوادة والتسول والاختلاس، وأصبحت البطالة هى الأصل بين الشباب والعمل هو الاستثناء! وفى ظل ثقافة الحرية بات كل شئ مباح وكل المبادئ رجعية وتخلف فتسربت للشباب عادات الغرب جميعها من إباحية إلى ميوعة إلى شذوذ وخمور وميوعة ودياثة وخواء فكرى.

ثم إن فقراء الجيل القادم يأتون بيأسهم وبؤسهم ويكتشفون أن طريقهم للمستقبل المأمول مسدود، فتلتهمهم عصابات السطو أو يسقطون فى هوة المخدرات السحيقة.

إن كل ما يتعلق بالليبرالية وقيمها فاسد ملوث حتى الفنون، تلك التى هوت إلى الدرك الأسفل من الذوق، فغدت لا تقدم إلا كل ما هو ممجوج ومثير للاشمئزاز.. بدءاً من كليبات العرى وإثارة الغرائز إلى أفلام العنف إلى موسيقى عبدة الشيطان. ولم يعد لمثل هذا الطريق الهابط من نهاية ممكنة إلا الزوال والمحو.

انفراط العقد

مشهد النظام العالمى الذى اعتدناه لعشرات السنين بدأ يتفكك وينحل!

أول صور هذا التفكك بدأت منذ وباء كورونا، أى منذ 3 سنوات مضت، عندما تزعزعت الثقة فى منظمة الصحة العالمية وبياناتها الرسمية المشكوك فى صحتها، إما بسبب التدخل السياسي وإما بسبب ضعف الفاعلية بغياب الداعمين! وارتفعت أصوات عالية فى أوروبا والأمريكتين تندد بتلك المنظمة التى انكشف كذبها وافتضح أمرها. واتضح أن الدعم الصحى الوحيد النافع لأوروبا قادم من الشرق الأدنى، من الصين!

ثم جاءت حرب روسيا وأوكرانيا ثم حرب السودان ثم حرب إسرائيل ضد غزة.. وفى جميع تلك الحروب لم نرَ تأثيراً يُذكر للأمم المتحدة كأنها زالت من الوجود. وبات تأثيرها الوحيد هو كشف انشطار عالم السياسة إلى شطرين، قسم غربي تتزعمه أمريكا وحلف الناتو، وقسم شرقى بقيادة الصين ودول البريكس.. وفى حين يتقلص الحلف الأمريكى ببطء، يتمدد حلف الصين بسرعة لدرجة انسلاخ الغرب الإفريقي من سيطرة فرنسا لصالح روسيا والصين!

وها هو صندوق النقد الدولى يلعب لعبته الأثيرة فى إفقار الدول وتركيع البلاد وإغراق الشعوب فى مستنقعات الديون، ولن تكون الأرجنتين آخر ضحاياها، ولا أول المقترضين العاجزين عن السداد!

ثم تعال إلى محكمة العدل الدولية فلا عدل ولا قدرة ولا فاعلية إلا ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية، والمنتظر لحكم محكمة لاهاى كالمنتظر لحكم قراقوش، فالقول للمحكمة والفعل لأمريكا!

حتى ناسا تكررت أخطاؤها الكارثية وتوقعاتها الباطلة، لدرجة أنها انجرت لألاعيب السياسة، وحذرت العالم من توقف الإنترنت منذ شهر ولم يحدث شئ. إنها منظومة عالمية آيلة للسقوط، وقد آن الأوان لاستبدالها بمنظومة أخرى وأيديولوجيات مغايرة وفلسفات سليمة ورؤى تقدم حلولاً حاسمة لمشاكل العالم وأزمات الدول والشعوب.

عصر الإقطاع الرقمى

وآخر الساقطين فى اختبار حرب غزة كان الإعلام العالمى، وهو سقوط تشهد عليه الحشود الرافضة للكذب، المناصرة للقضية الفلسطينية فى كل عواصم أوروبا من لندن إلى باريس إلى برلين!

وإذا كان الإعلام العالمى الرسمى متمثلاً فى الصحف والإذاعات والفضائيات الإخبارية بات لعبة فى يد إسرائيل منذ بداية معركة طوفان الأقصى، فإن مقطعاً مدته 10 دقائق يومياً تبثه المقاومة الفلسطينية ينسف الرواية الإسرائيلية نسفاً. إنها ساحة معركة بين فريقين، وهناك مشجعون لكلا الفريقين فى ساحات وميادين العالم فكم مظاهرة تؤيد إسرائيل؟ وفى المقابل كم عدد الملايين فى كل مظاهرة تدعم فلسطين فى كل العالم؟ الغريب أن المظاهرات المليونية فى قلب إسرائيل تعارض ما تفعله إسرائيل؟ فمن الفائز بالمعركة ومن المهزوم؟!

ولو ألقينا نظرة على الإعلام الرقمى والسوشيال ميديا فنحن أمام مشهد مختلف.. فالتعتيم لا يجدى نفعاً، وأعلام فلسطين تملأ شاشات اليوتيوب ومنصات فيسبوك وأكس وتيك توك وتيليجرام. ورغم كل القوانين الحاكمة تصل كلمة الحق إلى الأسماع فى كل مكان رغم التعتيم والحصار والحجب.

الفارق بين الإعلام الرقمى والتقليدى كالفارق بين السياسة والاقتصاد.. فأباطرة الإعلام الرقمى مهما تقيدوا بسياسات خاصة بفئة أو حزب أو منظمة أو حتى دولة عظمى، فإن المال فى النهاية هو الحكم وهو المرجع الأول ولا يمكن لأصحاب الإقطاع الرقمى التضحية بقطاع ضخم من زبائنهم فى العالمين العربي والإسلامى بل وحتى فى باقى أنحاء العالم من مناصرى القضية الفلسطينية الذين يزدادون كل يوم لأجل حفنة من أصحاب المصالح الضيقة!

عالم السوشيال ميديا تحول اليوم إلى ما يشبه الإقطاعيات الكبري. تركة أو كعكة تم توزيعها على عمالقة التكنولوجيا فى السيليكون فالى. وكل زبائنها من مليارات المستخدمين حول العالم ينعمون بخدمات مجانية لا لشئ إلا لأنهم صاروا هم أنفسهم كعبيد المزرعة فى إقطاعيات القرون الوسطى، يحرثون الأرض ويبذرونها ، بينما خير هذه الأرض يذهب كله لأصحاب الإقطاعية!

ما أتوقعه أن الإعلام العالمى المعلب سوف يسقط مع سقوط منظومة عالمية متهالكة متداعية تنتظر رصاصة الرحمة. والبداية للإعلام التقليدى ، وقد يلحق به الإعلام الرقمى إذا سمح للسياسة أن تطغى على حسابات الاقتصاد لدى أباطرة السيليكون فالى.

مشاهد مقلقة خارج الكادر!

أعلم أن كلامى لن يعجب البعض. وقد يكذبوه، وقد يهاجموه..لكن دعونا نتذكر بعض المشاهد التى حدثت خلال الفترة الأخيرة ولها دلالات عميقة مرتبطة بما أدعيه فى هذا المقال..

مشهد الصحفى الإسرائيلي فى أشهر الصحف العبرية يغادر الصحيفة ثم يقرر مغادرة إسرائيل كلها للذهاب لبرلين أو سان فرانسيسكو بأمريكا قائلاً: " دعونا نغادر إسرائيل وننظر لها وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة" ! ثم مشهد حزب المحافظين ببريطانيا ينقسم على ذاته بعد أن تدنت شعبيته لأقصى حد، ثم يتم تغيير بعض وزراء الحكومة وعلى رأسهم وزيرة الداخلية المتطرفة ذات الأصول الهندية، ثم ديفيد كاميرون الذى يعود للصورة مجدداً وزيراً لخارجية بريطانيا، كأن الدبلوماسية والأمن فى بلاد الغرب أصبحا على المحك!!

المشهد الأخير لمليونيات تم رصدها من السماء بطائرات إخبارية عمودية، تمتد فيها مظاهرات عارمة رافضة للمجازر الإسرائيلية وما وراءها من تعنت أمريكى وداعمة لفلسطين وداعية لتحررها من قبضة الكيان المحتل.. وعلى هامش تلك المظاهرات نقابات عمالية تمسك بتلابيب سفن السلاح الذاهبة للنازيين الجدد فى إسرائيل تعلن رفضها لما تفعله أوروبا من دعم لمنتهكى حقوق الإنسان !

وسوف يأتى الوقت الذى يخضع فيه الغرب لإرادة شعوب تحب السلام وتبغض أباطرة الحروب.

***

د. عبد السلام فاروق

لفت انتباهي تكرار اسماء اكاديميين في مناقشة الرسائل العلمية لدرجة أن احدهم تكرر اسمه في اربع لجان مناقشة خلال شهر واحد. ولأن من عادتي استطلاع الأراء في مثل هكذا ظواهر، فأنني توجهت بالآتي:

(تساؤل أكاديمي: لماذا تشكّل لجان مناقشة اطاريح دكتوراه ورسائل ماجستير من اسماء مكررة وكأنها مقاولات!.. الأقسام النفسية والتربوية بجامعتي بغداد والمستنصرية مثالا؟).

بلغ عدد الذين شاركوا في الأجابة (107) اكاديمي ومهتم بالموضوع، اليكم نماذج من اجاباتهم:

 د. ازاد علي اسماعيل: هذا حال أغلب الأقسام، استاذي العزيز.. لم تعد للاعتبارات العلمية المعيار الأساسي للاختيار، مع الأسف.

 د. عبد العظيم السلطاني: هذه ظاهرة واسعة الانتشار الآن، والأمر ليس مقتصرا على ماذكرت من مثال!.

 د. حمزة عبد الأمير: للاسف ظاهرة منتشرة ومطلوب من الوزارة وضع معايير جديدة لاختيار أعضاء اللجان.

 د. عقيل مهدي يوسف: هو وضع كارثي.. يفتح الابواب. امام.. مضاعفات غير منهجية.. لمناقشين يجهل بعضهم.. الأصول العلمية.. وربما تضر ملاحظاته.. بالرسالة.. والاطروحة.. اكثر مما تنفعها.. وانت ادرى.. من.. سواك.. بهذا.. الاختلال.. لتجربتك.. وتكليفك في عديد لجان المناقشات.

 المرواتي عمار أحمد: مظهر اخر من مظاهر الفساد الأخلاقي أيضا عند شريحة كان المفروض ان تكون الأرقى.

 د. كاظم نعمة: هذه ظاهرة ليست وليدة هذه الفترة بل بدأت في الثمانينات ولها اسباب منها أن الإشراف بدأ يضعف فما كان سوى أن يقع تفاهم ضمني على التسامح في التقييم. وإن الإشراف لم يعد بتخصص دقيق يواءم موضوع المطروحة. لم يحصل أن رفضت اطاريح ليصبح سياقا مقبولا. وإن تنوع خبرات التدريسيين تقلصت. وان بعض التدريسيين ينعتون بالتشدد فيتخطاهم المشرف اتابع اطاريح في اختصاصي فاندهش من تنوعها ودقتها حنى كدت اسال هل في جامعاتنا بيئة علمية ترقى الى بحث وتقييم مثل هذه الاشكالية. لعل من النافع ان تكون لجنة تحدد المناقشات وليس المشرف وان يكون نظام الحصص وشرط الاختصاص الدقيق.

 د. صالح مهدي: دكتور انت سيد العارفين لايريدون من يناقش بشكل جدي الاطاريح والرسائل ضعيفه جدا والمشرف ليس من ذوي الاختصاص فالقسم يريد يحافظ على عدم طهور السلبيات وليست جامعة بغداد والمستنصريه فقط بل اغلب الجامعات اذا مو كلهم.. تحياتي مثل حضرتك لايسأل بل ذكاؤك وخبرتك اعرف.

 الصحفي باسم حمودي: مضبوط دكتور.

 أ. د. محمد حسين حبيب: نعم دكتور احسنت الوصف.. مقاولات، لان الامتياز يتم الاتفاق عليه قبل موعد المناقشة لقاء رشوة متعددة الاشكال والالوان.

 د. علي نفل: دكتور المناقشات حديث ذو شجون - وانت اعرف منا بها.

 د. كاظم مرشد الذرب: المشكلة ان بعض المناقشين يستعينون بغيرهم لتسجيل الملاحظات العلمية على بحوث الطلبة لانهم يجهلون اصول البحث العلمي والتحليل الإحصائي لبيانات البحث.

 رغد السهيل: لأنها فعلا مقاولات! واذا لا تعطي طالبي امتياز لن أعطي طالبك امتياز واذا ألححت بسؤال طالبي سوف أفعل المثل.. صارت المناقشات مجرد تمثيلية!

 صلاح زنكنه: أما الأداب وقسم اللغة العربية فحدث ولا حرج.. وأخص بالذكر اطروحة أهمية الشلغم في شعر الشاعر الملهم عمار أبو بلغم.. وخصوصية الشوندر في روايات الروائي الفذ جسام ابن عنتر

 د. علي الحلو: ملاحظة صحيحة 100% وليس في هذه الجامعتين فقط وانما يمكن ان تشمل جميع الجامعات في البلد، والادهى والامر ان بعض رؤساء الاقسام يفرض شرطًا على الاستاذ المناقش بأن يعطي درجة عالية(الامتياز) والا لا يتم استضافته للمناقشة، وهذه صارت معي شخصياً.

 احمد صاحب مبارك: ضعف الطالب والمشرف يستدعي لجنة بنفس هذه الصفة لذلك هم يستدعون من يقضي المناقشة بتشخيص الاخطاء "الطباعية" والانغماس بتصحيح رقم الصفحة لاقتباس ما من مصدر معين. أما الجانب العلمي ومنهجية البحث فلا يتطرق إليها أحد!

الحمد لله الذي جعل نصيبي من كل جامعة زيارة واحدة لأنهم لا يجدوني كما يرغبون!

 عبد الكريم الكشفي: احسنت استاذنا الغالي الطبيب الكبير، اصبت كبد الحقيقة. والله كارثة كبيرة ضحيتها اصحاب الكفاءة والمهنة والمبدعين مع الاسف. اتفاق بين الكليات وفق مبدأ جيبني واجيبك على حساب العلم والمهنية.

 سها الربيعي: كل الجامعات مو بس بغداد والمستنصرية. حتى يضمنون الامتياز والجيد جدا الى طلابهم يفضلون مناقشين تربطهم علاقة صداقة ويستمر التبادل.. وللاسف الخاسر هو الطالب المشتغل وتعبان يتساوى مع الطالب الي كلشي ممشتغل برسالتة. الاثنين امتياز... اي عدالة ماكو. للعلم ثلاثة مناقشين من القسم والخارجي واحد فقط هنا تكمن الكارثة.

 احمد عبد الله: أستاذنا وقدوتنا دكتور قاسم حضرتك تعرف حالياً علاقات ترشيح الأسماء ممكن علاقة المشرف مع رئيس القسم بالنتيجة لجنة سهلة وممكن علاقات رؤساء الاقسام مع بعض لكن للأمانة هناك مناقشات ورؤساء أقسام وأساتذة علميين جدآ ومناقشات راقية وعلمية وأنا لمست ذلك حقيقة شخصيا.

 د. علي: هكذا استحالت الأمور، (عبرني وأعبرك) أين تلك المجالس العلمية، التي يتسيدها كبار الأساتذة بمناقشاتهم العلمية التي لاتجامل ولا تتحامل، توجه، وتعيد، وتؤجل ؛ حتى يستقيم البحث على الجادة العلمية. للأسف مجاملات، وموائد.. و...

تعليقات ساخرة:

 عبد المطلب محمود العبيدي: يمكن أن يكون تكرار الأسماء في هذه الأقسام عادياً لقلة المتخصصين ربما.. لكن غير العادي ما يحصل في غيرها.. مقاولات و"اعزمني وأعزمك" و"عينك على حارتنا.. الله الله"!!

 باسم الأعسم: لضمان منح الامتياز لكل من هب ودب ولتجنب كشف المستور عنه.

 جليل رهيف: في كل الكليات.. حطني واحطك. العجيب اكو البعض كل أسبوع عنده مناقشه شوكت يكدر يقراها!!

 أ. م. د. حسن فهد الأوسي: دكتورنا الفاضل.. غطيلي واغطيلك.. جيبني وأجيبك.

أ. م. د. حسن فهد الأوسي

د. عدي الخالدي: كلش عادي دكتور المهم المبالغ التي تدفع.

 د. عزيز مزعل: اصبحت الدراسات العليا (ماصخة) وصارت اللجان عبارة عن (زفة عرس).. تجمع لخليط غير متجانس، ولكن.. مدّاحات العروس.. امه وخالته، حتى لو كانت (عوره). المهم النتيجة امتياز.

مع اعتذاري لعشرات الزملاء الآخرين.

استنتاج

يتفق الأكاديميون الذين استطلعت آراؤهم على الآتي:

ظاهرة كارثية واسعة الانتشار الآن.

 لم تعد للاعتبارات العلمية المعيار الأساسي للاختيار.

 مظهر اخر من مظاهر الفساد الأخلاقي عند شريحة كان المفروض ان تكون الأرقى.

 لا يريدون من يناقش بشكل جدي.

 الاطاريح والرسائل ضعيفه جدا والمشرف ليس من ذوي الاختصاص والقسم يريد يحافظ على عدم ظهور السلبيات.

 يفضلون مناقشين تربطهم علاقة صداقة بطريقة تبادلية.

 مجاملات، وموائد، حطني واحطك، غطيلي واغطيلك، المهم النتيجة امتياز.

تــحليــل

أمضيت في التعليم العالي (48) سنة وكنت في التسعينيات عضو لجنة رأي بوزارة التعليم العالي، ومحاضر بمركز طرائق التدريس لأكثر من عشرين سنة، وعضو في لجنة تقويم أداء الجامعات العراقية، ومشارك في مناقشة مئات اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير، ودرّست في ست جامعات عراقية وأربع عربية.. ما يعني أنني امتلك خبرة تخولني ان (أفتي) في هذه الظاهرة.

يعود تاريخ التعليم العالي في العراق الى عام 1927 يوم تم فيه تأسيس كلية الطب التي اعتمدت نظام ومناهج الكلية الطبية الملكية البريطانية، وقبل في سنتها عشرون طالبا (7مسلمون، 8 يهود، و5 مسيحيون). ومع ان عام 1924 شهد تأسيس اول جامعة عراقية باسم جامعة آل البيت، لكنها تعرضت الى انتقادات شديدة من الصحافة والبرلمان وتناقص في عدد الطلبة المتقدمين وانتهى امرها في العام 1930. ولهذا يعد العام 1957 الذي تأسست فيه جامعة بغداد هو تاريخ تأسيس الجامعات في العراق. ويذكر ان اول رئيس لها هو الدكتور متي عقرواي (مسيحي)، وان ثاني رئيس لها هو الدكتور عبد الجبار عبد الله (صابئي)، الذي احتج رجال الدين على عبد الكريم قاسم قائلين له: كيف تعين صابئيا رئيسا لجامعة بغداد، فاجابهم جوابا طريفا قائلا: انا عينته رئيس جامعة وليس رئيس جامع.. والكثير يعرف ان عبد الجبار عبد الله كان أحد طلبة آينشتاين.

في الصدارة.. الى انتكاسات

كان التعليم العراقي في العراق لغاية عقد السبعينات في القرن الماضي.. يتصدر الدول العربية من حيث الجودة والمعايير العلمية. وكان تشكيل لجان المناقشات العلمية يتم وفقا لكفاءة المناقش واختصاصه، وكان عدد الذين يحصلون على تقدير (أمتياز) قلّة.. وكان من يحصل على تقدير (جيد جدا) يتباهى امام اهله وزملائه، بعكس ما يحصل الآن (مع الأسف موامتياز). وتعود بدايات تراجعه الى عام 1980 سنة اشتعال الحرب بين العراق وايران.. ففي سنواتها الثمان هاجر الآف الأساتذة، فيما خضع الباقون للخدمة العسكرية ضمن ما يسمى (الجيش الشعبي). تبعها انتكاستان في تسعينيات القرن الماضي: حرب العراق على الكويت، وفرض الحصار على العراق الذي اضطر عدد من الأساتذة الى بيع مكتباتهم بأثمان زهيدة.

وجاءت الأنتكاسة الكبرى بعد 2003 حيث شهدت هجرة الكفاءات العراقية والعلماء والأكاديميين بأعداد كبيرة، نتيجة عمليات القتل والخطف والتهديد التي كانت تستهدفهم بعملية وصفت بالممنهجة.

القيم.. سبب تحول المناقشات الى مقاولات

في كتابه الذائع الصيت " To Have or to Be " شخّص عالم النفس والناقد الاجتماعي الكبير " ايرك فروم " وضع الإنسان بأنه تحول إلى سلعة تحكمه قوانين العرض والطلب والبيع والشراء، وطرح مفهوم (الشخصية التسويقية) ووصفها بأنها تقوم على ممارسة الشخص لذاته بوصفه سلعة، ولقيمته " قيمة تبادلية " وليس " انتفاعية ".

والذي حصل في العراق ان معظم من يفترض فيهم أنهم القدوة والنخبة " بعمامة أو بدونها " تهرأت فيهم القيم وصار معظمهم منافقين، فشاع النفاق، السياسي والأجتماعي والأخلاقي بين الناس.. والعلمي في الجامعات، واصبح الأنسان سلعة وقيمة تبادلية بوصف اريك فروم.

وما حصل بعد 2006 تحديدا، أن الأكاديميين في الجامعات العراقية تحولوا الى اربعة أصناف: صنف وجد ان الوضع في العراق صار طاردا لمن يبقى ملتزما بقيمه الأكاديمي.. فهاجر، وصنف حاول التوفيق بين قيمه الاصيلة و(قيم) اشاعتها سلطات فاسدة، وصنف انتمى لأحزاب السلطة وزرق قيمه الأكاديمية أبرة تخدير وصار سلعة بيد سيده السياسي الذي لا تعنيه القيم الاكاديمية، وصنف ينطبق عليه المثل الشعبي (الياخذ أمي يصير عمي.. والأم هنا السلطة).. معتبرا المناقشات العلمية صفقات ومقاولات بالحال الذي اجاد وصفه الأكاديميون الذين استطلعت اراؤهم، وصنف يجاهد على الألتزام بقيمه العلمية الأصيلة.. وهم القلّة.

ويبقى التساؤل:

هل يمكن اصلاح التعليم العالي في العراق؟

والجواب.. لا يمكن، منطلقين من حقيقية علمية.. ان القيم هي التي تحدد سلوك الانسان واعتباره الأجتماعي والاخلاقي والعلمي، وان ما حصل للقيم الأصيلة في العراق بعد 2003 من تخدير وتهرؤ شاع بين بسطاء وانتقل بالعدوى الى المثقفين والأكاديميين لا يمكن ان تعود كما كانت.. فضلا عن أن اصلاح التعليم العالي مرتبط باصلاح النظام التربوي والتعليمي ككل.. اعني المؤسسات التعليمية التابعة لوزارتي التربية والتعليم العالي، وهذا غير ممكن الآن.. فان (المقاولات) في تشكيل لجان مناقشة اطاريح الدكتوراه ورسائل الماجستير.. ستبقى.. وسيبقى معها ضدها النوعي بوجود اكاديميين لن يساوموا على مبادئهم ولن يدخلوا في مقاولات حتى لو كانت باغراءات.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

السياسة في المجتمعات القبلية لها شأن خاص تختلف عن كثير من المجتمعات المفتوحة بآفق الحريات العامة، والخاصة، والبيئات السياسية المتنوعة. وهذا الحال قد نجده له أمثلة كثيرة في بعض بلدان العالم الثالث، ومنه العالم العربي الذي يتشابه مع العراق، في كثير من الصفات والخصائص. ومع ذلك تبقى لأي بلد خصوصيته المحلية، وكذلك العراق الذي يعاني من اضطراب سياسي مزمن وذلك لعدة أسباب، منها الخصائص العشائرية والقبلية التي باتت تداخل في ما هو سياسي،حتى أصبحت بعض خصائص السياسية ذات بعد عشائري وقبلي صرف. مثل: فكرة الاستقطاب العشائري – داخل العشيرة الواحدة، والانفتاح على الأوساط العشائرية المختلفة. أو التكوين السياسي ذات البعد المناطقي والعشائري لكثير من الأحزاب. حيث خلط البنية السياسية مع البنية العشائرية وجعل مبدأ التخادم وسيط فاعل  في وجود والحضور الفاعلية العشائرية -السياسية وفي السياسية - العشائرية . كان هذا واضح منذ تشكيل مجلس الحكم وحتى تجربة الانتخابات الأولى في 2005. حيث العراق كان دائرة انتخابية واحدة. والمستهدف الأول بالتأكيد هو العمق العشائري الموحد والمتعدد مناطقياً وإنتمائياً، فالهدف كان هو التعمق العشائري الأوسع،حيث وحدة العشيرة، ووحدة الحزب، وجماهيريته في مدن مختلفة ومتعددة.

وأستمر الحال كما هو عليه، حتى بدأ تقسيم العراق إلى دوائر متعددة بحسب المحافظة، وصولاً إلى مرحلة تقسيم هذه الدائرة الواحدة إلى عدة دوائر في أنتخابات 2021 بعد تغيير القانون الأنتخابي، جراء الضغط الجماهيري في ثورة تشرين. والتي سرعان ما اكتشفت فيه الأحزاب افلاسها السياسي، والاجتماعي، والعشائري، بالبعد السياسي للعشيرة – فسارعت إلى إعادة صياغة القانون الانتخابي والعودة به إلى سانت ليغو مع أضافة بعض التعديلات التي لا تضر بهم جماهيرياً. بدأت ملامح تصحيح مسار هذه الخسارة من إعادة تشكيل القوائم الانتخابية، والكيانات، والتحالفات عشائرياً.

ولعل معترض يقول: الاعتماد على العشائرية ليست بجديد في الانتخابات ! نقول نعم، ولكن الجديد في الأمر أن الصفة السياسية للانتخابات باتت عشائرية إلى حد كبير. بمعنى أن الثقل السياسي لأي حزب، أو تحالف، لم يعد بمقدوره كسب التأييد الجماهيري، والعشائري، وتحريك بوصلة الميول السياسية !  بل باتت التوازنات المناطقية العشائرية هي من تغير طيبة الحضور السياسي لأي مرشح، أو كيان انتخابي. بل بات التخادم العشائري عابر لحدود الدائرة الأنتخابية لأي محافظة، تحت مصلحة "تحريك الجمهور" خارج الدائرة - بما هو داخل الدائرة - وهذا ما يتمثل بالمؤتمرات العشائرية الداعمة لأبنائها المرشحين في كل محافظة يتم بها  التخادم عبر هذه الآلية.

وهنا نختصر هذه المعادلة بالسؤال : كيف نؤشر الضعف السياسي لأحزاب الانتخابات التقليدية والجديدة ؟ يمكن أن نحدد الإجابة عن ذلك بعدة نقاط منها :

1- مازال شيوخ العشائر عينات إجتماعية مهمة للكسب الإنتخابي.

2- لم تكترث كثير من الأحزاب لاسيما التقليدية إلى الإنتماء السياسي والولاء، بقدر ما يتركز جهدها على أقناع واجهات عشائرية سياسية للدخول معها في قائمة أنتخابية وتحالف سياسي موقت ينتهي بعد أعلان النتائج.

3- لم نلحظ أي جهد تنظيمي لهذه الأحزاب . يفوق شعبية كثير من الواجهات الاجتماعية التي يُنظر لها كأصوات جاهزة ومضمونة، لو نجحوا في كسب تأييدها.

4- التعويل على الإنتهازية كوسيط موثر بين الأحزاب، والجماهير يسهل خداعها بالمال والمغريات.

5- العمل بآلية (الفزعة) و(الوكفة) لأبن العشيرة المرشح أنتخابياً أكثر من آلية التعريف بالبرنامج الإنتخابي وحق التصويت.

وهناك عوامل كثيرة ممكن أن نؤشرها لتعليل سبب هذا الضعف الذي تعاني منه الأحزاب السياسية. فيما يقرأ في الوقت ذاته عنصر قوة داخل العشيرة لا سيما تلك التي يحصل أبنائها على مقاعد في المجلس النيابي أو المجلس المحلي. كذلك من السهولة ملاحظة عوامل الضعف السياسي لهذه الأحزاب في سعيها لهذا التمثيل، بينما تتنافس العشائر داخل هذا التمثيل الانتخابي أو الحكومي، وتعده عنصر قوة لها، بين توازناتها العشائرية، والسياسية، والحزبية،حيث التحالفات، والعلاقات القائمة على التخادم الضامن لديمومة الحضور السياسي والفاعلية الاجتماعية .

***

د. رائد عبيس

كشف طوفان الاقصى، من بين ما ظهر وعلم واعلن، مصداقية بعض ممثلي الشعوب، اعضاء البرلمانات المنتخبين فعلا من الشعب ولخدمة الشعب، في اكثر من بلد في التصريح بموقفهم داخل قبة البرلمان الذي ينتسبون اليه، او في الفعاليات التضامنية او عبر وسائل الاعلام المختلفة، وبصوت عال وثبات واضح يعلنون موقفا صريحا ويطرحون دليلا صارخا على ما حصل في غزة بعد طوفان الأقصى. وهذه مؤشرات لها دلالتها ومعناها في ظل الظروف والاجراءات الرسمية والتحولات في المواقف الرسمية وتبعية اغلب الحكومات الغربية الى سياسات الادارة الامريكية وممارساتها الفاشية وقيادتها للمجازر الدموية للشعب الفلسطيني، وخصوصا في قطاع غزة. وهؤلاء الممثلون الفعليون لشعوبهم يقراون مزاجها ويستمعون لنبضها ويعبرون عن لسانها، واتجاه اهتمامها وخياراتها دون لف ودوران او تهرب وتملص من الوقائع والحقائق. فطوفان الغضب الشعبي العالمي بملايين الاصوات في عواصم الدول الغربية، وتحدي قوانين حكوماتهم واجراءاتها وارتكاباتها. يعطي صورة اكبر من كلماتها ويسرد رواية حقيقية  لمعاني المصداقية والنضال التقدمي والكفاح المشترك من اجل عالم انساني متحضر ومتقدم، ولعل في صورة هؤلاء المشرعين ايضا نموذجا متميزا ومثالا كبيرا ينبغي احترامه وتقدير دوره وتثمين جهده ورفع القبعة له، كما يقال في الامثلة.

