آراء

آراء

يكاد صيف هذا العام يلفظ آخر أنفاسه الملتهبة تاركاً العالم فى دهشة وترقب.. حرائق فى كندا وشمال أمريكا وجزيرة هاواى ثم فى اليونان والجزائر احترقت أثناءها آلاف الهكتارات من الغابات والأشجار التى هى رئة الأرض. ولأول مرة تشهد منطقة الشرق الأوسط موجة حر هى الأعنف والأشد التهاباً على الإطلاق؛ بفعل اجتماع ظاهرتى القبة الحرارية والنانو معاً للمرة الأولى فى المنطقة!

تلك الظواهر وغيرها دفعت الأمين العام للأمم المتحدة للخروج بتصريح يعبر عن هلع عالمى تجاه ما يحدث من ظواهر مناخية استثنائية، فيقول: إن الانهيار المناخى قد بدأ! فما مغزى هذا التصريح الخطير؟

غوتيريش يدق ناقوس الخطر!

فى السادس من شهر سبتمبر الحالى أعلن مرصد كوبرنيكوس أن صيف نصف الكرة الشمالى لهذا العام كان الأكثر حراً على الإطلاق.. وقد سبق أن كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة أن الأشهر الثلاثة الماضية شهدت أعلى معدلات درجة حرارة تم تسجيلها على الأرض منذ بدء تسجيل الحرارة عالمياً حتى الآن، وهو الأمر الذى دفع الأمين العام للأمم المتحدة لتحذير العالم من القادم قائلاً: ""المناخ ينفجر بوتيرة أسرع من قدرتنا على المواجهة مع ظواهر جوية قصوى تضرب كل أصقاع الأرض".. فما معنى قوله إن المناخ ينهار؟! وإلام يشير مثل هذا التصريح؟

الحق أن اشتداد الحر هذا الصيف لم يكن إلا القشة التى قصمت ظهر البعير! فعلى مر الأعوام القليلة الماضية شهدت الأرض عدداً من الظواهر التى أثارت رعب الخاصة والعامة.. كثرة الزلازل وموجات تسونامى، ووصول الأعاصير لدرجات غير مسبوقة من العنف، وفيضانات فى أماكن ومناطق لم تشهد مثل تلك الفيضانات من قبل قط، وجفاف أنهار كبري وبحيرات.. ناهيك عن ظواهر لم تجد من العلماء تفسيراً شافياً كظاهرة دوران الحيوانات، وصراصير المورمون فى نيفادا، والجراد فى جزيرة العرب، وانفجار ينابيع المياه فى صحراء الربع الخالى.. سلسلة من الظواهر المنذرة بتغيرات كونية جذرية تحدث على مرأى ومسمع من خبراء الأرصاد وعلماء الفلك والجيولوجيا تدفعهم جميعاً للتأكيد بأنها مجرد مقدمات لأمور أخرى ستأتى وأن على العالم أن ينتبه جيداً لما سيحدث ويستعد له.

إن تتابع تلك الظواهر وانتشارها بين ربوع الأرض، ثم ديمومتها وارتفاع وتيرتها وشدتها، هو السبب وراء تصريح غوتريتش المرتعب بأن الانهيار المناخى قد بدأ.. وهو تصريح يشمل لفظين مثيرين للتساؤل: لفظ "الانهيار" وأنه قد "بدأ".. إن مدلول كلمة الانهيار يستتبع أن تؤثر الحرارة على غيرها من عوامل المناخ كحركة الرياح وهطول الوابل والانهيارات الثلجية وحرائق الغابات وغيرها من العوامل.. وكلمة "بدأ" تعنى أن كل ما سبق لم يكن سوى الأبسط والأخف والأيسر وأن الأسوأ لم يأتى بعد.. هكذا يمكننا أن نفسر تصريح غوتريتش، وأزعم أنه التصريح الأخطر؛كونه صادر عن منظمة كبري لديها كل المعلومات الكافية لإعلان مثل هذا التصريح المخيف!

كيف يؤثر المناخ على مصر؟

كان لابد أن يكون لمصر بادرة بالتحرك الإيجابى نحو الاستعداد لتداعيات التغير المناخى، ولهذا تم إنشاء المجلس الوطنى للتغيرات المناخية عام 2015، يتمثل دوره فى رسم وصياغة الاستراتيجيات والسياسات العامة للدولة فيما يخص التكيف مع هذه التغيرات فى ضوء الاتفاقيات الدولية والمصلحة الوطنية.. وهكذا أثمر عمل المجلس إلى صياغة "الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050" لتعزيز حوكمة وإدارة العمل الخاص بالتكيف مع التغيرات المناخية فى مصر فى المستقبل..

إن مصر من أكثر الدول الإفريقية تأثراً بالتغيرات المناخية، وبخاصةً تهديدات الجفاف بسبب ارتفاع الحرارة.. وكان المفترض أن المساعدات الدولية ستتوافر للمساهمة فى مكافحة بعض تأثيرات التغير المناخى بعد أن استضافت مصر النسخة الأخيرة من مؤتمر التغيرات المناخية.. لكن الذى حدث أن تلك المساعدات تأجلت أو تراجعت، ربما بسبب الصراع الدائر بين حلف الناتو وروسيا على أراضى أوكرانيا..

وزارتا البيئة والتعاون الدولى تلقتا بعض المساعدات من البنك الدولى للقيام ببعض المشروعات البيئية، لكن هذا لم يستمر ولم يكن بالحجم المأمول لتحقيق تسارع لإنجاز العمل بما يواكب تسارع وتيرة حدوث تلك التغيرات.. الأمر الذى قد يستلزم ضغطاً خلال مؤتمرات المناخ القادمة لحث الدول المانحة على القيام بالتزاماتها تجاه الدول الأكثر تضرراً بالتغيرات ومن بينها مصر..

إن بناء منظومة الاقتصاد الأخضر والطاقة النظيفة بات أمرا أساسياً فى اتجاهات وسياسات الدولة المصرية للسنوات القادمة.. لكن هناك مخاطر تتهدد عملية البناء تلك.. أهمها ما يتهدد الرقعة الزراعية كنتيجة مباشرة لارتفاع درجات الحرارة والجفاف ونقص المياه والعواصف الترابية.. ما يتسبب فى انخفاض مستوى خصوبة التربة، وقلة حجم الإنتاج الزراعى ، بل وضعف جودة ذلك الإنتاج.. المسألة مصيرية تتعلق بغذاء المصريين وتلبية حاجاتهم المعيشية، وليس الأمر ترفاً زائداً عن الضرورة.

هل يمكن التكيف مع تغيرات المناخ؟

أساليب التكيف مع تغيرات المناخ تختلف وتتراوح بين الإجراءات البسيطة قليلة التكلفة إلى حد الإجراءات الحادة المكلفة مثل إجراء الانتقال الجماعى من منطقة إلى أخرى احترازاً لكارثة متوقعة..

وفى بعض الحالات تأتى التوقعات أضعف من حجم الكارثة كما حدث فى هاواى، وهو ما أدى لارتفاع عدد الضحايا الناجم عن الانتشار الكبير للحرائق، والتى أدت لمحو البنية التحتية فى مناطق بأكملها بإحدى الجزر الكبيرة بهاواى.. هذا بالضبط هو السبب فى أن الإنفاق المسبق على الإجراءات الاحترازية مهما ارتفع أقل تكلفة بكثير من التدمير الحادث بعد الكوارث البيئية.. إن الإنفاق الآن يجنب البلدان مخاطر سقوط الضحايا وانهيار البنى التحتية تحت تأثير الأعاصير والحرائق والزلازل والفيضانات فى المستقبل القريب والبعيد..

هناك فئات عمرية ومجتمعية هم الأكثر عرضة لتأثيرات الكوارث البيئية وتداعيات التغيرات المناخية، كالأطفال والكهول والمرضى والمعاقين والفقراء، والبلدان النامية هم الأكثر احتياجاً لبرامج الدعم الموجهة من قِبل المنظمات الإغاثية والدول المانحة، لأن انتشار الفئات الأكثر ضعفاً واحتياجاً للمساعدات بالدول النامية والفقيرة يجعلها الأولى بالدعم ومد يد العون.

زرعوا الشر وحصدنا المصائب

الدول الصناعية كانت هى الأكثر إسهاماً فيما نجنيه الآن من تغيرات مناخية خطيرة مدمرة.. فالانبعاثات الكربونية تنطلق من مصانعهم، والغابات الشاسعة لديهم تقلصت بفضل التدمير الممنهج لها، ومخلفات سفنهم وأساطيلهم البحرية أفسدت الحياة البحرية،ناهيك عن المخلفات النووية المدفونة بطرق احتيالية فى صحارى البلدان النامية.. كل هذا دفعهم لأكثر من مجرد الاعتراف بتلك الجرائم البيئية الضخمة.. إذ أن اتفاق باريس وميثاق جلاكسو للمناخ ألزم الدول الصناعية الكبري بمضاعفة التمويلات اللازمة لدعم الدول النامية من أجل التكيف مع آثار التغيرات المناخية.. ومثل هذا الالتزام ليس من باب التفضل أو المنحة غير المرتبطة بجدول زمنى، بل إن تسارع وتيرة التغيرات المناخية يلزم تلك الدول الغنية بتقديم كل الدعم العاجل حتى يمكن سباق الزمن لتحاشى الأضرار القادمة المدمرة للتغيرات المناخية فى الصيف والشتاء القادمين..

إن رؤية الأمم المتحدة تتمثل فى كون الجهود البيئية لا يمكن أن تسير منفردة، بحيث أن ما تبنيه دولة فى شأن مكافحة تأثيرات التغير المناخى تدمره دولة أخرى بجهالة أو غفلة أو قلة حيلة.. لهذا جاءت الدعوة لتكاتف الجميع من أجل إنقاذ الكوكب من مصير مجهول مخيف إذا تفاقمت آثار التغير المناخى إلى الحد الذى يصعب علاجه وتدراكه أو بعد فوات الأوان.. الإجراءات الاستباقية والاحترازية فى الشأن البيئى هى الأفضل لتحاشى كوارث طبيعية قد تكلف العالم أضراراً بشرية ومادية يمكن تجنب أكثرها بقليل من الاهتمام والجدية والسرعة فى اتخاذ القرارات وتحقيقها على أرض الواقع.

***

د. عبد السلام فاروق

قرار المحكمة الاتحادية ببطلان اتفاقية خور عبد الله.. ينبغي ان يتحول الى هبة شعبية لمواجهة الاستخذاء والتفريط بحقوق العراق...

- المادة 61 رابعاً من الدستور العراقي تنص على الآتي: "تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب".

- أصدر مجلس النواب قانون رقم (42) لسنة 2013 بتصديق الاتفاقية بين العراق  والكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله.

- تم الطعن أمام المحكمة الاتحادية بالقانون المذكور كونه جاء بالأغلبية البسيطة خلافاً للدستور الذي ينص على وجوب حصوله على ثلثي أعضاء مجلس النواب.

- لكن المحكمة الاتحادية العليا عقدت جلستها بتاريخ 18\12\2014 برئاسة القاضي مدحت المحمود وحضور جميع أعضائها وأصدرت قرار برد الطعن وأكدت أن التصويت عليه داخل مجلس النواب كان وفقاً للشروط الدستورية. وإن "قرار رد الدعوى استند إلى أن التصويت على الاتفاقية داخل البرلمان جاء وفق الدستور بالأغلبية البسيطة"...!

- ولأن قرارات المحكمة الاتحادية باته وملزمة فقد أذعنت الناس على طريقة "إذا قالت حذام فصدقوها ، فإن القَول مَا قَالت حَذَامِ"...

- حذام تقاعدت وحل محلها قاضٍ آخر وطاقم قضاة آخرين وقدم الطعن للمحكمة الاتحادية بنفس الصيغة ولنفس السبب فأصدرت المحكة قرارها القاضي ببطلان القانون المذكور وذكرت المحكمة في بيان لها أنها "قررت في جلستها المنعقدة في يوم الاثنين الموافق 4 /9 / 2023 في الدعوى المرقمة (105 وموحدتها 194/ اتحادية /2023) الحكم بعدم دستورية قانون تصديق الاتفاقية بين حكومة جمهورية العراق وحكومة دولة الكويت بشأن تنظيم الملاحة البحرية في خور عبدالله رقم (42) لسنة 2013 ".وأضافت أن "المحكمة أصدرت قرارها لمخالفة احكام المادة (61 / رابعا) من دستور جمهورية العراق التي نصت على "تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يُسَّن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب" .

المسؤولون في الكويت بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية ببطلان اتفاقية خور عبد الله يعولون على تراجع المحكمة الاتحادية عن قرارها وهذا لن يحصل لأن الموجود على رأس المحكمة الاتحادية وطاقمها لا ينتمون الى مفهوم قضاة السلاطين ، ولكن قد يلجأ السلاطين للالتفاف على قرار المحكمة الاتحادية من خلال تشريع جديد وبنفس المحتوى والمضمون يقدم لمجلس النواب ويحشدون له أغلبية برلمانية تحقق شرط الثلثين فتقف المحكمة الاتحادية في هذه الحالة عاجزة ...

خصوصاً وانه وعلى ذمة بعض الفضائيات فإن الكويتيين باتوا يهددون بفضح المسؤولين العراقيين الذين تسلموا منها رشاوى مقابل بيع خور عبدالله مالم يتراجع القضاء العراقي عن قراره ببطلان قانون اتفاقية الملاحة في خور عبدالله.  

الأمر الذي يتطلب من الفعاليات الشعبية ووسائل الإعلام كافة حشد جهودها للوقوف بوجه ساسة المحاصصة والفساد للتصدي لثقافة الأستخذاء والتفريط بحقوق العراق تلك الثقافة التي طبعت منهج حكام العراق منذ عام 1963 عندما تنازلت حكومة البعث الأولى عن حقول الرميلة وأراضي واسعة للكويت مقابل رشوة للمسؤولين مقدارها 30 مليون دولار كما أشيع في حينه، مروراً بمنح صدام لأراضي تفوق مساحتها مساحة الكويت كاملة للسعودية والأردن، وتنازله عن نصف شط العرب لرفسنجاني بعد انتهاء حرب الثمان سنوات بين العراق وايران واقراره بمعاهدة الجزائر لعام 1975 وليس انتهاءً بالتفريط بحقوق العراق البحرية في خور الزبير الى جانب الربط السككي مع ايران والذي يهمش الجدوى الستراتجية لميناء الفاو الكبير...

***

د. موسى فرج

"هذا استفتاء على ما يعتقده الناس عنا" الكاتبة والمؤلفة جاكي هوجينز من السكان الاصليين

في 14 أكتوبر 2023، سنذهب لنصوت في الاستفتاء التاريخي حيث سيكون لدينا سؤال من جزأين في الجزأ الاول سيُطلب منا الاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين في إطار الدستور، والجزأ الثاني التفويض بإنشاء صوت للسكان الأصليين لينقل قضاياهم للبرلمان والحكومة وفي حال نجاح الاستفتاء سوف يتم تثبيت الصوت في الدستور ولا يبقى خاضعاً لمزاج الحكومات.

من أين جاءت فكرة الصوت، في العام 2017 إجتمع قرابة 250 من قادة السكان الأصليين في اولورو واصدروا بيان عرف ببيان اولورو من القلب وطالبوا بالاعتراف بالسكان الأصليين في الدستور واقرار صوت لهم لنقل معاناتهم ومقترحاتهم للبرلمان والحكومة ومن اجل المصالحة الوطنية الشاملة.

هناك مؤيدون لهذا الأقتراح وهناك معارضون له ويعرف فريق المؤيدين بحملة (نعم) وفريق المعارضين يعرف بفريق حملة (لا) ولكل فريق اراءهم التي تدعم مواقفهم وقد قامت الحكومة الاسترالية بتوزيع كتيب على كل المنازل في أستراليا يشرح وجهتي نظر الفريقين.

شعارفريق نعم يقول: ان التصويت بنعم هو من أجل الوحدة، والأمل لأحداث فرق إيجابي ومستقبل افضل للسكان الأصليين (الابوريجينال) وسكان جزر مضيق تورر وكل الاستراليين.