 من بين هؤلاء البرلمانيين، النائب الايرلندي، ريتشارد بويد، الذي وقف في البرلمان الايرلندي وتساءل  بما لم يجرؤ كثيرون، واولهم من ابناء جلدتنا: "كم من المدنيين الفلسطينيين الابرياء، رجالا ونساء واطفالا على اسرائيل ذبحهم؟، كم عدد جرائم الحرب التي يتعين على اسرائيل ارتكابها؟، ما حجم الموت والدمار الذي ستلحقه إسرائيل بشعب غزة وفلسطين، قبل ان تطالبوا بفرض عقوبات على إسرائيل، وطرد السفير الاسرائيلي من بلدنا، وتطالبوا باحالة إسرائيل فورا الى المحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب؟، لان ما حصل امام العالم وباعترافهم إسرائيل ترتكب جرائم حرب، وقد صرحوا بذلك علنا. هذه ليست مسالة راي، أعلنوا عزمهم على اخراج اكثر من مليون فلسطيني، عبر التهديد بالقصف العسكري، وهم الآن اكثر من مليون فلسطيني اخرجوا من منازلهم في شمال غزة وتم تطهيرهم عرقيا، جريمة ضد الانسانية، لقد اعلنوا ذلك على الملأ وفعلوا ذلك امام أعين العالم، نيتهم حرمان 2.2 مليون شخص من الماء والكهرباء والادوية والمعدات اللازمة للانقاذ أمام أعين العالم وهم يفعلون ذلك، وفي كل دقيقة يتم ذبح الاطفال بمدفعيتهم وقصفهم المستمر للمجمعات السكنية وللمستشفيات وللمدارس، للبنية التحتية المدنية، أنهم يواصلون ويواصلون ويواصلون وانتم لا تفعلون شيئا، عبارات قلق لكن لا إجراءات لمحاسبتهم، ومن الواضح انها جرائم حرب، ومتعمدة وإبادة جماعية لدينا يهود في الولايات المتحدة واوروبا وكندا في جميع انحاء ألعالم واسرائيل يصفون ذلك بالإبادة الجماعية، مفكرون واكاديميون يقولون هذه ابادة جماعية". وبصوته الجهوري وصراحته ينقل لاعضاء البرلمان اقوالا لمسؤولين من الكيان الاسرائيلي، تدعو الى ابادة اهل غزة وتعاملهم بالفاظ تعبر عن انفسهم وعن طبيعتهم، النازية الجديدة، في زمن الامبريالية المازوم.

في بريطانيا، بلد وعد بلفور، والتبعية للادارة الصهيو غربية، ندد عضو البرلمان المحارب من حزبه، حزب العمال، جيرمي كوربن بجرائم الحرب التي يرتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة، معبرا عن تضامنه مع ألشعب الفلسطيني. فقد ظهر كوربن في مقطع فيديو نشره على حسابه في منصة إكس وهو يلقي خطاباً جماهيراً طالب فيه بإنهاء الاحتلال والقصف على غزة وتحقيق سلام عادل ومستقر. وشدد كوربين على أن حرمان أناس أبرياء من حقوق الحياة الأساسية كالماء والكهرباء هو أمر لا أخلاقي، فضلا عن كونه غير قانوني. وقال في كلمته: "أقول لكل قائد سياسي في هذه الدولة: لا تتغاضَ عن جرائم الحرب وعن العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، وإذا كنت تؤمن بالقانون الدولي وحقوق الإنسان فإن عليك ألا تغفر ما يحدث الآن في غزة على يد جيش الاحتلال الصهيوني".

خلافا لتلك المواقف واصوات الضمير الانساني، وبعد "طوفان الأقصى" كررت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الوزيرة الالمانية سابقا، انحيازها المعروف  وسارعت لإبراز اصطفاف الاتحاد الاوروبي مع الكيان إلاسرائيلي، وهو ما أثار حفيظة عدد من النواب المعارضين للسياسات الإسرائيلية، والمتضامنين مع القضية الفلسطينية وحقوق الشعب المشروعة.

فجاء رد النائب الأوروبي الإيرلندي مايك والاس على فون دير لاين مباشرا بقوله: "الغالبية العظمى من شعوب أوروبا لا تدعم دولة الفصل العنصري الوحشية في إسرائيل، الغالبية العظمى من شعوب أوروبا تدعم شعب فلسطين الذي تعرَّض للاضطهاد والترهيب من قِبل إسرائيل لسنوات عديدة، لو فقط كان في الاتحاد الأوروبي ديمقراطية حقيقية".

وادان ستيفان فان بارلي رئيس الكتلة البرلمانية لحزب دينك في هولندا ما ترتكبه إسرائيل من "جرائم حرب" في غزة، مشدداً على أن "الوضع في غزة مروع للغاية. فالقنابل تتساقط على المستشفيات هناك، وإسرائيل ترتكب بالفعل جريمة حرب الآن، والعالم الغربي والمجتمع الدولي لا يفعلان أي شيء حيال ذلك، يجب وضع حد لهذا، إذ يتعين على هولندا أن تُدين هذا الوضع".

وفي فرنسا رفضت حركة فرنسا الأبية إدانة المقاومة الفلسطينية، وهو ما عرضها لانتقادات واسعة وتحرش إعلامي. كما اعرب زعيم الحزب الجديد المناهض للرأسمالية الفرنسي فيليب بوتو عن "دعمه الكامل لنضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أرضه، بما في ذلك نضال المقاومة المسلحة ضد الاستعمار الذي تقوده دولة إسرائيل المتعطشة للحرب".

هذه اصوات أوروبية دون تحديد ولكنها بالتاكيد تمثل الغالبية العظمى من الشعوب التي خرجت متظاهرة في شوارع العواصم العالمية، والامبريالية خصوصا، تحمل الاعلام الفلسطينية وترفع الشعارات المطالبة بالحرية لفلسطين ووقف العدوان وانقاذ غزة. وهي بلا شك اصوات معبرة ولها تاثيرها ومؤيديها، ليس بين زملائهم النواب والمشرعين، بل في القطاعات المهنية الاخرى، واوسع غالبية شعبية، يحركها الضمير الانساني واحساسها بغياب العدالة وبتفشي القتل والتوحش الفاشي والتمييز العنصري من جرائم الحرب وضد الانسانية والابادة الجماعية..

اذا حاولنا قراءة النصوص التي ادلى بها هؤلاء النواب الاحرار، اضافة الى روح تضامنها الانساني والاخلاقي والفكري، سنصل آلى نتائج قاسية بالمقارنة في صورة اخرى مقابل الهدف منها، حيث تفضح دلالاتها العميقة طبيعة الاطراف الاخرى التي تنحاز بقوة الى العدوان الصهيوني ومجازر الدم والابادة الوحشية،  منها التوقف عند غياب الديمقراطية الحقيقية في الاتحاد الاوروبي مثلا، وباقي التحالف الصهيو غربي، او التبعية العمياء لسياسات امبريالية ورطت تلك الدول والعالم في حروب وصراعات ارهابية دون تقدير لابسط الشعارات التي ترفعها في بلدانها، والى عنصرية فاشية تنتهك كل حقوق الانسان ولا ترعوي امام المذابح البشرية الجديدة. وقد يكون هذا غيض من فيض الوقائع الجديدة التي تضاف الى السجلات الرسمية التاريخية. والتاريخ يرويها ويثبت ادلتها الصارخة.

***

كاظم الموسوي

 

دهاء الاستخبارات الغربية مقابل ما هو غباء حينا وما هو ديني حاف حينا آخر

أمريكا دعّمت حماس مصر في انتفاضة الربيع العربي، ثم تجنبت ما عودتنا عليه من تشويش على الانتخابات في العالم خصوصا العالم العربي، وكانت تعلم أن المرحوم محمد مرسي سيفوز رئيسا للبلاد في مصر، بعد ذلك أغرته بتجاوز الديون عن مصر ووعده بدعمها للنهوض باقتصاد البلاد، وانتشالها من أزماتها المتعددّة، وتحسين مختلف أوضاعها الاجتماعية بشرط تصدير الربيع العربي إلى سوريا وإلى دول أخرى لا يرغب فيها (المجتمع الدولي)، وقد لعبت دول الخليج المقتنعة بفكرة الشرق الأوسط الجديد دورا فعّالا في الحكاية، حيث بشكل مفاجئ استدعى الملك عبد الله محمد مرسي واستقبله استقبالا غير متوقّع، ولم يسبب ذلك إحراجا لأمريكا ولا لإسرائيل ولا حتى للمؤسسة العسكرية المصرية، بخلاف ما سببه إسماعيل هنية بعد فوزه في الانتخابات الفلسطينية.

بعد تدمير البنية التحية لسوريا اتصلت الاستخبارات الأمريكية بالسيسي ليقوم بإجراءات الانقلاب ارتكازا على وثيقة قانونية أعدّها مجلس الأمن الدولي تشير إلى أن الرئيس الجديد قد قام بمخالفة قانونية، حيث اعتدى على دولة جارة ذات سيادة، وبموجب ذلك تم تدخل الجيش وقوات الأمن المصرية وقاموا بعزل محمد مرسي كرئيس جديد وإيداعه السجن.

وكخطو ثانية شنت السعودية حربا على اليمن عملا بتقرير أمني أعدّته المخابرات الأمريكية يؤكد أن اليمن يشكل خطرا على الأمن السعودي، وأن المد الشيعي قادم للإطاحة بمملكة آل سعود على أنها غير جديرة بتمثيل الإسلام في العالم، ولم يكن من وراء ذلك سوى إضعاف اليمن كطرف موالِ للمقاومة الفلسطيني، وقوة مهمة لا تروق لها فكرة الشرق الأوسط على أساس أنه تم ترتيبها من طرف الغرب، وأنها تقوم على تهميش وعزل المقاومة الحقيقية في غزّه، إلى جانب ذلك ألهت أمريكا الرأي العام بإثارة موضوع السامية وما يحيط به من كراهية في الشرق، بناء على دفع أوكرانيا إلى استفزاز روسيا بموافقتها على إنشاء قواعد عسكرية هناك، وهي تعرف بأن الروس لن يتقبلوا ذلك وأن الخطوة ستنجر عنها حرب، وأنه أيضا لا هدف من وراء ذلك إلّا تلهية الروسية ودفعها إلى استنزاف قدراتها، فهي تعلم أنها صديقة ومتعاطفة مع الشعوب الإسلامية والعربية منذ الحرب العالمية الأولى، وأنها أيضا صديقة لفلسطين وداعية إلى تحريرها.

اشتعلت الحرب كما قدّرت لها الاستخبارات الأمريكية، وهكذا توفّرت من المنظور الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي، وكذلك الأمر للدول العربية والإسلامية من منظورها التطبيعي الإنبطاحي الذي يثق في سياسة الغرب وقناعتها بملائكية تدخلاتها لترتيب شؤون العالم، خصوصا الشأن العربي، وبوجه أكثر خصوصية نظريتها الأمنية في معالجة القضية الفلسطينية.

وعملا بكل هذه المعطيات تقرر باتفاق سري موحّد بدء إجراءات ترسيم الشرق الأوسط الجديد المنشود أصلا من طرف إسرائيل، وذلك بالقضاء على كثير من المصطلحات المرتبطة بالإسلام (المقاومة، الأقصى، القدس، حماس، الجهاد الإسلامي)، وكل ما يعني هذه المصطلحات من تفرع وتجذر يصب في وعاء القضية الفلسطينية بوجه عام، وبعادي من ثانية فكرة الشرق الأوسط، استثناء لحركة فتح التي يتشخّصها محمد عبّاس حيث هرول بدوره إلى هذا المعسكر طمعا في استلام السلطة في إجراءات ما بعد القضاء على حركة حماس، حيث تراهن إسرائيل عليه بضمانات من دول الخليج ومصر على أنه سيتعسكر أكيد بما توفره كل من أمريكا وإسرائيل من قواعد وأدوات أمنية وعسكرية للشّد بقبضة من حديد على المنطقة، كل ذلك تأمينا لإسرائيل وللأنظمة التي انبثقت على إثر انقلاب أو تزوير انتخابات أو وراثة غير شرعية للحكم، اتفاقا حول أن المقاومة سوف لن تكتفي بعد ذلك بتحرير فلسطين، ولن تكتفي أيضا بالقدس كعاصمة، بل ستتعدى ذلك إلى إبادة إسرائيل واكتساح كل الأرضي المنهوبة، والأكيد ستصبح المقاومة قدوة ومصدر إلهام في العالم، ومن يدري فقد تنطلق فتوحات واسعة النطاق ضد كثير من الأنظمة لإعادة الحكم لأصحابه، مع الأسف الأنظمة العربية و(الإسلامية) حبّا في كراسي الحكم، وتشبثا بالنعم التي يتمتع فيها أولادهم وأسرهم وذويهم هضموا الفكرة، واقتنعوا أن الخطر يداهمهم جميعا فصاروا بذلك جنودا للكيان الصهيوني تحت مظلّة مجلس الأمن الدولي وما يقرره وفق ازدواجية معاييره المعهودة التي تضطره إليها مصالحة المختلفة والمتنوعة في العالم.

في النهاية يحتّم علينا الواقع الذهاب إلى مكان تجمّع ما أتي به وادي السياسة من عجائب، فنجد أن القش المتكور حول بعضه، والأشلاء المبعثرة، والأشياء المتراكمة هناك وهناك، نجد كذلك كل ما لم يستطع مسك نفسه من كائنات حيّة وغير حيّة، عاقلة وغير عاقلة الأقوياء منهم والضعفاء، نجد كل شيء في نهاية مسار الوادي السياسي يضطرنا لنسأل: أين الجهاديون الذين فكّكت بهم أمريكا الاتحاد السوفياتي، وبعد ذلك صفّق لهم الخليج ودعّمهم لإتلاف مواعين بيت الأسرة العربية؟ أين الوعود التي وعدت بها الدول الغنية العربية منها والأعجمية الفقراء والبسطاء وذوي الرأي المتواضع ممّن ينشدون الأمن والسلام بألسنة الساحرة أمريكا وحلفائها، الذين يعلمون مآل المواقف إلّا العرب والمطبعين منهم تحديدا؟

فتفاجئنا ألسنة البسطاء الخالية من كولسترول المصالح الاقتصادية بأن الغرب ليس مخيرا أمام إحصاء وجمع ثروات الأرض ما ظهر منها وما بطن سوى بإثارة الفتن والقلاقل والثورات المزيفة، والتشويش على بوادر الخير التي لا مصلحة لديها إلّا العمل على رفاهية الشعوب، والحرص على أمنها واستقرارها، لنصل إلى قناعة خطيرة هي أن الغرب هو الذي يثير كل مصطلحات العنف عبر العالم، وكل موقف عنيف يصدر من دولة أو حزب أو جماعة أو تكتل خارج القانون إنما هو منبثق من النوايا السيئة التي يبني عليها مجلس الأمن الدولي إصدار قراراته، لنجزم بأنه مخترق من طرف جماعة لا تريد الأمن والرخاء للبشرية، همّها الوحيد هو النفوذ والسلطة والمال والثروة.

انطلاقا من هذه القناعة نستطيع القول بأن كل شعوب العالم بمختلف الجنسيات والديانات ضحايا هذه الأنانية المادية المُفرطة، بما فيهم فلسطين وإسرائيل لأنهما سيتآكلان لصالح شرق أوسط جديدة يصب في وعاء هذه التركيبة الغربية التي لا أحد يستطيع أن يتبين أيديولوجيتها السياسية ولا رمزيتها الدينية.

من الذي يستطيع أن يكبح هذه الآلة المادية التي تحص الأرواح بالآلف دون مبالاة؟ ربما بمزيد من الوعي واليقظة من طرف الشعوب جميعا، وقد يتدخل الله لترتيب ملكه من بشر وكائنات وطبيعة بالشكل الذي يقدره في ملكوت كرسيه الأعظم، فيُهلك الظالمين ويموت الصالحون والطيبون على ما ماتوا عليه ثم يُطوى الكتاب على قدمت السياسة الغربية للبشر، فعليهم أن ينتبهوا ويكفوا حتى لا يكونوا هم القوم الأشرار الذين قد يقيم بهم الله القيامة، ويختم بما يفعلون نهاية العالم.

***

عبد الباقي قبوعه / كاتب جزائري

 

احتضنت الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية اعمال القمة العربية الإسلامية الطارئة في 11 نوفمبر2023 بحضور تمثيل رفيع المستوى وبمشاركة قوية من الدول العربية والإسلامية الفاعلة استجابة للدعوة الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود،وبرئاسة صاحب السمو الملكي رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان آل سعود لبحث التطورات الخطيرة في غزة والأراضي الفلسطينية .

تضمنت كلمة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان آل سعود التنديد بانتهاكات اسرائيل والتهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين من غزة والتأكيد على ضرورة الوقف الفوري للحرب وللعمليات العسكرية في غزة وفك الحصار عنها،عكست كلمة صاحب السمو الملكي حجم المكانة التي تتمتع به القيادة السعودية ومدى ما تتمتع به من الحكمة والتبصر والمسؤولية بمعالجة القضايا العربية والالتزام بواجب الوفاء لمهام دورها الإقليمي على المستوى العربي والإسلامي.

كانت كلمات أصحاب الجلالة والفخامة والسمو قوية بمعانيها ووضوحها، تبدي ٍرأيا سويا وتحدد موقفا صارما، وتوجه رسائل قوية لكل العالم مفعمة بروح المسؤولية . كعادتها أبهرت المملكة العربية السعودية الحاضرين والغائبين بقوة حضورها السياسي وفعالية نشاطها الدبلوماسي ودقة إدارتها لأعمال القمة، وحنكتها في ضبط اجراءات المراسم وجدية ترتيب التشريفات.

وجاءت مواقف الدول العربية والإسلامية التي انعكست على نص مشروع البيان الختامي في منتهى الحسم والقوة التي تناسب حساسية الظرف وتستجيب لواجب مواجهة طبيعة التحديات الخطيرة وتلبي تطلعات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والإسلامية في رؤية موقف عربي إسلامي جامع يدعم صمود الشعب الفلسطيني حيث أجمع المشاركون على:

* إدانة عملية تهجير مليون ونصف فلسطيني من شمال غزة جنوبها، واعتبارها جريمة حرب.

* مطالبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بدء تحقيق فوري في جرائم الحرب الإسرائيلية والمطالبة بضرورة إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمدنيين.

* ضرورة كسر الحصارعلى غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري.

* ضرورة دعم جهود مصر لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل فوري ومستدام وكاف، وضرورة دعم كل ما تتخذه من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الغاشم على غزة.

* مطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار فوري يدين التدمير الهمجي للمستشفيات في قطاع غزة .

* مطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان، ويكبح جماح سلطة الاحتلال.

* مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطة الاحتلال.

تميزت قرارات القمة العربية الإسلامية الطارئة بصياغة حاسمة لا تقبل التأويل ولا تقبل التأجيل ولا تطيق صبرا على التأخير وذلك من خلال تكرار كلمة " فوري"، كما امتد نطاق القرارات ليشمل تجريم مواقف سلطة الاحتلال في غزة والأراضي الفلسطينية وداعميها أيضا، وعكست القرارات الرفض القاطع لمؤامرات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة واعتبارها جريمة حرب تستدعي محاكمة المسؤولين عنها، وأكد البيان الختامي على أن السلام العادل والدائم والشامل الذي يشكل خيارا استراتيجيا هو السبيل لضمان الأمن والاستقرار لجميع شعوب المنطقة.

***

صبحة بغورة

يقينا أن العنف صفة مكتسبة وليس فطرة، وأن السلوك البشري يخضع لاشتراطات وتأثيرات أولها التربية الأسرية والمحيط الاجتماعي، ثم يأتي تأثير وسائل الإعلام التي باتت تشكل عامل حسم في الكثير من خيارات وتوجهات البشر.فلوسائل الإعلام وبالذات الأفلام والصور، خاصية فاعلة في التأثير على سلوك الأفراد. وباتت قطاعات الشباب الشريحة الأكثر ولعا من غيرها في التأثر والمشاركة والترويج لهذا النمط الإعلامي. وشكلت أفلام العنف والمطاردة والإثارة والرعب المجال الأرحب والأكبر للمشاهدة والتقليد. وأن الرغبة في مشاهدة هذه المناظر والأفلام يرتبط كليا بالموروث الاجتماعي ووضع الشخص بين أقرانه ووسطه الاجتماعي الاقتصادي ودرجة تعليمه. مما يجعل أبطال تلك الأفلام نماذج مختارة للمحاكاة من قبل المراهقين والشباب وبالذات المهمشين وذوي التعليم المتدني. فصورة البطل التي بات يفضل الشاب والمراهق تقليدها، دائما ما تكون بعيدة عن مظهر رجل عادي في سلوكه اليومي وهيئته . فهو ذو عضلات مفتولة بعيد عن الأناقة والهندام الحسن، مرن الحركة،سريع البديهية وردود الفعل، غير هياب أمام المحن والشدائد، مندفع ومغوار، ويأتي في مقدمة تلك الصورة الانطباع السحري عن البطل الباحث بضراوة عن الحقيقة ويقارع الظلم بشدة وجهادية فائقة.ولكن أي حقيقة هذه وما طبيعة الظلم الذي يحاربه، هنا يكمن الالتباس.

مع ظهور منظمة القاعدة وما تلاها من تنظيمات إرهابية اجتاحت بقسوتها وبشاعة جرائمها العديد من المناطق في الشرق، وروعت بتهديداتها وأفعالها العالم الغربي. إثر ذلك درجت معاهد الدراسات والبحوث في أغلب دول العالم على وضع قواعد بيانات ودراسات ذات طابع خاص تتعلق في البحث عن طبيعة استخدام التقنيات الحديثة لوسائل الإعلام من قبل تلك التنظيمات الإرهابية، والتي باتت تمثل في مستوياتها ومحتواها الإعلامي خطرا حقيقيا عابرا للحدود.ليصبح القلق جراءها عاما، بعد أن علمت سلطات العديد من تلك البلدان وبالذات الأوربية، بوجود أعداد ليست قليلة من مواطنيها كانوا ضمن المشاركين في عمليات القتال التي دارت رحاها ومازالت في أفغانستان وسوريا والعراق وغيرها من بقاع العالم. ووجدت تلك الدراسات أن  هناك ترويجا إعلاميا متقنا وبتقنيات حديثة، يوجه لقطاعات محددة من الشباب وبالذات الأوربي، لغرض دفعهم نحو الذهاب لما سمي بالجهاد في العديد من بلدان آسيا وأفريقيا .

ساعدت  شبكات التواصل الاجتماعي في تقديم العون الممنهج في الترويج لمغريات  تدعو الشباب للتوجه إلى أماكن القتال أو ما يطلق عليها، ساحات الجهاد والرباط. ودائما ما كانت تلك المواقع تبث صورا ومشاهدا لمقاتلي القاعدة أو طالبان وداعش والنصرة وباقي مثيلاتها، وهم فرحين بشوشين مبتسمين يتقاسمون الطعام في أماكن عامة أو وسط حلقات سمر داخل البيوت أو خلف السواتر، أو حين يخوضون غمار المعارك ويقتحمون ساحات الوغى، بقلوب صلدة وتضحية نادرة تصل حد الجود بالروح.كل تلك المشاهد تظهرهم كأبطال ملحميين في لقطات صورية من أفلام الحركة والعنف.

داعش وقبلها القاعدة وبعد أن أدركت أهمية وقدرة الصورة على تحريك الغرائز لدى الشباب المهمش والناقم، طورت تقنيات رعب لمشاهد متعددة الجوانب مثلما تتعدد

فيها طبيعة الرسائل الموجهة لجذب الشباب إلى ساحات القتال،وهي في هذا لعبت على وتر الرغبات المكنونة والمكبوتة لدى هؤلاء، واستطاعت توفير أجواء ورسائل تخاطب مزاج الشباب المتطير المتوتر المليء بشحنات الغضب والقلق ومشاعر الإحباط، والساعي لإيجاد منافذ يثبت فيها لذاته وجودها، وينفس عن نزعاتها التي تشكلت عشوائيا، وأصبحت بمرور الوقت عدوانية سادية جراء مقاربتها لأجواء العنف والجريمة التي تشاهدها يوميا في السينما والتلفزيون والألعاب الالكترونية وعلى صفحات اليوتيوب والانترنيت، وهذا ما تفصح عنه وقائع الجرائم التي ترتكبها مجاميع تلك المنظمات دون حسابات عقلية ومنطقية أو واعز إنساني وبعيدا عن أي روابط وأفكار تتعلق بالفطرة البشرية السوية.

مارشال كوري وهو مخرج أمريكي محترف للأفلام الوثائقية، أشار في مقابلة تلفزيونية مع CNN للأسباب التي تدفع المنظمة الإرهابية داعش للقيام ببث تلك الأفلام الدعائية التي تحوي دائما ما هو مرعب قائلا : أظن أنهم يحاولون إخافة الناس، فعمليات قطع الرؤوس والجرائم الأخرى، ترويجها يهدف إلى لفت انتباه الشباب والقول لهم بأنكم تستطيعون أن تكونوا جزءا من أفلام المغامرات هذه وتمارسونها على الواقع بدلا من مشاهدتها في فلم على شاشة التلفزيون، ألا تعتبرون هذا الأمر مشوقا ومدهشا؟ إذا لماذا لا تشاركون فيه؟ هيا إلى هناك.

في العديد من الأفلام كان هناك مقاتلون يطلقون النار بكثافة ويتقافزون بحركات رشيقة، في حين يقف جوارهم رفاق يلتقطون لهم الصور، وكان ليبدو هذا وكأن دافع الجميع المشاركة في فلم أكشن. ويجد المشهد هذا وبمختلف جوانبه المكانة الأوفر حظا بين أوساط الشباب، حيث يطرق بقوة على وتر رغبات هؤلاء.لذا يضيف المخرج مارشال قائلا بأن أفلام الدعائية التي تنتجها داعش تتمتع بتقنيات عالية رغم بساطة وزهد تكاليفها، ولكن هدفها عال ومهم للمنظمة إلا وهو بث الرعب لدى الخصوم وإخافة الناس وقبل هذا إغراء وتضليل الشباب.

في العديد من الوقائع أظهرت تلك المنظمات قدرات تقنية عالية في صناعة الأفلام واستخدام الفوتو شوب وعرض وترويج واستخدام وسائل، تبدو جاذبة للبعض من الشباب المرتبك المهمش القلق على مستقبله، والمحشو دماغه بالكثير من الأسئلة عن ما يدور من صراعات ومظالم في هذا العالم. ففي جانب حيوي من موضوعة المشاركة والذهاب للقتال، هناك من هو موقن بالجهاد الديني المفضي للشهادة والمثول سريعا بين يدي النبي محمد، ونيل مبتغاه من حور العين، ولكن في ذات الوقت تشير بعض الوقائع لكون العملية وفي البعض من جوانبها باتت بابا للارتزاق وصراع من أجل المصالح الدنيوية، ولا تخلو المغامرة فيها من جني مكاسب، حيث تحدث خلال تلك المعارك عمليات سلب ونهب واستيلاء على أملاك وحاجات وخطف واغتصاب نساء الطرف الأخر المخالف عقائديا.وتدار أيضا عمليات تهريب وبيع المقتنيات والموارد، مثل السيارات والآثار والنفط وباقي المعادن، وكذلك تكون للبعض فرصة نادرة لمغامرة مميزة في مواجهة الأخطار، وتجربة شجاعة يبحث الفرد من خلالها على تعزيز الثقة بالنفس وبقدراته في مواجهة مجتمعه وتحدي خصومه المفترضين.

العديد من البلدان التي تواجه  أزمات سياسية اقتصادية حادة، وتنتشر البطالة فيها بين أوساط الشباب بشكل واسع ومضطرد، ما يجعل الأفق مسدودا أمامهم وتنتابهم مشاعر انعدام الكفاءة الاجتماعية والاعتقاد بأنهم ضحايا لظروف ظالمة، عندها تصبح عوالمهم رخوة يسهل اختراقها من قبل مختلف المنظمات التي تعرض عليهم خدماتها لجذبهم نحو عالم المغامرة والشهرة والارتزاق قبل أي شيء أخر. ودائما ما كان هؤلاء صيدا سهلا واحتياطيا جاهزا للزج بهم في عالم الجريمة بمختلف أشكالها.

الكثير من الوقائع وفي العديد من المعارك أفصحت الصورة الموثقة، عن كون البعض من ما سمي  بالجهاديين، لم يكن يعني لهم الإسلام شيئا يقينيا أو طريقا للنجاة من الوضع الذي يعيشونه. ولم يكن حتى نافذة تفضي للإجابة على مجمل ما يدور في أذهانهم من قضايا ملتبسة، ولم يجدوا فيه الدافع الحقيقي لتخليصهم وإنقاذهم من الارتباك والحيرة اليومية، وإنما المغامرة وحدها كانت المحفز الأول والدافع لكسب الاطمئنان  والخلاص من القلق والتغرب،ولحظة فائقة القدرة لتفريغ شحناتهم العاطفية التي تسيطر عليهم وتربكهم ويعانون جراءها.وأن التربية الدينية أو العلاقة الروحية بالدين لم تكن دليلا مطمئنا، أو لها معنى خاصا يدفعهم للارتباط بتلك الأفكار الجهادية، وبدت تعابيرهم عبر رسائل نصية عديدة يسربونها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، تنبئ عن نوع آخر لا علاقة له بالتشدد الديني . فمنهم من يعلن بأن أخر ما يفكر فيه هو الإسلام، وإن الظلم عام وليس الإسلام وحده من يُظلم. والبشرية تحتاج من ينقذها مهما كان دينه، وآخر يقول الحرب مغامرة وربح وفير.منظر الذبح والدم مفرح ورسالة إلى الحكومات لتدرك وجودنا كأنداد.