وبالنسبة لهم التصويت بنعم يعني الاعتراف بحضارة عمرها 65 الف سنة واحترامها، الاستماع للسكان الأصليين، إحراز تقدم عملي في قضايا الصحة والتعليم والتوظيف والاسكان.

ويشرح فريق "نعم" ما هو الصوت ويقول: هو لجنة مشكلة من السكان الأصليين ستقدم النصائح للبرلمان والحكومة في القضايا التي تتعلق بهم وسوف يتمثل في هذه اللجنة السكان الاصليين من كل الولايات وسيتم أختيارهم من قبل السكان الأصليين أنفسهم.

الهدف من الصوت اتخاذ قرارات أفضل، الحصول على نتائج افضل، وتقديم خدمات بدون هدر الاموال.

وحسب فريق "نعم" فإن 80% من السكان الأصليين يدعمون الاقتراح.

نشير الى أن السكان الأصليين يشكلون 3% فقط من مجموع سكان استراليا البالغ عدده حوالي 27 مليون نسمة.

شعار فريق "لا" يقول: إذا كنت لا تعرف فصوت بلا،  ويعتبرون ان هذه الخطوة تشكل خطرا على النظام الحكومي المعمول بهً في البلاد، وهناك مخاطر كبيرة في ما يتعلق بالتحديات القانونية التي قد تنتج عن إقرار الصوت، ويقولون انهم يجهلون ما هو هذا الصوت ويريدون معرفة المزيد من التفاصيل، ويعتقدون انه عامل فرقة بين المواطنين، ويقولون ان العديد من السكان الاصليين ضد هذا الاقتراح، ويعتبرون ان تثبيته في الدستور عامل له تداعيات سلبية في المستقبل، وينظرون الى هذا التغيير على أنه اكبر تغيير على الديمقراطية الاسترالية في تاريخها. ورغم ذلك يزعمون اننا جميعاً نريد مساعدة السكان الأصليين المحبطين!

هناك خيار آخر تقترحه المعارضة لدعم الاعتراف بالسكان الأصلين وهو تعديل السؤال وحذف اقتراح الصوت من أسئلة الأستفتاء  وإجراء استفتاء الاعتراف بالسكان الأصليين الأستراليين بالدستور كأول شعوب هذه القارة معتبرة أي المعارضة ان هذا الامر سهل وهو صحيح.

المعارضون للصوت اصيبوا بهستيريا وقد لجاوا الى خطاب تضليلي ولأسباب سياسية بحته حتى ان زعيم المعارضة الفيدرالية قد ذهب الى حد القول الى انه على استعداد لإجراء إستفتاء جديد للإعتراف بالسكان الأصليين في حال فوز حزبه في الانتخابات القادمة وتشريع الصوت بقرار حكومي غير مثبت بالدستور وتشكيل لجان من السكان الاصليين على مستوى البلديات.

وكأن المعارضين يقولون بتكريس الجهل  في الوقت الذي يعيبون على الحكومة عدم إعطاء التفاصيل الكافية حول الصوت، حيث يتسالون ماذا  سياتي بعد الصوت الذي يعتبرونه خطوة اولى قبل المطالبة بمعاهدة وقول الحقيقة عن معاناة السكان الاصليين على يد المستوطنين الاوائل.

وصل الامر بفريق حملة "لا" الى حد التخويف من ان هناك من يطالب بالغاء يوم أستراليا الوطني الذي يصادف 26 كانون ثاني من كل عام والذي يعتبره السكان الاصليين يوم الغزو بالإضافة الى المطالبة بتغيير العلم وغيرها من المؤسسات والرموز وإعادة كتابة تاريخ أستراليا الى جانب المطالبة بتعويضات مالية.

كذلك انتقد فريق "لا" المطرب جون فانهم الذي قدم أغنيته انت الصوت لفريق "نعم" ليستخدمونها في الترويج للتوصيت بنعم ولم تنجو الشركات الكبرى من نقد  فريق "لا" بعدما اعلن معظمها تأييد الصوت علماً ان الشركات وفريق المعارضة ينامون في نفس السرير عندما يتعلق الامر بحقوق العمال!

مالكوم تيرنبول رئيس الوزراء الأسبق (أحرار) قال ان حكومته عارضت الإقتراح عام 2017 لكنه سوف يصوت بنعم لصالح الاقتراح، وأضاف ان التصويت بنعم من اجل تقديم الاحترام للسكان الأصليين حيث يمكننا معاً ان نطوي صفحة من التاريخ نحو العدالة وتابع علينا أن لا نسمح للمثالي والكمال بان يكون عدواً للخير.

محرر الشؤون السياسية في صحيفة سدني مورننغ هيرالد بيتر هارتشر كتب مقالة في 2/9/2023 بعنوان: هل الصوت للبرلمان خطر؟ دعونا نحصي المؤسسات الأخرى المشابه تمامًا

وعدد أكثر من عشرة هيئات إستشارية تقدم استشارتها للحكومة في كافة المجالات من الصحة الى التعليم والدفاع والضمان الإجتماعي والمالية والبنك المركزي… إنهم موجودون في كل مكان، ويقدمون المشورة بشأن كل شيء تقريبًا.

وختم مقالته بالقول: إذا كان أجدادنا يستطيعون أن يقولوا نعم في عام 1967، وإذا كان آباؤنا يستطيعون أن يقولوا نعم لحقوق الأرض، فإن هذا الجيل قادر على أن يقول نعم للجنة استشارية.

من الآن حتى 14 تشرين اول سوف نسمع المزيد والمزيد من حملات التضليل والهستريا السلبية من قبل حملة "لا" ولن يكون آخرها التهديد بالقتل والذي تحدثت عنه  إحدى زعماء السكان الأصليين البروفسورة مارسيا لانغتون التي زعمت في كلمة لها في نادي الصحافة الوطني في كانبرا (5/9/2023) أن التهديدات بالقتل والإساءات تستهدف المدافعين الرئيسيين عن التصويت بنعم في استفتاء 14 أكتوب.

في دعوة عاطفية للناخبين لإنقاذ الأرواح من خلال التصويت من أجل التغيير قالت لانغتون إنه "ليس هناك ما يدعو للخوف" من "صوت السكان الأصليين" وحذرت الناخبين من"خداع" نشطاء حملة "لا" الذين زعموا أن النتيجة ستقسم البلاد على أساس العرق.

أخيراً نشير الى ان إستطلاعات الرأي الاخيرة جاءت بنسبة %54 لفريق "لا" و46 لفريق نعم.

لكن رغم هذا الفارق فإن الاستطلاع الذي يعتد به هو يوم الاستفتاء والذي يحتاج الى أكثرية الاصوات على مستوى أستراليا واكثرية اربع ولايات من أصل الولايات الست حتى يعتبر ناجحاً

في الختام أعتقد ان الشعب الأسترالي سوف يضع خلف ظهره الماضي وينظر بعين الامل الى مستقبل أفضل وأكثر ازدهاراً لنا ولأجيال المستقبل…

ولذلك سوف أصوت بنعم

***

عباس علي مراد - سدني

واحدة من أهم التحديات التي تواجه عملية التحول للنظام الديمقراطي في معظم دول الشرق الأوسط خاصة تلك التي تم تغيير هياكل أنظمتها الشمولية بمساعدة خارجية مفصلية، هي كيفية التعاطي مع قوى المعارضة الجديدة، خاصة وأن غالبية الحاكمين بعد تغيير أنظمة دولهم كانوا معارضين سواء في الداخل وهم القلة أو في الخارج وهم الغالبية وتعرضوا لظروف قاسية سواء من كان منهم يعمل في الجبهة الداخلية او الذين غادروا البلاد ولجأوا الى دول الجوار وانطلقوا منها للعمل، وقسم ثالث لجـأ الى أوروبا او أمريكا للعمل السياسي والإعلامي الذي يتعلق بالرأي العام ومراكز القرارات الدولية، والصورة جلية في كل من العراق وايران وسوريا وليبيا وغيرهم من مناطق أخرى في العالم.

هذه التحديات توزعت على مجموعة عوامل او مؤثرات أهمها ما يتعلق بعدم تبلور ثقافة المواطنة التي تصدعت وتشوهت بل وتلاشت في كثير من البلدان ذات التنوع الاثني والديني والمذهبي، ناهيك عن التكلسات الشعورية التي أصيب بها غالبية المعارضين من الظلم والاضطهاد والاغتراب من قبل النظم المستبدة والتي تحولت هي الأخرى أي تلك المشاعر لدى العديد ممن اعتلوا دفة الحكم بعد التغيير الى شعور بالانتقام مستخدمين ذات الأساليب في التعامل مع من يخالفهم الرأي الى الحد الذي أصبح الانتقام المنظم ديدنهم بحجة انهم من اتباع النظام السابق!

وقد تجلى ذلك في سلوك الحاكمين بالعراق وليبيا وايران حيث تعرض اتباع النظم السابقة والمحسوبين عليهم حتى من أقاربهم او أصدقائهم الى عمليات اقصاء وابعاد واضطهاد وظلم كبير وصل الى درجات تجاوزت مستويات ظلم النظم السابقة، واعادت ذكريات بائسة من سلوكيات الأنظمة الشمولية بما أعاق عملية التحول الى النظام الديمقراطي، بل حصل العكس وبدلاً من إقامة دولة مؤسسات وقانون تحولت البلاد الى محكوميات ميليشياوية ممغنطة بفكر شمولي طائفي ضيق وعقلية قومية أو دينية متطرفة، حولت هذه البلدان إلى مراكز تكثف فيها الظلام ففقدت البصر والبصيرة وغمرت البلاد بكم هائل من الدكتاتورية البديلة والفساد!

ولعل أبشع ما يُمثل التعاطي مع المعارضة بعد تغيير الأنظمة الشمولية تتجلى في العراق وإيران وتركيا حيث مارست الميليشيات العراقية عمليات تصفية لعشرات الآلاف من المشتبه بهم فقط كونهم إما بعثيين أو متعاونين أو متعايشين مع منظمات الإرهاب أبان احتلالها للمدن والقرى، وغدت هذه التهمة حجة كافية لإعدام آلاف من الرجال وتغييب عشرين ألف شخص نسبة عالية منهم دون الثامنة عشر من العمر، ناهيك عما تقوم به إيران في إبادة المعارضين لها في الداخل بل ولم تكتف بذلك فقامت قواتها الجوية والمدفعية والصاروخية بقصف مخيمات اللاجئين من مواطنيها في إقليم كوردستان، وذات الفعل تقوم به تركيا في ملاحقتها لمعارضيها في العراق، أما ليبيا فحدث ولا حرج من الاقتتال والتصفيات على حساب السلم والأمن الاجتماعيين.

إنها إشكالية معقدة تعود في الأساس إلى فقدان بوصلة التربية والتعليم وأسس بناء الدول والمجتمعات، والفشل في معالجة مخرجات وتداعيات تلك الأنظمة الشمولية وما خلفته بعد انهيارها بعقلية معاصرة وبروح وطنية خالصة، لكن الذي حصل للأسف هو هيمنة العقلية الدينية والقبلية والمذهبية العنصرية المتشددة والمتطرفة في معظم مفاصل الدولة ومؤسساتها التي استخدمت كل هذه الوسائل والأدوات لإنتاج سلطة تشريعية بذات المواصفات، وقد نجحت فعلا في تعطيل القوانين والدساتير لصالح اغلبية أصحاب تلك الادوات وأعرافها البالية وتفسيراتها وتأويلاتها المنحرفة، والتي كانت وما تزال سبباً مهماً لعدم تقدم هذه البلدان ذات الإرث التاريخي والحضاري والثروات الهائلة، حيث التقهقر والبطالة والفساد وانتشار الميليشيات والسلاح والمخدرات.

***

كفاح محمود

عين حزبية برموش إقليمية ومسكارا أمريكية

كان حي دوميز في كركوك، عود الثقاب الذي أشعل بنزين أحداث كركوك الأخيرة. دوميز اشتعل في الـ 3 من أوغست الماضي بمصرع اثنين من العراقيين الأكراد بنيران قوَّات العراق الأمنيَّة. حصيلة الضحايا المدنيين  بدءً من دوميز ولحدِّ كتابة هذه السطور أربعة، ومن المتوقع منطقياً وللأسف ارتفاع هذهِ الحصيلة في الأيام القادمة، ما دام الاتفاق السياسي بين بغداد و"البارتي" الحزب الديموقراطي الكردستاني فيما يخص عودة الأخير للمدينة، يُشبه عُلبة كبريت كامِلة خرج منها عود دوميز لأجل التحمية في هواء العراق السياسي.

الزَّعم لكل من رئيس الحكومة السيد محمد شياع السوداني و"البارتي" بأنَّ العودة هي لأغراضٍ انتخابيَّة، لا يتفق مع تطنيش الأول والمقذوفات الإعلامية المُنخفضة الشِّدَة للثاني عن دوميز، والأحداث التي تراكمت في كركوك منذ بداية أوغست الماضي، مؤدية إلى المزيد من الأحداث المؤسفة في نهاية هذا الشهر الساخن. "البارتي" اختار بدايات سبتمبر الحالي، لاستخدام مدافع الشاشات الفضائية ومنصات السوشيال ميديا، لقصف الرافضين لعودته إلى المدينة.

 تطنيش رئيس الحكومة، انتهى في الـ 3 من سبتمبر، بإصدارِ مروحة قرارات، لتبريد هذه المحافظة الساخِنة بالقوميات والنفط. كان منها اقتراح تسليم هذا الحزب الكبير مقراً آخر غير "المقر المتقدم"؛ الذي يقع على طريق كركوك – أربيل، وبقاء هذا المقر السابق لـ "البارتي" تحت سيطرة قيادة القوات العراقية المشتركة. كذلك صبَّ رئيس الحكومة بعدها مزيداً من الاسمنت المُسلَّح على اقتراحه، بالإعلان  عن منح 500 مليار دينار شهرياً لحكومة كردستان العراق التي يُديرها "البارتي" حالياً، ورشِّ المحكمة الاتحادية الماء على هذا الاسمنت، بقرار إيقاف تسليم المقر المتقدم "حِفاظاً على السلم الأهلي".

ادعاء "البارتي"  بأنَّه يبحث عن عودة سياسيَّة لا أظافر أمنية فيها، لا يتفق مع وقائع الزمن القريب. مثلاً تقرير "هيومن ووتش" في 2014، أشار إلى قيام الحزب  بعد مضي شهور من الصراع مع داعش، بتفريغ القُرى العربية المحيطة بكركوك من السكان، مستعيراً أسلوب كهرمانة.. وضع إشارات على البيوت العربية بدل الجِرار، لتخليلهم كنازحين، واعتقال آخرين في سجون كردستان العراق. طبعاً، هذا إذا أردنا تناسي حضور يده الأمنية والمخابراتية الثقيلة.. الأسايش والباراستن. الحزب يتهمُ الرافضين لعودة قوات البيشمركة الخاصَّة به إلى كركوك، بأنهم ليسوا من أبناء المدينة وإنَّما ميليشيات إيرانية تحديداً ميليشيا عصائب أهل الحق.

عودة "البارتي" إلى كركوك، تأتي لضمان دعاية حزبية ذات أجراسٍ قوميَّة له، بأنَّه لم يخسر كركوك، وبالتالي تمزيق حظوظ منافسه "اليكتي" الاتحاد الوطني الكردستاني التي تسير في عربة حلفائه من "الإطار التنسيقي". النتيجة، ما حققهُ منافسنا بخيانة استرددناهُ بكرامة. تهمة الخيانة هي الذيل الإعلامي الذي يلصقهُ " البارتي" بمؤخرة كُل سياسات "اليكتي" مع بغداد.

جمال هذا التفسير مملوء بالسليكون الإعلامي رغم جانب الصواب فيه. لكن هذا السيليكون كما يبدو غير قادر على مجاراة حاسة الشم الحادة لأنف "البارتي"  فيما يتعلق بمطابخ القرار الإقليمية والدولية. هذا الأنف التقط في الـ 16 من يوليو الماضي، ممكنات زيارة السوداني إلى دمشق، والتي كان منها الاتفاق بشكلٍ مبدئي على تفعيل انبوب كركوك - بانياس النفطي، كبديلٍ محتمل لأنبوب النفط الواصل بين كركوك – جيهان، وتفكير بغداد أيضاً ببديلين آخرين هما كركوك – العقبة وتفعيل الممر الاستراتيجي بين البصرة – كركوك. عليه فإنَّ الضغط على بغداد سيتحوَّل إلى زرزور لا بد من اتفاقه مع عصفور المصالح التركية للطيران بعيداً عن قفص "البارتي".