وهكذا يبدو أن هناك قائمة طويلة من أشخاص تدفعهم رغبات شخصية للذهاب والقتال في أماكن توفر لهم قيمة اعتبارية ذاتية قبل أي شيء أخر. ومثلما الحديث يدور عن علاقة بعض المقاتلين بالأيدلوجيات وقربهم أو بعدهم عنها، فأن وقائع على أرض المعارك في العراق وسوريا أظهرت حقائق توثق زيف تلك العلاقة الفكرية.

فبعد احتلال مدينة الموصل العراقية والرقة السورية من قبل داعش وحلفائها ظهر أن ليس هناك صورة نمطية للعلاقة مع الأيدلوجية الدينية والتي تدفع الشباب للقتال مع المجاميع الإرهابية،بل اتضح أن وراء الأكمة الكثير من الأغراض والمنافع، وان المشهد له مسببات مثلما احتواؤه على قناعات عديدة ومختلفة في الكثير من مظاهرها ودوافعها. فقد عثر من بين قتلى تلك المنظمات من هو غير مختون وتلك حالة جسدية بعيدة عن أعراف الإسلام وتعاليمه، وربما قوة شكيمة وشراسة هذا المقاتل جعلت منه قائدا عسكريا، لا بل صيرته مفتيا شرعيا لمنطقة من مناطق القتال. كذلك أُسر في العراق شخص ياباني الجنسية أعترف بأن لا علاقة له بالدين الإسلامي ولا يعرف عن الإسلام غير الاسم، وما كانت دوافعه غير محاربة الأمريكان وقتال الظلم والظالم في العالم حسب ما أدعى، ومثله وجد روسي وصربي وفلبيني. وعرض التلفزيونان السوري والعراقي وقتذاك مقابلات لأسرى من تلك المنظمات، كانت جملهم مرتبكة وأعلنوا ندمهم وأدانوا الأفعال التي قاموا ومجموعاتهم بها، والندم هذا لوحده دليل واضح على تورطهم وارتباكهم وبعدهم عن ما يسمى بقضية الجهاد والتضحية في سبيل الدين والمبدأ ونيل أحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.ولم تكن الكثير من هواتف قتلى داعش وقبلها القاعدة خالية من الأفلام الإباحية والعاب القوة وكذلك ألعاب القمار والمراهنات، وحظيت قوات الجيش والشرطة في العديد من مواقع القتال على كميات من المخدرات وقناني الكحول التي كان مقاتلو المنظمات الإرهابية يتعاطونها. ولذا يبدو أن روح المغامرة لدى الشباب تتقدم باقي الرغبات، ولكن في النهاية لن تكون هي ما يفضي لإيقاف الغليان الداخلي ومشاعر الاضطهاد والكبت في أرواح هؤلاء، إن لم يجدوا من يساعدهم على تجاوز محنتهم بتوفير فرص العمل الشريف ومن خلال مناخ عام سليم يرفع عن حياتهم وحياة أقرانهم ومجتمعاتهم الغبن والقهر المسلط . 

***

فرات المحسن

مشاهد تراجيدية تراها كل طلعة نهار تنقلب فيها الوقائع وتتحول المأساة لما يشبه الكابوس..

30 ألف طن متفجرات خلال شهر واحد ألقتها إسرائيل على رؤوس المدنيين فى غزة فى أسوأ مشهد إبادة عرقية فى الألفية الجديدة..ليسقط على إثر وابل القنابل أكثر من عشرة آلاف شهيد أكثر من نصفهم من الأطفال والنساء!!

كل هذا والعالم يضع على عينيه عصابة، ويحشو أذنيه بالقطن، ويغلق فمه بكلتا يديه..بينما الولايات المتحدة الأمريكية لا تكتفى بمجرد التشجيع والدعم غير المشروط لإسرائيل والتغطية على جرائمها، بل تمدها بمدد لا ينقطع من السلاح والعتاد والذخيرة والدولارات بلا حساب ولا رقابة ولا وازع من ضمير..

لكن المشاهد ليست كلها على هوى أمريكا أو إسرائيل..

على الهامش وفى الكواليس هناك مشاهد أخرى قد تغير كل شئ، وقد تأتى نهاية المعركة لينسدل الستار على مشهد أخير لم يتوقعه أحد!

جحيم على الأرض

كأننا فى قلب أحد أفلام الأكشن الهوليودية، نرى فيه دبابات تنفجر وجرافات تحترق وقذائف مصورة بمشاهد حية من قلب معركة مستمرة منذ مناوشات الاقتحام البرى الأولى لغزة وحتى اليوم..

مقاتل فلسطينى يصعد على ظهر جرافة تكلفت مليون دولار ثم يحرقها بولاعة ثمنها أقل من دولار! وآخر يقترب من دبابة متطورة ليزرع على ظهرها عبوة متفجرة سرعان ما تخترق جسمها المصفح المنيع وتجبر الناجين منها على الفرار..مراسل لقناة أجنبية مرافق لفرقة إسرائيلية فى اقتحامات شمال غرب القطاع يخرج على العالم ببث حى وقد انتابه الهلع وهو يري فرقة الجنود وقد تحولوا جميعهم أمامه لأشلاء! ثم على الناحية الأخرى رجال يخرجون من قلب أنقاض المبانى فى غزة بعد الغارات الإسرائيلية يصيحون: "وكأنه يوم القيامة!"..وعلى أطراف العالم يراقب الأجانب فى ذهول واندهاش: كيف أن غزة يتم قصفها بأمطار القنابل شهراً  كاملاً ثم لا يزيد الناجون عن قولة: الحمد لله!!

البيت الأبيض حوصر بكتائب المتظاهرين ينددون بما تقترفه أمريكا فى حق غزة وأهلها..لدرجة أن عمال الموانئ تجمعوا على إحدى السفن المحملة بالسلاح لإسرائيل يبغون منع السفينة من الإقلاع! ومحطة النقل جراند سنترال فى نيويورك يتم إغلاقها بأيدى متظاهرين قرروا وقف العمل بها حتى إشعار آخر! وملايين المتظاهرين فى عواصم أوروبا وآسيا وأمريكا خرجوا بأعداد مهولة تزداد يومياً حتى أن بعضها كسر أرقاماً قياسية لما سبق من ثورات العِقد الحالى!!

مفارقات وتناقضات

بعد كل ما حدث ويحدث من ظلم عظيم ومجازر فى حق الفلسطينيين خرج وزير ما يسمي ب" التراث الإسرائيلي" فى هياج يطالب بمحو غزة بالقنابل النووية على غرار ما حدث فى هيروشيما ونجازاكى..كأن إسرائيل بكل ما تملكه من جيش ودعم أوروبى وأمريكى قد عدمت الحلول واستنفدت الوسائل كلها ولم يبقَ أمامها سبيل إلا إبادة الشعب الفلسطينى كله بالنووى. فما السبب الحقيقي وراء الهياج الإسرائيلى؟

إنهم مضغوطون منهزمون حائرون لا يعرفون كيفية التصرف مع مقاومة فلسطينية جبارة تقاتل قتال المستميت وتذيقهم ألواناً من العناء والعنت كل يوم..بحيث لا تمر ليلة إلا ويتم تدمير عدد من الآليات والدبابات، وقتل عدد من الجنود والضباط حتى وصل عدد القتلى من جيش الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 400 قتيل. نتنياهو بات مكروهاً من المستوطنين اليهود ومن الأمريكان بل وممن حوله من المسئولين الذين تفشت فيهم "موضة" الاستقالات ،وبعضها تم على الهواء مباشرةً! المظاهرات فى الشارع الإسرائيلي امتدت حتى بيت نتنياهو نفسه، والمطالبات بتحرير الأسرى تقض مضاجع القادة الإسرائيليين، والأيام تمر بطيئة ثقيلة دون إحراز أى تقدم على الأرض، فلا تم اقتحام غزة ولا اكتشاف الأنفاق ولا إضعاف المقاومة ولا تحرير الأسرى..بينما الاقتصاد الإسرائيلي ينزف بغزارة، والهجرة العكسية من إسرائيل تجاوزت ربع مليون هارب!

هكذا تبدلت الصورة داخل إسرائيل..فالمستوطنين باتوا ضيوفاً على المخيمات والفنادق، وقائمة الانتظار فى رحلات الطيران لخارج إسرائيل محجوزة لعام كامل قادم، والعمالة تقلصت للنصف، والسياحة توقفت، ووسائل النقل شحت وأصابها الشلل، وصفارات الإنذار باتت تدوى فى كل مكان وفى أى وقت، بحيث تبدد الأمان وعم القلق والتوتر والهلع.

تلك مفارقة كبري.. أن ترى البيوت المهدمة التى سويت بالأرض فى غزة يعمها الرضا والطمأنينة فتصدح شكراً وحمداً للرحمن، بينما يسود الخوف أرجاء إسرائيل..وكلهم قلق مما سيحدث إذا طال أمد الحرب..والمفارقة الأكبر أن المقاومة هى المنتصرة على كل الجبهات رغم الحصار الخانق من البحر والبر والجو، وأن التعاطف العالمى المتزايد معها يثبت هذا الانتصار ويشجعه ويدعمه..

مآلات التورط الأمريكى

أمريكا باتت طرفاً فى معادلة الحرب، وهى تهدد إيران وتحذرها من خوضها؛ ولهذا سارعت بنشر حاملات الطائرات والغواصات النووية على السواحل..والواقع أن أمريكا تورطت فى حرب لا تريدها..

الحزب الديمقراطى انحدرت شعبيته إلى أقصى حد، وتعليقات الكثيرين تحتوى على كثير من السباب الغاضب لدرجة القول أنهم "سينتخبون حذاءهم بدلاً من بايدن!"..يحدث هذا فى الوقت الذى تتفرغ فيه الساحة لروسيا والصين أمام أطماعهما فى أوكرانيا وتايوان..والغضب الشعبي العالمى يفور بثورات عارمة تهتف ضد إسرائيل وأمريكا معاً..بينما تتعرض القواعد الأمريكية فى العراق وسوريا لضربات وتهديدات يومية من فصائل وميليشيات مسلحة مختلفة الانتماءات، بما ينذر بتوسيع رقعة الحرب وفتح جبهات متعددة ضد إسرائيل ومعها أمريكا.

وفى غياب الوجهة والمغزى من الحرب الشعواء لإسرائيل ضد قطاع غزة بدأ الأمريكيون يشعرون بمدى الحمق والغباء والخسارة من استمرارهم فى حرب لن تنفعهم فى شئ، لكنها ستضرهم فى أشياء..والاتجاه السائد فى أروقة القرار الأمريكى الآن توجه الإسرائيليين نحو ضرورة تحقيق أية نتائج سريعة على الأرض، وتحرير الأسرى ثم التعجيل بالتهدئة والهدنة ..لكن الرياح لا تسير بما تشتهى السفن..لأن إسرائيل تبدو كالكلب المسعور أو كالثور الهائج لا يريد شيئاً إلا مزيداً من سفك دماء الأبرياء.

إسرائيل ذاهبة..وفلسطين باقية

مهما كانت نتائج الحرب الحالية ، فإن إسرائيل لم تعد كما كانت بالأمس القريب.. جيشها مهزوم، واقتصادها مأزوم، وجنودها محبطون، وقادتها فى خلاف دائم، وشعبها فى انقسام واضح..وهناك قناعة لدى الكثيرين منهم أنهم يشهدون نهاية العِقد الثامن المنذر بزوال إسرائيل وعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم المسلوبة وديارهم المنهوبة.

الشعوب العربية من حول إسرائيل تبدو هادئة هدوء المطمئن إلى المآلات..فإسرائيل حتماً إلى زوال.. وفلسطين باقية، ومهما استشهد من أبطالها يأتى من أصلابهم من يستكمل مسيرة الصمود، حتى يأتى وقت يرونه بعيداً ونراه قريباً تُسترد فيه الحقوق ويعود الأقصى مقصداً لمحبيه من الجهات الأربعة..

لقد رأينا كيف أن الغضب العارم حول العالم يزداد مع كل غارة تدك فيها إسرائيل مدرسة أو مستشفى أو مبنى سكنى يروح ضحيتها مئات الأبرياء من الأطفال والنساء والكهول..وها هى الدول تطرد سفراء إسرائيل وتستدعى سفراءها منها وتقطع علاقاتها الدبلوماسية مع كيان محتل غاصب لا يحترم قانوناً دولياً ولا وازعاً إنسانياً.. ولن يطول الوقت حتى نجد كل داعمى إسرائيل ينفضّون من حولها تباعاً حتى أمريكا ذاتها، عندما يكتشفون أن مصالحهم تنهار وتتضرر فى كل مرة يدعمون فيها الظالم ضد المظلوم، ويقاتلون إلى جوار المتجبر لسحق الأبرياء.. وحينها سيأتى الدور على إسرائيل لتذوق من نفس الكأس التى أذاقتها للشعب الفلسطينى الصامد، وتعود الأرض لأهلها والأقصى لقاصديه.

***

عبد السلام فاروق

الى كهنة وشيوخ الحداثة الليبرالية، اليسارية: الديمقراطية والعلمانية والعلمية وحقوق الانسان... الخ: ها انا اشهد على صحة خرافاتكم العلمية جدا..

بفضل معيشتي في اوربا الغربية منذ عشرات السنين، اشهد يا اخوتي بصحة كل ما تقولوه في كتاباتكم وخطاباتكم لشعوبنا المسكينة المتخلفة، عن عظمة وقدسية الحداثة التي يتم تطبيقها وتنميتها في اوربا الغربية وامريكا، منذ قرون، وانا اعيش يوميا وكل ساعة الانجازات الخارقة التالية:  

1- بفضل العلم قد بلغوا الخلود والشباب الابدي، بالقضاء التام على (الموت والهرم) وجميع الامراض والاوبئة والحوادث وغيرها. ولهذا فان هذه الشعوب قد نسيت حتى كلمات مثل: موت ، مرض، هرم، عوق.. اطباء، مستشفيات، ادوية، وغيرها من الكلمات العتيقة التي لا نزلنا (نحن الشعوب) المتخلفة نستعملها!

2- بفضل الديمقراطية قد بلغوا المساواة الاجتماعية الاقتصادية، فلم يعد هنالك اغنياء يملكون المليارات وفقراء كادحين بالكاد يدبرون حياتهم. وقد تعود كل انسان في هذه البلدان على الاختيار الحر للعمل الذي يرغبه وعدد الساعات التي تناسبه. واصبحت جميع المخازن الكبرى مفتوحة للجميع ليأخذ الناس منها مجانا ما يحتاجونه من امور معيشية.

3- بفضل العلمانية وعزل الدين والروحانيات والاخلاقيات العتيقة، تمكنوا من بلوغ حالة الصفاء والسلام الانساني المطلق ومحبة الجميع للجميع ، وانتهى الادمان على الخمرة والضياع في المخدرات (العلمية التقدمية). انتهى الكبت الجنسي والمعانات الشهوانية، ولم يعد الناس يعرفون معاني كلمات: بغاء، شذوذ هلع جنسي. وانتفت الحاجة الى الاغتصاب التي كانت تحصل بعشرات الآلاف سنويا، ولم يعد الرجال بحاجة للسفر الى البلدان الفقيرة لممارسة البغاء مع الاطفال فتيان وفتياة.

4 - بفضل تطورهم الشاعري والموسيقي قد بلغوا ذروة الصفاء والسلام، بحيث انهم تخلصوا من الجيوش والمخابرات والشرطة، وحولوا مصانع الاسلحة الى مصانع اغذية لاعانة البلدان الفقيرة. وعمت المحبة وانتشر الوئام في مجتمعهم، فلا تسمع ابدا بحوادث عنف ولا قتل ولا اغتصاب، ولا 50 الف قتيل كل عام في (بلاد هوليود)، وانتهت تماما المافيات والعصابات الدولية وشركات المرتزقة والاغتيال العالمي، وانتهت المؤامرات وشبكات الخيانة والتخريب في البلدان الضعيفة.

5- بفضل روح التعددية وحرية التعبير، قد بلغوا الشفافية المطلقة، من خلال جعل وسائل الاعلام ملكا للشعب وليس لاقليات ثرية شيطانية، لهذا انتهت الى الابد حملات الاعلام والرشوة والتهديد الى حد التوريط بتهم اغتصاب وغيرها، وعمليات التشهير وغسيل الضمائر التي تحطم من يعارضها وتمجّد من يخنع لها.

6 - بفضل عقلانيتهم ونضجهم واحساسهم بالمسؤولية ازاء شعوبنا المتخلفة، تراهم يسعون باخلاص الى حل خلافاتنا ومشاكلنا، وتعليمنا مبادئ حقوق الانسان وكيف نحترم نسائنا ونحب اطفالنا، وان نقدس كلابنا ونجعلها تنام معنا في اسرّتنا.. . بالاضافة الى الكفاح لتحقيق العدالة العالمية ومنع الحروب والمؤامرات، واجبار الدول العنصرية والمغتصبة لاراضي الشعوب الضعيفة، على الخضوع للقانون الدولي وتحقق السلام وحسن الجوار.

نعم ياخوتي الحداثيين، نحن معكم نجهد للكشف عن حقيقة الانجازات العظيمة للحداثة الديقراطية العلمانية العلمية الانسانية، وان ما علينا نحن الشعوب المتخلفة الا ان نجبر حكوماتنا على استيراد مبادئ الحداثة الديمقراطية والانسانية من خلال (الامم المتحدة)، وتعليقها على الجدار في كل مكان، حتى نحفظها نحن واطفالنا عن ظهر قلب، ثم بعد ذلك سنحققها بكل سهولة، بفضل مساعدة خبراء البلدان الغربية الديمقراطية العلمانية العلمية الانسانية التي طالما عودتنا على الوفاء لمبادئها العظيمة والمقدسة.

وانّا لله وانّا اليه راجعون..

***

سليم مطر ـ جنيف

.............................

* لمطالعة موضوعنا هذا مع قسمه السابق المكمل له، اضغط على هذا الرابط في موقعنا:

https://www.salim.mesopot.com/hide-feker/155-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D9%91%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D9%81%D8%B6%D9%87%D8%A7-%D8%AC%D9%85%D9%8A%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B4%D8%B1%D8%8C-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D9%84-%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%B2%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%9F.html

1. إعادة عائدات العملات الأجنبية يمكن أن يعزز الروبل الروسي:

وقع رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين مرسوما بشأن إعادة وبيع عائدات النقد الأجنبي للمصدرين لمدة ستة أشهر. تم اتخاذ هذا الإجراء على خلفية ضعف الروبل والذي يهدف إلى تحقيق الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي، وكذلك القضاء على إمكانية المضاربة على العملات. ووفقا لأليكسي فيديف، فإن الإجراء غير سوقي، ويمكن نقل الروبل لفترة وجيزة إلى سعر 85-90 روبلا1.

في 16  تشرين الأول/اكتوبر  2023، دخل مرسوم رئاسي بشأن الإعادة الإلزامية وبيع عائدات النقد الأجنبي من قبل المصدرين حيز التنفيذ. ومع ذلك، لم تكن هناك تغييرات كبيرة في السوق، فقد ضعف الروبل بشكل معتدل مقابل العملات الرئيسية. طوال اليوم تقريبا، كان الدولار في بورصة موسكو بالقرب من علامة 97، اليورو - 102.4. وبالتالي، فإن الانتقام من جانب العملة الروسية لم يحدث، على الرغم من وجود سبب لذلك.

وقال أليكسي فيديف: "كان من الصعب توقع أي تغييرات كبيرة في يوم واحد: ينص المرسوم على أنه يجب على المصدرين بيع ما لا يقل عن 90٪ من العائدات المستلمة على الحسابات في غضون أسبوعين". "ووفقا لذلك، لدى الشركات الوقت للمناورة. بدون شك، سيؤثر الإجراء على سعر الصرف، ولكن ليس على الفور. ثانيا، قد تكون هناك تقلبات موسمية، عندما يتم فرض بيع العائدات على مدفوعات الضرائب، والتي عادة ما تقوم بها الشركة في بداية كل ربع سنة جديد.

من الضروري تطبيع هيكل المبيعات بحيث تصبح عائدات الصادرات أكثر سيولة. على سبيل المثال، يوجد تفاوت كبير مع الهند بحدود 70 مليار دولار. الصادرات الروسية لهذا البلد تقدر بقيمة 5-6 مليارات دولار. واتحذ القرار على أساس اتفاق مبدئي مع المصدرين، والذي يشمل جميع الشركات الكبرى.  لماذا لم تفعل السلطات ذلك في وقت سابق، بينما كان بإمكانها القيام بذلك؟ على ما يبدو، توقعوا الحصول على رفع سعر الفائدة الرئيسي، لكنه لم ينجح. استمر سعر الصرف في الضعف، مما أدى إلى التضخم. ولايوجد حل آخر؟

تواصل الوفاء بالعقد الاجتماعي الميزانية الفيدرالية  في روسيا الاتحادية للعام 2024 وفترة التخطيط 2025-2026. وهي تمول كلا من المجال الاجتماعي والاقتصاد الوطني.

ومن الجدير بالذكر أن الموازنة هي أموال يتم تحصيلها على شكل ضرائب وتعيد الدولة توزيعها على شكل نفقات. للميزانية عدد من الوظائف، ولكن أهمها هو تنفيذ ما يسمى بالعقد الاجتماعي (العقد الاجتماعي هو اتفاق غير رسمي بين المجتمع وأولئك الذين يتخذون القرارات السياسية والاقتصادية حول مبادئ تنظيم الحياة في البلاد).

في أغلب الأحيان يكون فائض الميزانية سيئا. الفائض سيء لأن الدولة تأخذ أموالا من الاقتصاد أكثر مما تعطي. وبالتالي، فإن فائض الميزانية يثبط الهمة.

وتعتبر الميزانيات  ذات العجز في جميع البلدان،  إما جيدة أو مقبولة. هناك نقص في الأموال المخصصة للإنفاق، والتي يتم تمويلها من مصادر مختلفة، تتراوح من طباعة النقود إلى الاقتراض في السوق المالية. العجز في مشروع الميزانية الجديدة جيد.

و يعتمد العمل مع العجز في الميزانية على الظروف في المدى القصير، إذ يمكن أستخدام صندوق الرعاية الوطنية.  ومن الجدير بالذكر فإن الضرائب الجديدة تعمل على ابطاء النمو الاقتصادي. وأصبح الاقتراض بسبب نمو سعر الفائدة الرئيسي مكلفا للغاية في الوقت الحاضر. ان جعل سندات القروض الفيدرالية عند 12٪ هو الكثيرلأن حوالي 5-7 ٪ من جميع النفقات تذهب لخدمة الدين المحلي. وهذا كثير أيضا. ولكن مع انخفاض سعر الفائدة الرئيسي وأسعار الفائدة بشكل عام، يمكن تطوير سوق الدين المحلي2.

لقد تغيرت الميزانية من أنها تملك وظيفة االعقد الاجتماعي تغيرا هيكليا في الثلاثين سنة الأخيرة بسبب الوضع الاقتصادي. على سبيل المثال، إذا كان النفط يكلف 120-130 دولارا للبرميل، فإن الدولة لديها الكثير من المال، مما يجعل من الممكن المناورة. في حين كان وضع آخر وقتما كان سعر النفط في منتصف  تسعينيات القرن الماضي  بحدود 12-14 دولارا للبرميل الواحد، إذ أدى ذلك إلى عجز كبير في الميزانية ثم إلى أزمة الميزانية في العام 1998. ولهذا فإن ميزانية العام 2024  في روسيا الإتحادية تغيرت تبعا لأسعار النفط عالميا.

وتطورت  سياسة الدولة الاقتصادية على مدى السنوات ال 15-20 الماضية إذ توجد هناك زيادة في حصة الدولة في الاقتصاد الوطني الروسي.  كان لديها اقتصاد خاص قبل 15-17 سنة ولكن تسيطر الدولة الآن على العديد من القطاعات، فعلي سبيل المثال النظام المصرفي والصناعة النفطية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، بدأ عدد من الصناعات  في القطاع الخاص بداية جيدة وهي تتطور من تلقاء نفسها. الزراعة والصناعات الخفيفة والغذائية تظهر النمو والتطور بشكل ملفت للنظر، فبالنسبة لمثل هذه المجالات، هناك حاجة إلى قواعد واضحة لهذه العملية، لكن دعم الدولة غير مطلوب هناك. وأعتقد أنه سيكون هناك المزيد والمزيد من هذه القطاعات.

2. تفاوت الأجور في قطاع الصناعات التحويلية الروسية:

ذكرت صحيفة Nezavisimaya Gazeta، بالاعتماد على بيانات استطلاعات السوق التي أجراها معهد Gaidar، الذي كتبه رئيس المختبر، سيرجي تسوخلو، في مقالته عن نقص الموظفين في مؤسسات الصناعات الخفيفة.

تتوقع الصناعة التحويلية المحلية نموا بنحو 7٪ بحلول نهاية العام. ومع ذلك، فإن اتجاه النمو الإيجابي يطغى عليه النقص المزمن في الموظفين، والوضع أسوأ في التجهيز والصناعات الخفيفة. ووفقا لمعهد غيدار للأبحاث الاقنتصادية، فإن 80٪ من شركات الصناعات الخفيفة  أعلنت عن نقص في العمال. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنتاج الملابس، وفقا لجهاز إحصاءات الدولة، هو الصناعة الأقل أجرا في الاتحاد الروسي. هذا العام، كانت الشركات في العام الجاري 2023 تجتذب العمال بنشاط من خلال زيادة الأجور وغيرها من التدابير التحفيزية، لكن قدراتها المالية محدودة، مما يؤدي إلى توتر في قطاع أو آخر. كما أن "النقص المزمن في الموظفين يجبر الصناعة الروسية على التخطيط لزيادة كبيرة في الأجور. في العام 2023، أصبحت الصناعة الخفيفة رائدة في هذه الخطط، حيث أبلغت 80٪ من الشركات عن نقص في العمال بسبب التغيرات المتوقعة في الطلب»3.

وفي الصناعات الأخرى، يكون النقص في الموظفين في العام 2023 أقل بكثير: على سبيل المثال، في الهندسة الميكانيكية والصناعة الكيميائية، أبلغت 43٪ من الشركات عن نقص في العمال، في صناعة الأغذية - 27٪. وسمح هذا الوضع لهذه الصناعات على الأرجح أن يكون لديها خطط أكثر تقييدا لرفع الأجور.

لكن مسألة نمو الأجور في الصناعات الخفيفة لا تزال مفتوحة، خاصة في صناعة الملابس، التي أصبحت الآن الأقل أجرا في روسيا، على الرغم من محاولات استبدال العلامات التجارية الأجنبية. وهكذا، تظهر أحدث البيانات من جهاز إحصاءات الدولة أنه في شهر تموز المنصرم كان متوسط الراتب في الاتحاد الروسي أكثر بقليل من 71 ألف روبل، في حين كان في صناعة إنتاج الملابس حوالي 33 ألف روبل4.

***

د. سناء عبد القادر مصطفى

........................

1- أليكسي فيديف: "إعادة عائدات العملات الأجنبية هي إجراء غير سوقي ويمكن أن تعزز الروبل لفترة قصيرة فقط"، معهد غايدار للأبحاث الاقتصادية، موسكو. 13/10/2023.

2- نفس المصدر السابق. 16/10/2023.

3- سيرجي تسوخلو: "النقص المزمن في الموظفين يجبر الصناعة الروسية على التخطيط لنمو الأجور"، معهد غايدار للأبحاث الاقتصادية، موسكو، 25/10/2023.

4- الجهاز المركزي للإحصاء، موسكو. 25/10/ 2023.

أجرت منظمة الصحة العالمية (WHO) منذ فترة طويلة دراسات عديدة، أكدت  ان صحة الانسان وثيقة الإرتباط بصحة النظام البيئي الذي يلبي الكثير من احتياجاتنا الاساسية، فتؤدي زيادة عدد السكان، والتطور الاقتصادي الى حدوث تغييرات سريعة في النظام البيئي العالمي، ويؤثر هذا على صحة البشر.

ونبهت WHO الى إمكانية التغلب على المشكلات البيئية، التي تتسبب بحوالي ربع الامراض والوفيات التي تحدث في عمر مبكر. وجاء في دراسة لها بعنوان "تفادي الامراض من خلال الحرص على بيئة صحية " انه يمكن سنويا انقاذ حياة 4 ملايين إنساناً اذا ما تم تفادي المشكلات الصحية المرتبطة بالمكونات البيئية، كالهواء والماء والتربة والاشعاعات والضجيج والحقول الكهرومغنطيسية والانشاءات والزراعة والسلوكيات الصحية والنظافة.وأوضحت بان عوامل الخطر البيئية تشهد تحولا كبيرا مع التنمية.