بارود الرصاص التحذيري الذي انطلق من بندقية البيان المشترك لوزيَّريْ خارجية تركيا وإيران في الـ 4 من سبتمبر فيما يخصُّ كركوك " ندعم التمثيل المتساوي لجميع مكونات المجتمع في المدينة"، ساهم أيضاً في إطالة ساعات عمل أنف "البارتي". أمّا تحذير الوزير التركي هاكان فيدان من تصاعد "نشاط البككة في كركوك"؛ فقد دفع الحزب للتلويح بكركوك كـ " قنبلة موقوتة".

"البارتي" وفي نفس اليوم.. أي الـ 4 من سبتمبر، استخدم ضابطاً رفيعاً متقاعداً من البيشمركة كرسالةٍ زاجِلة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، للإعلان عن إمكانية زيادة عدد ألوية البيشمركة إلى 28 لواءً، والاستعداد بشكلٍ حقيقي هذه المرَّة لتوحيد قيادة هذه الفصائل بعيداً عن تدخلات "البارتي واليكتي". وبالتالي المُطالبة بحلِّ قضية كركوك فيما بين سطور هذه الرسالة الزاجِلة.

الحزب يعاني سورياً أيضاً من موقف واشنطن الذي بدا وسطاً، في النزاع الأخير ما بين العشائر العربية في دير الزور وقوات سوريا الديمقراطية "قسد". الاقتتال قد يؤدي إلى قطع ذراعه السياسي هناك.. تحديداً المجلس الوطني الكردي، والمُسيطر عليه من قبل نُسختيه السوريتين اللتين تحملان نفس الاسم "الحزب الديمقراطي الكردي"، لكن الثاني يُشير إلى نفسه اختصاراً بـ "البارتي". سببُ وجود هاتين النُسختين إن الأولى ترى ضرورة الاتفاق مع الحكومة السورية، أمّا الثانية فهي بالضد من الاتفاق مع دمشق!

موقف واشنطن الوسطي، يبدو تجربة ميدان؛ فـ "قسد" ليست مقبولة من جميع الأطراف المُنافِسة للولايات المتحدة في سوريا. العشائر العربية في مشهد شرق الفرات وغربه تبدو خياراً أفضل، وتركيباً أكثر مرونة لاستخدامها كخطوط حمراء مع أنقرة، طهران، ومع لاعبين محليين مثل كردستان العراق. أمّا بالنسبة إلى نزع سلاح المعارضة الإيرانية الذي تُطالب به طهران ويتردد "البارتي" بتنفيذه فهو يُحتِّمُ علينا الاستعانة بالتاريخ. السكرتير العام الأسبق للحزب الديمقراطي الكردي في لبنان جميل محو زَعَمَ في مُذكَّراته " إنَّ معظم المقاتلين في صفوف بيشمركة العراق هم من أكراد إيران". محو كان يتحدث عن  السنوات التي امتدت من 1961 إلى 1975، والتي تسميها الأدبيات العراقية الكردية بـ "الثورة". المؤكَّد أنَّ التاريخ لا يُعيد نفسه كردياً.. والله أعلم.

المُفارقة إنَّ دخول "البارتي" إلى كركوك حدث بعد استلامه الضوء الأخضر من قبل النائب وصفي العاصي، رئيس تحالف "العروبة" المُشكِّل من تحالف الجبهة العربية الموحدة وتحالف "العزم" الذي ترعاه ميليشيا العصائب، مما دفع رئيس الجبهة التركمانية حسن توران إلى التلويح بمقاضاته. ما حصل يؤكد إنَّ "البارتي" خسر ثمن جهود تلميع النظام في واشنطن، من خلال فُرشاة كلمات عضوه البارز ووزير خارجية العراق الحالي فؤاد حسين في فبراير الماضي. كلمات الوزير كانت مؤثِّرة والدليل كركوك.

جماعة "الإخوان المسلمون" في العراق حاولت مع نائبٍ سابق في البرلمان العراقي ومحلِّل سياسي حالياً، التذكير بدور مسعود بارزاني المُشرِّف في استقبال العراقيين النازحين من مناطق البلاد الغربية، والفارين من "داعش" بعد أن قيَّدتهم بغداد بسياسة "الكفيل" على جسر بزيبز. لكن القول "لولا بارزاني ثُمَّ عون الباري لما بقي سُّنة في العراق" كان أسلوباً راقياً جدَّاً ولا يتناسب مع أخلاق التحالف مع طهران، ولم يُقدِّم خدمة سياسية رفيعة لرئيس حزب "تقدم"، تعوِّضُ موقفه نصف الجالس ونصف الواقف من رجوع "البارتي" إلى كركوك "نحن مع عودة الحزب لكن بطريقة قانونية وبدون صدامات سياسية".

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب  وصحافي وباحث عراقي

سمعنا صوت ابنة عالم الاجتماع عليّ الوّرديّ(1913-1995)، تناشد مَن ينصرها لاسترجاع دار أبيها، لتكون مُتحفاً لتركته الفِكريّة، فالعلامة ليس لديه سوى راتبه من التّدريس، وما درت عليه كتبه، وهي أكثر المنهوبات، فقد ظهر وكلاء متعددون، كلٌّ أعلن أنه صاحب التّخويل بطبعها، واستنسخت بغزارة، بل استلت فصول منها، ونُشرت في كتب.

أقول: لو عاد ريع كتب الوَرديّ على أسرته، لشيدوا منازلَ بها، ذكرتُ ذلك لأن كتبه سارت بها الرُّكبان. صرف الوردي جُل ما استلمه لتأسيس مكتبة يُنتظر أنها ستكون جزءاً مِن متحفه الموعود: «لا أملك مِن حِطام الدُّنيا سوى مكتبتي، وداري التي أسكنها»(المطبعيّ، عليّ الوردي يدافع عن نفسه). استباح أدعياء التخويل الكتب، أمّا الدَّار فمرهونةٌ عند العشيرة، لأنها «أصدق أنباءً مِن الكتبِ».

كان للورديّ فضلُه في عضد المدنيّة العراقيّة، فكيف يلوذ بعشيرةٍ أو مذهبٍ، فلم يعترف إلا بالدَّولة، ولذا ظلّ لقبه «الوّرديّ»، مِن دكان لبيع «ماء الورد». احتفظ العراقيون بألقاب المهن، التي يشتركون بها، على مدى العصور، ومنها بيع الورد ومائه، فقديماً عُرف قاضي القضاة عليّ بن محمَّد بالماورديّ(ت: 450هج)، عهدي البويهيّة والسُّلجوقيَّة، صاحب «الأحكام السّلطانيَّة»، لكن آل الوردي رفعوا الماء وأبقوا الورد.

جاء في المناشدة: «مثلما تعرفون أن عليّ الورديّ يدعو إلى المدنيَّة، إلى التّحضر، إلى الإيمان والعمل بالقوانين، فنحن طلعنا مثله، ما عندنا عشيرة»(فيديو المناشدة). جاءت المناشدة بعد تهديد عشيرة السّاكن في منزلهم، منذ أربعين سنةً، ويرفض تطبيق قانون الإخلاء، قالت العشيرة: «هذا البيت لا نُخليه، لو قاتل، لو مقتول».

لا يريد آل الوردي تبديل العشيرة أو المذهب المدنيَّة التي سهر والدهم على دعمها، في مؤلفاته وحواراته. عندما تضعف الدّولة تستشرس الفرعيات، ويبدو أنَّ الذين نُهبت أرضهم بالجادريّة مؤخراً، تعاملوا مع واقع الحال، فلجأوا إلى المرجعيات، وبذا قدموها بديلاً عن الدَّولة. هذا ما لا يستوعبه ورثة الورديّ، وكتب والدهم وأفكاره ما زالت مفتوحة أمامهم، ناطقةً. يُخيل لي أنَّ العشائريَّة، بعد تمكنها، أرادت الثّأر، فالوَرديّ لم يدخر انتقادها، «دراسة في طبيعة المجتمع العِراقيّ»(1965) «تكوين الشَّخصية في الرِّيف»، انتقدها عندما كان «قانون العشائر» سارياً.

كان رئيس العشيرة يحكم عشيرته، والعراقي، في ظل القانون المذكور، استغنى عن الدّولة، لأنّها لا تتجاوز العشيرة، ومع ذلك كان للدولة حضورها آنذاك، فتمكنت حكومات إضعاف العشائريَّة، ثم عادت ودعمتها لحاجة، فظهر مصطلح «شيوخ التِّسعينيات»، غير الأُصلاء. فإذا كانت العشيرة تلاحظ الدّولة وتحذرها، فالآن صارت تقول: أنا الدَّولة، الدَّولة أنا، وكل حزب يريد العشيرة رافعةً له، فماذا عن عشائر «الإسناد» مثلاً؟

مازالت أسرة الورديّ، مع جبروت العشائريَّة وأسلحتها الثَّقيلة، تحلم بعون دولة، التي تحولت إلى فرع والفرعيات إلى دولة، فعند مَن ناشدتهم لا قيمة لمنزل يُراد له أن يفتتح مُتحفاً لتخليد عالم اجتماع، مقابل تهديد العشيرة «لو قاتل لو مقتول»، ونحن في زمن الحقّ ما قاله أبي تمام(ت: 231هج):«السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ/ في حدِّهِ الحدُّ بين الجدِ واللَّعبِ»(الصُّوليّ، أدب الكاتب). فماذا تعني كتب الوردي مقابل سيف العشيرة، وفي ظل احتجاب الدَّولة؟!

نعم، قامت الدّاخليّة (يوم 28 أغسطس 2023) بإخلاء البيت، ويُنتظر تسليمه لأسرة آل الورديّ، لكن المُغتصَبات مِن البيوت لا تُعد ولا تُحصى ببغداد، ولو كان الوضع سليماً، هل يحتاج إخراج مستأجر إلى أرتال عسكريّة! هذا، وعندما يتكاثر المتنفذون تبرز للظُلمِ رؤوسٌ، ولأبي الطّيب (اغتيل: 354هج): «ظُلمٌ لذا اليوم وَصفٌ قبل رؤيته/ لا يصْدق الوَصْف حتّى يصدقُ النّظرُ»(العُرف الطّيب في شرح ديوان أبي الطَّيب). نعم، كان ظلماً مسموعاً ومرئياً، أنّ العشيرة والميليشيا اليوم أَصْدَقُ أَنْبَاءً.

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

تشكلت معظم الاحزاب السياسية العراقية، العربية والكوردية والتركمانية وغيرها، المشاركة في الحكم في ادارة الدولة العراقية ما بعد 2003 والتي يرجع تاريخ تأسيس البعض منها الى النصف الأول من القرن العشرين، والأخرى حديثة العهد والنشأة، تشكلت وفق أصول فكرية وعقائدية وأديولوجية مؤسسة لكينونتها وبنيتها ونظامها الداخلي والخارجي، السياسي والاجتماعي والثقافي، وهذا ما نلمسه لدى الأحزاب الدينية الاسلامية والعلمانية على حد سواء، فلكل منهما أصول وأسس فكرية ونظرية تستند عليها للعمل السياسي والجماهيري، واقناع كل حزب لجماعته ومتبعيه بما يملك من أفكار تغذي الزخم الفكري والعاطفي لديها لتحقيق الكسب والجذب المادي والمعنوي في تحركها نحو أكبر قطاع ممكن من الناس، ويتضح ذلك من خلال ما نجده من أدبيات وخطابات وكتابات فكرية وأيديولوجية منتشرة ومبثوثة بين جماهير كل قطاع يعمل المؤسسين لها على نشرها وتقديمها لقطف ثمارها، وتعمل الجماهير المتبعة لها على تبنيها والدفاع عنها بصورة مقدسة كما لو أنها شيء مقدس لا يمكن مناقشته، وتبذل الغالي والنفيس في الدفاع عنها، لما تحويه من أفكار وتوجهات منسجمة مع التوجه الفكري والاعتقادي لكل جماعة تسير خلف ذلك الحزب أو ذاك، مؤمنة ايمان العجائز بقدرة هذه الاحزاب على امتلاك الحل السحري للخروج بها من الانفاق المظلمة الى بر الامان، سياسياً واجتماعياً وروحياً، وهذا ما نلاحظه ونلمسه في واقع الشعوب والمجتمعات العربية عامة، وواقع المجتمع العراقي على وجه الخصوص، ولا بأس أن تؤمن الجماهير بذلك لو تم لها تحقيق ما تصبوا اليه من حقوق وحريات وامكانات وثروات ورفاه وتقدم، وتطابق العمل السياسي مع ما تنادي به تلك الاحزاب من خطابات وشعارات وأهداف، ولكن الكارثة العظمى ان الجماهير تسير خلف احزابها دون نظر أو تمحيص وغارقة في فقرها وبؤسها حد النخاع، وهي متلذذة بهذا المسير وتلك الطاعة العمياء لمن يقودها.

فيما يخص الاحزاب السياسية الدينية الاسلامية الحاكمة في الدولة العراقية فأن لديها مرجعيات ونظريات وأدبيات دينية اسلامية أشتقت اصولها وأسسها وفق مرجعياتها التأسيسية الدينية التي آمنت بها، وفق الشريعة الاسلامية، وعلى هذا الأساس بنت أفكارها ونظرياتها وقدمت برامج سياسية واجتماعية واقتصادية دينية وفق ذلك المنظور، وهذا ما نجده في أدبيات وكتابات الاحزاب السياسية الشيعية والسنية على حد سواء، فقد طرحت تلك الاحزاب رؤاها ومبادئها وفق المشروع الاسلامي المثالي، الذي يتمنى الجميع تحقيقه وتطبيقه بين الناس، لما يحمل من أفكار ونظريات انسانية ذات سحر عميق، تُمني الفرد والمجتمع بتحقيق الكمال والسعادة والرفاه والحرية والانسانية بين الناس، وهذه أمنية ما بعدها أمنية، ولكن واقع الحال بعيد عن ذلك تماماً.

خرقت الاحزاب السياسية الاسلامية دستورها ونظامها وخانت مرجعياتها وأصولها بعد أن تسنمت الحكم وشاركت في ادارة الدولة فعلياً، وتحولت كل افكارها وطروحاتها الى خطابات وشعارات فارغة لا قيمة لها على أرض الواقع، وتمرغت تلك الاحزاب في وحل السياسة والحكم ونزعت ثوبها القديم لتواكب العصر والواقع الجديد الذي تمثلته وتفاعلت معه، ونسيت كل وعودها الساحرة التي وعدت به جماهيرها ان تسنمت مقاليد الحكم، وتلك هي المصيبة الكبرى على ارض الواقع، فقد تحولت تلك الاحزاب المناضلة والمجاهدة الى أحزاب دكتاتورية طاغية تعمل عمل الطغاة والحكام الذين ناضلوا وجاهدوا وجدوا واجتهدوا في محاربتهم، فهم اليوم يسكنون مساكنهم ويحيون حياتهم ويسيرون سيرتهم، وما أشبه اليوم بالأمس، وكأن عقارب الساعة تعود الى الوراء من جديد.!!

الملاحظ تاريخياً وواقعياً ان أغلب الاحزاب السياسية تقدم طروحاتها وأفكارها وفق أجواء ساحرة ومثالية طوباوية تسحر به أتباعها ومريديها وتعمل على كسب وجذب عقولهم وعواطفهم، ولكنهم حين يمكنون من رقاب الناس ويستلمون دفة الحكم تتغير مسارات التفكير والتنظير وتتهافت كل المبادىء والاهداف التي طرحت في ساعتها الأولى، وهذا ما يلاحظ من خلال الرجوع لتاريخ هذه الاحزاب قبل استلام الحكم وبعده، فهناك بون شاسع بين لحظة التنظير والتأسيس ولحظة الممارسة والحكم، وتلك مشكلة كبرى تعاني منها الشعوب على مر التاريخ، وهذا شرخ كبير وازداوجية وخيانة عظمى ما لها من علاج، وهي مصداق لقول الله تعالى في القرآن الكريم : "كلما دخلت أمة لعنت أختها"، و " كل حزب بما لديهم فرحون"، وتلك هي الكارثة المهلكة، أن تنظر بعيونك الرمداء ولا تبالي لمن هم يبصرون.!!

ومن الجدير بالذكر أن مبادىء وأهداف وطروحات وتنظيرات الكثير من الأحزاب السياسية ليست خاطئة، بل سليمة وناجعة، ولكن الخلل والفشل في التطبيق، فحين نقرأ أدبيات وطروحات بعض الاحزاب السياسية الحاكمة نجدها ذات أفق وعمق كبيرين، ومنها من يتشكل وفق مرجعيات وأسس دينية تارة، وتارة فلسفية، وتارة أخرى علمانية أو قومية أو علمية، ولا ضير في ذلك، فكلها تنشد العدالة والحرية والمساواة وتحقيق الرفاه واسعاد الناس على مستوى التنظير، ولكنها على أرض الواقع تخفق في تحقيق ذلك وتسعى لتلبية طموحاتها الحزبية الضيقة، وتكون تلك الخطابات والشعارات جسر للعبور  وتحقيق مكاسبها الذاتية، وهذا ما نلاحظه في سيرة ومسيرة الكثير من الجماعات والاحزاب، فخيانة الاهداف هو خرق كبير تمارسه الاحزاب بعد تسلمها ادارة الحكم وتمكنها من رقاب الناس، وتخليها عن تنظيراتها المثالية الساحرة التي ضحت الجماهير من أجلها، وقد تقدم تلك الجماهير قرابين من الشهداء والدماء والتضحيات ساعة كانت معارضة لحاكم أو سياسة ما، وتعود صفر اليدين بعدما تتسلم الأحزاب المعارضة دفة الحكم حين تقضي على الحزب أو القائد الحاكم السابق، وفي الحالتين تعود الجماهير خائبة خاسرة، لأنها وقود المحرقة، وجسر العبور الذي يصعد على أكتافه من يجيدون قواعد اللعبة.

لعلّ سائل يسأل ما هو سبب تسليط الضوء على خيانة الاحزاب السياسية الاسلامية العراقية لجمهورها واهدافها ومرجعياتها، ما دام الأمر ينطبق أيضاً على معظم الأحزاب السياسية الحاكمة بمختلف توجهاتها ومسمياتها وكياناتها، فنحن أمام طبيعة بشرية وظاهرة سياسية ومجتمعية عامة لا تخص حزب دون آخر، وانما تشمل جميع من في الحكم، ولعلك تشوه بهذا التفسير والفهم الصورة لحركة الاحزاب السياسية الاسلامية ذات التاريخ النضالي الكبير، وبذلك تقدم هدية ثمينة على طبق من ذهب للأحزاب الأخرى المعارضة للتوجهات الاسلامية أن تصعد وتتصدر المشهد السياسي وادارة الدولة العراقية، وهناك الكثير مما يثير علامات الاستفهام والتعجب من قبل جماهير تلك الاحزاب الدينية الذين يثيرهم أو يزعجهم مثل هذا المقال.!!

ولكنني أجيب عن ذلك التساؤل والاستفهام بأن شعبية الأحزاب الدينية الاسلامية في العراق كبيرة جداً، فضلاً عن تاريخها الجهادي والنضالي وتقديمها للشهداء والتضحية في مقارعة السياسات والحكام الظالمين هذا من جهة، ومن جهة أخرى وهو الأساس فأنها ترجع في أصولها وفكرها وتنظيرها الى الشريعة الاسلامية التي تسعى نحو احقاق الحق وتنظيم حياة الفرد والمجتمع وبناء دولة انسانية عادلة يعيش فيها الناس بخير وسلام، وهذا ما يدعو له الاسلام في نصوصه المقدسة، والتي جندتها تلك الاحزاب وضمنتها في أجنداتها الحزبية وأدبياتها الأيديولوجية في تحقيق نزعة انقاذية خلاصية كمالية مقدسة تجذب الجماهير نحوها. ولكن للأسف كانت تلك الدعوات شعارات وخطابات طوباوية ساحرة فارغة مات مفعولها منذ وصول تلك الأحزاب للسلطة واستلامها دفة الحكم، وتبخرت كل الاحلام السعيدة، وأصبح ذلك التنظير والتفكير الحزبي المعسول قارب النجاة للوصول للسلطة والحكم من قبل المتحزبين، وجنت الجماهير منه البؤس والشقاء والحرمان، وتلك هي الخيانة الكبرى التي قدمتها الاحزاب السياسية الاسلامية على طبق من ذهب لأتباعها وجماهيرها المخلصة والمعذبة على مر التاريخ، وللأسف فأننا نلدغ مرات ومرات من ذلك السلوك المأساوي المشين، ونعود مرة أخرى نصفق ونزمر ونطبل لتلك الأحزاب كما لو أننا في سكرة غافلين، وما هذا المقال النقدي الا لتصحيح المسار ودعوة للصحوة وأنقاذ ما تبقى من وطن نحلم فيه بالبقاء والنهوض به وحمياته ممن يتزيون بزي الدين والاسلام والوطنية، واالسعي لأستعادة ثقة الجماهير بأحزابها ومن يمثلها، وحماية التاريخ المضرج بالدماء والشهداء لهذه الأحزاب الحاكمة الحالمة بالأصلاح والتغيير وبناء الدولة الديمقراطية الجديدة قبل أن نخسرها ونفقد ما تبقى منها وتزول التجربة السياسية ما بعد التغيير برمتها وعودة عقارب الساعة الى الوراء لا سمح الله.  

***

ا. د. رائد جبار كاظم – أستاذ فلسفة / الجامعة المستنصرية

ان القصد من كتابة هذه الحلقات هوتقديم قراءة معاصرة ونظرة جديدة للدين الذي ضاع بين عمائمه منذ البداية فلا خلفاء أولون حفظوه ولا دولة اسلامية طبقته، له قرآن واحد لا يختلف فيه مختلفون، لكن فقهاء التخريف فسروه قبل ان تكتمل اللغة العربية وتتركز في تجريداتها الاساس لذا ظهرت فيه نظرية الترادف اللغوي التي مزقت المعنى الواحد وحولته الى معانٍ مختلفة، حتى اصبح ناقوس خطرٍ يدق للتنبيه في عالم شغل عن كل شيء الا عما تربطه بالملهيات والمغريات ونصوص الدين التي تحولت الى احاديث كاذبة، وشرائع فاسدة، وادعية واساطير الاولين، ليحكمنا بها التاريخ حتى وصلنا الى مرحلة الانحطاط والظلم الكبير،

ولتحكمنا هي بالاخرة والمقدس الوهمي والاموات المقدسة التي تجاوزها الزمن في التفكير، ولا زلنا نهرول خلفها ونقيم لها الاحزان بالملايين من الجهلة والمخرفين، والا لماذا يحولون مناسبات الاحزان الى غلو سياسي يخربون فيه البيئة وعقول الناس اجمعين زيادة على تخريب المغيرين السياسيين الفاسدين.

، ما هكذا كان الدين واهل البيت يُقدسون، فما هي سوى اصنام للكافرين، التي حطمها ابراهيم "انها لا تنطق ولا تعي"، اصحوا يا عراقيون فالله عرف قبل محمد عند عرب الجاهليين واحترم اكثر من عرب المسلمين، فبلدكم اصبح في مهب الريح سكناً للخائنين.ز. بعد ان اهملوا الوطن والمواطنين، وحقوق الناس اجمعين ولاهمَ لهم الا السلطة والمال، فهل كان ومازال الدين خُرافة تلعب به عمائم الدين، انا واثق لو اننا بلا دين لكنا اليوم مثل اليابان والصين.

نحن لا نريد اخرتكم لنعيش في دنياكم مذلولين خذوا الجنة وحور العين والولدان المخلدون وما ملكت ايمانكم يا سُراق الآدميين، نحن نريد حقوقنا الحياتية قبل الأخروية الوهمية التي بها تدعون، والتي أكلتموها بدون وجه حق ايها الفاسدون، وفرقتم بين المواطنين في الحقوق يساندكم الاعلام الفاسد في التثبيت والتخريف، بينما من يعيش منا في بلاد الكافرين له كل الحقوق في الأمن والامان والكفاية والعدل واولادكم وذراريكم واموالكم المحوله اليهم يشهدون، كفاية في ازدواجية الشخصية عندكم وانتم تدعون الدين واسلام المسلمين الذي شوهتموه عمدا ترضية للاخرين، وفي بلدانكم القتل والتغيب والتفريق، فلاندري عن اي دين تتكلمون وبأي شريعة فاسدة تحكمون، ؟

علينا ان لا نبقى نصدق ما كتبه المؤرخون والفقهاء الكاذبون كالطبري واليعقوبي وابن الأثير، لنا بروح التعصب الديني ونكران الحقيقة، حتى اصبحنا نحن والاسلام في غياهب الجب من الاسلام الصحيح، نريد اسلام الله الصحيح لا اسلام الفقهاء المزوربالاحاديث الكاذبة والمذهبية المفرقة للصفوف، والنصوص المزورة من الغريب.من امثال البخاري ومسلم وبحار الانوار وغيرهم من البويهيين من ناقلي كذب الفاسدين.

ان ما حصل ويحصل اليوم تحت سمع وبصر المسئولين في اربعينية الحسين (ع) واضحاً انه غلو سياسي القصد منه تفرقة العراقيين ليسهل عليهم بلع الوطن ومافيه من موارد المواطنين اضافة الى افساد الافكار وتحويلها الى خرافات لينتقل الشعب الى ما كان عليه في عهد البويهيين والسلاجقة ليظهر لنا من جديد الشيخ المفيد والماوردي وكيف هم يتناحرون ويختلفون حتى تركزت سياسة التفرقة واصبحت دينا وشريعة بين المواطنين، لا ما هكذا كانت اهداف التغيير ايها الكافرون بالوطن والدين.

فهل فقدنا الامل في وجود من يستطيع القيام منا بالبحث والتدقيق في اصول التاريخ والدين، وتصفية ما يحتاج الى تصفية مما شابه من عدم الدقة، وسوق التفسير للنص والخبر التاريخي على عواهنها مما اساء الى الامة والدين معا، خاصة وسط ضجيج الاعلام الفاسد الذي همه الوحيد مركزية الحكم ومن يديرها من الفاسدين واللصوص الذين ضحكوا على الناس بأسم الوطن والاموات الصالحين والدين،

الكتابة اليوم يجب ان تبتعد عن الشعر والنثر والقصص وأخبار الآولين والدين، يجب ان تخضع للمقياس الحضاري، اي لمعايير التحكيم المادية والمعنوية وقيام المجتمعات العربية والاسلامية على التفاهم والتعاون والمحبة ورفض الاحتكار الديني والمذهبي والقومي الذي علمنا على التحايل والانانية والقانون الذي تنفذه قوة غالبة. يجب حرق كتب المذاهب وشروحها الباطلة واتلاف كل ما كتبه رجال الحديث امثال مسلم والبخاري وبحار الانوار وغيرهم من الدجالين لنتجه لكتابة حقيقة الدين لا اوهام مرجعياته الصنمية الجالسة على الحصير، لا تهش ولا تنش سوى تمتمة المقادير.زيجب الانتقال الى مرحلة الوعي الفكري المتجدد الذي صعدت به الشعوب لما ترغب وتريد.

لا انغلاقية مؤسسة الدين

كفاية ياشعب تخضع لهذه الشلل الفاسدة التي ضيعتك باسم الدين وحجج والدك والطم والاربعينيات التي مضت عليها القرون والمزارات الوهمية التي صبغوا شوارعها بالدم الاحمر ومنائر الاولين حتى بدى الوطن وكانه ستالين غراد بين المحاربين غلفتها بالمقدس الديني الوهمي بغية الحصول على الاموال وتغليف فكرك بالوهميات دون تاصيل.

لم تعد الحكومات العربية والاسلامية تمثل الشعوب الا ما ندر بعد ان انفصلت الطبقة الحاكمةعن جماهير الامة في عالم الاسلام حتى انحصر فسادها على افرادها، وبقيت كتلة الشعوب سليمة البنيان رغم الفقر الشديد لذا تراها بين الحين والحين تثور على الفاسدين فتجابه بقوة الحديد والنار لكنها لن تموت" ثوار تشرين 19 نموذجا".لكن هذا التدهور قد انحصر يوما بعد يوم في اخلاقيات نظم حكم الفاسدين.

وستبقى نظم الحكم الفاسدة والخائنة تلتحف بلحاف الدين وتحت سيطرة كهانه المتخلفين المستبدين الذين لا قيمة للانسان في نظرهم، ولا معنى للعدالة عندهم، وهم يدعون الدين.يخربون المدن وافكار الناس ويعتبرونهم عبيدا ليضحوا بهم في سبيل مصالحهم الباطلة ويتحصنون بمدن مسورة يصعب الدخول اليها ليمارسوا قوانين الظلم والفساد والجنس "المنطقة الخضراء الكريهة نموذجا".بينما يجب الغاء هذه المنطقة العفنة التي يتحصن فيها اعداء الشعب واسكان المسئولين بين الشعب ليعرفوا مدى قيمتهم بين المواطنين.

ان كل ما يُقال من عظمة القانون وتنظيماته عندهم فهو وَهم لا تصدقون، فهم يعيشون بلا قانون بعد ان اعتقدوا ان طبقاتهم فوق القانون.وان موارد الدولة ملك سائب لهم دون رقيب، حكام العراق برئاساته الاربعة التنفيذية والتشريعية والقضائية ومعهم الرئاسة العليا التي صاحبها اصبح ديكورا لا يهش ولا ينش، .زنموذجا لاختراق القانون، أغبياء ان كنتم تصدقون، ؟؟

الشعوب تحررت بالفكر النير لا بتوصيات وصراخ رجال الدين، كفاية فقد حان الوقت للتخلي عن التعصب، يجب الاعتراف ان الحقيقة الدينية تتغير وتتطور، وليست هي مطلقة ومنقوشة فوق حجر.فأين قياداتكم الدينية التي تؤمن بدين التحرر من الفساد والخيانة واكل اموال الشعوب، ؟ تدعون انكم ثوار، فالثورات اساليب يرتبط نجاحها بتوفر القيادات المخلصة والاهداف الواضحة والبناء السليم، فاين انتم منها ايها الفاسدون من اكلة اموال الشعب وقتلته ايها المجرمون.

على الشعوب ان تحرر نفسها بأيديها ولا تنتظر ما يقوله المتعصبون الكافرون بالانسان والقيم وما قال به الله رب العالمين، ان الحاكمين الاغبياء نسوا شيئا واحدا هو ان الثروة المفرطة لن تستطيع شراء الصادقين، تنبهوا يا منحرفين يا نهابة الشعوب فمن حكم العدل وصل، ومن حكم الباطل مات واندثر.لكم الخزي والعار ايها الفاسدون، حكام الوطن المجرمون، يا ايها الذين بعتم حتى الذي لا يباع من اجل نفوسكم الخسيسة الفاسدة لتبقون تتعايشون مع مفاسد الزمن والسنون،

ان اخطر ما يريدون تحقيقه هو تحويل الشعب الى دمى فاسدة تهرول خلف المفاسد وتنزع القيم والاخلاق، هكذا يريدون، نأمل ان لا يساق العراقي نحوكم، ولو ان بعضٍ منه تحقق اليوم في ظل حكمكم الاسود اللامعقول.

انتم الطغاة، لا تستحقون الحياة لانكم تسعدون بسرقة حياة الناس.ز قاتلكم الله انا تؤفكون.

***

د.عبد الجبار العبيدي

هي معركة (عين جالوت) التي قضت على الهجمات الهولاكية، وأنقذت البشرية من صولات الإبادات الجماعية المؤيَّدة بأوهام وهذيانات إعتقادية مروِّعة.

وهي من الإنجازات البطولية الحقيقية المغيّرة لمسيرة التأريخ، والمستعيدة لهيبة وعزة الأمة، والمنطلقة بها إلى مواطن جوهرها، والمؤكدة لإرادتها الأبية المؤيدة بنصر عظيم ومقيم.

وهي دليل على أن الأمة لا تتحطم، وإن إنكسرت وتمكن منها الغدر والتعاون مع أعدائها والطامعين بوجودها.