تشكل التغيرات المناخية في الوقت الراهن أبرز المشكلات البيئية الساخنة، وتُعدُ تطوراتها المتفاقمة المتسارعة من أكبر التحديات التي تواجه العالم، لا سيما وان تأثيراتها شديدة للغاية على صحة وحياة البشر في أنحاء العالم، حيث يساهم تغيُّر المناخ في تردي جودة الهواء، والمياه، والأمن الغذائي، واماكن العيش والسكن، وفي انتشار الأمراض المعدية. ويُصَعِبُ انخفاض التنوُّع البيولوجي إطعام البشرية بطريقة صحية. وقد تحولت التغيرات المناخية الى سبب رئيسي لنزوح المجتمعات الأكثر عرضة لتداعياتها ، ولنشوء أوضاع مضطربة، وقيام نزاعات، تعرض السلم والأمن الدوليين للخطر..

إدراكاً لهذه المخاطر، خصص مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، الذي سيفتتح في دبي يوم 30 تشرين الثاني القادم، يوماً خاصاً لـ " الصحة، والتعافي، والإغاثة، والسلام " ضمن برنامجه الحافل. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية تخصيص مثل هذا اليوم، الذي سيكون يوم الثالث من كانون الأول. ومن المقرر ان يتم خلاله تسليط الضوء بالأدلة والقرائن على التداعيات الصحية الوخيمة للتغيرات المناخية، واستكشاف مسارات جديدة، ضمن أجندة المؤتمر الأممي، لمهمات الإغاثة العاجلة للمتضررين، ولمتطلبات التعافي، وغيرها من مهمات دعم المجتمعات الأكثر تضرراً، وتعزيز مرونتها واستقرارها .

وسيتضمن برنامج اليوم، أيضاً،عقد مؤتمر لوزراء الصحة والبيئة والمناخ،من أرجاء العالم، يناقش أزمة المناخ وتداعياتها الصحية، ووضع الحلول والمعالجات لها، لتكون ضمن أجندة الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية.

وبادرت أكثر من 200 مجلة طبية رائدة ومعروفة وواسعة الإنتشار في العالم، مثل: The BMJ، و The Lancet، وJAMA ، والمجلة الطبية الأسترالية، ومجلة شرق أفريقيا الطبية، والمجلة الطبية الوطنية الهندية، ومجلة دبي الطبية، وغيرها، ونشرت في وقت واحد، يوم الأربعاء 25/10/2023، مقال افتتاحي، لخلق زخم قبل إنعقاد (جمعية الصحة العالمية) القادمة في ربيع عام 2024. ودعت فيه قادة العالم والمهنيين من ذوي المهن الطبية والصحية إلى الاعتراف بأن تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي يمثلان أزمة واحدة لا تتجزأ، ويجب معالجتها معًا للحفاظ على الصحة العامة وتجنب الكوارث.

وكتب المؤلفون إنه من الخطأ الخطير الاستجابة لأزمة المناخ وأزمة الطبيعة كما لو كانا تحديين منفصلين. وحثوا منظمة الصحة العالمية على إعلان هذه الأزمة غير القابلة للتجزئة كحالة طوارئ صحية عالمية.

وأن صحة الإنسان تتضرر بشكل مباشر بسبب أزمة المناخ وأزمة الطبيعة، حيث تتحمل المجتمعات الأكثر فقرا وضعفا العبء الأكبر في كثير من الأحيان.

ويعد ارتفاع درجات الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة وتلوث الهواء وانتشار الأمراض المعدية من بين التهديدات الصحية الرئيسية التي تتفاقم بسبب تغير المناخ. كما أدى تحمض المحيطات إلى تقليل جودة وكمية المأكولات البحرية التي يعتمد عليها مليارات الأشخاص في الغذاء وفي سبل عيشهم .ويؤدي فقدان التنوع البيولوجي إلى تقويض التغذية الجيدة، وتقييد اكتشاف أدوية جديدة مستمدة من وفي حين أجبرت التغيرات في استخدام الأراضي عشرات الآلاف من الأنواع على الاتصال الوثيق، مما أدى إلى زيادة تبادل مسببات الأمراض وظهور أمراض وأوبئة جديدة.

وأكد المؤلفون بان المجتمعات تتمتع بصحة أفضل إذا أتيحت لها إمكانية الوصول إلى مساحات خضراء عالية الجودة تساعد في تصفية تلوث الهواء، وخفض درجات حرارة الهواء والأرض، وتوفير الفرص لممارسة النشاط البدني.

كما أن التواصل مع الطبيعة يقلل أيضًا من التوتر والوحدة والاكتئاب، مع تعزيز التفاعل الاجتماعي، وهي فوائد مهددة بسبب الارتفاع المستمر في التحضر.

ويذكر أنه منذ أن عقد أول مؤتمر عالمي للمناخ في جنيف عام 1979، اتفق علماء من 50 دولة على أن الاتجاهات المقلقة في تغير المناخ تجعل من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة لها ومنذ ذلك الحين، تم إطلاق تحذيرات متكررة، منها في قمة ريو عام 1992، وفي بروتوكول كيوتو لعام 1997، وأخيرا في اتفاق باريس لعام 2015، لكنه لم يتم الوفاء بالإلتزامات الدولية..

ولذا يتوجب أن تعلن WHO أن أزمة المناخ والطبيعة غير قابلة للتجزئة، وهي حالة طوارئ صحية عالمية، وان يتم ذلك  قبل أو أثناء انعقاد جمعية الصحة العالمية في اَيار 2024.

وتتطلب معالجة هذه الحالة الطارئة تنسيق عمليات COP28، وكخطوة أولى، يجب على الاتفاقيات المعنية أن تعمل على تحقيق تكامل أفضل بين الخطط المناخية الوطنية ومكافئات التنوع البيولوجي.

ويجب أن يكون العاملون في مجال الصحة مناصرين أقوياء لاستعادة التنوع البيولوجي ومعالجة تغير المناخ لصالح الصحة، في حين يجب على القادة السياسيين أن يدركوا التهديدات الخطيرة التي تهدد الصحة من الأزمة الكوكبية وكذلك الفوائد التي يمكن أن تتدفق على الصحة من معالجة الأزمة. لكن أولا، يجب علينا أن ندرك هذه الأزمة على حقيقتها: "حالة طوارئ صحية عالمية.”

وكتب المدير العام لـ WHO، تيدروس غيبريسوس، ووزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الإماراتي، الرئيس المعيَّن لـ COP28، سلطان الجابر، والمبعوثة الخاصة للمدير العام لـ WHO المعنية بتغيُّر المناخ والصحة، ڤانيسا كيري، مقالآ مشتركاً، نشرته صحيفة The Telegraph البريطانية،قبل أيام، وجاء فيه:

إن التغيُّر المناخي يعدّ أحد أكبر التهديدات الصحية التي تواجه البشرية. وفي مواجهتها تظل الحاجة العاجلة إلى تنفيذ تدابير التصدي لتغيُّر المناخ هدفاً ملحاً، ولكنه غير محقق.

وأن تغيُّر المناخ يحدث الآن، وآثاره محسوسة في جميع أنحاء العالم. وتشير تقديرات WHO إلى أن حالة وفاة واحدة من كل أربع وفيات يمكن أن تعزى إلى أسباب بيئية يمكن الوقاية منها، وأن تغيُّر المناخ يؤدي إلى تفاقم هذه المخاطر.ويفرض العديد من التحديات الصحية المعقدة، بدءاً من الظواهر الجوية المتطرفة، وانتهاءً بانتشار الأمراض المعدية وتفاقم الحالات المزمنة. ولا يمكن الوقاية منه باللقاح، أو علاجه بالمضادات الحيوية. لكننا نعلم أننا قادرون على التخفيف من آثاره.

وأن تقليل الانبعاثات في جميع القطاعات يعدّ أمراً بالغ الأهمية لاحتواء تغيُّر المناخ والحفاظ على درجة حرارة الأرض في مستوى 1.5 درجة مئوية. ولتحقيق هذه الغاية، يتعيّن على العالم أن يعمل على إزالة الكربون من أنظمة الطاقة لديه، وخفض الانبعاثات بنسبة 43 في المئة على الأقل على مدى السنوات السبع المقبلة".

ونبه المؤلفون: إذا لم نتحرك، فإن تغيُّر المناخ سيطغى قريباً على النظم الصحية في العالم. وستزداد الظواهر الجوية المتطرفة، في تواترها وشدتها مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب. فعلى سبيل المثال، أدت فيضانات العام الماضي في باكستان إلى نزوح 8 ملايين نسمة وتضرر 33 مليون نسمة إجمالآ.

وأضافوا: نحن نعلم أن الأسوأ قادم. وبدون اتخاذ إجراءات جريئة وعاجلة، سيؤدي تغيُّر المناخ إلى نزوح حوالي 216 مليون شخص بحلول عام 2050، وفقاً لتقديرات البنك الدولي. ويعرّض تغير المناخ حياة الناس وسبل عيشهم للخطر، ويؤدي إلى زيادة في الأمراض المعدية مثل حمى الضنك والكوليرا التي تعرّض الملايين للخطر.

والأهم من ذلك، ستكون الخسائر فادحة إذا لم نتحرك، إذ يؤثر تغيُّر المناخ بالفعل على ما يقرب من نصف سكان العالم. وبحلول عام 2050، في ظل سيناريو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتين مئويتين، سيتعرّض عدد مرعب قدره 1.4 مليار شخص للإجهاد الحراري، غالبيتهم لأشد أشكاله خطورة.

وإختتم المؤلون:هذا المستقبل لا يمكن أن يكون واقعنا. ولهذا السبب ندعو الحكومات والأطراف الفاعلة في جميع أنحاء العالم إلى الحضور إلى ((COP28  وتقديم حلول طموحة تقي من النتائج الصحية السلبية، وتساعد المتضررين فعلآ، مشيرين إلى أنه سيطلق في يوم " الصحة، والتعافي، والإغاثة" إعلان بشأن  "الصحة والمناخ"، سيجعل الصحة ركيزة لجدول أعمال المناخ وجزءاً أساسياً من إرث COP28، داعين جميع الحكومات إلى التوقيع عليه.

***

د. كاظم المقدادي

أكاديمي متقاعد، عراقي مقيم في السويد

هل أحسنت إسرائيل الاستثمار في هذه الأفضلية؟

بنو إسرائيل منذ قديم الزمن لا يعتمدون في توتيد2 نفوذه جنسهم على الأرض، ولا يستندون في توطين كيانهم وانتشار تجارتهم ورواجها إلّا على السحر والإشاعة والدعارة والمكائد، هذه حقيقة يعرفها الله سبحانه ويعرفها أنبياؤه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، ويعرفها أيضا الراسخون في علم الأديان والكتب السماوية، خصوصا اليهود وسلوكهم اتجاه الله واتجاه الأنبياء والرسل من جنسهم أو من جنس غيرهم من الأمم الأخرى، ولو أعاد الله بعثهم مرة ثانية لاصطفوا رجلا واحدا لمحاربة اليهود دون غيرهم لأنهم منبع الشر والفتنة، هذا ما تصالحت عليه جميع الشرائع والأعراف من جميع البشر عربا وعجما، وهذا ما يحدث الآن امتدادا لهذا التاريخ البشع من رغبتهم في تدمير كل من ليس له صلة عرقية بالجنس اليهودي، تحت مقولة نابعة من تاريخ جاهلي قديم انطلاقا من اعتبار أنفسهم جنسا مميّزا على أنهم (شعب الله المختار) في التاريخ القديم زعما، لكنها عنصرية فاشية نازية بالمنظور السياسي الحديث، القيمة التي يقنعون أولادهم بأنها مقدسة، والتي حرفوا لأجلها الإنجيل والتوراة، وعذبوا لتحقيقها وتكريسها أنبياءهم ورسلهم، وتمردوا على الله واتبعوا ما تملي الشياطين لبناء صرحهم وكيانهم الموعود.

ما لهذا الكيان الفاسد المارد لا يفهم ولا يكف عن مكره في جر الإنسانية نحو الدمار، وهو يرى بعينيه الحيّ والجماد من البشر وهوام الأرض، أطيارها وزواحفها وما ظهر وخفي متذمرا رافضا لسلوكه في الحياة، بدليل ما انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وحكاية الغراب الذي أسقط رايته حيث ذهبت بها الرياح إلى ما لا يعرف أحد، إضافة إلى ما يدل عليه الحديث القائل: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"3.

ليست الشجرة إلّا رمزية مكان وكائن غير عاقل كأداة يستند عليها الراغبون في العصيان والتمرد كدلالة على الشعور بالضعف كالجوع والحاجة إلى الأمن، أمّا من جانبها النفعي فهي أداة من أدوات التخفي طلبا للسلامة مما قد يلحق بالإنسان من الطبيعة كالشمس أو المطر، أو مما يمكن أن يسبب له أضرارا في جسمه، وربما في فقدان حياته مما تخلفه الحروب عادة، بدء من الشجرة التي نهى الله آدم وحواء - عليهما السلام - من الاقتراب منها، هذه الشجرة التي أشاع اليهود بأنها شجرة الخلد مبررين بها خطيئة آدم وحواء، وهم أدرى بأن هذه الحكاية غير صحيحة، فالقرآن الكريم أولى بتشخيص هذه الشجرة وتبيين اسمها، والتعرض إلى جواز الاقتراب منها أو الإبقاء على ذلك الأمر بالنهي، تجاوز النص القرآني ذلك وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة لحكمة إلهية، والسؤال عنها مضيعة للوقت لأنها الله أكمل للإنسانية دينها ورضاه لهم كما هو وارد، بخلاف بني إسرائيل الذي كيّفوا الكتب المقدسة حسب أهوائهم ومشتهياتهم.

لكن يراودني الشك انطلاقا من هذه الدلالة في أنها هي (شجرة الغرقد)، لأن اليهود أكثر دراية بعلم البدء الإنساني، وهم يعرفون بأنهم يحتكرون كثيرا من المعارف ذات الصلة بالعلوم المقدسة، إذن العلاقة التي تربطهم بشجرة الغرقد هي دلالة على أنهم حلف قديم للشيطان، وتباعا يرشدنا القرآن إلى أن بني إسرائيل هم الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، فكيف فعلت ذلك قديما ولا تفعلها الآن مع تتلو الشياطين على مجلس الأمن الدولي، بدليل تفشّي الظلم في العالم وسقوط دول وعواصم دون وجه حق، إضافة إلى تفشّي وسائل وأدوات الفحشاء وتعذيب الذات من سلاح ومخدرات ومهلوسات، بدليل أيضا ما يجوب العالم من ثورات واحتجاجات مزيّفة لا غرض منها سوى خلط الأمور وإثارة القلاقل وزيادة حجم المشاكل والخلافات الإنسانية وتوسيعها في العالم، لأنهم منها ينتعشون ومنها يتغذّون ويضاعفون ثرواتهم ويقوّون نفوذهم ويُرسّمون حضورهم في كل مكان.

إن كل الدلائل التي تؤكد اقتراب انقراض هذه السلالة البشرية الشريرة متوفرة الآن، لا ينقص إلّا هبة إيمان تطوف فوق رؤوس رؤساء العالم والعالم العربي على وجه أخص، لأنهم الأكثر تضرّرا بدرجة قصوى، وهم الذين يصب عليهم اليهود جام غضبهم كحقد يمتد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه هو من نشر الدين الذي يفضح ألاعيبهم على حساب الكتب المقدسة التي سبقت القرآن الكريم، من الدلائل اهتمامهم البالغ في غرس شجرة الغرقد، الشجرة التي ذكر الحديث الشريف أنها معهم، وصفة الإمعة هنا تدل على صحبتهم للشياطين وعلاقتهم الوطيدة به، على أن كهنتهم كذبوا عليهم إذ ادعوا بأنها هي شجرة الخلود، وأنه بسببها تاب الله على آدم وحواء وعاود الصعود بهما إلى الجنة، يعني لا يزالون يتبعون ما تملي عليهم الشياطين، وهذه ظاهرة أقبح وأشد خطرا من جاهلية قريش، لأن بني إسرائيل أهل الكتاب وهم أكثر الأمم توافدا للأنبياء والرسل، ويُعتبَرون مرجعية كبيرة للعلوم المقدسة وتاريخ الرمزية الدينية، وكانوا من قبل أمّة الله المفضلة: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}4 ولو أنهم أحسنوا التصرف بهذه الأفضلية المقدسة لاستمروا في قيادة العالم إلى وقتنا هذا، هم يعرفون أنهم أساؤوا التصرف بهذه الأفضلية، فهزؤوا بالله ورسله وأنبيائه والصاحين من جنسهم ومن غير جنسهم، وما قصّة الحواريين إلّا دلالة على حقدهم الدفين الذي يكنونه ضد الحق والحقيقة منذ سالف القرون، لأن الحواريين تلاميذ عيسى عليه السلام من بني إسرائيل، وهم الذي ناصروا الله بقيادة كل الأنبياء الذي سبقوا، فأين هؤلاء الحواريين من عصرنا الحالي، إنهم موجودون وإنهم يحتجون ويعارضون أيضا، ولكنهم مقهورون في تل أبيب وفي كل الدول الموالية لإسرائيل مثلهم المسلمين الثائرين من أجل الحقيقة، ومن المؤكد أنهم الآن في السجون على خلفية أسرار اقتحام المقاومة الفلسطينية للكثير من المستوطنات والثكنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية، وذلك ما يخفيه الكيان الصهيوني ويكتفي بوصفه ثغرات أمنية، والخبراء يفسرون ذلك بالعجز الإستخباراتي، ولله شؤون في ذلك لا يعلمها إلّا الصادقون والذين أودع الله في قلوبهم سر الإخلاص.

واستكمالا لدلائل انقراض هذه السلالة البشرية المؤذية فإن الحديث الشريف شخّص لنا الشجرة، لكنه لم يُشخص لنا طبيعة الحجرة مع أن الدلالة واضحة حيث لم يترك النص المقدس من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة شيئا غامضا إلّا وأشار إليه بمفردة واضحة أو برمزية أو مجاز، نتوقف الآن عند المجاز والرمزية، ألا يمكن أن تكون الحجرة هي ذلك الجدار العازل، أليس ينادي المسلمين بأن وراءه يهود على أساس أن لا شيء وراءه إلّا العنصر اليهود، ولم يبق سوى أن يشمر المسلمون على سواعدهم ويذهبون ليقتلوه؟

بنو إسرائيل أنفسهم يعلمون ذلك، ومستعدون لينقرضوا لأنهم يكرهون أنفسهم بسبب جرائمهم التاريخية ضد الإنسانية وضد الأنبياء والرسل، ضد حتى الله سبحانه الذي خلقهم، وقد كتب أنه سيرميه في طغيانهم يعمهون، فهل يوجد عمي أكثر من هذا؟ إنهم يبيدون كل شيء يتحرك على وجه أرض فلسطين، لم يسلم حتى أهلهم من الأسرى وجنود البر والبحر، إنهم يضحون بمائة يهودي ليسعدوا بقتل مسلم عربي واحد، لذلك هم يضربون كل شيء ولو ظهر لهم الله الذي لا يزيد المقاومة إلّا قوّة وبسالة لضربوه، وهذا هو سر ابتكار الثالوث المقدّس، حيث يعتبرون أنفسهم روح القدس حائمة ترعى بني إسرائيل أحياء وأمواتا، فهم لا يقبلون أن يطغى أقنوم على أقنوم آخر، ويعتبرون أن الربّ الأب خانهم حين نزل ونفخ في رحم مريم العذراء، ومن خوفهم على تشتت الأفضلية وذوبان شعب الله المختار في الإنسانية جميعا صلبوا السيد المسيح، ومن مكرهم أشفقوا عليه ليعيدوا حشد الشعب المكذوب عليه في دين غير الإسلام، وأباحوا في هذا الدين كل ما حرّم الله في القرآن ليحيلوا للناس أن الدين الإسلامي دين متشددّ ويقف دون رفاهية الناس وتسليتهم ومتعتهم، وأنه ورشة لصناعة التشدد والإرهاب وكثير من العقد، وأبادوا المسيحية القديمة التي تتوافق مع الدين الإسلامية في مثل هذه المسائل الأخلاقية، لأنهم يكرهون أن تكون توبة المخطئ اتفاقا بينه وبين الله دون واسطة، لأن ذلك يسد الثغرة التي منها يكنزون الذهب والفضة، بمعنى الاستثمار في التوبة تحت مسمى "صكوك الغفران"، وبذلك لا عجب أن تحتل المسيحية الحديثة المرتبة الأولى عالميا من حيث العدد، وتجد من ينفق على توسيع رحابتها من المذنبين وأصحاب الخطايا والعابثين ومدني الخمر والفاحشة، بل وينشرون معسكراتهم في كل أنحاء العالم لحمياتها بذرائع كثيرة منها حماية الديمقراطية والمصالح العامة ونشر الحريات في العالم.

***

عبد الباقي قربوعه - كاتب جزائري

.......................

1) سورة البقرة الآية 47.

2) مولّدة من كلمة وتد.

3) أخرجه مسلم.

4) سورة البقرة الآية 47.

في السبت الماضي الموافق الرابع من نوفمبر 2023 أثار رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، الجدل بسبب خطابه الأخير عن آخر التطورات لما يجري في غزة، بعد أن ذكر بعض الفقرات من التوراة مستشهدا بها كغطاء لأفعاله الإجرامية ضد سكان القطاع المحاصر.

وتحدث نتنياهو، عن أن الجيش افتتح "مرحلة ثانية" في العدوان على قطاع غزة من خلال إرسال قوات برية إلى غزة، وتوسيع الهجمات من البر والجو والبحر، ووصف الحرب بأنها معركة من أجل بقاء بلاده. وحذر من أن الهجوم سيتكثف قبل غزو بري واسع النطاق في المنطقة. وقال: "هناك لحظات تواجه فيها الأمة احتمالين: أن تفعل أو تموت، ونحن الآن نواجه هذا الاختبار وليس لدي أدنى شك في كيفية نهايته: سنكون المنتصرين".

وأضاف: "يقول كتابنا المقدس سفر صموئيل الأول 15: 3، الآن اذهب واضرب عماليق وحرموا كل ما لهم ولا تعف عنهم، بل اذبحوا رجلا وامرأة طفلا ورضيعا بقرا وغنما جملاً وحمارا"..

والسؤال الآن: من هم عماليق؟، ولماذا يكرههم الإسرائيليون؟، ولماذا شبههم نتنياهو بأهل غزة؟، وما الوصية المتعلقة بهم في الكتاب المقدس؟، وما التفسير المسيحي لهذه النصوص الكتابية؟، ولماذا يصمم الكيان الصهيوني على الاستشهاد بنصوص من الكتاب المقدس؟، وما موقف المسلمين تجاه هذا الموقف الديني المتعمد من الكيان الصهيوني؟

ونبدأ بالإجابة عن السؤال الأول، حيث نجد أن عماليق هم أعداء اليهود الأزليين، وهم أول الشعوب التي تحدثت العربية، من أقدم وأكبر الأمم التي سكنت الجزيرة العربية، حيث خرج من بينهم ملوك ذو شأن عظيم، ونجحوا بإقامة مجتمعات اقتصادية مزدهرة، حتى أصبحوا من الأثرياء.

أما لماذا يكرههم الإسرائيليون!، ولماذا شبههم نتنياهو بأهل غزة!، فكما قلنا عقب الحرب على غزة خرج نتنياهو في خطاب شديد اللهجة، واستحضر نصا دينيا، وهو يخاطب جنوده، وقال لهم:" عليكم أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم، مؤكدا أن جيشه وجنوده جزء من إرث جيش وشعب نون بن يوشع الذي قاتل العماليق، ولو رجعنا لابن الكلبي فنجده يقول:" إن أول من تكلم العربية هو عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح، واسمه كان عربيا، وقالت العرب في أمثالها القديمة: من يطع عريبا يمسي غريبا "، وذلك لأنه تسبب بطردهم من بابل، حيث تحدث العربية.

وقد اختلف المؤرخون في أصل كلمة عماليق !، فمنهم من أرجعها إلى ضخامة أجسام هذه الشعوب، وآخرون قالوا أن أصلها يعود لاسم قبيلة عربية سكنت في العقبة، وكان البابليون يسمونها بـ" ماليق" أو " مالوق"، فجاء اليهود، وأضافوا إليها كلمة " عم"، والتي تعني " الأمة" أو " الشعب"، وبهذا الشكل تكونت كلمة " عماليق".

هناك إشارة سابقة إلى العمالقة، عندما ضرب كدر لعومر ملك عيلام وحلفاؤه (حوالي 1900 ق. م.) " كل بلاد العمالقة، وأيضاً الأموريين الساكنين في حصون تامار " (تك 14: 7)، وهي إشارة يمكن أن تكون إلى شعب آخر غير نسل عماليق حفيد عيسو، وفي الأصحاح الرابع والعشرين من سفر العدد نقرأ أنه لما رأي بلعام عماليق، " نطق بمثله وقال عماليق أول الشعوب، وأما آخرته فإلى الهلاك " (عد 24: 20).

وعبارة "أول الشعوب" قد تعني أنه أول شعب هاجم بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر (خر 17: 8، عد 14: 45)، أو أنهم أول شعب سكن تلك المنطقة (1 صم 27: 8). وكان العماليق يطلقون أسماءهم على المناطق التي كانوا ينزلون فيها، وأشهرها مدينة" "ايلا" التي نُسبت إلى " ايلا بن هوبر بن عمليق"، وهو أول من نزل فيها، وينحدر العماليق من ذرية " لاوذ بن ارم"، وسكنوا الجزيرة العربية، ثم رحلوا إلى بلاد الرافدين، وهي العراق حاليا، وعندما تكاثروا وأصبحوا أعدادا كبيرة، عاد جزء منهم إلى الجزيرة العربية، وتمركزت قبائلهم في البحرين، واليمن، وعمان، ومن قبائلهم كما ذكر ابن خلدون " بنو ليف"، وبنو سعد" و" بنو مطر" و" بنو الأزرق"، و" بنو الأرقم"، وغيرهم كثير.

وقد نجح العماليق في إنشاء مجتمع زراعي في يثرب، والتي سكنها حسب رواية الطبري "قبيلة جاسم"، وقاموا بتصدير محاصيلهم إلى المناطق المجاورة ـ ودرت عليهم تجارتهم أموالا طائلة، وجاءت إليهم الأقوام من جميع الأماكن، نظرا لازدهار أعمالهم، وكونوا فيما بعد مجتمعا موحدا.

أما عن موطنهم فقد كان العماليق شعباً بدوياً، يتجولون في المنطقة ما بين شمالي سيناء والنقب جنوبي كنعان، إلى الجنوب من بئر سبع بما في ذلك منطقة العربة إلى الشمال من إيلات وعصيون جابر، وربما إلى بعض الأجزاء الشمالية من شبه جزيرة العرب. ونقرأ أن شاول الملك ضرب " عماليق من حويلة حتي مجيئك إلى شور التي مقابل مصر " (1 صم 15: 7). ويبدو أنها نفس المنطقة التي كان يسكنها قبلاً بنو إسماعيل الذين " سكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجئ نحو أشور " (تك 25: 18) ؛ كما مد العمالقة نفوذهم شمالاً في فلسطين وأفرايم كما نفهم من وجود جبل باسمهم في أرض أفرايم بالقرب من نابلس الحالية، حيث دفن عبدون بن هليل الفرعثوني قاضي إسرائيل (قض 12: 15).

ونقرأ في سفر صموئيل الأول أن العمالقة " قد غزوا الجنوب وصقلغ " (1 صم 30: 1, 2). وما جاء في سفر القضاة (6: 3 و 33) عن تحالف العمالقة مع المديانيين وملوك الشرق في غاراتهم على بني إسرائيل، قد يكون دليلاً على أن العمالقة كانوا في وقت من الأوقات قد زحفوا شرقاً واختلطوا بالقبائل العربية في شمالي شبه جزيرة العرب.

لهذا رجعنا لكتاب " المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم "، لخوري بولس الفغاني، يقول إن عماليق هم مجموعة من القبائل البدوية التي تنتمي إلى الأدوميين (حسب تك 36: 12-15)، وقد عاشوا في الصحراء بين سيناء وجنوبي غربي فلسطين "، وفي كتاب "قاموس الكتاب المقدس" (والذي ألفه نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتيين، والذي حرره الدكتور بطرس عبد الملك والدكتور جون الكساندر طمسن والأستاذ إبراهيم مطر)، قال عن العماليق أنهم شعب من أقدم سكان سورية الجنوبية، وكانوا يقيمون في البدء قرب قادش في جنوب فلسطين، وكانوا مصدر ازعاج لبني إسرائيل في البرية، لأن العبرانيين اعتدوا على ممتلكاتهم "، ثم يستطرد القاموس:" ولكنهم وقفوا في وجه العبرانيين مرة أخرى لما أراد هؤلاء التوسع في اتجاه الشمال "، ثم يقول كذلك:" وكان العماليق يتجولون من مكان لآخر، وكان مجال تجولهم وسيعا، من حدود مصر إلى شمال العربية إلى بادية فلسطين".

أما فيما يخص الوصية الكتابية المذكورة في الكتاب المقدس وبالذات في العهد القديم، والمتلقة بعماليق، وهذه هي النقطة التي ركز عليها نتنياهو والذي يدرك جيدا أن إخواننا من المسيحيين سيفهمونها، فلو رجعنا إلى سفر التثنية من النص الذي اقتبس منه نتنياهو (25/17):"" اُذكُرْ ما فعَلهُ بكَ عَماليقُ في الطريقِ عِندَ خُروجِكَ مِنْ مِصرَ"، وعندما خرج بني إسرائيل من مصر وجدوا شعوب تعيش في الأراضي التي يريدون أن يدخلوها، فحدثت بينهم حروب والذي رأينا نتنياهو يريد تطبيقه أصلا يقول النص:" "فَمَتَى أَرَاحَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكَ حَوْلَكَ فِي الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا لِكَيْ تَمْتَلِكَهَا، تَمْحُو ذِكْرَ عَمَالِيقَ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. لاَ تَنْسَ." (تث 25: 19).