فالأمة تبقى طودا شامخا، معبرا عن مسيرة الإنسان بما فيه، وما يمر به ويبدر منه، وهي المطواعة المتحملة المقتدرة الكانزة لطاقة القوة والإقتدار، وعلى أجيالها أن تفعّلها، وتنطلق من جذور منبتها الأصيل.

ولابد من الإشارة إلى أن فردا مؤمنا بجوهر أمته وإرادة صيرورتها الأبدية العلية، يستطيع إستنهاضها وتأمين مقامها الحضاري الرفيع.

ولنا أن نتعلم من سلوك (قطز)، الذي بعث الحياة في أمةٍ حسبت أنها ماتت ولن تقوم لها قائمة!!

أولا: كيف هزم قطز هولاكو؟!!

سؤال لم يتم البحث في الإجابة عليه، إذ كيف لرجل أن يتحدى، ويؤمن بأنه سينتصر على عدوه، وهو أقل منه عدة وعددا، ودولته كانت تعيش إضطرابات وإنشقاقات داخلية، وقواته مشتتة.

من أين أتته تلك الإرادة والثقة لينطلق لمواجهة هولاكو ولا ينتظره ليأتي إليه؟

وكيف تجرأ على قتل مبعوثيه، وتعليق رؤوسهم في ميادين القاهرة ؟

إرادة فرد واحد هزمت جيشا، يُشاع عنه أنه من أعتى الجيوش وأكثرها توحشا وفتكا ودمارا.

لكي نعرف منبع هذه الإرادة الإنسانية المطلقة المشرقة، التي حطمت وجود إمبراطورية كانت تطمح بسيادة العالم، لابد من التعرف على صاحبها.

قطز إسم أطلقه عليه المغول، وإسمه غير ذلك، وهو من عائلة ذات شأن، وتربى على أنه أمير،  لكن المغول إجتاحوا بلاده وقتلوا أهله وأسروه صبيا، وباعوه عدة مرات حتى إنتهى به الأمر في مصر، بعد أن إشتراه مَن إشتراه، فهو إنسان ذو ثقافة حضارية ودينية، ومن عائلة قيادية، وفيه موروثات القيادة ومهاراتها وعزيمتها.

وبسبب ما فيه من الطاقات والقدرات، تمكن أن يتقدم في دولة المماليك بمصر، ويتسنم زمام القيادة فيها.

ولا ننسى أن تجربته مع المغول لسنوات أطلعته على طبيعتهم ومصادر ضعفهم وقوتهم، وأكدت له بأنهم ضعفاء مهزومون، لكنهم يعتمدون على الإشاعات المرعبة، وما يجندونه  من أبناء القبائل وهم يزحفون نحو أهدافهم.

ولهذا لم تخيفه تهديدات هولاكو، وحربه النفسية ضده، بل جابهها بسلوك غير مسبوق، وإرادة لا تخطر على بال؟

وكان صادقا في تقديراته وفهمه لهذا الجيش الواهم بأنه لا يُقهر، خصوصا بعد أن دمر بغداد وما تبعها من حواضر الدول العباسية.

فإنطلق بإرادة واثقة وعزم شديد، مع مَن إستطاع أن يحشدهم معه لإنجاز مهمته، وتمكن في معركة  "عين جالوت" أن يهزم المغول شر هزيمة ما قامت لهم قائمة بعدها مهما حاولوا.

وقُتِلَ أثناء عودته من إنتصاره، بسبب الخيانة والتنافس على الكرسي، لكنه أنقذ البشرية من خطر عظيم، كان يتهددها، بل حمى أوربا من المارد السفاح.

وهذا يعطينا درسا عمليا على أن الإرادة هي الأساس، فعندما تتحطم الإرادة تقع الهزيمة، فالشعوب تنتصر بإرادتها لا بسلاحها وقوتها وحسب!!

ثانيا: إنبثاق الأمة بإرادة قطز!!

سقوط بغداد على يد المغول بقيادة هولاكو لا تزال لغزا محيرا، لأن الدولة العباسية كانت قوية عدة وعددا، ولم تكن ضعيفة ماديا وعسكريا كما يُشاع ويُدّعى، فهي دولة ذات خبرات طويلة متوارثة متراكمة وقادة أشداء محنكين وذوي قدرات عسكرية فذة، ولم تكن الدولة سهلة على المعتدين، ولا بغداد بيسيرة السقوط والدخول والإحتراق.

لكن المشكلة أن الخليفة العباسي لم يكن صاحب إرادة بحجم الدولة والمسؤولية الملقاة على عاتقه، فتخاذل وتهاون وتكاسل، وما إحتاط ولا عزم ولا تحدى ولا إستبسل، وتوهم الصلح والسلام وتجنيب البلاد والعباد الحرب، وكان قد إرتكب خطيئة مروعة وإتخذ قرارا إنتحاريا، فحصل الذي حصل، رغم كل ما يُقال ويأتي به المبررون والمحللون والمعللون.

فالعيب كان في الخليفة لا بغيره، وقد عكس ضعفه وخذلانه على الناس من حوله، فما أشاع في نفوسهم غير مشاعر الهزيمة والخوف والرعب والإستسلام، وما إمتشق سيف التحدي والمبارزة والعمل بإرادة الإيمان والذود عن الحياض بصولة همام.

إذ كانت قوة وعدة الخليفة في بغداد أعظم بمرات من قدرات "قطز" في مصر، الذي كان يواجه صعوبات وتحديات متنوعة، لكن إرادته وبسالته وروحه المؤمنة كانت أعظم وأحزم وأعزم، فما إستسلم وإنما تحدى وأقدم.

وهولاكو خان، (1217-1265)، وفترة حكمه (1256-1265)، تحت قيادته إجتاح المغول بغداد عاصمة الخلافة العباسية، بعد حصارها وقتل المستعصم بالله آخر خليفة عباسي في يوم الثامن من شهر شباط عام 1258، فسقطت عاصمة الدنيا على مدى خمسة قرون.

وما كان هولاكو قويا كما يُشاع أيضا وإنما طائشا ومندفعا ومتوهما بالقوة والإقتدار، ومعه الكثير من الخونة العرب أو الذين يجيدون العربية، وحرروا له رسائل لتفتيت الإرادة وزعزعة روح المقاومة والإستبسال، فكان ينتصر برسائله وإشاعاته وحروبه النفسية التي تسبقه كالعواصف والأعاصير، فينخدع الناس ويصيبهم الذعر فيتمكن منهم ويفتك بهم.

وهذه الأساليب مت إنطلت على ملك مصر آنذاك، وإنما قوبلت بقوة نفسية ظافرة وإرادة قاهرة، وطاقة إيمان عامرة وعزيمة وافرة وحنكة قيادية ماهرة، ولهذا في معركة (عين جالوت) تحقق الإنتصار وهزيمة التتار وإبادتهم عن بكرة أبيهم،  بقيادة الملك المظفر (سيف الدين قطز المعزي)، الذي تم إغتياله في (23-10-1260)، بعد خمسين يوما من إنتصاره المبين، وقد حكم لأقل من سنة، أنجز فيها إنتصارا غيّر مسيرة تأريخ البشرية، وكان نداؤه " وا إسلاماه...يا ألله يا جبار أنصر عبدك قطز على التتار".

وهذه ظاهرة غريبة أن يقتل الناس قادتهم الأفذاذ ويرعون قادتهم الضعفاء الممعنين باللذائذ والفساد، ربما لأنهم أفيد للحاشية من القادة العظماء.

وصرخة "وا إسلاماه" المعبَّر عنها بالفعل الواعي والإدراك الحضاري السامي، إنتصرت على الإرادة الهولاكية، ودحرت أحلامها وشتتها فتداعت وإنهزمت، وتحوّل إبن هولاكو إلى الإسلام بعد وفاة أبيه، وحُمِلت رايات الإسلام إلى أرجاء الأرض الشاسعة.

والهولاكية تبدو وكأنها ظاهرة تتكرر في هذا الزمان وفقا لمعطياته، وما فيه من مفردات تقنية وإتصالية ومعلوماتية.

وما يجري في المنطقة بأسرها ما هو إلا توجهات هولاكية تدميرية إنتحارية، بقيادة الهولاكيين القادمين من كل حدب وصوب، والممولين بقدرات الشر وضلالات النفوس الأمارة بالسوء ، التي إنطلقت فأسقطت بغداد، وأحرقتها وأحالتها إلى خراب.

وكما هزم قطز بإرادته وإبائه الهولاكية القديمة، فأن قدَرَنا أن نهزم الهولاكية الجديدة، التي تريد إجتياح المنطقة بأكملها، وأمتنا لقادرة حتما على القضاء على هولاكية الزمن المدلهم بالويلات.

هذه الهولاكية الجديدة ذات نهج عقائدي أعمى خطير يسعى إلى إبادة الدين بالدين، والإنتقام لموروثات أحقاد سحيقة غائرة في متاهات العصور.

فالزمن العنيف صار يحتشد بالهولاكيين، الذين إذا قارنتَ بهم الطغاة والمستبدين، لتبين بأنهم كالمَلاك الرحيم!

وثقة الأمة قوية وراسخة بأن الهولاكية المعاصرة سيتم هزيمتها بقائد ستنجبه وسينطلق بها ، وتمضي تحت رايته في إعلاء صوت الحق لدحر إرادة الباطل والفساد، وهذا القائد عليه أن ينادي "وا أمّتاه"، لكي يعيد للأمة كرامتها ويضعها على سكة الطريق الحضاري المنير.

فاستحضروا إرادة "وا" وكونوا ببعضكم أفذاذا لا أندادا!!

ثالثا: القِطْزيّة!!

القطزية نسبة إلى "قطز" الذي حكم مصر لأقل من سنة واحدة (1259 - 1260)، الملقب بالملك المظفر سيف الدين، إسمه قطز محمود بن ممدود بن خوارزمشاه.

ولد في (2\11\1221)  ببلاد ما وراء النهرين، وأغتيل بالصالحية في مصر في (24\10\1260) من قبل الظاهر بيبرس، بعد خمسين يوما من نصره الذي غيّرَ مسار التأريخ.

والقطزية إرادة أمة تتجمع في فرد مؤمن مغوار ينقذها من رقدة العدم.

وقد تجسدت هذه الإرادة الملحمية الإيمانية المطلقة في شخص السلطان "قطز"، وبموجبها إنتصر على التتار في معركة "عين جالوت" (3\9\1260) أي بعد أقل من سنتين من سقوط بغداد.

إذ خرج بجيش لا يمكن مقارنته بجيوش التتار، لكنه مسلح بإيمان مطلق بالله، وبأن الله سينصر عبده، ولا ينقض عهده، فكان له نصرا مبينا، وفتحا أمينا، وهزيمة نكراء لهولاكو وجنده، لم يتحمل هوانها فمات بقهره وذله بعدها!!

تلك المعركة الأسطورية التي لم يفها التأريخ حقها، لأنها نور وأنوار، وإرادة أمة تجلت بصيحات أللهم أنصر عبدك وجندك على المارقين.

إنها معركة إنتصار حق على باطل، ومؤمن على غادر، وتعبير عن صوت الله الإيماني الهادر.

القطزية حالة تتكرر في الأمة، وأظنها قد إقتربت من ظهور قطزها الذي سيعيد لها جوهر ما فيها من الإقتدار.

وإن النصر من عند الله، للذين عاهدوا الله وصدقوا، والله صادق وعده!!

فلماذا لا يوجد في الأمة ما يشير إلى "قطز"؟!!

ولماذا لا تستلهم الأجيال روح "قطز"؟!!

وفي الختام هذا البطل الهُمام المقدام تجلت فيه إرادة أمة لا تُستضام، فكان مستوعبا لجوهرها وعزيمتها، وما تكنزه من طاقة إقدام، وبفعل نشأته وتجربته، إنبثقت في أعماقه عزتها وكرامتها، ومقامات أمجادها ورفعتها وسموها وشأنها العظيم، فأبى إلا أن يترجم صوتها ويخمد أنفاس الطامعين بها، بصولة روح مطلق مدجج بالإيمان بنصر من الله وفتح قريب!!

***

د. صادق السامرائي

......................

* بمناسبة ذكرى معركة عين جالوت في (3\9\1260)، أي قبل 763 سنة.

توطئة: يحظى الطبيب في كل دول العالم بالاحترام والتقدير، لأنه هو المصدر الرئيس للوصول الى مجتمع سليم صحيا، ولأن كل فرد في المجتمع يحتاج الطبيب ليجعله يعيش حياته مستمتعا بصحته.. بل أن الأطباء يعتبرون جزءا من السياسة العامة لدفع الحكومات من أجل توفير سياسات الرعاية الصحية لأفراد المجتمع.. وأن لهم دورا حتى في تقليل الفجوة الصحية بين الأغنياء والفقراء.

ويتميز الطبيب العراقي بتصدره مكانة مرموقة في دول المنطقة، لأنه بني على أساس علمي رصين يعود الى عام 1927 يوم تأسست الكلية الطبية الملكية العراقية التي سُميت لاحقاً كلية الطب في جامعة بغداد، بجهود نخبة من الأطباء الدارسين والعائدين من كلية الطب في إسطنبول بينهم كبار معروفون: سامي شوكت، هاشم الوتري، فائق شاكر، وصائب شوكت.. مع اطباء إنجليز برئاسة هاري سندرسن. ولهذا حظي الأطباء العراقيون بمكانة محترمة في داخل العراق ودول الخليج ودول العالم .. في مقدمتها بريطانيا التي لو قرر الأطباء العراقيون فيها العودة الآن الى العراق لأختلت الخدمات الطبية فيها.والمخجل، أن هذه المكانة المحترمة التي تمتع بها الطبيب العراقي من عام 1927.. اطيح بها الآن .. فمن كان السبب: الدولة؟ الطبيب نفسه؟ المريض؟ ام العشيرة؟

توثيق ما حصل

مع ان الأعتداء على الأطباء العراقيين موثق ب(فديوهات) وصار حديث الأعلام والشارع، فاننا نستزيد هنا بما وثقته وكالات وجهات مختصة من ان الاطباء العراقيين تعرضوا في السنوات العشرين الاخيرة الى حوادث اعتداءات مستمرة استهدفت العشرات منهم داخل المستشفيات، وتعرّض كثيرين منهم الى ضرب مبرح من قبل افراد عشيرة المريض . وتوثق شفق نيوز في تقريرها 6 / 8/ 2021 (ان 85% من الاطباء يتعرضون يوميا الى الاساءة اللفظية والبعض يتعرضون للضرب).

ولقد استطلعنا الرأي بخصوص هذه الظاهرة المخجلة والخطيرة وغير المسبوقة، فكانت النتائج ان 37% عزوا السبب الى خطأ غير مقصود يرتكبه الطبيب، فيما رأى اكثر من 60% ان السبب يعود الى قوة العشيرة وضعف الدولة.

شيوع الرذيلة.. سبب!

ان اوجع وافجع ما حصل للشعب العراقي حدث بعد تشكيل اول حكومة دستورية عام 2006 والحكومات التي تلتها، لأنها اشاعت ما كان يعد خزيا (الفساد) الى شطارة وانتهاز فرصة، وكان هو السبب في تهرؤ الأخلاق وانتهاك القيم الذي ادى الى انتشار كل الرذائل في المجتمع، بما فيها الطائفية والتعصب العشائري .. في مفارقة ان خيمة النظام الديمقراطي جمعت الدولة و العشيرة معا، وما دروا ان العشيرة تبتلع الدولة في النظام القائم على الطائفية والمحاصصة.

وبدءا من تلك السنة(2006) ازداد استهدف الأطباء.فوفقا لوكالة الرأي في ( 4/7/2006) ثم قتل 224 طبيبا وجرح 150 آخرين ونزوح اكثر من الف طبيب خارج العراق. واستمر الحال الى الآن .. تؤكده وسائل اعلام عراقية وعربية بينها الجزيرة بتقريرها في (25/2/2023) الذي استهلته بقولها:

(شهد العراق خلال الفترة القليلة الماضية العديد من عمليات الاستهداف لعدد من الكفاءات العلمية المعروفة بين اغتيال أو خطف..). ووثقت روايتها بان (مدينة بعقوبة شهدت عملية اغتيال طالت طبيبا معروفا متخصصا بجراحة القلب يدعى أحمد المدفعي)، وأن نقابة اطباء العراق أبدت (قلقها على وضع الأطباء في المحافظة، في حين قررت نقابة صيادلة ديالى تعليق العمل في الصيدليات إلى إشعار آخر، منددة بهذا العمل الذي وصفته بـ"الإجرامي" الذي بات يستهدف الكوادر الطبية والكفاءات).