وهنا يعلق نتنياهو في خطابه " إننا لم ننسى الوصية"، وهنا يضع أهل غزة مكان عماليق، وما يجب أن يفعله إزائهم هو محو ذكر عماليق من تحت السماء حسب الرواية، وهذا ما يفعله الكيان الصهيوني الآن، وهو محو الفلسطينيين من تحت السماء.

وأما فيما الإجابة عن الموقف المسيحي تجاه هذا المحو، وهنا أقول علينا أن ندرك جيدا أن معظم المسيحيين لا يستطيعون أن يعترضوا على ما جاء في الكتاب المقدس، وذلك لأن هذا الكلام يؤمن به كل اليهود والمسيحيين على حد سواء لكون أن الله قد أمر بذلك، وتلك مسألة في غاية الأهمية، وهذه هي حقيقة خطورة الموضوع، فالكيان الصهيوني، لا يؤمن بأن تلك واقعة تاريخية لها ظروفها الخاصة، ولا ينبغي أن تتكرر، بمعني أن الله قد أمر بذلك في الماضي السحيق، ومن ثم فهذه تمثل حالة خاصة بشعب خاص بأمر من الله، وليست هذه هي أخلاق الحروب بشكل عام، ولكن في نظر الكيان الصهيوني أنه يجوز له أن يفعل هذا مرة أخرى كما فعل ذلك يشوع بن نون وهو كما نعلم أنه تلميذ سيدنا موسي عليه السلام، وأحد أهم أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام.

وهنا نجد كثير من المفكرين المسيحيين المعاصرين يتساءلون ما موقفنا تجاه نصوص دينية تقول بأنه بإمكاننا أن نبيد شعوب أخرى، ونمحوها من تحت السماء، وهنا نجد " وليم ماكدونالد (التابع لمعهد عمواس للكتاب المقدس)" يقول:" نسل عماليق كان ينبغي أن يُبادروا عن بكرة أبيهم لسبب غدرهم وقسوتهم (خر 17: 8-16). أخبر الرب إسرائيل ألا ينسى محو عماليق".

وأما وليم مارش (السينودس الإنجيلي الوطني في سوريا ولبنان):" كان عماليق نتاج عدم الإنسانية، فكان استئصاله من السنن التي تعتز بها الإنسانية "، وهذا الكلام في غاية الخطورة وذلك لكون العماليق في نظر مارش فيجوز إبادتها واستئصالها، وهذا الفعل أن تبيد شعب آخر هو في نظر مارش فعل تعتز به الإنسانية.

ولذلك علينا أن نتعجب حين نستمع لنتنياهو وهو يقول في خطابه أننا نحارب حرب الإنسانية، وحرب الحضارة، وحرب التمدن، ومن ثم يجب علي كل الأمم المتحضرة والمتمدنة أن تقف معنا في حربنا ضد هؤلاء البرابرة المتوحشين.. وللأسف هذا ما يحدث في غزة اليوم.. وللحديث بقية..

***

أ. د. محمود محمد علي

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بجامعة أسيوط

.........................

المراجع:

1- الكتاب المقدس.

2- قصة عماليق التي ذكرها نتنياهو وحقيقة نبوءة حماس في سفر إشعياء.. يوتيوب.

3- نتنياهو يهدد فلسطين بالعماليق أعداء اليهود الأزليين وأول الشعوب التي تحدثت العربية.. يوتيوب.

4- لماذا يحارب الرب عماليق من دور الي دور؟ خروج 17: 16.. مقال.

5- هل يستعين نتنياهو بالتوراة لتبرير الإبادة الجماعية لسكان غزة بعد تشبيههم بالعماليق؟.. مقال.

لماذا هي الأولى وما قبل الأخيرة:

القولُ إنها الحرب الفلسطينية الصهيونية الأولى، لا يعني أيَّ بخس أو استهانة بكفاح الشعب الفلسطيني وانتفاضاته وثوراته وحركاته المقاومة المسلحة طَوال قرن ما يزال مستمرا. ولكننا نتحدث هنا عن حرب كاملة الأركان والأوصاف، هي الأولى لأنها، ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، انطلقت بقرار فلسطيني بحت وبتخطيط فلسطيني وقوات مسلحة فلسطينية.

أما لماذا هي ماقبل الأخيرة فذلك لأنها أعادت هذا الصراع إلى المربع الأول، مربع اغتصاب الأرض سنة 1948 وإنشاء الكيان وتهجير نصف السكان الأصليين من وطنهم، ولأنها هزَّت هذا الكيان هزّاً عنيفا وأكدت له أن لا مستقبل له في المنطقة وأن انتصاراته على الأنظمة العربية في العقود الماضية وتسلحه بالسلاح الحديث والتكنولوجيا الغربية العالية لم تحمه من الهزيمة المرة التي ذاقها يوم السابع من تشرين الأول الماضي، ولقد كانت هذه الحرب بمثابة التمرين العام والحقيقي على الحرب القادمة والتي ستكون الأخيرة معه وتنتهي بتفككه وزواله.

لقد انكشف هذا الكيان على حقيقته ككيان أيديولوجي خرافي ديني ومعه انكشف الابتزاز الذي كان يقوم به حملة الخطاب العلماني القشري المزيف والذي يناوئ فصائل المقاومة الفلسطينية بحجة أنها إسلامية سلفية كحركة حماس، قافزين على حقيقة يؤكدها القانون الدولي والإنساني العام ومعطيات التأريخ والتي تقول إن الحق في مقاومة الاحتلال الأجنبي لا علاقة لها بإيمان المقاومين ونوع الأيديولوجية التي يحملونها. هذا أولا، وثانيا فقد سقطت ورقة التوت عن الخطاب الديني السلفي الصهيوني خلال هذه الحرب الدموية التي يشنها الكيان بعد هزيمته أمام المقاومة الفلسطينية في عملية طوفان.

مَن يريد تحويل الصراع إلى ديني:

لقد سقطت ورقة التوت عن جوهر الخطاب السلفي الرجعي للكيان كما قلنا، والأدلة كثيرة لعل من أهمها قيام ثلاثة وأربعين حاخاما بتوجيه فتوى مكتوبة إلى نتنياهو يبلغونه فيها بـ "جواز" قصف مستشفى الشفاء في قطاع غزة من ناحية دينية، كما نقلت القناة"14" الإسرائيلية. الحادثة الثانية في هذا السياق هي تصريحات نتنياهو شخصيا في 25 تشرين الأول/ أكتوبر، والتي هدد فيها إنه سيحقق "نبوءة إشعياء" في هذه الحرب، واصفاً الفلسطينيين بأنهم "أبناء الظلام"، والإسرائيليين بـ "أبناء النور". حيث قال: "سنمضي قدما بسرعة لتحقيق النصر، وبقوتنا الجماعية وإيماننا العميق بصلاحنا وخلود الشعب اليهودي. نحن أهل النور، وهم أهل الظلمة، سوف نحقق نبوءة إشعياء". فمن هو إشعيا وماذا تضمنت نبوءته تلك؟

إشعيا هو أحد أنبياء التوراة، عاش في القرن الثامن ق.م. وكسائر أنبياء التوراة لا توجد أدلة إركيولوجية "آثارية" ملموسة، أو أدلة تأريخية من خارج التوراة تؤكد وجوده التأريخي قط، ويقتصر وجوده إذن على الوجود الروائي ضمن السردية التوراتية.

وهذه النبوءة التدميرية، لا تتعلق بالفلسطينيين الذين كانوا قد اندمجوا وذابوا بالكنعانيين أهل البلاد الأصليين بل تتوعد المصريين والدمشقيين بالخراب الشامل الذي سينزله إله الجنود "رب الإسرائيليين القدماء" بهما، فبخصوص مصر تقول النبوءة:

" هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا.  وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا.  وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ".

أما بخصوص دمشق فقد تضمنت نبوءة إشعيا الآتي: "وحْيٌ مِنْ جِهَةِ دِمَشْقَ: هُوَ ذَا دِمَشْقُ تُزَالُ مِنْ بَيْنِ الْمُدُنِ وَتَكُونُ رُجْمَةَ رَدْمٍ.  مُدُنُ عَرُوعِيرَ مَتْرُوكَةٌ. تَكُونُ لِلْقُطْعَانِ، فَتَرْبِضُ وَلَيْسَ مَنْ يُخِيفُ. وَيَزُولُ الْحِصْنُ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْمُلْكُ مِنْ دِمَشْقَ وَبَقِيَّةِ أَرَامَ".

هذه هي نبوءة إشعيا التي بعثها نتنياهو "ابن النور" حيةً تسعى، وتوعد أعداءه "أبناء الظلام" بتنفيذها، فهل عرفنا الآن من هم الذين يريدون أن يجعلوا الصراع الفلسطيني الصهيوني حربا وصراعا دينيا طائفيا، ومن هم أولئك الذين يكررون أنهم يريدونه صراعاً بين حركة مقاومة ضد دولة احتلال اغتصبت الأرض وتبيد الشعب صاحبها؟

للأنثروبولوجيا كلمة:

لندع كلام السياسة جانباً لدقائق، ولنستمع لما تقوله علوم التأريخ والآثار والإناسة عن أكذوبة إسرائيل القديمة البائدة والأكذوبة الأخرى القائمة اليوم، لنتمعن بهذه الخلاصات:

-هذه الدولة التي يسمونها "إسرائيل" ليس لها حدود رسمية معلنة حتى اليوم.

-علمها الرسمي بخطيه الأزرقين يؤكد خرافة الوعد التوراتي بأن أرض إسرائيل ستمتد بين الفرات والنيل، بمعنى أنها تريد ضم نصف العراق الغربي ونصف مصر الشرقي وما بينهما.

-ليس لهذه الدولة دستور مكتوب بل ثمة مجموعة مما يسمونها القوانين الأساسية اعتبرت دستورا. "بسبب عدم قدرة المجموعات المختلفة في المجتمع الإسرائيلي على الاتفاق على هدف الدولة وهويتها ورؤيتها على المدى الطويل" كما تقول الوثائق الصهيونية.

- لم تحدد هذه القوانين الأساسية الصهيونية نوع الدولة، فهي "دولة" فقط، فلا هي جمهورية ولا هي ملكية ولا هي إمارة!

-وهي دولة قائمة على الانتماء العنصري الإحادي رغم أن سكانها في غاية التنوع الإثني وبينهم ملايين العرب الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم ولم يشملهم التطهير العرقي سنة 1948، وهذا الانتماء العنصري ثابت بموجب قانون صدر من برلمانها "الكنيست" هو قانون الدولة القومية لليهود الصادر بتأريخ 19 تموز 2018.

-وحين نقول إنها دولة خرافية أيديولوجية فهي فعلا خرافية لأنها قامت على أساس من مزيج قومي صهيوني وديني توراتي و"وعد إلهي" لا يُلزم أحدا غير المؤمنين بالتوراة، مثلما لا تلزم دولة داعش إلا أعضاء هذا التنظيم فقط.

-هذه الدولة التي يسمونها إسرائيل الصهيونية لا علاقة لها بمملكة إسرائيل المنقرضة إلا لجهة الترويج والبروباغندا. كيف ذلك؟

- إنَّ أورشليم القدس لم تكن عاصمة إسرائيل القديمة أبداً، بل كانت السامرة أو "سامارين" عاصمتها. وجغرافيا فإسرائيل القديمة البائدة نفسها تقع كلها اليوم في الضفة الغربية الفلسطينية.

-(أورشليم) ليست كلمة عبرية، ولم تكن مدينة يهودية، بل هي مدينة بناها اليبوسيون الوثنيون وهم قبيلة كنعانية، و"أورشليم" كلمة كنعانية مؤلفة من مقطعين "أور" وتعني " مدينة" ومثلها أور السومرية بالعراق، وشاليم أو ساليم التي تعني "السلام" كما يرى باحثون، فيما يرى آخرون منهم عالم الآثار التوراتي المؤيد للصهيونية ويليام ألبرايت أن شاليم كان إلهاً للغروب والغسق في حين كانت شقيقته الإلهة سَحَر إلهةً للشروق والسَحَر".

-إن (إسرائيل) القديمة لم تكن دولة يهودية توحيدية بل وثنية تعددية، وقد لعنت التوراةُ هذه الدويلة وملوكها من سلالة آل عُمري. ومما ورد بخصوص هذا الملك المؤسس الحقيقي لها قول التوراة (ولم يعمل عُمري الشيء المستقيم في عيني الرب. وعبد الأصنام التي عبدها يربعام. وعمل من الشر ما لم يعمله أي ملك آخر من قبله من ملوك إسرائيل (1 مل 16: 26؛ مي 6: 16).

-أما (أورشليم) القديمة، فقد كانت بلدة أو قرية زراعية كنعانية صغيرة، ولم تصبح يوما عاصمة إمبراطورية يهودية كما زعمت التوراة، ولكنَّ بني إسرائيل من العبريين أو من يُزْعَم أنهم عبريون، تسللوا إليها وسيطروا عليها وأنشأوا دويلة – أو مشيخة بمصطلحات توماس طومبسون – سمّوها يهوذا صغيرة إلى جانب العديد من دويلات المدن الكنعانية باعتراف التوراة حيث نقرأ: "فَسَكَنَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي وَسَطِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالأَمُورِيِّينَ وَالْفِرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ، وَاتَّخَذُوا بَنَاتِهِمْ لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً، وَأَعْطُوا بَنَاتِهِمْ لِبَنِيهِمْ وَعَبَدُوا آلِهَتَهُمْ" (قض 3: 5).

-إنَّ دويلة "يهوذا" أصغر مساحة من إسرائيل البائدة، وهي عبارة عن حزام من القرى حول مدينة أورشليم القدس، وأن الدويلتين المنقرضتين "إسرائيل" و" يهوذا" لا تتجاوز مساحتهما نصف مساحة فلسطين، فما معنى مصطلح "أرض إسرائيل" الذي أحيَّته الحركة الصهيونية المعاصرة وأطلقته على عموم أرض فلسطين القديمة والمعاصرة؟

-أما دولة إسرائيل الصهيونية القائمة اليوم فمن الطريف أنها تقع كلها على أراضي فلسطين التأريخية التي لم يسكنها بنو إسرائيل المنقرضون!

-وأخيراً، فإن اسم "إسرائيل" نفسه ليس لقباً عبرياً للنبي يعقوب بل هو اسم كنعاني مركب من مقطعين "إسرا" واختلفوا في معناها بين صرع الرب حسب سفر التكوين، وأسر الرب، وجندي الرب...إلخ، والثاني "إيل"، وإيل هو الإله جزيري "سامي" يقابل إله اليهود يهوه ويهوى؟ يهوه «الرب» هو الاسم الرئيسي في العهد القديم، ويتجنب اليهود عموما استخدام اسم الرب واستبدلوا به أسماء أدوناي أو إلوهيم عند قراءة الكتاب المقدس. فمن أين جاء اسم الإله الوثني إيل؟

أما كلمة إلوهيم والتي هي صيغة جمع جزيرية قديمة لكلمة (إله)، فتعكس بقايا الوعي الديني الوثني التعددي لدى اليهود في فترة ما قبل التوحيد.

إنَّ هذه المعطيات والحقائق لم يكتبها باحثون عرب ومسلمون بل باحثون متخصصون محايدون أحيانا وبعضهم إسرائيليون ويهود توراتيون وغير إسرائيليين، وسأذكر أدناه أسماء بعضهم مع عناوين كتبهم وخصوصا المترجمة إلى العربية والمتوفرة في نسخ رقمية (PDF) مجانية على الانترنيت ويمكن أن تكون مفيدة في ميدان التثقيف الذاتي لجيل الشباب العربي المعاصر:

- "التوراة مكشوفة على حقيقتها" لفنكلشتاين.

- "اختراع الشعب اليهودي" و"اختراع أرض إسرائيل" لشلومو ساند

- "التطهير العرقي لفلسطين"، و"عشر خرافات عن إسرائيل" لإيلان بابيه.

-  "اختلاق إسرائيل القديمة" لكيث وايتلام .

ما بعد الطوفان

ولأن هذه الحرب هي الفلسطينية الصهيونية الأولى، ولأنها بدأت بهذا الزخم، فقد كان رد العدو عليها دمويا استهدف المدنيين الفلسطينيين وقتل الآلاف منهم بكل برودة دم بعد أن حصل على شيك أميركي غربي مفتوح للقتل. والواقع فلم يحقق العدو شيئا. بل بدأ يخفف من سقف أهدافه من "تغيير الشرق الأوسط بشكل عميق" والقضاء على حركة حماس واجتثاثها من الجذور إلى إضعاف حماس والإطاحة بحكمها في غزة ثم جرى تخفيض هذا السقف إلى ما هو أوطأ من ذلك، وبدأ إعلامه يروج لحل "ترحيل الجناح العسكري لحماس من غزة على طريقة "بيروت 1982"، وأخيرا استقرت قيادة العدو على تهديد مضحك يقول "سنقطع أية علاقة لنا بغزة" فعن أية علاقة يتحدثون وهم يحاصرون القطاع وسكانه براً وبحراً وجواً منذ سنة 2006؟ هل يقصدون حرمان 15 ألف عامل فلسطيني من دخول الكيان؟ حسنا هم بهذا سيزودون المقاومة برصيد بشري جديد!

لكل ما تقدم من عوامل، يمكن أن نتوقع أن هذه الحرب ستطول وهي مستمرة في شكل حرب إبادة من الجو من طرف العدو، وحرب قنص والتحام من المسافة صفر من طرف المقاومة. فقيادة الكيان تدرك أن هذه الحرب هي حرب وجود أو زوال بالنسبة لها في مواجهة أصحاب الأرض الحقيقيين – وليس من الخالي من الدلالة أن ثلاثة أرباع سكان غزة هم من ضحايا التطهير العرقي الصهيوني الذين هُجِّروا من مدنهم وقراهم سنتي 1948 و1967فتجمعوا في مخيمات غزة، وقيادة المقاومة الفلسطينية تدرك أنها حرب بقاء واستعادة الوطن وسيكون ثمنها باهظا بسبب وحشية ودموية العدو وشركائه في المقتلة.

ما ينبغي الانتباه له والحذر منه في هذه المرحلة هو الطعنات من الخلف التي قد توجهها أنظمة التطبيع التي أثبتت تبعيتها للصهيونية وخصوصا في حكومات الخليج العربي والمغرب الأقصى إضافة إلى مصر والأردن اللتين لم يبدر من حكومتيهما  أي تلويح أو تلميح لإلغاء اتفاقيات السلام والتطبيع وقطع العلاقات مع دولة الكيان كما فعلت جمهورية بوليفيا غير العربية ولا الإسلامية، وفي حين اكتفت الحكومة الأردنية باستدعاء سفيرها والطلب من حكومة الكيان عدم إعادة سفيرها الى عمان ربما لأسباب أمنية تتعلق بالخشية عليه من الشارع الغاضب فإن الحكومة المصرية لم تبلغ هذا المستوى من الاحتجاج بل أن رد الرئيس المصري على الطلب الصهيوني الأميركي بالموافقة على تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء جاء صادما  ومهينا حين طرح أمام إسرائيل مقترحا بديلا بتهجير الغزيين إلى صحراء النقب بدلا من سيناء!

لقد فتحت عملية طوفان الأقصى عصرا جديدا واعدا رغم قسوته وفداحة ثمنه بشرياً لكونه أمام عدو متوحش فاشي النزعة، ولن يكون بإمكان الكيان الإسرائيلي وحماته الغربيين عكس مساره والعودة به إلى الماضي ولا الإفلات من مآلاته الحتمية، فوضعته أمام الحقيقة المرة التي هرب منها سبعة وخمسين عاماً وهي أنه كيان مؤقت، خرافي، عنصري، مفتعل ومفروض على أرض شعب آخر بقوة السلاح والمال الغربيين وتبعية وتواطؤ أنظمة الحكم العربية وإنه سيزول ويتفكك بعد أن يفقد كل عوامل بقائه الجاذبة وفي مقدمتها أمن وسلامة مستوطنيه. وسيبدأ غالبية هؤلاء المستوطنين بالعودة إلى بلدانهم الأصلية.

أختم بالقول؛ إذا ما بدأ تفكك وانهيار هذا الكيان الملطخ بدماء الأبرياء فستكون مهمة الإنسانيين وذوي القلوب الرحيمة العرب في الحد أو التخفيف من عمليات الثأر الانتقامية من الصهاينة مهمة صعبة وشبه مستحيلة بسبب الجرائم الشنيعة والهذيانية التي ارتكبتها دولة "إسرائيل"، وكأن هذه الدولة بقتلها كل أسرة فلسطينية تزرع المزيد من الأحقاد والثارات التي لم يألفها عرب المشرق في الماضي البعيد والقريب!

***

علاء اللامي - كاتب عراقي

بقلم: نورمان فنكلستين

ترجمة: قصي الصافي

***

حرب لبنان 1982.

في حزيران عام 1982، شنت إسرائيل هجوماً على لبنان فقتلت ما بين 15 إلى 20 ألف لبناني وفلسطيني، معظمهم  من المدنيين. وقد بدأت الحرب بقرار إسرائيل انهاء الهدنة [مع منظمة التحرير الفلسطينية] .... تعرض مستشفى للأطفال الفلسطينيين خارج مخيم صبرا [لللاجئين] للقصف بقنبلة واحدة.  و قد تم انتشال ستين جثة من جراء القصف.  المصدر: روبرت فيسك،pitty  Nation

حرب لبنان 2006.

نقلاً عن كتاب (غزة: تحقيق في استشهادها) { كتاب من تأليف الكاتب نفسه... المترجم}

استهدفت إسرائيل سيارات الإسعاف اللبنانية التي كانت تحمل علامات واضحة بالصواريخ خلال حرب عام 2006، على الرغم من أنه، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، "لا يوجد أي دليل بأن حزب الله كان يستخدم سيارات الإسعاف لغرض عسكري".  المصدر: هيومن رايتس ووتش، لماذا ماتوا.

عملية الرصاص المصبوب 2008-2009

نقلاً عن غزة: تحقيق في استشهادها

خلال ما يسمى بعملية الرصاص المصبوب، أدت الهجمات الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة إلى إتلاف أو تدمير 29 سيارة إسعاف و ما يقدر بنصف المراكز الصحية في غزة والبالغ عددها 122 مؤسسة، بما في ذلك 15 مستشفى.  المصادر: جان ماكغيرك، "الوضع الصحي والإنساني في غزة لا يزال هشاً"، مجلة لانسيت (4 شباط/فبراير 2009)؛  منظمة العفو الدولية وآخرون،" خذلان غزة".

وثّقت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان/ إسرائيل" الهجمات الإسرائيلية على الطواقم الطبية وسيارات الإسعاف، فضلا عن حالات " لا تعد ولا تحصى" تعمد فيها اسرائيل لسد طريق "فرق الإنقاذ الميدانية التي حاولت إخلاء المحاصرين والمصابين".  المصدر: أطباء من أجل حقوق الإنسان/ إسرائيل، “تدني أخلاقي ”.

وخلص تقرير تفصيلي معد من قبل فريق مستقل من الخبراء الطبيين بتكليف من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل، وجمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية إلى أن إسرائيل عرقلت عملية نقل جرحى غزة بواسطة سيارات الإسعاف"، عبر استهدافها واستهداف طواقمها.  وخلص التقرير إلى أن “ الهدف الأساسي للهجوم على قطاع غزة على ما يبدو هو بث الرعب دون رحمة لأحد”.  المصادر: سيباستيان فان آس وآخرون، التقرير النهائي: بعثة تقصي حقائق مستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان في قطاع غزة خلال الفترة 27/12/2008-18/01/2009 (بروكسل: 2009).

وقد أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي تتسم عادة بالتكتم، توبيخًا علنيًا لإسرائيل بعد الحادث الصادم حيث  أرجع الجنود الإسرائيليون  فريق إنقاذ تابع للصليب الأحمر، تم إرساله لمساعدة المدنيين المصابين، وتركوهم يموتون.  المصدر: "غزة: اللجنة الدولية للصليب الأحمر تطالب بالوصول العاجل إلى الجرحى في ظل فشل الجيش الإسرائيلي في مساعدة الجرحى الفلسطينيين"، بيان صحفي (8 يناير/كانون الثاني 2009).

أعلن مركز الميزان لحقوق الإنسان أن العرقلة الإسرائيلية الممنهجة لوصول الخدمات الطبية أثناء الغزو تسببت في مقتل ما لا يقل عن 258 من سكان غزة.  المصدر: مركز الميزان لحقوق الإنسان، تحمل العبء الأكبر مرة أخرى: انتهاكات حقوق الطفل خلال عملية الرصاص المصبوب (2009).

هل كان مقاتلو حماس يطلقون النار من المستشفيات ويلجأون إليها؟  " زعمت إسرائيل أن الكثير من المعلومات الواردة من مصادر استخباراتية وتقارير من قوات جيش الدفاع الإسرائيلي على الأرض، تؤكد أن حماس قامت في الواقع بالاستخدام العسكري المكثف للمستشفيات والمرافق الطبية الأخرى".  لكن وفقا لمنظمة العفو الدولية، لم يقدم المسؤولون الإسرائيليون " ولا حتى دليل واحد يثبت ذلك".  منظمة العفو الدولية نفسها "لم تجد أي دليل خلال تحقيقاتها الميدانية على أن مثل هذه الممارسات، حتى لو حدثت بالفعل، فانها قد تكون نادرة جداً "؛  ولم تجد منظمة (أطباء من أجل حقوق الإنسان – إسرائيل) "أي دليل يدعم ادعاء إسرائيل الرسمي بأن المستشفيات استخدمت لإخفاء أفراد سياسيين أو عسكريين"؛  تقرير غولدستون "لم يجد أي دليل يدعم الادعاءات القائلة بأن مرافق المستشفيات تم استخدامها من قبل سلطات غزة أو من قبل الجماعات الفلسطينية المسلحة لأغراض عسكرية.  المصادر: مركز المعلومات الاستخباراتية والإرهاب، حماس والتهديد الإرهابي؛  منظمة العفو الدولية، عملية "الرصاص المصبوب".

عملية الجرف الصامد 2014.

نقلاً عن كتاب غزة: تحقيق في استشهادها

دمرت إسرائيل أو ألحقت أضرارًا بـ 17 مستشفى و56 مركزًا للرعاية الصحية الأولية أثناء عملية الجرف الصامد.  المصدر: مركز الميزان لحقوق الإنسان وآخرون، (لا مزيد من الإفلات من العقاب: القطاع الصحي في غزة يتعرض للهجوم) (2015).

إن الصليب الأحمر "يدين بشدة هذه السلسلة المثيرة للقلق للغاية من الهجمات ضد العاملين في المجال الإنساني وسيارات الإسعاف والمستشفيات".  المصدر: (تقرير النتائج التفصيلية.)

حققت منظمة العفو الدولية في التصريحات الإسرائيلية التي تبرر استهدافها لثلاثة من هذه المستشفيات. ولم تجد  بأي حال من الأحوال دليلاً قاطعاً على مزاعم إسرائيل.  وفي إحدى الحالات، ذكرت منظمة العفو الدولية أن الأدلة التي قدمتها إسرائيل كانت مزيفة بشكل واضح.

"هاجمت إسرائيل مراراً مستشفى الوفاء، ثم حولته إلى أنقاض، وهو المرفق الوحيد الذي اعيد تأهيله في غزة...  وعرض الجيش الإسرائيلي صورة جوية زاعما أن حماس أطلقت صاروخا من المنطقة المجاورة مباشرة للمستشفى.  ومع ذلك، وجدت منظمة العفو الدولية أن "الصورة التي نشرها الجيش الإسرائيلي على تويتر لا تتطابق مع صور الأقمار الصناعية لمستشفى الوفاء، ويبدو أنها تصور موقعًا مختلفًا".

خلال عملية الجرف الصامد، تم استهداف سيارات الإسعاف مرة أخرى:

تعرضت أو دمرت 45 سيارة إسعاف بالكامل نتيجة للهجمات الإسرائيلية المباشرة أو الأضرار الجانبية أثناء عملية الجرف الصامد.

[…]

وثقت [منظمات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية] على نطاق واسع الهجمات المتعمدة وغير المبررة التي شنتها إسرائيل على سيارات الإسعاف الفلسطينية أثناء عملية الجرف الصامد.  المصادر: منظمة العفو الدولية، "أدلة على استهداف القوات الإسرائيلية والمرافق الطبية في غزة" (7 أغسطس/آب 2014)؛  بعثة طبية لتقصي الحقائق؛  الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان تقرير( المحاصرون والمعاقبون)

وقد وثق تقرير للأمم المتحدة كتبه قاضٍ أمريكي من ولاية نيويورك سلسلة من الهجمات على سيارات الإسعاف خلال عملية الجرف الصامد. عن كتاب (غزة: تحقيق في استشهادها)

"أصيب سطح أحد المنازل بقذائف هاون شديدة الانفجار، مما أدى إلى مقتل ثمانية أفراد من الأسرة، بينهم سبعة أطفال كانوا يلعبون تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وتسعة أعوام، إضافة إلى جدهم البالغ من العمر سبعين عامًا.  وزعمت إسرائيل أن الهجوم جاء ردا على "صاروخ مضاد للدبابات" و"انفجار قذيفة هاون" أطلق من الحي أدى حسب زعمهم إلى إصابة جندي.  ثم أطلق الجيش الإسرائيلي "جولة أخرى من القذائف" بعد عشر دقائق "بمجرد وصول ثلاث سيارات إسعاف ومسعفين إلى مكان الحادث"، والتي أصابت أيضاً "العديد من الأشخاص الذين تجمعوا حول منزل [العائلة] لمساعدة الناجين.  "  ونقل التقرير عن صحفي شاهد عيان “أصيب بالذهول من الاستهداف الواضح لسيارات الإسعاف والصحفيين الذين هرعوا لتقديم المساعدة للمصابين وتغطية الحادث”.  كما أشارت إلى أن روايات شهود العيان "مدعمة بتسجيلي فيديو"، أظهر أحدهما "مصورًا يحتضر وهو يواصل التصوير، وسيارات الإسعاف تتعرض للقصف بصاروخ".  وخلص التقرير إلى أنه “نتيجة لجولة القصف الثانية، قُتل 23 شخصاً، بينهم 3 صحفيين، ومسعف، و2 من رجال الإطفاء.  بالإضافة إلى إصابة 178 آخرين، من بينهم 33 طفلاً و14 امرأة وصحفي ومسعف.  وبحسب ما ورد توفي أربعة نتيجة للإصابات التي أصيبوا بها في هذا الهجوم.  ورغم أن إسرائيل زعمت في وقت لاحق "أنها لم تكن لديها مراقبة فورية" للهجوم المميت، إلا أن التقرير لم يصدق هذه الحجة: "تجد اللجنة صعوبة في تصديق أن الجيش الإسرائيلي لم يكن لديه علم بوجود سيارات إسعاف في المنطقة عقب الضربة الأولى، خاصة عندما وصلت فرق الإنقاذ وسيارة الإطفاء وثلاث سيارات إسعاف إلى مكان الحادث مع إطلاق صفارات الإنذار بصوت مدّوي.