شيوخ العشائر

شغلني سلوك شيوخ العشائر فرحت ابحث في تاريخهم عن علاقتهم بالحاكم تحديدا، فوجدت انهم كانوا يقفون مع الأقوى. ففي التقرير الذي أعدته دائرة الاستخبارات البريطانية في العراق عن مشايخ ولاية بغداد سنة 1917، يذكر مترجمه الدكتور عبد الجليل الطاهر أن بعض شيوخ العشائر كانوا متعاونين مع الإنكليز، وأنهم كانوا يحصلون منهم على الرشوات، وأن الإنكليز استعملوا أساليب الإغراء وتلويث الضمائر واستطاعوا شراء ذمم بعض شيوخ العشائر.

وكان الحكم الملكي هو العصر الذهبي لشيوخ العشائر، اذ صاروا فيه أصحاب ثراء فاحش وجاه عظيم واعتبار اجتماعي كبير وسلطة يستعان بها في إدارة البلاد وضرب المعارضة السياسية. وكان دورهم في البرلمان مثار سخرية الناس وإطلاق النكات عليهم، من قبيل التصويت داخل البرلمان على قرار برفع الأيدي، وكان أحدهم نائما في المجلس ولما أيقظوه رفع يده وقال"موافج.. يعني موافق" دون أن يعرف ما هي القصة!

وفي زمن النظام الدكتاتوري، عمد صدام إلى تشكيل ما أطلق عليه (شيوخ أم المعارك).. اشترى ذممهم بدفع هدايا مالية ومسدسات وامتيازات أخرى، لقاء قيامهم بالسيطرة على أفراد عشائرهم وأن يكونوا عيونا للسلطة في مناطقهم، واستجاب عدد منهم طمعا بـ(التكريم) أو دفعا لشرّ طاغية لا يرحم. ومثل هذا حدث أيضا في النظام الديمقراطي، إذ التقى رئيس مجلس الوزراء الأسبق (نوري المالكي) بعدد من الشيوخ بقصد كسب أصوات أتباعهم في الانتخابات وتأييدهم لشخصه حصلوا فيها على (مسدسات) تبدو في ظاهرها تكريما فيما هي في حقيقتها شراء موقف. وفي (20 نوفمبر 2019) التقى رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي عددا من شيوخ العشائر ليستعين بهم في قمع انتفاضة اكتوبر/ تشرين. وهذا حال كل الحكومات العراقية.. إنها تستميل إليها شيوخ العشائر حين تشعر بخطر يتهددها، وإنها تجزل العطاء لمن يتعاون معها، وإن عددا من الشيوخ يستجيبون لذلك حتى لو كانوا يعلمون أن الحكومة على باطل.

ومع ان قادة الأحزاب والكتل السياسية يستخدمون نفس نصيحة (المس بيل) لأسيادها، بكسب رؤساء العشائر بالرشا و(المسدسات)، فانهم (رؤساء العشائر) وجدوا انفسهم بعد 2006 انهم اقوى من الدولة الذين يستجدى قادتها ودهم، فوضعوا الدولة في جيوبهم وداسوا على القانون باقدامهم، وياويل الطبيب الما عنده عشيرة قوية اذا مات مريض ادخلوه غرفة الأنعاش وهو معه.. فهو اما مهان او مقتول او دافع لتعويض (يكسر الرقبه).واذا كان الطبيب من عشيرة، والمريض (المتضرر) من عشيرة اخرى، فان عشيرة المريض (تنفض كوامه) على عشيرة الطبيب تطلب فصلا (نسوان!) و تعويضا (ملايين)!.

ما المطلوب؟

أمران: الأول، تفعيل القانون يحدد بالصريح بان اي اعتداء على طبيب يعتبر جريمة يعاقب عليها بالحبس او الغرامة او بكليهما. ويوضح لأهل المريض المتضرر بأنهم اذا كانوا يرون ان الطبيب ارتكب فعلا خطئا، وان كان غير مقصود.. فان عليهم تقديم دعوة لأجراء التحقيق يصل الى تحديد ما اذا كان ما حصل خطئا او تقصيرا من الطبيب أم مضاعفات طبية.

والثاني، عقد مؤتمر لكبار شيوخ العشائر يتوصل فيها الى اصدار وثيقة شرف تمنع الاعتداء على اي طبيب او اخذ تعويض منه، واعتماد القانون بوصفه القاضي الذي يحكم بالعدل.

بهذين الأجرائين .. تعاد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللأطباء كرامتهم وشعورهم بالأمن والحد من هجرتهم.

بقي ان نقول ان كلامنا نرجو ان لا يفهم بصيغة التعميم على شيوخ العشائر، فهناك عدد كبير منهم ادانوا هذه الظاهرة المخجلة، وهناك عدد آخر اقاموا خيما بساحة التحرير مع شباب انتفاضة تشرين، وآخرون شاركوا في تظاهرات شعبية وهزجوا مع المتظاهرين ( نواب الشعب كلهم حراميه).. وعلى هؤلاء الشيوخ الأجلاء يكون رهاننا في القضاء على ظاهرة مخجلة وغير مسبوقة في تاريخ الطب في العراق، تعيد للدولة هيبتها وللقانون سيادته وللطبيب مكانته التي كان يتمتع بها عبر مائة سنة.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

هل ستعود إفريقيا للأفارقة بعد التحرر من النفوذ الغربي عامة، والفرنسي خاصة؟ سؤال ستجيب عنه الأيام والشهور والسنوات القادمة، إثر الانقلابات التي قادها العسكريّون في مالي وبوركينافوسو وتشاد والنيجر والغا بون، ويبدو أنّ الحبل مازال على الجرار.

لقد مرت بالقارة الإفريقيّة، منذ بداية الكشوفات الجغرافيّة، جحافل من الغزاة القادمين من القارة العجوز، وقد أزجت سفنهم وقوافلهم البريّة والجويّة الأطماع الاقتصاديّة، المتمثّلة في الثروات الظاهرة والباطنة، والمعادن الثمينة التي تزخر بها القارة السمراء. إنّه الربيع الإفريقي، بعد الربيع العربي، لكنّ يبدو أنّ الربيع الإفريقي أكثر وعيا ونضجا من الربيع العربي الذي بدأ في الشارع سلميّا، ثم ما لبث أن تحوّل إلى خريف من العنف و الدمار والخراب والحرب الأهليّة التي أحرقت الأخضر واليابس، وكان الخاسر الأكبر فيه المواطن العربي المطحون برحى سلطة الاستبداد . أمّا الربيع الإفريقي، فإن أكبر الخاسرين جرّاءه هو فرنسا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي.

إفريقيا الحاليّة في حاجة إلى العلم والعمل والحريّة بعيدا عن الديمقراطيّة الغربيّة الزائفة. ديمقراطيّة العالم الغربي حمّالة أوجه، فهي في المجتمعات الغربيّة حريصة على حريّة المواطن وكرامته وحقوقه المدنيّة والسياسيّة، ولكنّها عندما تحط رحالها بإفريقيا تغيّر أثوابها، من خادمة للرعيّة إلى خادمة للراعي الخائن لرعيّته. ومن وسيلة للتنميّة المستدامة إلى وسيلة لنهب ثروات الشعوب وإلى مجرّد شعارات فارغة، تكرّسها انتخابات مزوّرة وأحزاب تابعة تنشر الفرقة والعداوة بين الشعب الواحد ليسود الحاكم المستبدّ، وبرلمانات تشبه دور الحضانة، ودساتير تتحكّم فيها أهواء السياسيين وحكومات تتصرّف في ثروات الشعب دون وازع قانوني أو أخلاقي، وكأنّها تلك

الثروات ملك لزيد أو عمرو، وعدالة عاجزة عن تمكين العدل والمساواة، تسيّرها الأهواء عن قرب وعن بعد. إنّ التخلّف والديمقراطيّة ضدّان، لا تماثل بينهما. وإنّه لمن العور السياسي والعقلي السعي إلى بناء مجتمع ديمقراطي في كنف الجهل والتخلّف الثقافي والاقتصادي والاجتماعي. بل إنّ الديمقراطيّة الحقيقية هي التي تصون حريّة التفكير والتعبير وتحقّق التنميّة الشاملة، وليست ديمقراطية العربة الفارغة.

و على هذا الأساس، فإن مصير إفريقيا، لم يكن أبدا في أيدي الأفارقة. لقد خرج الغزاة من الحقول، ولكنّ سياستهم وأطماعهم بقيت معشّشة في عقول بعض النخب التي غرفت ثقافتها من المدرسة الكولونيالية الاستعماريّة. اكتشف الشعب بعد نفاد صبره حقيقة تلك النخب الخائنة لتطلّعات شعوبها، الموالية لمحتل الأمس قولا وفعلا. إنّ بكائيات تماسيح أوروبا على النظام الدستوري في النيجر والغابون، وعلى مصير ابتنهم المدلّلة، وأعني بها الديمقراطيّة العرجاء والعمياء في إفريقيا. إنّها مثل بكائيات وصيّ خائن على أيتام بلغوا رشدهم، وأدركوا ما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات.

آن الأوان لكي تعود إفريقيا الغنيّة للأفارقة. ففي إفريقيا كلّ مقوّمات التنميّة؛ إفريقيا غنيّة بشبابها وثرواتها وعبقريّة نخبها الوفيّة لأوطانها، اللصيقة بشعوبها. تحتاج إفريقيا إلى قادة وسياسيين أمناء على المال العام، يقدّمون المصلحة العامة على مصالحهم الخاصة، ويؤمنون بأن السلطة شرف للمواطن والمواطنة الأمينة، ومنبر للعطاء والتضحيّة بالنفس والنفيس، لا مخفرا لسرقة المال العام ونهبه وتهريبه إلى بنوك الأعداء والأصدقاء.

إن إفريقيا قادرة على تحرير نفسها من كل الأوبئة السياسيّة والجوائح الاقتصاديّة والعلل الاجتماعيّة، وهي ليست في حاجة إلى تدخّلات أجنبيّة من الغرب أو الشرق، إذا تضافرت جهود أبنائها المخلصين وصدقت نواياهم واشرأبت أحلامهم.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

شهد العالم بصورة عامة موجة تحرر واسعة ليس فقط على صعيد واحد وإنما على مختلف الأصعدة منها الإجتماعية والثقافية والاقتصادية، ولعل الإقتصاد العالمي كان الأكثر تأثراً وذلك من خلال انفتاح الأسواق على العالم أجمع فتكثفت الحركة عبر الحدود للسلع والخدمات والتقنيات ورأس المال. ومن محاسن تلك الموجة أنها هيأت الفرص للنمو الإقتصادي على جميع المستويات المحلية والعالمية وكان لها الأثر في الإنتعاش الإقتصادي العالمي وتحرير الأسواق التجارية. ان هذا الانفتاح والتحرر من القيود المفروضة على تبادل السلع يمكن أن نطلق عليه العولمة الإقتصادية، التي يمكن اعتبارها ثورة كبرى على إحتكار الأسواق التجارية ورأس المال، فقد كان للعولمة الإقتصادية أثر كبير في دمج التجارة والاقتصاد المتقدم مع التجارة والاقتصاد الأقل نمواً وكذلك لها الأثر الكبير في تقليل التعريفة الجمركية وفتح الحواجز التجارية بالإضافة إلى فتح الإستثمار للشركات الأجنبية وعدم حصر الإستثمار بجهة واحدة بحيث تسيطر على جميع الموارد كالسيطرة الحكومية فأصبح من السهل استقدام الشركات الأجنبية من جميع أنحاء العالم للعمل والإنتاج .

وبالرغم من هذا الانفتاح الكبير الذي شهده العالم فقد كان التأثير عكسي على أغلب الدول النامية وقد زادت المشكلة أضعاف ما كانت عليه وذلك من خلال ذهاب الاستثمارات المالية الكبيرة للدول المتقدمة فبقيت الدول النامية والفقيرة على حالها وازدياد نسبة الفقر نتيجة لتلك الفجوة التي حصلت من العولمة الإقتصادية، ولعل لتقلبات الأسعار ورأس المال أثر واضح على تلك البلدان إذ تسببت في تعرض البنوك للأزمات فيؤدي بالتالي إلى هروب المتملكين لرأس المال بأموالهم إلى خارج البلاد، وبالإضافة إلى ما يحدث من غسيل الأموال التي تكون نتيجتها خسائر كبيرة لهذه البلدان من خلال تفشي الفساد وتلاعب بموارد الشعوب في هذه البلدان. ووفق الأبحاث والدراسات لعلماء الإقتصاد فقد وضعوا بعض الحلول التي تعتبر مهمة لنهوض الدول النامية حتى تصل إلى صفوف الدول المتقدمة ومنها.. زيادة التنمية وخفض الإنتاج الحكومي، إعادة التوزيع والخدمات الحكومية فمن خلال إعادة التوزيع يولد فرص كبيرة للعمل والاستثمار، تشجيع الاستثمارات الأجنبية من خلال تسهيل المعاملات وتوفير الأمن لها، المساهمة في إقامة مشاريع كبيرة وكذلك توفير القروض، وتسهيل عمل القطاع الخاص من خلال إعطاء موافقات لعمل شركات خاصة والعمل على دعم المشاريع التنموية للقطاع الخاص . ورغم كل تلك المقترحات تبقى الإرادة من قبل الحكومات في تطوير بلدانها هي الأساس للوصول إلى الأهداف المنشودة وتقدم البلدان النامية مع صفوف البلدان المتقدمة.

***

سراب سعدي

ليس سراً ما فعلته الصين فى السبعين سنة الأخيرة.. الخطة كلها معلنة لكن لا يقرأها أحد!

عندما تفهم الأساس الذى قامت عليه الصين الجديدة ربما تشعر بالأمل ، لأنه نفس الأساس الذى قد تسمعه فى أية محاضرة عادية فى سائر الدول النامية! إنها فكرة الاعتماد على الإنسان كمورد رئيسي والاهتمام به كمصدر أول لكل تقدم..مسألة الاهتمام بالعنصر البشرى هى الأساس الذي ترتكز عليه رؤية مصر 2030 لاستثمار عبقرية المكان والإنسان والارتقاء بجودة حياة المصريين.

الخدعة الصينية!

منذ بدء قيام الصين الشعبية عام 1949 وحدوث التحول الجوهرى فى منظومتها القيادية والإدارية على كل المستويات، بدأت الصين بالارتماء فى أحضان الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولى بكل قوة..لدرجة أن أمريكا ظلت طوال الوقت تعتبرها حليفاً مخلصاً، أو قل تابعاً وفياً!

ومنذ أواخر تسعينيات القرن الماضى، بدأ بعض المنظرين والمفكرين فى الانتباه للخط البيانى الصاعد باستمرار فى مؤشرات الاقتصاد الصينى وأنها تقترب بشكل مخيف نحو المؤشرات الأمريكية وتكاد تتفوق عليها، لهذا دق بعض هؤلاء المنظرين جرس الإنذار فى محاولة لتنبيه صناع القرار فى أمريكا أن استمرار الصعود الصينى بهذه الوتيرة يعنى أن الوقت سيأتى سريعاً لتصبح أمريكا رقماً ثانياً فى معادلة الاقتصاد العالمى، وهو ما لا تسمح به أمريكا..

وجاءت أحداث 11سبتمبر2011 لتتحول بوصلة الاهتمام الأمريكي إلى مكافحة الإرهاب ولاشئ آخر..هكذا سنحت الفرصة للصين لتستغل انشغال أمريكا بحروبها الوهمية والمصطنعة حتى تنطلق انطلاقتها الكبري. وبمجرد أن أفاقت أمريكا وهى تحصى غنائمها وخسائرها من حربها الطويلة الدامية فى العراق وفى أفغانستان حتى عادت إليها هواجس التفوق الصينى المنذر بنزع تاج الزعامة من رأس العم سام! هنا فقط بدأ التحرك الفعلى لإعاقة التنين الصينى ونزع أجنحته ومخالبه..

الأمر بدأ مع تولى ترامب مقاليد الحكم، حيث تم الدفع بقضية الصعود الاقتصادى الصينى على قمة أولويات أمريكا.. هكذا بدأ اتخاذ إجراءات اقتصادية تعسفية ضد الصين، وظهرت قضية شركة هواوى المفبركة، كما ظهرت فى أواخر العهد الترامبي قضية أخرى لم نعلم مدى صدقها من كذبها، وهى قضية التجسس السيبرانى الكبير على مؤسسات فيدرالية، وهى القضية التى اتخذتها أمريكا ذريعة للبدء فى المرحلة الثانية من المواجهة ضد الصين، حيث تحولت الصين فجأة من صديق وحليف إلى العدو الأول لأمريكا!!

المرحلة الثانية من المواجهة الأمريكية الصينية بدأت فى أوائل ولاية جو بايدن..عندما قرر سحب جزء كبير من قواته فى ألمانيا والشرق الأوسط لإعادة التموضع فى خطوط المواجهة مع روسيا والصين.. هكذا تحركت القوات الأمريكية على تخوم الحدود الأوروآسيوية، وفى بحر الصين الجنوبى استعداداً لما سيأتى..ونحن نعلم ما جرى بعد ذلك..إذ تم جرجرة روسيا لخوض حرب طويلة على حدودها مع أوكرانيا، وكان يتم التخطيط لجر الصين لحرب مثيلة فى تايوان إلا أن الصين بدت أكثر دهاءً من أن تنطلى عليها الخدعة الأمريكية المتكررة، فحاصرت تايوان لكنها أبداً لم تقتحمها..

النتيجة هى أن الولايات المتحدة الأمريكية تنزف بشكل مستمر نزيفاً اقتصادياً دفعها لرفع الفائدة مراراً، وتسبب فى انهيار بعض البنوك الكبري مع الاضطرار لرفع سقف الدين الخارجى بعد صراع بايدن مع الكونجرس، والبقية تأتى..فيما ظلت الصين تكسب أرضاً جديدة كل يوم بتحالفات اقتصادية ومكاسب مستمرة كان آخرها ما تم من إقرار البنك الدولى باعتبار اليوان الصينى من العملات المقبولة لرد الديون لدى دول أمريكا الجنوبية!

ضربة البريكس

مع النزيف الاقتصادى المستمر فى المعسكر الغربي.. معسكر حلف الناتو وعلى رأسه أمريكا.. حدث ما لم تتوقعه أمريكا ولا دول الحلف الأوروبي وعلى رأسهم فرنسا..لقد انسحب البساط الإفريقي من تحت أقدامهم بشكل سريع ، والأهم أن العداء والكراهية ضد هذا المعسكر تتصاعد باستمرار غير مسبوق..

سلسلة مستمرة من الانقلابات العسكرية تمت فى الغرب الإفريقي، آخرها ما حدث بالجابون والنيجر ومن قبلهما بوركينا فاسو، لتجد فرنسا نفسها فى موقف لا تحسد عليه..وأصبح التهديد بالتدخل العسكرى فى إفريقيا من جانب فرنسا لا يزيد الوضع إلا اشتعالاً وتفاقماً.. ما يعنى أنه حتى لو قررت فرنسا إعادة استعمار تلك الدول فإن ردة الفعل ستكون أسوأ من المتوقع، وشدة الكراهية والرفض لكل ما يمثله الغرب المستعمر والقوى الغربية سوف تسارع بوتيرة صعود نجم المعسكر الشرقى أمام المعسكر الغربي.. الأول بما يمثله من وعود باستثمار آمن يضمن للشعوب حقوقها، والثانى بما يمثله من استغلالية وانتهازية ونهب للشعوب تحت سطوة السلاح وهيمنة التهديد باستخدام القوة فى حالة نزع ثوب التبعية المهين والتخلى عن قيود الاستعمار بالوكالة.

ثم جاءت قمة البريكس لتزيد الطين بلة، وليقف أمامها المجتمع الغربي عاجزاً لا يدرى كيف يرتق سلته الاقتصادية بعد أن غزتها الثقوب من كل جهة..هزيمة أوكرانيا، وارتفاع سعر النفط، وخروج روسيا من اتفاقية الحبوب..والآن ها هى مجموعة البريكس تضم أعضاء جدد من حلفاء أمريكا القدامى، ويخرج بوتين عليها بخطاب منذر باستهداف الدولار، واستخدام كل الأدوات الاقتصادية المتاحة لدحره!

معجزات حققتها الصين

سبعون عاماً فقط كانت كافية لتقفز الصين من ذيل القائمة إلى قمتها.. فكيف حدث هذا؟!

حتى ثمانينيات القرن الماضى كان نصيب الفرد من الناتج المحلى الصينى أقل من 200 دولار، فكيف تم رفع مستوى 800 مليون صينى من تحت خط الفقر إلى مستوى يتراوح بين المتوسط إلى الثراء الفاحش، لدرجة أن يصبح أغنى مائة رجل فى العالم نصفهم من الصين، ولتصبح الصين أكبر مستثمر فى سندات الدين الخارجى الأمريكي! فلا تقل أن اقتصاد الصين هو الثانى عالمياً بعد أمريكا، ولا أن جيشها هو التالى من حيث القوة..بل قل أن الصين هى الأسرع نمواً فى العالم، وقد باتت على مرمى حجر من أن تصبح رقم واحد وأن تسبق أمريكا فى كل مؤشرات القوة والتفوق.

الصين اليوم لها اليد الطولى فى سلاسل الإمداد التجارية، والدليل ما حدث أثناء كورونا عندما باتت الصين هى المتحرك الوحيد تجارياً، وبفضلها خرجت أوروبا من أزمتها الخانقة..فى ذات الوقت الذى تلعب فيه الصين دور المصنع رقم واحد فى العالم، لأن لديها بنية تحتية صناعية لا يضاهيها فى قوتها أى بنية فى العالم المتقدم حتى فى أمريكا نفسها.. فإذا كانت هى التاجر الأول عالمياً باعتراف الكافة، فماذا يكون حالها بعد اكتمال مشروع طريق الحرير؟!

لم تحدث التنمية فى الصين طفرة ولا فجأة وإنما بالتدريج وعلى مهل، فمثلاً عندما قررت أن تنتهج سياسة الانفتاح كوسيلة لإحداث تكامل اقتصادى جربتها أولاً على أربع مدن ساحلية ثم على 14 مدينة قبل أن يتم تعميم التجربة على سائر مناطق الصين.. كذلك اتخذت الصين لنفسها نهج الاستقرار أولاً وقبل أى شئ.. بمعنى ألا تسمح لنفسها بخوض أى نوع من النزاعات، بل إنها لجأت مبكراً لتصفير كل المشكلات الحدودية، وتحييد جميع الانقسامات الاجتماعية داخلياً ، بحيث يصير الهدف الأوحد لجميع فئات الشعب الانطلاق نحو الثروة والرفاهية من خلال العمل والابتكار باستمرار..

الوصفة.. قابلة للاستنساخ

كل يوم نسمع عن إنجاز ضخم من صنع الصين..آخر هذه المنجزات ما حدث فى إبريل الماضى من نجاح تجربة الشمس الصناعية وتجارب توليد الطاقة من الاندماج النووى، وأن التجربة شهدت نجاحاً جزئياً بعد 120 ألف محاولة سابقة فاشلة! إنها عزيمة يبدو أنها أقوى كثيراً مما توقعته أمريكا..

المبدأ معروف وقائم، والتجربة المصرية شاهد على صحته.. أن العنصر البشرى هو الأهم فى المعادلة، وأن توحيد المجتمع على مشروع قومى موحد يتجه نحو العمل والابتكار ضرورة لتحقيق ثمرة هذا المبدأ الذى أثبتت الأيام على مدار السنوات القليلة التى حظيت بقيادة الرئيس السيسي للمسيرة المصرية أن هناك رؤية ورؤيا للغد ، ليست إلا لدَى السيسي وحده ، وأنه قادر حقاً على تحقيقها دون غيره.

***

عبد السلام فاروق

انقلابات أميركية لطرد فرنسا!

ماذا يحدث في غرب أفريقيا؟ انقلابات أميركية لطرد فرنسا! وانقلاب الغابون مؤامرة قصر قام به ابن عم الرئيس السابق برايس أوليغي نغويما الضابط الملياردير المتهم بالسرقة والمتاجرة بالمخدرات/ تقارير وفيديو:

1- تحت عنوان "هل هناك حركة شعبية مناهضة للإمبريالية حقيقية في غرب أفريقيا؟" نشر البروفيسور ميشيل شوسودوفسكي في صحيفة (GlobalResearch) الناطقة بالإنكليزية، مقالة مهمة هذه فقرات منها/ الرابط 1:

* لقد تم تضليل ما يسمى بـ "الحركة الشعبية المناهضة للإمبريالية" فالمجلس العسكري في النيجر ليس ملتزمًا بمكافحة الاستعمار الجديد الذي ترعاه الولايات المتحدة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. بل على العكس تمامًا: فالقيادة العسكرية المجلس الوطني لحماية الوطن في النيجر تخضع (بشكل غير مباشر) لسيطرة البنتاغون.

* لقد تلقى ما لا يقل عن خمسة من كبار أعضاء المجلس العسكري في النيجر تدريبهم في الولايات المتحدة. وما يجب أن نفهمه هو أن باريس تمارس نفوذها الاستعماري الجديد داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا إيكواس، بينما تسيطر واشنطن على الجانبين. أي الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وكذلك المجلس العسكري في النيجر. كما أنها تسيطر على العديد من الحكومات الأفريقية في جميع أنحاء القارة.

* تلقى الجنرال عبد الرحمن تياني، الذي قاد الانقلاب في النيجر تدريبه العسكري في كلية شؤون الأمن الدولي بجامعة الدفاع الوطني- كلية شؤون الأمن الدولي، وتوصف بأنها "البرنامج الرئيسي لوزارة الدفاع الأمريكية للتعليم وبناء قدرات الشركاء في مكافحة الإرهاب والحرب غير النظامية والردع المتكامل على المستوى الاستراتيجي".

* العميد بارمو، الذي يمثل حاليا المجلس العسكري، فقد تلقى تدريبه العسكري في الولايات المتحدة في فورت مور، كولومبوس، جورجيا وفي جامعة الدفاع الوطني.

* تم تصنيف العميد بارمو وفريقه من قبل صحيفة وول ستريت جورنال على أنهم "الفتية الأخيار": "في مركز انقلاب النيجر أحد الجنرالات الأمريكيين المفضلين… [العميد بارمو]”. وعلى حد تعبير فيكتوريا نولاند (7 آب 2023)":"العميد برمو، العقيد السابق برمو، هو شخص عمل بشكل وثيق جدًا مع القوات الخاصة الأمريكية على مدار سنوات عديدة.

* من الواضح أن هناك صداماً بين الولايات المتحدة وفرنسا، وبالكاد تعترف به التقارير الإعلامية. وما يتكشف الآن هو خلق انقسامات سياسية داخل غرب أفريقيا، وهو ما قد يؤدي إلى صراع مسلح.

*هدف واشنطن غير المعلن هو "إخراج فرنسا من أفريقيا". ويحظى الرئيس المخلوع محمد بازوم بدعم الرئيس الفرنسي ماكرون. وقد تمت إقالة بازوم من قبل المجلس العسكري الذي يدعمه البنتاغون بشكل مباشر. كان الهدف غير المعلن لمهمة فيكتوريا نولاند بتاريخ [7 آب 2023] هو "التفاوض"، وبالطبع كان هدف هذا التفاوض بشكل غير رسمي "اصطفاف" نيامي مع واشنطن ضد باريس. وقد تم تحقيق هذا الهدف من حيث الجوهر.

* لعبت فيكتوريا نولاند (نائبة وزير الخارجية الأميركية) دورًا رئيسيًا نيابة عن إدارة بايدن. كانت في نيامي في الفترة من 7 إلى 8 آب 2023 لعقد اجتماعات مع المجلس العسكري) بالإضافة إلى "وفد مشترك من مختلف الوكالات" في العام الماضي إلى بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر. (16-23 تشرين الأول 2022).

* ومن المفارقات أن الانقلاب العسكري في بوركينا فاسو بقيادة النقيب إبراهيم تراوري وقع قبل أقل من ثلاثة أسابيع من مهمة فيكتوريا نولاند إلى منطقة الساحل: "لقد ذهبنا إلى المنطقة بالقوة. كنا نبحث، على وجه الخصوص، في كيفية عمل استراتيجية الولايات المتحدة تجاه منطقة الساحل. هذه هي الاستراتيجية التي وضعناها موضع التنفيذ منذ عام تقريبًا لمحاولة تحقيق المزيد من التماسك في جهودنا لدعم زيادة الأمن...وفي بوركينا فاسو، والنيجر، وموريتانيا، نعمل بشكل وثيق للغاية مع أولئك العسكريين، وقوات الدرك، وقوات مكافحة الإرهاب التابعة لها لدعمهم في جهودهم الرامية إلى صد وحماية سكانهم من هذا السم في مالي. (فيكتوريا نولاند، مقتبسة في نيك تورس، رولينجستون، شباط 2023)

* تضامناً مع شعوب أفريقيا: من المفارقات المريرة أن عملية "إنهاء الاستعمار الفرنسي" (أي "إخراج باريس من أفريقيا") لا تتضمن التأكد من إقامة شكل الحكم الديمقراطي. بل على العكس تماما، فهي تميل إلى تفضيل تطور الهيمنة للاستعمار الجديد الأمريكي وعسكرة القارة الأفريقية، وهو ما يجب معارضته بقوة. لقد تكشف نمط من العسكرة الأمريكية (مقترناً بفرض سياسات الاقتصاد الكلي للنيوليبرالية "المعالجة بالصدمة") في العديد من البلدان الناطقة بالفرنسية في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا.

2- فقرات من تقرير آخر / الرابط 2 قائد الانقلاب في الغابون ضابط ملياردير متهم بالسرقة والمتاجرة بالمخدرات مع كارتيلات المخدرات في أميركا اللاتينية بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته الغابون في الساعات الأخيرة، برز اسم قائد الحرس الجمهوري برايس أوليغي نغويما الذي ظهر محمولاً على أكتاف الجنود، بعد ساعات من إعلان ضباط متمردين عزل الرئيس علي بونغو.

نغويما رجل يشغل منصباً رئيسياً في التاريخ السياسي للغابون الحديثة. بصفته قائداً للحرس الجمهوري، كان دوره حاسماً في إعلان إلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية وحلّ المؤسسات، بعد بضع دقائق من نشر النتائج الرسمية.

يُعدّ نغويما شخصية مؤثرة في الجيش الغابوني، وهو معروف بأنه بليونير، منخرط في اختلاس الأموال، وتربطه صلات بأوساط كارتيلات المخدرات في دول أميركا الجنوبية.

اختار نغويما، وهو نجل ضابط غابوني، مهنة السلاح في وقت مبكر، من خلال انضمامه إلى الحرس الجمهوري الحالي في الغابون. تدرّب نغويما في الأكاديمية العسكرية الملكية في مكناس المغربية، ثمّ تابع دورة الكوماندوز في مركز تدريب الكوماندوز في الغابون، ليثير بعدها إعجاب قيادة الحرس الجمهوري، ويصبح أحد مساعدي معسكر الرئيس آنذاك، عمر بونغو، حتى وفاة الأخير في يونيو/ حزيران 2009.

قبل تولّيه منصبه الحالي، مارس نغويما مهامّ دبلوماسية على مدار 10 سنوات تقريباً، بعد وصول علي بونغو إلى السلطة خلفاً لوالده، وتحديداً عندما كان ملحقاً عسكرياً بسفارة الغابون في كلّ من المغرب والسنغال. وتقول بعض المصادر، وفق موقع "كاميرون أكتويل"، إن هذه الفترة كانت بمثابة منفى.

***

علاء اللامي

......................

* فيديو رابط 3/ في الغابون، اعتبر ممثل المعارضة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة البير اوندو اوسا أن ما حدث في بلاده "ليس انقلابا" وانما "ثورة داخل القصر" وهي امتداد لنظام الرئيس السابق على بونغو الذي حكم البلاد طوال 14 عاما.