الشجاعية – “تعرضت سيارة إسعاف طبية عسكرية لقصف مباشر مرتين أثناء محاولتها تقديم الإسعافات الأولية للضحايا”.

القرارة – “تعرض محمد حسن العبادلة، سائق سيارة إسعاف، لإطلاق نار أثناء إخلاء أحد المصابين….  عندما وصلت سيارة إسعاف العبادلة إلى الموقع، أمر جيش الدفاع الإسرائيلي الطاقم بالخروج من السيارة ومواصلة السير على الأقدام.  نزل محمد حسن العبادلة وأحد المتطوعين من سيارة الإسعاف واقتربوا من المريض ومعهم مصباح يدوي، حسب التعليمات. وما إن ساروا مسافة اثني عشر متراً حتى اطلق عليهم الرصاص، فأصيب محمد حسن العبادلة في صدره وفخذه.  كما تعرض فريقا إسعاف وصلا بعد ذلك بقليل لإنقاذ زميلهما الجريح لإطلاق النار أيضاً، على الرغم من حصولما على موافقة الجيش الاسرائيلي على دخول المنطقه عبر الصليب الاحمر.  وأخيراً سُمح لفريق ثالث بنقل العبادلة إلى مستشفى ناصر في خان يونس، حيث توفي بعد وقت قصير من وصوله. علماً ان تنسيق تحركات سيارات الإسعاف يتم دائماً مع الجيش الإسرائيلي من خلال اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

بيت حانون – " أصاب صاروخ اسرائيلي الجزء الخلفي من سيارة إسعاف تابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني خلال عملية إنقاذ في بيت حانون، قُتل على اثرها متطوع في سيارة الإسعاف... وأصيب اثنان من المنقذين الآخرين داخل سيارة الإسعاف.  وعندما تم إرسال فريق إسعاف آخر استجابة للحادث، أصاب صاروخ آخر الجزء الخلفي من تلك السيارة أيضاً، مما أدى إلى اشتعال النيران فيها.   مع أن سيارة الإسعاف كانت قد أطلقت صفارة الإنذار والضوء الأحمر الوامض، وكان الشارع فارغاً وقت الغارة.

ولم تعثر لجنة تحقيق تابعة للامم المتحدة في أي من الحوادث الخمس “أي معلومات، أو أي ادعاءات تشير إلى أن سيارات الإسعاف تلك كانت قد استخدمت لغرض آخر غير وظيفتها الإنسانية”.  و أردفت اللجنة إن "التقارير عن الهجمات المتكررة على سيارات الإسعاف التي جاءت لإنقاذ الموظفين المصابين... تشير إلى أن سيارات الإسعاف والعاملين ربما تم استهدافهم عن قصد"؛  "يبدو أن العديد من الهجمات المبلغ عنها على سيارات الإسعاف، إن لم يكن معظمها، قد حدثت دون وجود أي تهديد واضح أو نشاط عسكري في المنطقة"؛  وأن "سيارات الإسعاف كانت تحمل شاراتها، وكان العاملون في المجال الصحي يرتدون الزي الرسمي، و قد تم إخطار الجيش الإسرائيلي بشكل متكرر بتحركاتهم".  المصدر: تقرير الأمم المتحدة.

***

هذا الشعب العربي المنكود، عبر جغرافياته المتناثرة وتاريخه الشاسع، لا يزال يسكن جحور الخوف، ويتأبط مسالك الزمان، مندسا بين الماضي والنسيان، لا يرى دون نظارات الإخفاق، متعففا من أن يبرأ من عقدة السلف وأرق العماء؟.

في ساعة النزال، يتلمظ منساقا إلى أهواء القلب. وعند التقاء الجموع يختفي منسابا إلى الصمت، كأنه يبحث عن شيء لا مدرك، بنفس المعنى، الذي تؤوله مناقب "مقاتلي الطبقات النبيلة مثل الساموراي والفرسان"، يتشحون سرابيل الحرب ويتمنطقون بمثاقيل الكلام، لكنهم لا يفعلون شيئا، سوى الصراخ والعويل؟.

في كل الحروب الحديثة التي خاضها العرب، لا يكاد يذكر نصر جماعي توحدت فيه القيمة الحقيقية للانتصار. ولم يثبت قط، أن تسامت النظرة العربية في أسلوب المواجهة، وطريقة الاختيار، وتحقيق القوة المظفرة، التي لا غبار عليها. بل إن المصل الذي تسيل منه دماء البطولات، تحرفت فيها الخواتم إلى إخفاقات أليمة ونذوب لا تبرى. ولنكبة 67 عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد؟.

حتى في أقرب الحصون المحصنة، والسدائد التي عصفت بتيجان الاستعمار والحماية منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وإلى ستينياته، ظل العقل السياسي العربي، رغم كماشات السيوف المسلطة على الرقاب، ووهن الهمم والقرارات، يشكك في الذات ويقسم وحدة المصير، فصدق فيه حديث "أمة القصعة" و "الزبد الجفاء". وتفرقت بذلك الحشود والأقطار، واشتدت الأطماع بين الإخوة، فران إلى خوارها التقطيع والحدود المصطنعة، وانجلاء العداوات والخصومات وكثرة الشنآن والأحقاد .

ويعيد الدهر نفس مشاهد الانحطاط العربي وتخاذله وزيف ادعاءاته، في كل عصفة فلسطينية منتفضة. ليس بعد اتفاقيات الذل والهوان، التي جمعته بالصهاينة، على طول الخطوط الزمنية، التي شكمت أقفالها مصر الكنانة، عبورا إلى الأردن، ثم الخليج العربي والمغرب والسودان .. وهلم جرا.

ومنذ وقيعة اتفاقية أوسلو، وإلى حدود إسدال ستار طوفان الأقصى، تكشف للعالم كيف يتنصل الحاكم العربي من قلادة هويته وتاريخه وثقافته. وكيف يلهي نفسه بمشاغل التفرقة وغوائل التقسيم وتعميق الخلافات والتباساتها. وإلى أي حد يشيح بظهره، كأنه ( يعطى الظهور على الأعادي)، ويتخلف حتى عن أداء واجب الإنسانية أو أقل من ذلك.

إن إحدى أهم تمظهرات هذا الانحطاط الداعر والتقهقر السافر، ليس فقط الإذعان إلى الصمت والتآمر إزاء الأوضاع وانسداد الآفاق، وتحولات العلاقات وتوازنات القوة، بل يتعدى ذلك، إلى تشرذم الجسد العربي وتفككه على جميع المستويات وقتامة مصيره.

ويبدو أنه بالإضافة إلى كل ما ذكر، يبقى استحضار ما أسماه فوكو باستئصال "البعد الأخلاقيّ في القيم المشتركة "، والذي انتهى بالتدريج، إلى تمكن "النّزوة الحاكمة على تصرّف الفرد المستبد". (يبقى) هو المنطق الصادم الذي يكرس واقع انسحاق صورة القرار العربي في الوعي العام. على أن العديد من المفكرين العرب المعاصرين، ومنهم محمد عابد الجابري، الذي قدم نظرية شافية لهذا الوباء العربي المأزوم، عبر "نقد أصنام التخلف والغلو والدوغمائية"، موجها سؤاله المركزي الذي أصبح مثالا صيروريا متقدا: لماذا تخلفنا وتقدم غيرنا..؟ ، مؤسسا فرضياته من توالي الهزائم وتضعضع الفكر الأخلاقي والحضاري للأمة، وتكدر العقلانية وانشغالها بالسفاسف والقشور، عوض التحلل من معاصف الماضي والارتهان على ضرورات الاستقبال العصري والحداثي.

فمن يستعيد ترميم هذه الخلفية الكارثية الكابوسية، في أسباب تخلفنا وانحرافنا؟ وهل تبقى آثارها الاستعمارية كابحة لكل خطواتنا وأفكارنا، لأنه بكل بساطة، سنبقى في عزلتنا الجبرية، "نتبنى إحدى الطريقتين لملء هذا الفراغ الكوني الذي ينتابنا، إما أن ننظر إلى الأرض أو أن نرفع بصرنا إلى السماء ..".

***

د مصـطَـــفَى غَـــلْمَــان

ان الاستقلال العربي "الحقيقي" غير موجود على ارض الواقع، و"لا" يوجد عند النظام الرسمي العربي "الحرية" في الحركة، واتخاذ القرار، لأن هناك "قيود خارجية" تمنعهم من ذلك، وتحرم عليهم القيام في أي دور "وطني قطري مناطقي" سليم، او تحركات قومية وحدوية جماعية، وللأسف جاء الإسلام "الأمريكي" في مناطقنا العربية ليخلق شرخا "استحماريا" بين الخصوصية القومية ومصالحنا ك"عرب" على أراضينا وبين الدين الإسلامي "الأصيل" "الاجتماعي" "المعرفي " الثقافي" "الصانع للحضارة" البعيد عن توظيف الأجانب له من خلال حركات "استحمار" امريكي مرتبطة مع الحلف الطاغوتي الربوي العالمي تم تأسيسها  لكي تتحرك مع الأجانب "وظيفيا" ك "اسلام امريكي" خادم لمصالحهم ضمن خطاب شعاراتي فارغ فاقد للنظرية الحركية القرأنية الانقلابية على الواقع في الاقتصاد والثقافة والتربية على مستوى الفرد والجماعة.

ان هكذا اسلام "امريكي" ضد الإسلام "القرأني" "لا" زال يتحرك من هنا وهناك يضرب الحالة النهضوية العربية ويؤخر حالة "الاستقلال الحقيقي" المطلوب ان يولد ويتفجر في مناطقنا العربية من خلال صناعة ثقافة حياة واقعية "ثنائية الابعاد" تعيش الخصوصية القومية العربية وهذا ما هو طبيعي لأننا عرب نعيش ونتكلم اللغة العربية وهذه أراضينا ومناطقنا وأيضا قومية ديننا الإسلامي هي العروبة إذا صح التعبير ك "رافعة لغوية معرفية" تنشر الثقافة القرأنية الحركية.

ان علينا ك "عرب" ان نتحرك في "صناعة الاستقلال الحقيقي" بعيدا عن نفوذ الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والذي اتضح انه يقاد ويدار من الحركة الصهيونية العالمية من خلال النفوذ والتغلغل اليهودي الصهيوني في مواقع الامن والعسكر والاقتصاد ومواقع التفكير والثقافة والاعلام وصناعة الترفيه والتجارة في منظومات الحكم والسيطرة تلك الدول، ولعل المرحوم الامام روح الله الخميني قد اخطأ عندما وصف الولايات المتحدة الامريكية ب "الشيطان الأكبر" والكيان الصهيوني ب "الشيطان الأصغر" فأتصور انه ما حدث بعد انتصار عملية طوفان الأقصى جعلنا نكتشف واتضح لنا ان المعادلة هي معكوسة حيث ان الكيان الصهيوني هو "الشيطان الأكبر" وهو صاحب القرار والسيادة والنفوذ والامر والنهي على الولايات المتحدة الامريكية وباقي "شلة" دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي.

ان من الواضح كذلك هو "عجز" النظام الرسمي العربي وانتهاء صلاحية بقائه في مواقعه اذا صح التعبير واكتمال دورة حياته الافتراضية لتصل للموت، ومنها ستبدأ دورة انقلابية جديدة ستعيشها المنطقة العربية وخاصة مع الانتقال الامبراطوري من عالم ذوو قطب واحد الى عالم متعدد الأقطاب، ومعها ستتفجر الحالات الانقلابية من هنا وهناك وأيضا سيعاد تشكيل مجمل المنطقة العربية، ومن يريد ان يخرج سالما من هكذا حالة انقلابية ...قادمة لا محالة، فأن عليه ان يكون مؤسساتيا وان يعيش الاستقلال الحقيقي في القرار والسيطرة والنفوذ وأيضا الاقتصاد وكل ما له علاقة في الاستقلال الحقيقي وحرية القرار، فهنا سيتم إيقاف تفجير التناقضات المتراكمة وستتحرك القاطرة بعيدا عن التغيير المرتقب الواقع لا محالة ولعل ان عملية طوفان الأقصى قد سرعت في هكذا عملية انقلابية تغييرية تتحرك ضمن الواقع  الحاصل حاليا في العالم ونقاط التفجير في أوكرانيا وفلسطين وقبلها في سوريا وبورما وجورجيا وأذربيجان .

وهذه التناقضات ستزداد تفجيرا خاصة مع تفعيل خطوط التجارة العالمية الجديدة المرتبطة مع الصين وروسيا بما يعرف بطريق الحرير الجديد، والتي ستلغى خطوط التجارة الدولية القديمة المسيطر عليها من الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، ومعها سيكون الكيان الصهيوني صاحب نفوذ في دول متراجعة منكفأة على ذاتها ومع كل ذلك سيتم تشكيل خرائط ومواقع لدول جديدة "لا" نعرف ماذا ستكون اسمائها الجديدة أصلا؟ ومن سيحكمها؟ وتحت أي منظومة قيم ثقافية ومعرفية وانتماءات دينية او ارتباطات نفوذ دولية ستكون مرتبطة؟

ان كل ذلك نحن "لا" نعرفه و"لا" نستطيع ان نقرأ المستقبل التفصيلي لهذا الامر الا اننا نستطيع ان نقول:

ان العالم سيتغير وسينقلب ومعه مناطقنا العربية وما نستطيع ان نقوم به ك "شعوب" ان نعمل على تعزيز مواقع دولنا الحالية مؤسساتيا وإداريا وأيضا ان نعيش القومية العربية الوحدوية منهجا وفكرا ونظرية وأيضا ان نتحرك بعقلنا مع الدين الإسلامي ك "قاعدة للفكر  والحياة"، وهي "الثنائية المعرفية" التي ستصنع لنا الشخصية الذاتية الخاصة بنا على مستوى الفرد والمجتمعات، والتي نستطيع نحن ك "شعوب عربية" ان نواجه بها  الانقلاب الامبراطوري الدولي القادم الشامل، والذي سيضرب ويؤثر على الكرة الأرضية كلها ومنها النظام الرسمي العربي الضعيف والبائس والمهلهل والضعيف والمتشرذم.

يسأل الأستاذ "عبد الوهاب ماضي": "لماذا وصل العرب إلى ما وصلوا إليه من ضعف وتشرذم؟ وهل من خيارات أمامهم لإنقاذ أنفسهم؟ 

يقوم النظام الإقليمي في أي منطقة على مجموعة من الدول تواجه خطرا أو تحديات مشتركة، وتجمعها هوية أو رؤية واحدة تنطلق منها هذه الدول في وضع استراتيجيات وبرامج عمل تحقق بها مصالحها في مواجهة فاعلين آخرين من الأصدقاء والأعداء. وبهذا قامت أنظمة وتكتلات إقليمية في الغرب والشرق وفي كل قارات العالم ما عدا منطقتنا العربية.

فمنذ الاستقلال أنشأت الحكومات العربية، بمساندة الدول الاستعمارية الكبرى -خاصة بريطانيا-نظاما عربيا مختلا، فالمنطقة التي تمتلك كل مقومات الوحدة من لغة ودين وتاريخ وثروات ومصالح مشتركة، وكانت لقرون عدة جزءا من إمبراطورية عربية إسلامية واحدة، انتهت على يد القوى الغربية الاستعمارية إلى دول متعددة، ومنظمة إقليمية ضعيفة سميت "جامعة الدول العربية"، بجانب زرع كيان صهيوني غريب بين مشرقها ومغربها." 

"كان من الممكن نظريا أن يتطور النظام العربي المختل إلى نظام عربي حقيقي برؤية واضحة واستراتيجية حقيقية لمواجهة التحديات، إذا أحسنت الحكومات قراءة الواقع واستقوت بشعوبها وامتلكت قرارها السياسي، لكن هذا لم يتم لسبب أساسي هو نوعية الأنظمة العربية التي قامت كما أشرنا على إقصاء الشعوب وقمع المخالفين في الرأي واحتكار السلطة والثروة، وتعميق خلافات عربية-عربية لا أساس لها وتغذيها دوائر خارجية.

ولهذا لن يستطع العرب القيام من سباتهم العميق إلا بمعالجة أوجه الخلل تلك، والتفكير بشكل استراتيجي ولصالح كل الشعوب العربية معا.

فلا مستقبل للعرب دون تصالح حكوماتها مع الشعوب والاستقواء بهم عبر بناء دولة القانون والمؤسسات والشفافية والتنمية، وتمهيد الأرض لتكتل عربي يقوم على المصالح المشتركة ويمهد الأرض لدولة عربية اتحادية.

ولا مستقبل للعرب إلا بإقامة قواعد إنتاجية حقيقية واستخدام كل الثروات العربية لصالح كل الطبقات في كل المجتمعات العربية، وذلك عبر برامج تنمية وعدالة اجتماعية يستفيد منها كل عربي من المحيط إلى الخليج."

"كما إنه لا مستقبل للعرب إلا بالتمسك بمقومات هويتهم الجامعة من لغة ودين وتاريخ وحضارة، بل واستخدام القوة الكامنة في كل هذه المقومات الناعمة لتقوية المجتمعات العربية ومؤسساتها وسياساتها. والإسلام واللغة العربية مقومان لا يمكن لعاقل تجاهلهما لنهضة هذه المنطقة ومد جسور التعاون مع بقية دول العالم الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء.

ولا مستقبل للعرب إلا بتحديد عدوهم الحقيقي الذي هو بلا شك الدولة الصهيونية وسياساتها العنصرية والتوسعية، وكذا كافة سياسات الهيمنة الرأسمالية العالمية. وسيجد العرب هنا حلفاء لهم في كل أنحاء العالم من المناهضين للعنصرية والهيمنة إن هم أحسنوا الدفاع عن قضاياهم العادلة."

ان محاولات النظام الرسمي العربي بائسة في تغطية خيبته وفشله امام الاجرام الصهيوني العنصري الوحشي ضد الابرياء في قطاع غزة وأيضا عدم قدرته حتى على اصدار بيانات صوتية استعراضية سطحية "لا" تسمن و"لا" تغنى و"لا" تعوض عن "كرامة مفقودة" و"استقلال غائب"، ان هكذا غياب عن "القدرة على الفعل" وحتى "الضياع التام" وسط الاهانات المتكررة التي يلقاها من النظام الطاغوتي الربوي العالمي.

وهذا النظام الرسمي العربي لم يعد مفيدا للنظام الطاغوتي الربوي العالمي الا في  حالات التصوير الدعائي مع الموظفين "الواجهات" لهذا الحلف الطاغوتي الربوي العالمي من رؤساء ووزراء خارجية اخذوا يتنقلون مكوكيا بين هذه العاصمة وتلك ويتحركون بين الكيان الصهيوني وبينهم، وهم يصرحون  تأييدا لقتل العرب في فلسطين وتصفية الأطفال وقتل النساء وذبح الرجال العزل في الصواريخ والقذائف، انهم يقولون ذلك في العواصم العربية بدون خجل و"لا" حياء و"لا" خوف ويعلنون عن دعمهم للتحركات الصهيونية العنصرية والتي بلغت الشوارعية في خطابها العنصري حين وصفت العرب ب "الحيوانات" وحتى حين وصل عداد الشهداء الأطفال المذبوحين في القصف الجوي المتواصل المستمر الغير متوقف على قطاع غزة وحتى ب أسلحة الفوسفور الأبيض المجرم دوليا، نقول انه حتى عندما وصل عداد الشهداء الأطفال الى ستة الاف شهيد من الأطفال فأن الحلف الربوي الطاغوتي العالمي لم يهتم ولم يتحرك فيه ذرة إحساس انساني ولا يكترث حتى في التعليق الإعلامي وأساسا لم يجرؤا أي من مكونات النظام الرسمي العربي حتى على المواجهة الكلامية الاستعراضية.

يذكر الأستاذ "حسام شاكر " بهذا الخصوص: "ليستِ الحربُ على غزّة عدوانًا حربيًا وحسْب؛ فهي حملة دعائية جارفة أيضًا، مكرَّسة لتبرير التطهير العِرقي وأعمال الإبادة التي تواطأت القوى الأوروبيةُ والغربية على مساندتها علنًا. تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا السياسيةُ دعايةَ العدوان بحذافيرها، انطلاقًا من تضخيم سطوة اللحظة الأولى من حدث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعزلها عن سياقِها، وتزييف مشهدها بعيدًا عن الوجهة العسكرية الواضحة لهجوم المقاومة الفلسطينية."

"ليستِ الحربُ على غزّة عدوانًا حربيًا وحسْب؛ فهي حملة دعائية جارفة أيضًا، مكرَّسة لتبرير التطهير العِرقي وأعمال الإبادة التي تواطأت القوى الأوروبيةُ والغربية على مساندتها علنًا. تبنّت الولايات المتحدة وأوروبا السياسيةُ دعايةَ العدوان بحذافيرها، انطلاقًا من تضخيم سطوة اللحظة الأولى من حدث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وعزلها عن سياقِها، وتزييف مشهدها بعيدًا عن الوجهة العسكرية الواضحة لهجوم المقاومة الفلسطينية."

"إنّ إدارةَ الظهر بالكامل لهذه الأفواج المتلاحقة من الضحايا المدنيين كل يوم-الذين يُشكِّل الأطفال والنساء معظمهم، لمجرّد أنهم فلسطينيون من غزة-تضافرت مع دعاية هوجاء نزعت الصفة الإنسانية عن هذا الشعب باستعمال ذخائر لفظية ونعوت مدبّبة مثل "الوحوش"، أو "حيوانات بشرية" (بالعبرية: خايوت آدام)، وهي حيلة نمطية لتسويغ الإبادة. يعني هذا، ببساطة، أنّ حكومة الاحتلال العنصرية الموسّعة-التي انتخبها في الأساس ناخبون متطرِّفون طابت لهم هتافات من قبيل "الموت للعرب" (بالعبرية: مافيت لعرفيم) -جرّت "العالم المتحضِّر" خلفها بعد أن أعربت عواصم غربية عن عدم ارتياحها لهذه التشكيلة ابتداءً."

"لم يقتصر التخندق الأميركي والأوروبي مع العدوان الإسرائيلي؛ على الدعم السياسي والعسكري، فقد تجلّى في تبنِّي مضامين دعاية الاحتلال وترويجها في المنصّات السياسية والإعلامية بصفة غير مسبوقة. يبدو أنّ حالة التلقٌّف الغربي هذه أغرَت الجهد الدعائي الإسرائيلي باستسهال التلفيق والترويج، فاتّخذت موادُّ مزيّفة وساذجة، إسرائيلية المصدر، سبيلَها بشكل انسيابي إلى منصّات سياسية مرموقة، بدءًا من البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي، وافترشت وسائل إعلام غربية مرموقة ورصينة بلا عوائق مهنية أو أخلاقية. لكنّ الإسراف في ترويج مواد مزيّفة أوقع دعاية الاحتلال ومن تواطأ معها في مأزِق جسيم؛ لأنّ هذه الحبكات المنسوجة جاءت في زمن يعلو فيه النقد الشبكي وتتنامى فيه خبرات التمحيص ومنصّات التحقّق والتثبّت من المضامين. ثمّ إنّ ترويج مزاعم مضلِّلة وموادّ مزيّفة أوقع مصادر هذه الدعاية ومروِّجيها في أزمة مع الأوساط الصحفية، كما تبيّن، مثلًا، في مؤتمرات صحفية عقدها مسؤولون غربيون بشأن الحرب، وتتعالى في غضون ذلك موجة استقالات وانشقاقات واعتراضات في وسائل إعلام أوروبية وغربية، علاوةً على مواقع حكومية ودولية ترفض الإذعان لدعاية العدوان ومواصلة تبرير الفظائع بحقّ الشعب الفلسطينيّ."

"يبدو أنّ داعمي الاحتلال المتّشحين بالشعارات الأخلاقية يسقطون في أنظار العالم إلى القاع مع كلّ يوم تتواصل فيه المجازر الوحشية في قطاع غزة، ويتواطؤون على كنسها تحت بساط التجاهل، وينهمكون في تبرئة قاعدة الاحتلال التي يساندونها من أي مسؤولية واضحة عن هذه الفظائع. يرى العالم، وترى بعض شعوبهم أيضًا، كيف يستعملون فنون المراوغة اللفظية التي تمنح برنامج الإبادة والتطهير العرقي أفقًا زمنيًا رحبًا لمواصلة طريقه دون عوائق. خسرت أوروبا سلطتها الأخلاقية، بتعبير ممثل سياستها الخارجية جوزيب بوريل، وهي الخسارة الأولية فقط في رحلة السقوط الحرّ."

ان الحلف الطاغوتي الربوي العالمي والحركة الصهيونية هم حالة من الشر الشيطاني العنصري وساذج من يعتقد ان من خلال الخطابات الإعلامية البكائية ان الشرير سينقلب طيبا وانه سيتحول الى حالة من الضمير الإنساني الطبيعي، لأن هؤلاء يمثلون حالة شيطانية ويمثلون ابليس الرجيم على الكرة الارضية.

في ظل هذه الخباثة الشيطانية كل العالم شاهد مشهد عنصري واستحقار واضح قام به الصهاينة ضد رئيس وزراء الحكومة البريطانية "سوناك" الذي تمت اهانته وتحقيره واذلاله امام شاشات الاعلام الدولية والعالمية لأنه عرقيا "هندي" ودينيا "هندوسي" ولم تشفع ل "سوناك" ملايينه الشخصية ك "ثروة" ولا "منصب" "الواجهة" الذي يحتله في رئاسة الحكومة البريطانية، و"لا" أسلوبه الإعلامي والخطابي المتكرر عندما يقول عن نفسه معتبرا نفسه انجلوساكسوني:

"They want to be like us"

"يريدون ان يصبحوا أنفسنا؟"

وهذه العبارات لمن لا يعرف هي عبارات دائما يكررها "بعض" المتجنسين بريطانيا إذا صح التعبير للإيحاء بالتعالي والفوقية ضد الذين "لا" يحملون هذه الجنسية !؟ وهو امر مضحك من ناحية ومن ناحية أخرى عليه ان يعرف هو ومن يحمل نفس ذهنيته من "بعض" المتجنسين في بريطانيا ان من غير الصحيح ان العالم كل العالم يريد ان يصبح "نفسهم"!

No body want to be like you""

"لا أحد يريد ان يكون نفسكم"

و"لا" اريد ان ادخل في تفاصيل كثيرة الا ان اذكر سوناك ومن يفكر معه بنفس الطريقة بما أمرت به المنظومة الحاكمة البريطانية رسميا وضمن وثائق منشورة معلنة لشعبها البريطاني ورعاياها في دولة الكويت اثناء وباء الكورونا ان "لا" يذهبوا لسفارة بلادهم في الكويت ليطلبوا أي مساعدة او رعاية او دعم ؟! وان عليهم ان يشحذوا المال من الكويتيين وان عليهم ان "لا" يخجلوا من ذلك ؟! ويمكن لهم ان يذهبوا ليأخذوا المساعدات من الجمعيات الخيرية الكويتية التي تساعد الفقراء، وهذا عار تاريخي ضد المنظومة البريطانية الحاكمة مسجل وموثق و"لا" اعرف بلد في تاريخ البشرية طلب من مواطنية ان يشحذوا الا المملكة المتحدة؟! خامس اقتصاد في العالم ؟! و"لا" اعرف بلد في العالم يقول انه بلد غني وشعبه في منطقة "ويلز" يأكل "اكل الحيوانات" لكي يعيش ؟! و"لا" اعرف "اعلام رسمي في العالم" يربط الوطنية وحب البلد في التقليل من النظافة الشخصية واستخدام المياه ؟! ويتم نشر تلك المطالبات في الاعلام الرسمي ونشرات الاخبار ؟! والقائمة طويلة لا تنتهي على من يقول ان العالم يريد ان يكون بريطاني "نفسهم" وسوناك أحدهم الذي تعرض للاستحقار والإهانة والاذلال وهو لم ينتصر لكرامته الشخصية وسكت وبلع الإهانة وأصبح ك " العبد العامل كخادم المنزل" وهو رغم كلامه الساقط في خدمة الاجرام العنصري الصهيوني وقبوله العمل ك "واجهة" وظيفية للمنظومة الحاكمة البريطانية الا ان ذلك لم يشفع له لكي يحصل على ذرة احترام من الصهاينة ناهيك عن الاعلام البريطاني الرسمي او المنظومة الحاكمة البريطانية التي لم تنتصر لكرامة  سوناك "واجهتها الوظيفية" في موقع رئاسة الوزراء !؟

هذا مثل على العنصرية التي ينظر اليها الصهيوني للبريطانيين المجنسين ضمن قانون هذا البلد، فكيف ينظر الينا الصهيوني نحن العرب مسلمين كنا او مسيحيين ؟! الإجابة قالوها علنا وسمعها الشعب العربي المغلوب على امره وتم ايصالها للنظام الرسمي العربي، الذي اكتفى في التصوير امام الكاميرات ؟!

يقول الدكتور نديم البيطار: "من المستحيل تقريبا تغيير أمريكا الصهيونية عن طريق الاعلام، الحوار العقلاني الموضوعي، لأن طبيعة النظام السياسي الأيديولوجي الأمريكي تحول دون ذلك"

وهذا الامر أتصور انه يمتد لتوابع الولايات المتحدة الامريكية في أوروبا وغيرها لذلك الخطاب الإعلامي العربي "البكائي" "لا" قيمة له في تغيير السياسات وما تريده منظومة الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وكذلك علينا إعادة التأكيد والاشارة الى حالة التزاحم البحري من اساطيل عسكرية وبوارج وأيضا حاملة طائرات واخرها دخول غواصة نووية !؟ الى البحر الأبيض المتوسط، مما يؤكد على ان هناك "توظيف لحدث عملية طوفان الأقصى" في سيناريوهات ومشاريع أخرى، "لا" نعرفها، وهنا يأتي دور أجهزة الاستخبارات العربية وأيضا الدولية الغير مرتبطة في الحلف الطاغوتي الربوي العالمي لكي تجمع المعلومات والبيانات والمعطيات ومنها يستطيع من يفكر ومن دوره قراءة سيناريوهات الحدث في مؤسسات التخطيط والمتابعة والدراسات ومواقع البحث ان يستنج ماذا سيجري؟ وماذا يتم التخطيط له؟ وبناءا عليه يتم اعداد خطط المواجهة والتصدي؟ والسؤال الأكبر؟ هل لدى النظام الرسمي العربي كل هذا؟ الإجابة لن اقولها ؟! لأن كل الشعب العربي من المحيط للخليج يعرف الإجابة ؟!

كما كلنا نعرف ان الكيان الصهيوني سينتهي وسيتم طرد الغزاة الأجانب من أراضينا العربية المحتلة في فلسطين كما طرد اجدادنا الصليبيون والمغول لمزبلة التاريخ، فهذه ارضنا ونحن اسياد الأرض وملاكها وهذا هو ترابنا وموقعنا وجغرافيتنا العربية.

 ***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

قارئي الكريم المستقبل هو يوم غد وبعد غد وعلمه عند البارئ عز وجل. لكن مكمن "العلة" تغدو غامضا حين يختفي ما نسميه "يوم غد" في المستقبل. بناء على المطيات المتوفرة لدينا في الوقت الحاضر يمكننا رؤية المستقبل وبوضوح. لا اخفي عليكم باني شخصيا لست متفائلا بذلك المستقبل الموعود ولا ارى نفسي سوداويا متشائما، لكني بالتأكيد متشائم من السلوك الإنساني الفوضوي والمتطرف المتزايدة بتسارع في كل أنحاء العالم يوما بعد يوم.

يسمى هذا اليوم الأخير وحسب نصوص المقدسة في الديانات السماوية "يوم القيامة " و يوم الحشر اي نهاية الحياة البشرية ولجميع الكائنات الحية في البر و البحر والجو على الثرى. تختفي النباتات والمياه والتراب على الكوكب الأرضي. ليبدأ بعدها حياة روحانية في السماء وبشقيها الجهنمي وفي الجنة. هذا "اليوم" لا يمكن لأحد ان يتوقعه لان هذا اليوم في علم الغيب. لكن المعطيات المتوفرة لدينا من القرن الواحد والعشرون توضح لنا ان ذلك "اليوم الأخير" نتاج فعالية بشرية إجرامية وسيكون بأيدي بشرية كذلك. كنتيجة لتخلف عقلي ومعرفي ولفكر متخلف لأحد الأشخاص ممن لم يتطور وبقى على حاله كرمال صحراء الربع الخالي.

هذا المعتوه والمليء بالحقد والخوف والكراهية والمتطرف الذي يرى في عمله فرضا دينيا وسيمنحه الخالق الجنة مثوى.  سينهي هذا المعتوه الحياة لجميع الإحياء على كوكبنا الأرضي. هذا النموذج من البشر الذي يؤمن بمبدأ " عليا وعلى أعدائي" التي يرجح ان تكون مقولة منسوبة لشمشون الجبار وهو يحطم المعبد الذي ادى الى زوال كل شيء والقصة التوراتية التراثية للشعب اليهودي تكرر كذلك في الإنجيل. تشبه القصة في الكثير من جزئياتها كما ورد في قصة ولادة النبي يحي القرانية لكن الفرق بان شمشون الجبار كان مجرما وقاتلا. نبينا يحيى حسب الذكر الحكيم هو ابن نبي الله زكريا، ولد كمعجزة الإلهية  استجابة لدعاء زكريا لله أن يرزقه الذرية الصالحة فجعل آية مولده أن لا يكلم الناس ثلاث ليال سويا، وقد كان يحيى نبيا ومن الصالحين، كما كان بارا و تقيا عكس شمشون الجبار.  وقد شهد الحق عز وجل لنبينا يحيى أنه لم يجعل له من قبل شبيها ولا مثيلا.

يظهر هذا الشمشون بين فترة واخرى ويؤدي اعماله الشريرة باسم المقدس ثم يحشر مع اخرين امثاله فى صقر انشاء الله. لا يوجد ابدا منتصر في اي حرب لا في حروب الماضي ولا سيكون هناك من منتصر في حروب المستقبل والخاسر الوحيد هو البشر والشجر وهذا الثرى الذي سمم حقد هؤلاء ترابه.

قارئي الكريم، حين تدور في اروقة وصالات قصور اسبانيا التي شيدت في  فترة الحكم الإسلامي لشبه الجزيرة الليبرية ترى في كل زاويه كتب الجملة التالية:

"ولا غالب إلا الله"

هذه جملة بليغة لم يفهمها البشر لحد اليوم وبقت خالدة على الجدران بينما قائلها وكاتبها قد غادر تلك الديار قبل اكثر من دهر من الزمان.

اذا ما صدقنا بالمنجمين وان كذبهم اكثر من صدقهم. فهم كمن رمى واصاب " رب رمية من غير رامى" اي قد يصدقون احيانا ليس لمعرفتهم بمواقع النجوم لكن حدسهم لاي واقعة كتلك الرصاصة العمياء قد تصيب احيانا. لكننا لنصدقهم على الأقل لمرة واحدة في صدقهم.  اي رغم كذبهم في معرفة المستقبل الا أنهم احيانا صادقون حتى وهم يكذبون. قرأت بعض ما نشره أكاديمية كايروا للتنبؤات المستقبلية* في الجامعة قبل عقود وراعني كيف تمكن العلماء من سرد توقعات علمية لما نحن عليه اليوم من تقدم تقني وعلمي ومعلوماتي.

العملية مجرد قراءه علمية لمعطيات وإحصائيات حسابية وتخزين تلك المعلومات في الكومبيوتر وباستخدام برامج خاصة يمكن التوصل الى استنتاجات لما قد يحصل في المستقبل و قريبة جدا للواقع.  هذه الطريقة تستخدم في علم الجريمة وذلك بدراسة سلوك المجرمين وبيئتهم ونفسيتهم وأماكن وأوقات تواجدهم وتخمين ما سوف يقومون به من الخطوات تلك الدراسة تكون أساسا لاي عمل تنفيذي يوجه فيه الشرطة جهوده من اجل حماية المجتمع من فعاليات الإجرامية. اي يتوقع المحلل الجنائي ان في الساعة الفلانية وفي مكان معين وتاريخ معين سوف يقوم احدهم بجريمة ما. هذا التوقع مبني على معطيات ودراسة تعود الى سنوات وكما ذكرت إحصائيات الجريمة. حين يحضر المجرم الى مكان الجريمة يرى بان الشرطة سبقته الى ذلك المكان.  اذن الموضوع علمي وقائي بحت وليس حدسا او تنجيما نتوقع حدوث شيئ غيبي.

العالم قد ينتهي حين يكون بإمكان احد المتطرفين ممن يمتلكون الثروات او السلطة الحصول على قنبلة نووية متطورة او جرثومية او حتى كيمياوية سامة وقد يحصل ذلك بعد الف عام من الان او في أي يوم من الأيام. اليوم هناك صراع مستديم من قبل العديد من الدول للحصول على تلك الأسلحة واستخدامها كما حل في العراق وفي مدينة حلبجة الشهيدة حين قصفت بالأسلحة الكيماوية خلال الحرب الإيرانية العراقية وكانت من نتائجها إعلان وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب كما حصل قبلها مع قنبلة هيروشيما و نكازاكي في اليابان وأدت الى انهاء الحرب العالمية الثانية. هذا ليس تنجيما بل واقع يمكن معرفته مما يقوم به امثال الدكتاتور ادولف هتلر وآخرون ممن يسيرون على نهجه ولا يوجد مستقبل للبشرية بوجود أمثاله من المتطرفين. ان استخدام السلاح المتطور وصل الى درجات متطورة اليوم من الغاز السام الذي بدا استخدامه في الحربين العالميين بالإضافة الى القنبلة النووية وضرب أهداف معينة قد يؤدي الى زوال مدن بسكانها في دقائق كما هي ضرب السدود مثلا.

المستقبل ليس غامضا بل ينيرها اليوم وغدا وبعد الألف من السنين الكلمات الخالدة والتي خطها ذلك العبقري على جدران بيوت وقصور الأندلس قبل دهر من الزمان.

"ولا غالب الا الله"

***

توفيق رفيق آلتونچي - الأندلس

2023

....................

إشارات:

لفهم اعمال شمشون الجبار راجع القصة التوراتية.

(*)

https://www.kairosfuture.com/se/academy/

"وَلا غالِبَ إِلَّا الله" شعار الموحدين الذي أصبح يُنقش على الأعلام بعد الانتصار الكاسح ليعقوب المنصور في معركة الأرك يوم 9 شعبان 591 هـ الموافق ل 18 يوليو 1195 م. وتيمّنا بالموحّدين، وبانتصارهم في ذلك اليوم  تبنى بني الأحمر في الأندلس هذا الشعار، باعتبار أنّهم ورثة الموحدين، نرى الشعار اليوم في زخرفة جدران القصر الحمراء في غرناطة وفي اشبيلية ومدينة الزهراء وفي معظم القصور الإسلامية في الشبه الجزيرة الليبري (البرتغال و اسبانيا).

نجاح عملية طوفان الأقصى ضربت "أساس" وجود الكيان الصهيوني على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة، وما حدث ليس سهلا، ولم يكن بسيطا، وخاصة ان "الكيان الصهيوني" هو  "مخلوق مشوه" ومسخ غير طبيعي يتواجد ك "قاعدة عسكرية ليس فيها أي مدني" على حجم دولة فلسطين المحتلة، وهذه المسألة على كل المراقبين "المخلصين" ومن يتكلمون في الاعلام والصحافة اعادتها والتأكيد عليها، لتثبيت هذه الحقيقة في الذهنية العربية بعيدا عن الاعلام "المتصهين" الخائن الذي يعترف في الكيان الصهيوني في شكل ضمني "خبيث" عندما يشير الى الحدود على انها "إسرائيلية" وعند اشارته  للمدن الفلسطينية المحتلة على انها "إسرائيلية" ؟! وهذه خيانة واضحة للعرب والعروبة وللأسلام وحتى اذا تواجد في هكذا اعلام  "غادر" خطاب اعلامي "نقدي" و"هجومي" ضد الكيان الصهيوني فأن ذلك "لا" يعنى شيئا ما دام هناك "اعتراف" بهكذا "مسخ" صهيوني  وهذا هو المهم والأهم عند الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي، فهم "لا" يهتمون في الصوت و"لا" الضوضاء الإعلامية، وما يريدونه هو الاستسلام العربي والهزيمة الكاملة وان يحصلوا على "الاعتراف" وما يخافونه هو أي حالة انقلابية وحدوية حقيقية وأي حركة ملموسة تضرهم في  الامن والعسكر والاقتصاد وهذا ما فعلته عملية "طوفان الأقصى" وأيضا هم يرتعبون من أي ثقافة إسلامية "اصيلة" او نظريات قومية وحدوية ساعية للنهضة  والهادفة للحصول على "الاستقلال الحقيقي"، لذلك أي "نظرية" "حقيقية" للوحدة العربية هي "مقلقة" لهم، ونقول "نظرية علمية" وليست "شعارات" للوحدة، حيث النظرية العلمية تصنع "انقلابا" في الواقع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري، اما "الشعارات" فأنها تتحرك في العواطف والاثارات والخيال الطوباوي، وهذا ما حدث في التجربة الناصرية للوحدة وهو موضوع فيه تفصيل كثير ولكن للعودة الى موضوع الاعلام نعيد ونؤكد ان الضوضاء في الاعلام  المتصهين الخائن هو سقوط في بئر العمالة الشيطانية للأجانب والغزاة وهذا السقوط "لا" يستثني ايضا العاملين من مذيعين ومراسلين وكادر فني في هكذا قنوات فهم أدوات للشيطان.

اذن المقاومة الفلسطينية وجهت ضربة قاصمة "وجودية" ضد الكيان الصهيوني الذي اصبح بعد هذه العملية  "زائل" لا محالة وهذه أحد تبعات الواضحة لعملية طوفان الأقصى، وهذه أصبحت "حقيقة ثابتة" سيتم الوصول اليها زمنيا اليوم او غدا او بعده، وكل ما عداها "متغيرات" وتفاصيل للأحداث وتطورات زمنية من هنا وهناك ولكن "الثابت" سيبقى وسيظل بعد هذا الاقدام والمبادرة العربية الفلسطينية والتخطيط الناجح في الهجوم ضد الغزاة الأجانب والذي لم نراه ونشاهده الا في حرب أكتوبر 1973، وهنا "الرعب الأكبر عند الصهاينة والحلف الطاغوتي الربوي العالمي، ولكن إذا حاولنا ان نقرأ المتغيرات بعيدا عن هذا الثابت ومنها السؤال:

هل هناك من يعرف الى اين ستتجه اليه "متغيرات" الأوضاع الحالية عسكريا وامنيا؟ الإجابة "لا" يوجد أحد يعرف واكرر اننا هنا نتحدث عن "المتغيرات" بعيدا عن "ثابت" الزوال الحتمي للكيان الصهيوني، ولكن ضمن قراءة المتغيرات علينا الاعتراف انه "لا" أحد يعرف الى ماذا ستنتهي اليه الأمور.

 السؤال الاخر ضمن "متغيرات" الحدث؟ لماذا تتواجد كل هذه البوارج العسكرية والاساطيل الامريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية في البحر الأبيض المتوسط والتي أصبحت تشكل زحاما بحريا؟ هل هذه كلها فقط لنجدة القاعدة العسكرية الصهيونية التي تم اقامتها على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة؟ ام ان هناك "توظيف" ل "حدث" طوفان الأقصى" لتنفيذ سيناريوهات "سابقة" موجودة عند الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، كما حدث من "توظيف" لعملية الحادي عشر من سبتمبر لتسريع عملية غزو العراق؟ هذا السؤال مهم يحتاج الى تقييم ودراسة؟

هل ذلك "أحد تفاسير" عن أسباب عدم خروج المنظمة الأمنية الاستخباراتية التابعة للجمهورية الإسلامية في لبنان عن مسألة " قواعد الاشتباك" لمستويات جديدة مختلفة ومتطورة من القواعد الاشتباكية السابقة؟

هل هناك غياب "ضمان" موجود عند قيادات هذه المنظمة اللبنانية؟ و"لا" يوجد عندها ك "قيادة "تأكيد" على " الدخول" "الكامل" "عسكريا وماليا واستخباراتيا" للجمهورية الإسلامية ب "جيشها" ومنظمة حراس الثورة الإسلامية فيها في المعركة العسكرية الاقليمية، لذلك يتم الاكتفاء في المواجهة ضمن "قواعد الاشتباك" القديمة، حيث يفرض "الواقع" هكذا قواعد وهكذا "نمط" من العمل العسكري؟

ما هي الإجابة على هكذا أسئلة؟ "لا" اعرف؟

 وبكل الأحوال علينا القول: ان رغم كل الكلام التحليلي وطرح الأسئلة الا ان هناك عمل عسكري متواصل ومستمر وجبهة مفتوحة على مدار اليوم على حدود لبنان وهناك شهداء "لبنانيين" مضحيين من اجل فلسطين وصل عددهم لأكثر من ستين شهيد وأيضا هذه العمليات العسكرية القتالية بدأت "مباشرة" منذ الثامن من أكتوبر في ظل غياب كامل لباقي الجبهات العربية.

وهذه الجبهة العربية اللبنانية تقدم الدم والشهداء وتمارس عمل عسكري مباشر، واما مناضلين الفضائيات او جنرالات المقاهي والمتكلمين الفارغين في وسائل التواصل الاجتماعي فهؤلاء كلهم "سقط متاع بشري" ليس لهم قيمة و"لا" وزن و"لا" أهمية عند من يقدم الدم ومن يستشهد على خط القضية العربية والإسلامية في لبنان وفلسطين.

 ان من العار والخزي ان نشاهد ستين ألف عسكري فلسطيني مدربين مسلحين يعيشون في قطاع غزة لا يفعلون شيئا الا الاكل وتربية الكروش وأبناء شعبهم في قطاع غزة يتم ذبحهم يوميا، ومن العار أيضا على أكثر من مليونين ومائتين ألف فلسطيني يحملون الجنسية الصهيونية "لا" يتحركون في تحرير بلدهم؟ و"لا" اعرف اين موقع "كل" هؤلاء من المعركة؟ هم معنا ام هم ضدنا؟

ان الاحداث مستمرة وستتواصل، بين "الثابت" في "الزوال الحتمي" وبين "متغيرات" اللحظات الزمنية، ونحن نعيش في واقع عربي مأساوي ولكن من الواضح ان علينا ك "شعب عربي" على كامل جغرافيتنا القومية ان نعرف ان كل الطرق لصناعة الاستقلال "الحقيقي" والنهضة التنموية لأعادة الحالة الحضارية لواقعنا، ان كل الطرق لهكذا اهداف هي في "صناعة الوحدة العربية" ضمن نظرية علمية لتحقيقها، وفي إيجاد ثقافة ثنائية تعيش القومية الوحدوية الانقلابية العلمية ك "خصوصية جغرافية" خاصة فينا ك "عرب" وفي الدين الإسلامي ك "قاعدة" انطلاق معرفي.

وهذه هي أحد اهم المتغيرات المطلوبة على خط الوصول للثابت الحتمي في زوال الكيان الصهيوني من أراضينا العربية وطرد الغزاة الأجانب منها، وهذه المسألة أطلقتها أيضا عملية طوفان الأقصى فما بعدها ليس كما قبلها.

***

د.عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

اختلفت مواقف الدول المطبعة مع الكيان الصهيوني أقليمياً ودولياً وحتى محلياً، فالدول المطبعة صارت في موقف لا تحسد عليه أمام شعوبها وشعوب المنطقة والعالم بشكل عام والشعب الفلسطيني بشكل خاص، لما يجمع بين هذه الدول المطبعة وبين الشعب الفلسطيني من مشتركات باتت مستنزفة ومقتولة ومهدورة ومضيعة، وهناك اعتبارات كثيرة تجمعهم أبرزها عامل الجورة والعروبة والإسلام. وهذا مرده إلى عدم الإيمان بالقضية الفلسطينية كقضية أمة عربية وقضية أمة الإسلام . وكان يُنظر لها أي القضية الفلسطينية كقضية شأن داخلي، وأنها قضية بلد، ولم ينظر له على أنه وطن له حدود جغرافية محاصرة بأسيجة الفصل العنصري، واسيجة المقاطعة العربية والحصار!

كانت هناك مؤشرات كثيرة توحي بطوفان كبير يواجه تخبط وغطرسة الكيان الصهيوني، لما تمادا به من إجرام بحق الفلسطينيين في كل مكان.

فطوفان الأقصى يعد حركة نضال مستمر منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، وقد تمثل بهذه الذروة وبكافة هذه الاستعدادات، لأنه يمثل تاريخ نضال ونصر وصبر وتضحيات .

فتاريخ التطبيع يمثل تاريخ مسار ذل، وركون، واستسلام، قد تحداه طوفان الأقصى، واحرج جميع من عمل عليه .

في البداية يجب أن نعرف ما هي مسارات التطبيع ؟ وهل يمكن اقتصارها على المسار السياسي فقط أو المسار الاجتماعي أو حتى المسار الديني والعقائدي والاقتصادي وغيره؟ وهل هناك ممكنات العيش والتعايش مع اليهود على أسس اجتماعية في الداخل الفلسطيني كما تصورته كثير من الفلسفات الاجتماعية في هذا المسار؟

نرى أن كل المسارات تلتقي في فكرة التطبيع وتطبيقها، لأن كل هذه المجالات يحتاجها المطبع والمتطبع،حتى يثبت في النهاية صواب قراره في التطبيع.

ولكن هل أدرك المطبع خطورة التطبيع وإندماج هذه المسارات على مصير بلدانهم ومجتمعاتهم وعقائدهم؟ هل أدرك المطبع مع الكيان الصهيوني خطورة تطبيعه على الأمة العربية والإسلامية ؟

هذه أسئلة يجب أن تطرح على كافة الأطراف المعينة والمحرجة أمام القضية الفلسطينية .

نرى أن التطبيع بدأ من داخل فلسطين، وقد بدأته التيارات السياسية والمنظمات المدنية في الداخل الفلسطيني، وأعني بذلك حركة فتح مثالاً والمنظمات المدنية المرتبطة بها وبعضها مدعوم من الكيان الصهيوني والمنظمات الدولية.

وقد ساعد ذلك على اندماج كثير من الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي على مستوى العمل والمصالح الحياتية الأخرى.

أما على مستوى الدول العربية والإسلامية في الجوار الفلسطيني، وأولها مصر والأردن، وعلى المستوى الإقليمي دولة الامارات، والبحرين، والسودان، والمغرب . وكانت دول أخرى تمهد لذلك، وأبرزها السعودية، ودول أخرى كانت سابقه لذلك، مثل : تركيا وأذربيجان وكازاخستان وأندوسيا .

كان قرار التطبيع من قبل هذه الدول يفتقر إلى أدنى مقومات الوعي بما سيؤول إليه مصير التطبيع، ومخاطره على الأمتين العربية والإسلامية. فالمنطقة أمام عيونهم تشهد صراع عنيف وتجاذباته كبيرة، كانت لا تحتمل أي خطوة من هذا القبيل؛ لأنها لا تراعي به خصوصيات قضايا الأمة وموقفها التأريخي من قضية الأقصى، واحتلال الأراضي وقتل الأبرياء.

بعد طوفان الأقصى، وإدارة الحرب بمهارة، وقوة، ومواصلة، تمكنت بها المقاومة من ردع الكيان الصهيوني ومفاجئته بمستوى الهجوم والرد وإلحاق الأضرار يه . بدأ العدو الصهيوني يعيد حساباته في مسار التطبيع مع بعض الدول العربية . والحقيقة أن ليس العدو هو من يعيد حساباته بل الواقع الجديد للمقاومة هو من فرض عليه وعلى غيره التفكير بمراجعة حقيقية لهذه العلاقة المغلوطة.

هل غيرت عملية طوفان الأقصى من مسار التطبيع ؟ نقول نعم ولأسباب كثيرة منها .

أولاً: ما يخص الدول العربية والإسلامية المطبعة .

1- الاحراج الكبير الذي تتعرض له الدول المطبعة أمام حجم الجرائم الإسرائيلية وموقف الانسان المسلم الفلسطيني في فلسطين وغزة.

2- الشك والتشكيك بسلامة موقف الدول العربية المطبعة من ما يتعرض له الصهاينة من ضربات على يد المقاومة.

3- الموقف الدوني الذي تشعره به هذه الدول من عجزها تقديم أي مبادرة إنسانية ملموسة إلى الفلسطينية في غزة ومساعدتهم.

4- الموقف المخزي الذي تعرضت له هذه الدول أمام محور المقاومة المشرفة بالتضحية والبذل والدعم والبطولة.

5- الدول المطبعة تشعر نفسها محاصرة من قبل أمريكا والكيان الصهيوني لأنها تطالبها بموقف صريح أتجاه الهجوم الفلسطيني وحركة حماس.

6- بانت على الدول المطبعة معالم الذل والخنوع والتفريط بقضايا الأمة بشكل صريح.

7- الأوقاف الشرعية في هذه الدولة تعرضت كذلك لموقف لا تحسد عليه وهي لا تتمكن من اعلان موقفها الشرعي من ذلك.

8- وكذلك الحال فيما يخص المنظمات الإنسانية والمدنية التي تدعي الالتزام الدولية لحقوق الإنسان والتي انتهكت من قبل أمريكا والصهيونية والدول الأخرى الداعمة لذلك.

أما في ما يخص الكيان الصهيوني:

فقد أعلن ذلك صراحة وعلى لسان ليئوور بن دور المتحدث باسم حكومة الكيان الصهيوني،يقول: سنراجع جميع أتفاقيات التطبيع مع الدول المطبعة وسنجمد كل ملفات تطبيع جديدة في الوقت الحالي.

وعلى ذلك فعلى جميع الشعوب العربية والإسلامية التي رضت من حكوماتها التطبيع أن تنتفض بوجها وتعيد كرامتها التي سلبتها حكوماتها فأخزتها أما كل قيم ومبادئ العروبة والإسلام وحسن الجوار.

***

د. رائد عبيس

ماذا لدينا بعد سبعة وعشرين يوما منذ انتصار المقاومة الفلسطينية الساحق في عملية طوفان الأقصى، كيف نقرأ الحدث؟ ماذا جرى؟ وما هي قراءتنا للمشهد؟ وسنحاول هنا الحياد العلمي مع تصويبنا المضاد للصهاينة لأنهم اعدائنا ومن يقول غير ذلك فهو "خائن" بكل وضوح وصراحة ونقطة على السطر، وهذا الامر "لا" نقاش و"لا" جدال فيه، فالخيانة ليست "وجهة نظر" وليست رأي" وليست فكر، بل هي حالة شريرة شيطانية تخدم الأجانب والغزاة.

فماذا هناك بعد اليوم السابع والعشرين؟

تزايدت القناعات ان الكيان الصهيوني هو من يدير الولايات المتحدة الامريكية، وهذا أصبح أكثر وضوحا مع الاحداث الحالية بعد انتصار طوفان الأقصى، ولعل الولايات المتحدة الامريكية "الإمبراطورية" و"الدولة" "لا" تملك مع الصهاينة الا التمنيات او محاولات الكلام او طلب التفكير حالها حال دول اوروبا ؟! وصاحب القرار الحقيقي هنا هم اللوبي الصهيوني في تلك البلدان والقرار في الامر والنهي يقال في مدينة تل الربيع الفلسطينية المحتلة والتي يطلق عليها الغزاة الأجانب اسم "تل ابيب" ؟!

وهذه القناعة تأتي أيضا لما نشاهده من تناقض مصلحي امريكي أوروبي مع الصهاينة حيث انهم "لا" يريدون اشعال حرب إقليمية أخرى في العالم وخاصة مع صراعهم العسكري ضد الجمهورية الاتحادية الروسية على ارض أوكرانيا، حيث يعاني الامريكان والأوربيين اقتصاديا مع هذه الحرب والتي تعتبر احد اكبر الحروب داخل القارة منذ الحرب العالمية الثانية وما يجرى فيها ليس سهلا عليهم ، حيث انكشاف سوء وقلة ترسانتهم العسكرية مع الانهيارات الاقتصادية والضرر المعيشي ضد مواطنيهم، ورغم كل ذلك فأن الكيان الصهيوني قد ضرب في عرض الحائط كل تمنيات أمريكا وأوروبا للتهدئة او الـتأجيل، لذلك قلنا ان القرار الأساسي في يد الصهاينة.

علينا ان نعرف كذلك ان "الصهاينة" "لا" يختلفون عن بعضهم البعض بما يختص في مسألة غزو البلاد العربية انطلاقا من ارض فلسطين الا في المسألة الزمنية حيث جزء منهم يقول في طول النفس واخذ الامتداد المطلوب للغزو الصهيوني من النيل الى الفرات ضمن خطط وترتيبات طويلة الزمن لهذا نجد مشاريع الانفصالية السودانية والكردية مدعومة منهم وأيضا مشاريع التعطيش للعرب المشرقيين من خلال مشروع السدود في شرق الاناضول المقامة في تركيا "الحليفة لهم" وسدود النهضة في اثيوبيا لضمان اذلال الإقليم الجنوبي المصري عند الحاجة حيث يتم تحريك الاذلال التعطيشي بواسطتهم، وكذلك خلق مواقع جغرافية عربية بلا هوية و"لا" شخصية ذات ميوعة فكرية وسقوط أخلاقي وأمور أخرى.

في الجانب الاخر هناك صهاينة "لا" يريدون الانتظار الزمني هذا ويريدون حرق المراحل الزمنية للغزو والسيطرة، ولكن في المحصلة النهائية هؤلاء جميعا هم غزاة وأجانب يريدون القضاء علينا نحن "العرب" وهم اعدائنا، لذلك ان نقاومهم ونحاربهم وان نسعى للقضاء عليهم هو مسألة حياة او موت بالنسبة لنا ك "عرب" لأنهم غزاة وأجانب، ومن يعتقد انه في مأمن من غزوهم فهو واهم لأن السيف القاتل والذبح ستأتي على رقبته بعد ان ينتهي الصهاينة من الاخرين، فهؤلاء لا ينظرون الينا ك "كويتيين او سوريين او لبنانيين او يمنيين او سودانيين او تونسيين او جزائريين او مغاربة...الخ " هؤلاء ينظرون الينا ك "عرب" وفقط مسيحيين كنا او مسلمين.

لذلك حربنا معهم "وجودية" وليست "حدودية"، وعلينا ان نفهم ونعي ذلك، وان نتحرك عسكريا وامنيا وثقافيا واقتصاديا واعلاميا على أساس هذا الواقع، وان "لا" نتحرك في "سذاجة" و"حمق" ضمن خططهم التأمرية وان "لا" نستهلك دعاياتهم وان "لا" نصدق اكاذيبهم وان "لا" ان نبلع إعادة خطاباتهم الدعائية على السنة "بعض" العرب المتصهينين في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وقنوات التلفزيون الفضائي والصحف، لأن هؤلاء المتصهينين  باعوا عروبتهم ودينهم وارضهم للغزاة الأجانب.

ماذا هناك أيضا ضمن تطورات ما حدث في معركة طوفان الأقصى؟ والتي هي في كل الأحوال انتصار مهم جدا رغم الخسارة البشرية والألم الإنساني البشع الذي حصل ويحصل كل يوم يمر، لكن في حقيقة الامر ان ما حدث قد دمر "اسطورة" "الكيان الصهيوني" المزعومة من انها المتفوقة في كل شيء وخاصة الجيش والاستخبارات والامن والمتابعة السرية الدقيقة لكل تفاصيل الحياة والسيطرة الشاملة، فكل هذه الأسطورة من الهواء الساخن التي تم خلقها منذ تأسيس هذه القاعدة العسكرية على ارض دولة فلسطين المحتلة، ان هذه الأسطورة قد تم تحطيمها بواسطة منظمة سياسية عسكرية بسيطة من خلال الإرادة والشجاعة والتصميم وأيضا تم تغيير "الذهنية الفلسطينية" في التعامل مع العدو الصهيوني، وبالتالي ان هذه الأسطورة الوهمية للقوة قد تم تحطيمها وهذه الأسطورة من المستحيل ان يتم إعادة بنائها من جديد، ومعه اصبح هناك قناعة عربية من ان التحرير هو طريق من يعمل عليه ضمن الخطة والهدف والصبر والحركة ضمن مواقع القوة الموجودة.

ان هذا الامر لم يضرب القاعدة العسكرية للأجانب على ارض دولة فلسطين فقط بل امتد هذا التحطيم لتلك الأسطورة لباقي الدول الغربية و"شلة" دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي، وكل ما نشاهده ونراقبه من ردات فعل عسكرية دموية وتصريحات صهيونية وغربية كلها تتحرك في مسألة إعادة السيطرة على الموقف ومحاولة ترقيع تدمير وتحطيم تلك الأسطورة، ولا شك ان العامل الاخر ان الحركة الصهيونية هي مسيطرة على شلة دول الحلف الطاغوتي الربوي العالمي وبخاصة الولايات المتحدة الامريكية لذلك نجد ان تحركات تلك "المافيا" من الدول ليس لها علاقة اطلاقا بأي قانون دولي او بأي إنسانية او بأي فطرة بشرية سليمة وكل ما يقومون به بعد "انتصار عملية طوفان الأقصى" هو شيطاني بامتياز وشرير في الدرجة الاولي وخزي وعار تاريخي سيلاحقهم، ومواقفهم كشفت زيف ادعاءاتهم، وأيضا انهم يعيشون عقلية عنصرية نازية تريد استعباد الاخرين كما كان هتلر يعيش تلك العقلية.

في لحظة الانتصار لعملية طوفان الأقصى هناك تبعات مستمرة فضائحية يعيشها الكيان الصهيوني في أكثر من مجال ومنه الميدان العسكري حيث شاهدنا جميعا اخبار هزائم دباباته في كمائن المقاومة الفلسطينية وهروب الاطقم البشرية المشغلة وفرار الجنود.

والواقع الجديد يعطينا كذلك دلائل ان المقاومة الفلسطينية ليس لديها شيء لتخسره وان لديها قرار وقناعة بذلك وخاصة ان بلدهم محتل ومستباح من الأجانب الغزاة الصهاينة، حيث ان ربحوا فهم منتصرين وان خسروا عسكريا فأنهم لن يخسروا شيئا لأنهم أساسا قبل عملية طوفان الأقصى هم مستباحين وتحت الاذلال والاحتلال والموت المتواصل.

داخل الكيان الصهيوني أتصور ان هناك حالة انهيار نفسي وعقلي وهذيان جاء ايضا لتدمير تلك "الأسطورة" وان الغزاة هناك وصلوا لقناعة انها النهاية لما يعتبره الصهاينة "مجدا" لهم في كل الحروب السابقة، وهذا الانهيار أيضا جاء في ظل وجود اجندات شخصية للمجرم العنصري نتنياهو لكي يتجنب المحاكمة والسجن وهذه المسألة في ظل اجماع كل المراقبين وهناك اتفاق شامل تأكيدي عليها، وأيضا هناك ترقب وتأهب لتنظيف البيت الصهيوني الداخلي وهذا الامر سيفجر التناقضات الداخلية بين الغزاة الأجانب بينهم وبين البعض الاخر وهذا ما حرص رئيس المنظمة العسكرية الأمنية الاستخباراتية التابعة للجمهورية الاسلامية داخل لبنان السيد حسن نصر الله على إدخاله ونشره في أجزاء من خطابه الأول بعد عملية طوفان الأقصى، رغبة منه لزيادة التناقضات بينهم، وهذه المسألة أيضا لها تبعات وتأثيرات على الكيان الصهيوني القاعدة العسكرية التي أقامها الأجانب على ارض دولة فلسطين العربية المحتلة، وهناك ترقب لمتابعة ماذا سيحدث من صراعات؟ حيث ان حالة التخبط بينهم مفيدة لنا نحن العرب من باب "فخار يكسر بعضه".

في الجانب المقابل واضح ان هناك قراءة وواقعية منطقية ان عملية طوفان الأقصى ستعمل تغييرات جوهرية انقلابية في النظام الرسمي العربي "المتخاذل" و"الفاشل" والذي لم يقدم شيئا ، وخاصة مع العالم المتعدد الأقطاب "القادم" للتأثير على الملعب العربي بأكمله، وعلينا ان نشاهد المشهد في زاوية مهمة تتعلق في ارسال الولايات المتحدة الامريكية لأساطيلها البحرية للمنطقة والتي تبعتها في ذلك جمهورية الصين الشعبية في ارسال اسطولها البحري في إشارة واضحة ان الملعب الدولي لم يعد أمريكيا "فقط" وهذا الامر يمتد الى جمهورية روسيا الاتحادية والتي لديها ليس فقط ترسانة نووية هي على اتم الاستعداد والجهوزية لاستخدامها، بل أيضا ترسانتها العسكرية الأخرى هي أيضا متطورة ومتقدمة.

يقول الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين: "الأهم اليوم هو تشكيل قطب إسلامي عالمي متمحور حول ذاته، لقد اختار الغرب الجماعي إسرائيل وتخلى عن فلسطين، فيجب أن يتحد المسلمون ضد هذا القرار الجيو سياسي، وهم كذلك، روسيا أيضاً ستبقى قوية مع فلسطين، إنه المنعطف الحاسم للتوازن الدولي، روسيا قطب، ويتعين على الدول الإسلامية الآن أن تشكل قطبا آخر، والعدو المشترك هو خير مساعد، دعونا نجتمع معًا لإنهاء العولمة وإنشاء عالم متعدد الأقطاب حقيقي وقوي."

" إن روسيا تقف إلى جانب عالم متعدد الأقطاب وضد الهيمنة الأمريكية، إن الإسلام هو أهم قطب في عالم متعدد الأقطاب، وقد دخل الآن في مواجهة مباشرة مع الغرب والولايات المتحدة اللتين انحازتا بالكامل إلى إسرائيل وإرادتها الوحشية في الانتقام من الفلسطينيين بأي ثمن والقضاء على جميع سكان قطاع غزة من على وجه الأرض، وقد حددت روسيا موقفها بوضوح: ففي حين تدين روسيا الهجمات الإرهابية الوحشية التي تشنها حماس، فإنها تعارض بشكل قاطع الأعمال الإرهابية غير المتناسبة التي تقوم بها إسرائيل، إن مصير ملايين الفلسطينيين على المحك، ولا تستطيع موسكو أن تنظر بهدوء إلى ما ستفعله إسرائيل بالفلسطينيين بدعم كامل من الولايات المتحدة، يجب إطلاق سراح الرهائن، وإلغاء العملية البرية، وإنقاذ حياة الناس على الفور."

وطبعا لا نتفق مع كل ما قاله ألكسندر دوغين ولكن ما يهمنا في هذا الكلام هي الرغبة الروسية التي تتوافق مع مصالحنا القومية العربية حيث نفهم من كلام "دوغين" ان جمهورية روسيا الاتحادية هي ساعية الى إعادة تشكيل الحالة الإسلامية الدولية ك أحد الاقطاب العالية الجديدة؟ ولكن اين المسلمين من كل هذه التغيرات الدولية وقبلها اين هم العرب؟ ماذا عن الجانب السوري البعثي؟ وجانب الجمهورية الإسلامية؟ والحركات المقاومة للصهاينة في المنطقة؟

"علميا" الى الان لا يوجد "تحرك مهم" حيث في لبنان تجرى الأمور ضمن ما يتعارف عليه في "قواعد الاشتباك" والتي بها كلام كثير وتفاصيل متعارضة إذا صح التعبير فهناك من يقول ان مسألة قواعد الاشتباك هي "تغطية لمواقف" وهي ترتيبات واتفاقات استخباراتية سرية بين الأطراف المتنازعة لمنع تغيير مسار الحدث والحفاظ على "حالة الستاتيكو" أي بقاء الحال على ما هو عليه، أي كما ذكرنا هي "تغطية لمواقف" "لا" تغير مسار الحدث، وأنها ضمن "المزايدات" التي لا تغير شيء في الواقع، حيث من الواضح ان الجمهورية الإسلامية تتنصل من "حدث" طوفان الأقصى، وتكرر ارسال الخطابات الإعلامية بهذا الخصوص على لسان مرشد الثورة الإسلامية السيد على الخامنئي، وايضا كما صرح بذلك "الموظف" تحت يافطة رئيس نظام الجمهورية "السيد إبراهيم رئيسي" وكذلك هذا ما قاله ممثل الجمهورية الإسلامية في الأمم المتحدة، وانتهاء في رئيس المنظمة الأمنية العسكرية الاستخباراتية التابعة لهم في لبنان السيد حسن نصر الله حيث أعاد التأكيد على تلك المسألة في بدايات خطابه الإعلامي الأول لما بعد انتصار عملية طوفان الأقصى.

واضح ايضا ان الجمهورية الإسلامية كما هم الامريكان والأوربيين "لا" يريدون حرب إقليمية، او على الأقل لا تريد "الجمهورية الإسلامية" ان تنتقل الحرب الإقليمية ضمن جغرافيتها الوطنية، وهي ماضية في عقلية تثبيت حالة الستاتيكو خارج أراضيها ضمن قواعد للاشتباك متفق عليها بين الاطراف والجمهورية الإسلامية أيضا من الواضح انها لا زالت تحاول فرض نفسها "قوميا" ولا أقول "إسلاميا" ك "شرطي للمنطقة" صاحب النفوذ والسيطرة، وهي تسعى للحصول على موافقة الغرب بهذه المسألة ؟! وهذه حالة من الوهم وفقاعات الامنيات الفارغة التي عاشتها الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من عشرة سنوات والتي "لا" تريد ان تقتنع انها سياسة فاشلة واحلام، وخاصة انها تتحرك ضمن جغرافيا ليست ضمن مجالها الحيوي الطبيعي التاريخي ناهيك انها تستفز الجميع في تلك الحركة لأنها تنطلق ضمن حالة قومية استعلائية إيرانية تتحرك في مناطق "فشل الدولة العربية" وغيابها، ضمن رافعات طائفية تقدم نماذج سيئة، وهذا أيضا امر كررناه في أكثر من موقع اعلامي وتناولته في كتبي المنشورة وأحاديثي.

ولكن في الجانب الاخر هناك من يقول امر مختلفا وهو ان ما يتم تسميته ب " قواعد الاشتباك" هي امر تم فرضه لأنها هي "منتوج قوة" و"امر واقع" ضد الأعداء وخاصة ضد الكيان الصهيوني، وليس لأحد ان يزايد على تلك المسألة خاصة ان "الطفولية السياسية" والحالة الكلامية الاستعراضية والمزايدات لم تفيد العرب "سابقا" أيام المد القومي الناصري في أي شيء، وهذه القواعد المفروضة للاشتباك هي من حققت "هزيمة" الصهاينة وطردتهم من الجنوب اللبناني فالعكس هو الصحيح وان المزايدات هي في الجهة المقابلة التي تنظر لهذه القواعد في شكل سلبي، فطول النفس الزمني مع تلك القواعد الاشتباكية اذا صح التعبير أيضا هو شي مطلوب بعيدا عن الاستعراضات الخطابية.

أيضا ضمن نفس السياق هناك من يقول ان الحالة الوطنية الخاصة في الأرض الإيرانية هي الحاكمة وهي الأهم عندهم، فمن الأشياء التي تم نقلها عن أحد اقطاب الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض إيران عند سؤاله المباشر لماذا "لا" تقصفون القواعد العسكرية الامريكية بأنفسكم؟ ولماذا "لا "تردون على هجمات الصهاينة ضدكم في افتعال الحرائق والاغتيالات والتفجيرات والهجومات السيبرانية ضد المصانع والمفاعلات النووية .... الخ.

جاوب بالتالي: "بأنه لو قصفنا قاعدة أمريكية في صاروخ واحد فأن الولايات المتحدة ستتخذها ذريعة لأنهائنا، ولسنا مجانين للدخول في هكذا مغامرات تضعنا في مصير مجهول والحالة الوطنية الايرانية هي الأهم وما هو مهم".

من هذا الكلام تعود مسألة "قواعد الاشتباك" للظهور من جديد ويعاد السؤال حولها مجددا من ناحية مختلفة إذا كانت امر فرضته المقاومة او هو ترتيب غير معلن او اتفاق رتبه طرف ثالث لضمان عدم تغيير الواقع الحالي"؟ اذن من ذلك ينطلق السؤال التاريخي؟ فهل كان قصف قاعدة عين الأسد ردا على قتل الضابط التابع لمنظمة حراس الجمهورية الإسلامية "سليماني" هو ضمن اتفاق استخباراتي مباشر بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة او عن طريق طرف ثالث لأنهاء المسألة ضمن "قاعدة اشتباك" كما حدثت آنذاك؟ او ان الرد هذا كان امر حقيقي؟ هل هذه المسائل ممتدة في الواقع الحالي وخاصة كما ذكرنا ان الجمهورية الإسلامية "لا" تريد أكثر مما هو موجود وهو "حالة الستاتيكو"؟

الإجابة "لا" اعرف.

يبقي موقف الجهورية العربية السورية؟ ما هو؟ وكيف نقرأه ضمن حيادية تحليلية وقراءة علمية؟

علينا ان نقول ونثبت مسألة تاريخية أساسية، ان كل ما نراه من واقع مقاوم عسكري ممتد في لبنان وغزة وباقي فلسطين هي أفكار "قديمة" وقناعات "سابقة" زمنيا" و"قارئة للمستقبل" عاشتها الدولة السورية وبدأت العمل عليها في الثمانينات والتسعينات ممثلة في رئيسها آنذاك المرحوم حافظ الأسد ومن هم مؤدلجين قوميا في العقيدة الثقافية لحزب البعث الحاكم، وضمن عقلية وتخطيط طويل المدى عسكريا وامنيا وأيضا تحضير زمني طويل، فهذه الانفاق وشبكاتها ومعداتها ومهندسيها وأيضا الأسلحة والصواريخ ومنظومات الامن والاتصال والتدريب ...الخ أساسا من بدأها وقام بها هو "الجيش "العربي" السوري" في لبنان ضمن اتفاق مع الجمهورية الإسلامية وما تم نقله في فلسطين في العموم وفي منطقة غزة في الخصوص هذا كله ضمن الخطة الدولة السورية القومية العربية البعثية، فأساس المسألة "عربي" و"وقومي" و"مؤدلج" وضمن قناعات ايمانية تريد الحرية والاستقلال لكل العرب منطلقة من سوريا ك "قلعة العروبة الصامدة" وهذه المسألة ليست نشيدا او عبارات عاطفية او اثارات حماسية بل هي "واقع" متحرك على ارض الواقع ومسألة تراكمية طويلة الزمن لها ابعاد من هنا وهناك ك "نقطة الحبر" الممتدة والمتسعة في الماء الصافي والتي نحصد نتائجها اليوم على ارض الواقع الفلسطيني، ولولا استقبال الدولة السورية لتنظيم حماس على أراضيها لما اتسع نطاق عملها ولما تم نقل مسائل صناعة وتطوير الانفاق اليها، ولولا الودائع المالية المليونية التي قدمتها الجمهورية الإسلامية المقامة على ارض ايران لمنظمة حماس، لما صار لها كل هذه المحافظ المالية الاستثمارية في أوروبا وباقي العالم ولما كان لها كل هذه الشبكات الإعلامية والإدارية والاستخباراتية والتمويل الذاتي المتواصل...الخ ناهيك على انها جزء من تنظيم دولي لجماعة الاخوان المسلمين والذي أيضا له تحالفاته وعلاقاته...الخ.

ما نريد ان نقوله من هذا الكلام: ان الفكرة تنطلق من لحظة زمنية وتتراكم الإنجازات والتطورات لكي نصل الى "لحظة زمنية" "جديدة" تصنع "تغيير" و"انقلاب" في المشهد العسكري ومعها يتم خلق واقع جديد فيه انتصار للعرب في صراعهم ضد الغزاة الأجانب، وهذه المسألة ضمن "ذهنية جديدة" وعقلية تعيش الخطة ذات الهدف الملموس على الأرض، ومن هنا جاء واتى نجاح وانتصار "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر تشرين.

ولكن ما اريد ان أضيفه ك تعليق على هذا الامر:

صحيح ان هكذا خطة قد نجحت في مراحلها الزمنية القديمة والممتدة الى "لحظتنا الزمنية الحالية" ولكن أتصور انها حاليا قد استنفذت نجاحاتها وأدت غرضها ولا يوجد لديها نجاح "قادم" يستحق ان يتم الاستمرار فيها على المستوى التطبيق العملي في "لحظتنا الزمنية هذه" حيث استنفذت ايجابياتها وتم تطوير منظمة عسكرية امنية استخباراتية داخل لبنان، ومنظمة عسكرية مشابهة داخل قطاع غزة، انتهت الى تحقيق انتصار طوفان الأقصى، وهي تاج نجاحات التخطيط البعثي السوري خارج جغرافيتها الوطنية.

وهي مسألة "اعجازية" انطلقت ضمن واقع ضاغط وحصار محكم وتأمر مستمر متواصل ضد الجمهورية العربية السورية والتي تم اغلاق منافذ الحرب العسكرية المباشرة الذي تستطيع ممارسته ضد الصهاينة بعد الغدر الساداتي عليها في حرب أكتوبر 1973 وبعد طعنها بواسطة اسقاط مشروع الوحدة العراقية السورية مرورا بفقدانها الاقليم الجنوبي المصري بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد، فاضطرت "سوريا" آنذاك الى نقل موقع صراعها العسكري الى لبنان حيث كان مضرب الحجر العسكري والأمني والاستخباراتي ضد الصهاينة وباقي الاجانب، ومع هكذا انتقال للصراع منها فهي حمت ترابها الوطني وجغرافيتها الوطنية من التدمير وفي نفس الوقت حاولت فرض سلام يعيد لها الجولان المحتل، الى ان عملت الدولة السورية "خطأها الاكبر" في الانسحاب العسكري من لبنان في العام 2005، فنجح بعدها حلف الناتو والصهاينة في نقل "الصراع العسكري للداخل الجغرافي السوري الوطني، مع تحريك اليات الثورات الناعمة...الخ وهذه المسألة حذرنا منها قبل حدوث ما يسمى "ربيع عربي" ويمكن مراجعة كتابي "ما وراء الستار" لمزيد من التفاصيل والتوثيق.

ولكن في اللحظة الراهنة أتصور ان على قيادة الجمهورية العربية السورية ومراكز تفكيرها وأجهزتها الأمنية والعسكرية وحزب البعث الحاكم ان يعيدوا النظر في خطة الدولة السورية "القديمة" والانطلاق في "خطة جديدة" لها هدف تحرير التراب الوطني السوري من الأجانب الامريكان والصهاينة والالمان والانجليز والفرنسيين والاتراك، وإعادة صناعة التوازن الاستراتيجي العسكري والأمني وأيضا إعادة صناعة منظومة ثقافية انقلابية قومية جديدة لها علاقة بما هو مستجد ومستحدث من عالم متعدد الأقطاب قادم للسيطرة والانقلاب على كل مسارات ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ان لسوريا قدر وهو ان تكون قومية عربية، وهي القلعة الصامدة والتي أطلقت خطة طويلة الأمد كلنا شاهدنا انتصاراتها في تحرير جزء كبير من جنوب لبنان ما عدا مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، وأيضا انتصار "طوفان الأقصى".

ماذا بعد؟ لا نعرف الإجابة فهذه المسألة سيجاوب عليها الزمن القادم لما بعد 27  يوم من انتصار طوفان الأقصى.

***

د. عادل رضا

كاتب كويتي في الشئوون العربية والاسلامية

لم يعد (فاقد الشيء لا يعطيه) كما جرت العادة بل صار مُدمّرا له.

الدولة حسب مفهومها الفلسفي هي سيادة قرار وإرادة تنفيذ، ولا شأن لنا في هذا المقال بمكوناتها الميكانيكية لأننا لا نستطيع بناء موقف من جمادها إذا لم تجد من يحركّها، فإذا لم تكن تملك السيادة المقصودة في فلسفة الدولة فأنت محتل أصلا، لأنك تعيش حالة من العجز لتسيير إدارة الدولة سياسيا واجتماعيا، وهو موقف أقبح من الاحتلال نفسه، على الأقل المُحتل يملك سلطة وقوة تنفيذ ولو على حساب مواطنين ليسوا من جنسه ولا هم من عقيدته على أرض ليست أرضه.. فالمحتل قد يغريك بحاجات يومية مُلحة كي لا تثور ضده، بينما إذا تسلّط عليك ابن جلدتك فإنه يقهرك بما تُدين، ويعزلك بما علّمك، ويحرمك مما تكسب، يحتكر الوطن ويسلب قوميتك ودينك فيتحدث بمفرداتهمم ويوظف مصطلحاتهم ليصفك بما يشاء، فإن ثرت عليه قمعك بقوة السلاح بدافع ما تشعر به من وطنية كمبرر، يعني يقتلك دفاعا عن وطن من المفروض مشترك بينكما وربما تُحبه أكثر منه، لكن المحتل يعرف بأنه معتد وأنه تمكن من السطو عليك وعلى وطنك وممتلكاته، فإذا نعتك المحتل بأنك إرهابي مثلا فلا غرابة في ذلك، لكن أن ينعتك ابن جلدك بما لا تحب وبما يروق لأعداء وطنك هذه هي عين الغرابة، وهو أيضا تحصيل الحاصل الكامن في تنسيق كثير من الدول العربية و(الإسلامية) مع دول غربية من بينهم إسرائيل حول اعتبار المقاومة الفلسطينية منظمة إرهابية، لأن المحتل الوافد من الخارج مثله مثل الذي ينقلب على نظام شرعي حتى وإن كان يؤمن بما تؤمن به ويدعي مثل ما تدعيه من وطنية وقومية وعقيدة، فكلاهما مخالف للقوانين والأعراف الدولية، ومن العجيب أن يكون الإرهابي في وطنه أكثر فائدة واحتراما ممن يعتبر نفسه نظاما وهو في الحقيقة منبثق من اللّانظام،  وترتب وجوده عن انقلاب أو تزوير انتخابات، والدليل على ذلك أن أمريكا كلما أرادت الإطاحة بنظام سلّطت عليه المعارضة التي تأكدت من أنها منبوذة ومُنقمعة من طرفه وربما حتى شاركته في قمعه، وبالتالي فهي جاهزة ومشحونة بالحقد والرغبة في الانتقام، بمعني محاصر وهو لا يدري.

إذن النظام الواهي الضعيف هو الذي يضع خيوط اللعبة في يد عدوّه ظنا أنه سيتلقى منه حماية كاملة، على أساس أنه يأتمن جانبه في عدم المساس بمصالحه، وهذا ما يسميه الغرب عبثا بالمصالح المشتركة، وبدافع المنفعة اقتنعت كثير من الأنظمة العربية وغير العربية بهذه الشراكة المؤذية، فأي مصالح يصف فيها شريكك شعبك بالتخلف وحينا بالشعوب النامية، وحينا آخر بدول العالم الثالث، ثم يتدنى التوصيف إلى أن يصفه بالأصولي ومرة بالإرهابي، ومرة أخرى بالتشدّد، إلى أن وصل بهم التوصيف بمناسبة اجتياح غزّه بالوحشية والحيوانية؟ أي مصالح وأن توقّع شراكات تجارية من مواد حيوية لشعبك، وموارد بشرية وطاقات خلّاقة بعقود طويلة الأمد ستكبل بها حركة بلدك قرنا أو قرنين أو ما يمكن أن يزيد عن ذلك لأنها عادة ما تكون مفتوحة؟ أي مصالح وأنت توقّع جزافا على استلام الإعانات المالية وكأنك تتوعدهم ببيع الوطن بما فيه من ثروات وحدود وبشر، وتفعل ذلك باسم شعبٍ قد نهبت حقه الانتخابي ثم طلبت حمايتك من أعدائه، وقد يكون هو من أعانك على الإطاحة بأخيك في الدين والوطنية والدم والعرق والسلالة؟

الشعوب طيبة جدّا وأحيانا نراها بليدة، وحينا آخر يدفعها الخوف على أسرِها إلى العمل والصمت، والقلّة القليلة الحامية إرادتُها إرادة في التغيير لا تملك الأدوات الكافية لذلك، والمؤسسات في شكلها الوظيفي تتكتل ضدها، فالخوف من فقدان الوظيفة سلاح في أيدي الظالمين أيضا، والوضع المعيشي قنبلة موقوتة في أيديهم، ولم يعُد هؤلاء من وراء الشعوب المقهورة ولا البحر من أمامهم كما جرت العادة، بل صارت المشانق من ورائهم والدبابات من أمامهم، لأن البحر لم يُعد مخيفا كما كان في السابق، وهذا هو دأب الحياة النفوذ فيها للأشرار دائما وأبدا، وهذا هو أيضا سر فرار الفقراء والمساكين والمغلوب على أمرهم إلى الله، وسر وقوفهم إلى جانب الأنبياء والرسل، لأن الله يرسلهم كلما تفاقم الظلم والطغيان والعبودية واستفحلت الجريمة، لكن ماذا إذا توقف الله عن إرسال الأنبياء والرسل؟ حتى التاريخ يخبرنا بأن المرسلين الذين يتحدثون بلسان الله لم يسلموا من غطرسة هؤلاء الظلمة، فهل نقول قد غُلّقت الأبواب في وجوه الجياع والعرايا والمرضى والعجزة، وهل نجزم بأنها قد تعسرت عليهم الحلول، إلى أين يفرّون والذين يدعون التفوق الحضاري، ويتصدرون العالم تنيا للعدالة والديمقراطية والحرية ملطخة أيديهم بدماء الأبرياء؟

هل هذا القرن سيكون موعدا تتعطش فيه الشعوب إلى بروز فاتح عظيم، كما جرت العادة في قرون سبقت عندما تفشّى الظلم بين الناس؟ هل من فاتح تزغرد الملائكة في أذنه لينهض بهم، ويحقق لهم العدالة والرفاهية والأمن والاستقرار؟ الله استوفى على الناس الحجّة بتثبيت الدين الحق، وقال ارجعوا إليه كلما اشتدت بكم المصائب والكروب لكن لا أحد رجع إليه، والدول التي تتحكم في العالم لا تؤمن به أصلا، لا يهما إلّا اكتناز الأموال والذهب والفضة، والله أوحي إلى نبيّه بألّا نبي بعده، فأين تفر الشعوب إذا استفحل الظلم وانتشرت العبودية بمسميات اقتصادية وسياسية وقومية وعشائرية؟ وقد تكون حتى دينية عندما يُنمِّط الظلمة الدّين ويمنهجونه خادما لمصالحهم وحاميا لهم ولأتباعهم وعملائهم، حتى الكوارث الطبيعية والصحّية لم يعد الظلمة يكترثون بها كعقاب إلهي، بل صاروا يجدون لها تبريرات علمية ويربطونها بالمناخ والجيولوجيا.

بكل هذه المعطيات الواقعية التي تراها الشعوب وتعيشها في يوميتها، كيف تقوم لأنظمتهم قائمة وهم يسيرون على خطا الغرب الذي لا يُرجع النزاعات إلى الله ولا إلى رسله؟ هنا يمكننا القول بأنه لم يعُد (فاقد الشيء لا يعطيه) كما جرت عليه العادة بل صار مدمّرا وماسخا له، وهذا هو وضع الأنظمة العربية لأنها من البدء ظالمة ومجحفة لشعوبها، وتمارس سلطة عليهم ليست من حقهم، فكيف للظالم أن يجابه ظالما مثله وفي عرف الظلمة المؤازرة والتعاون وابتكار أنماط الظلم.

***

عبد الباقي قربوعه - كاتب جزائري

في المثقف اليوم