* رابط /3 فيديو مترجم الى اللغة العربية عن قناة فرنسية حول انقلاب الغابون وزعيمه:

https://www.france24.com/ar/%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%85%D8%AC/%D9%88%D9%82%D9%81%D8%A9-%D9%85%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%AB/20230901-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86-%D8%B2%D8%B9%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%B6%D8%A9-%D9%8A%D9%86%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%AF%D9%88%D8%AB-%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D9%8A%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%AB-%D8%B9%D9%86-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%B1-%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7

*رابط /1 يحيل إلى النص الكامل لمقالة البروفيسور ميشيل شوسودوفسكي باللغة الإنكليزية في المصدر...الترجمة أعلاه للصديق أبو يعقوب:

https://www.globalresearch.ca/is-there-a-genuine-anti-imperialist-peoples-movement-in-west-africa-nigers-military-government-is-supported-by-the-pentagon/5829840

رابط التقرير2: عن شخصية قائد انقلاب الغابون

https://www.alaraby.co.uk/politics/%D9%85%D9%86-%D9%87%D9%88-%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%8A%D8%B3-%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%BA%D9%8A-%D9%86%D8%BA%D9%88%D9%8A%D9%85%D8%A7-%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%82%D9%84%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A

أفاد الكريملين أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري، في وقت لا يُعرف سوى القليل عن الاجتماع، ووفقا لبعض المصادر، فإن بعض التكوينات الجديدة لصفقة الحبوب ستكون موضوع المحادثة، حيث تمر تركيا بأوقات عصيبة بسبب ارتفاع التضخم في البلاد، ويحتاج الرئيس رجب طيب أردوغان إلى تجديد "صفقة الحبوب" بأي وسيلة، حسبما قال أجدار كورتوف، عالم السياسة والمستشرق، لبرافدا.رو .

ويؤكد المراقبون، إن أردوغان يعرف شروط الجانب الروسي لاستئناف "صفقة الحبوب"، لكنه لا يزال يأمل في لقاء مع بوتين، فقد أصبحت موسكو وأنقرة مترابطتين الآن، لكن لا يزال هناك "برود" في العلاقات بين البلدين، فبالإضافة إلى قضايا صفقة الحبوب، ستتم مناقشة بعض المشاكل الأخرى، لكنها موجودة بالفعل، وليس سرا أن تركيا تزود أوكرانيا بالأسلحة، والعديد من المشاكل الأخرى في العلاقات الثنائية".

وخلال زيارته لموسكو، وتمهيدا لزيارة أردوغان، قدم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إلى موسكو مقترحات جديدة لاستئناف اتفاق الحبوب، وأكد الجانب الروسي الحاجة إلى "ضمانات تؤدي إلى نتائج ملموسة"، ومثل أوكرانيا، تعمل روسيا على إيجاد طرق بديلة لتصدير حبوبها، وذكرت صحيفة بيلد الألمانية، نقلا عن مراسلات رسمية بين وزارة الخارجية الألمانية وسفارتي روسيا وتركيا في الفترة من 21 يوليو إلى 8 أغسطس، أن روسيا وتركيا وقطر يعدون اتفاقا جديدا ليحل محل صفقة الحبوب.

وبحسب المنشور، فمن المفترض أن يتم توريد الحبوب الروسية إلى الدول الفقيرة، وخاصة الإفريقية، وستعمل تركيا كمنظم لهذه الشحنات، وستكون قطر راعية، وزعمت صحيفة بيلد، فقد كان من المفترض توقيع الاتفاقية الجديدة يومي 19 و20 أغسطس في المجر، حيث وصل أردوغان وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني ورئيس تتارستان رستم مينيخانوف، بالفعل إلى بودابست للمشاركة في الاحتفالات بمناسبة عيد القديس ستيفن، ومع ذلك، لم يتم الإبلاغ عن أي محادثات ثلاثية أو اجتماعات بين قادة تركيا وقطر ومينيخانوف، فالأخير، هو نفسه كتب في قناته على " تلغرام" فقط عن لقاء مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان.

وتؤكد صحيفة حرييت التركية أن فيدان مسؤول عن تطوير صيغة جديدة لصفقة الحبوب، ففي 25 أغسطس، زار كييف، حيث أجرى محادثات مع الرئيس فلاديمير زيلينسكي، ورئيس الإدارة الرئاسية لأوكرانيا أندريه ييرماك، ورئيس الوزراء دينيس شميجال، ووزير الخارجية دميتري كوليبا، وأعربت السلطات الأوكرانية عن عدم رغبتها في العودة إلى الاتفاق السابق، لكنها مستعدة للنظر في مقترحات جديدة، ويجب على وزير الخارجية التركي الآن أن يستمع إلى الموقف الروسي، ثم يتصل بالأمم المتحدة ويقترح صيغة نهائية لاتفاق جديد يمكن طرحه للمناقشة في سوتشي.

ومع ذلك، فإن رسالة وزارة الخارجية الروسية قبل المحادثات بين وزيري خارجية البلدين الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي فيدان في موسكو، أعلنت عن نية الوزراء “العمل على معايير تنفيذ مبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتنظيم توريد مليون طن من الحبوب الروسية إلى تركيا”، وبسعر مخفض وبدعم مالي من قطر للمعالجة اللاحقة للشركات التركية، والشحنات إلى البلدان الأكثر احتياجًا، وقالت الوزارة إن موسكو "تعتبر هذا المشروع بديلا عمليا أمثل لاتفاق البحر الأسود"، لكن، وقبل ساعات قليلة من بدء المفاوضات بين لافروف وفيدان، كشفت وكالة ايتار تاس الروسية، عن نية وزير الخارجية التركي عرض على محاوره استئناف صفقة الحبوب في نسختها الأصلية، فقد ذكرت تركيا مرارا وتكرارا أنها تؤيد استئناف ممر الحبوب بشكله الأصلي بمشاركة الأطراف في اتفاقيات إسطنبول، ونقلت الوكالة عن دبلوماسي تركي لم تذكر اسمه قوله إنها تعتبر هذا الإجراء الأكثر فعالية وأمانًا في ظل الظروف الحالية لمنع توسع الصراع الأوكراني إلى البحر الأسود.

وفي مؤتمرهما الصحفي عقب محادثات موسكو، والذي استمر أكثر من ساعتين، قال فيدان إن استئناف صفقة الحبوب كان موضوعهم الرئيسي، و "كانت قضايا إحياء صفقة الحبوب أولوية في مفاوضاتنا اليوم" ، ولكن لدى روسيا متطلبات لضمان الإمدادات دون انقطاع من منتجاتها والأسمدة، ومن المهم الإجابة على هذه الأسئلة، وبمساعدة نشطة من تركيا، أعدت الأمم المتحدة حزمة من المقترحات الجديدة لصفقة الحبوب، وقال الوزير التركي، "نعتقد أن هذا يمكن أن يكون أساسًا جيدًا لإحيائه"، وأشار إلى أنه بحث مع لافروف التفاصيل الفنية لتجديد الاتفاق، وأضاف: «لقد درسنا اليوم التفاصيل الفنية، وسنقدمها لقادتنا، وسيناقشها زعماء الدول بالتفصيل في المفاوضات المقبلة. ولخص فيدان جهودنا في هذا الاتجاه.

بدورة اكد الوزير لافروف، إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وعلى هامش قمة البريكس في أغسطس في جوهانسبرغ، قدم له مقترحات جديدة للتوصل إلى اتفاق وأرسل له رسالة مقابلة، وقال "لقد أوضحنا بأمانة لكل من الأمين العام وأصدقائنا الأتراك أنه لا يوجد حتى الآن ضمان واحد في هذه الرسالة، فهناك فقط وعود بالمحاولة بشكل أسرع، والمحاولة بجدية أكبر، وكل شيء يعتمد على حقيقة مفادها أن الغرب يعيق حل المشاكل التي تمنع تصديرًا أكثر نشاطًا للحبوب والأسمدة الروسية"، والتشديد على انه لا يستطيع أعضاء الأمم المتحدة أنفسهم فعل أي شيء، فهم مجبرون على مطالبة الغرب بإظهار الحكمة، وإظهار نهج بناء، والغرب لا يريد القيام بذلك، ولخص الوزير، انه "وبمجرد عدم وجود وعود، بل ضمانات بنتيجة ملموسة يمكن تنفيذها غدًا، سيتم استئناف تنفيذ هذه الحزمة بالكامل اعتبارًا من الغد".

في الوقت نفسه، لا تهدف زيارة أردوغان إلى روسيا في الواقع من وجهة نظر المراقبين، إلى إقناع بوتين بالعودة إلى صيغة صفقة الحبوب هذه، علاوة على ذلك، فإن الصفقة في حد ذاتها ليست سوى غطاء لمناقشة قضايا أكثر أهمية بالنسبة لروسيا وتركيا، واكد عالم السياسة سيرغي ماركوف، في مقابلة مع فور بوست، إن نشر معلومات في وسائل الإعلام مفادها أن الزعيم التركي سيذهب إلى روسيا لمناقشة صفقة الحبوب هو تضليل متعمد للغرب حتى "لا يرتعشوا كثيرًا ولا يضعوا عقبات "، وفي الواقع، سيأتي أردوغان لمناقشة الموضوع الرئيسي الذي يناقشه هو وبوتين طوال الوقت، ويتعلق الأمر بكيفية الاستمرار في خداع الأمريكيين والأوروبيين وتجاوز العقوبات الغربية ضد روسيا، وهذا هو الموضوع الأهم الذي يدر مليارات الدولارات على كل من روسيا وتركيا، وهناك عشرات النقاط الدقيقة في هذا الموضوع والتي تتطلب المناقشة على مستوى رئيسي الدولتين.

وفي ضوء ذلك سيناقش الرؤساء أيضًا إنشاء بنية تحتية تسمح لموسكو وأنقرة بالتفاعل دون مشاركة الغرب، حيث لا تزال روسيا مهتمة برأي الدول الغربية فيما يتعلق بتنفيذ نفس صفقة الحبوب، لأن الاتحاد الروسي لا يستطيع تصدير حبوبه دون مشاركة الدول الغربية، ودون استخدام البنية التحتية للتجارة العالمية التي يسيطر عليها الغرب، ولهذا السبب سيناقش أردوغان وبوتين إمكانية إنشاء بنية تحتية جديدة للإمدادات البديلة تكون منفصلة تمامًا عن الغرب، حيث يستفيد أردوغان من صفقة الحبوب، لأن تركيا هي نوع من المركز لتنفيذها.

وبالإضافة إلى ذلك، فهو محرك قوي للسياسة الخارجية يكسب أردوغان من خلاله نقاطًا سياسية، لكنه يدرك جيداً أنه من المستحيل استعادة صفقة الحبوب لأن الغرب ببساطة يعرقلها، ولا يستطيع أردوغان أن يفعل أي شيء ضد ذلك، ولذلك، سيتم مناقشة تسليم الحبوب الروسية عبر تركيا، علاوة على ذلك، فإن للأتراك أكثر ربحية لحمل الحبوب الروسية، وليس الأوكرانية، بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا تشعر بقلق بالغ من خسارتها أمام الغرب فيما يتعلق بتصدير البضائع الروسي، ويتعلق هذا، على سبيل المثال، بالنفط من موانئ البحر الأسود الروسية، حيث تحتل اليونان الصدارة، حيث يتم تصدير النفط الروسي بنسبة 70٪ عن طريق اليونان التي دعمت العقوبات ضد روسيا، لكن أردوغان يرغب في أن تحصل بلاده على أقصى استفادة من تصدير البضائع من الاتحاد الروسي، و "في الواقع، يمكن لأردوغان اعتبار ذلك نوعًا من التعويض عن إغلاق روسيا للجزء الأوكراني من صفقة الحبوب".

ومن القضايا المهمة في الاجتماع، وساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حل مسألة عودة اللاجئين السوريين من تركيا إلى وطنهم، والتي تعتبر السبب الرئيسي للانتقادات الموجهة لأردوغان داخل البلاد، والتي تسبب استياءً كبيراً لدى الأتراك، ويجب اتخاذ الإجراءات اللازمة لترحيلهم مرة أخرى إلى سوريا، ولكن أين يجب أن يتم نقلهم؟ يريد أردوغان نقلهم إلى الأراضي السورية التي تسيطر عليها تركيا - وهو شريط يبلغ طوله عشرات الكيلومترات على طول الحدود المشتركة مع سوريا، لكن السلطات السورية تعارض ذلك، فهناك حاجة إلى بعض التسوية بشأن هذه القضية. و أنه في تحقيق ذلك يمكن للرئيس الروسي أن يساعد.

إن تركيا تتاجر مع روسيا بأرباح كبيرة لنفسها، ولذلك، فإن أردوغان لا يتخلى عن محاولات إعادة صفقة الحبوب، وبغض النظر عن النتيجة فإن مثل هذه المفاوضات تجلب "نقاطا سياسية" لأردوغان، وأيضا أنه كلما زادت نشاط موسكو في استغلال الفرص المتاحة لأنقرة، أصبح موقف أردوغان التفاوضي أقوى في مجالات أخرى من العلاقات الثنائية، ومن غير المرجح أن تدعم تركيا أوكرانيا في مبادرة الحبوب، لكن ربما يكون هذا هو أكبر نقاط ضعفه، فقدرته على استغلال الفرص الناشئة ببراعة لتحقيق نجاح تكتيكي مؤقت، يفقد رؤيته للمنظور الاستراتيجي.

وان مقترح الصفقة الجديدة هو بديل لـ«صفقة البحر الأسود» السابقة التي شاركت فيها أوكرانيا، ️ومثل هذا المخطط اقترحته موسكو من قبل، في خريف 2022، لكن أنقرة والدوحة رفضتا، حيث هددت كييف بعرقلة الصفقة بحجة احتمال "سرقة الحبوب الأوكرانية من قبل روسيا، وتقترح موسكو استبدال الحبوب الأوكرانية بالكامل بالحبوب الروسية، والحديث هنا عن حجم مليون طن،، وبذلك فإن أردوغان وحده هو الذي سيحصل على 200 مليون دولار (أي دولة تركيا) كمكافأة للموافقة، فهل ستتمكن الولايات المتحدة من منع ذلك؟ فالإغراء بالنسبة لأردوغان كبير جدًا، والخيار الذي سيتخذه "السلطان" سيظهر ما هو السائد: المصلحة التركية أم الضغوط من الغرب، وان غدا لناظره قريب لمعرفة الإجابة على هذا السؤال.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

ومرحلة التحرر الوطني والبناء بقيادة حزب العمل الانغولي

من قصيد للدكتور اغستينو نيتو (سوف نعود)

إلى انهارنا، إلى بحيراتنا، إلى الجبال، إلى الغابات سوف نعود

سوف نعود إلى مناجمنا حيث الماس والذهب والنحاس والنفط سوف نعود

إلى الوطن الانغولي الجميل أرضنا أمنا سوف نعود

إلى أنغولا المحررة أنغولا المستقلة.

***

الدكتور اغستينو نيتو اول رئيس لجمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال، وهو طبيب وشاعر. في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم وبتأثير من الأفكار التي جاء بها بلد لينين في ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى، الاتحاد السوفيتي وكذلك منظومة البلدان الاشتراكية، برزت حركة التحرر الوطني في القارة الأفريقية بحركات منظمة ضد الاستعمار البلجيكي والبرتغالي والبريطاني ونشأت حركات مسلحة، قادها ولعب دورا هاما وبارزا فيها، أميلكار كابرال في حركة تحرير غينيا بيساو، وكذلك اغستينو نيتو قاد الحركة الشعبية لتحرير انغولا من المستعمر البرتغالي وظهور القائد باتريس لومومبا في الكونغو في تحريرها من الاستعمار البلجيكي، وحركة تحرير جنوب افريقيا من المستوطنيين البريطانية وحكومتهما العنصرية بقيادة نلسن ماندلا ورفاقه في حزب المؤتمر الافريقي الجنوبي.

واليوم أكتب عن جمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال الذي قاده الدكتور اغستينو نيتو ورفاقه في الحركة الشعبية لتحرير انغولا من الاستعمار البرتغالي الذي جثم على صدر الشعب لسنوات عديدة حتى أن تحررت عام 1975 ونالت الاستقلال، ولعب دورا ببناء الدولة المستقلة أغستينو نيتو ورفاقه في حزب العمل الانغولي، معتمدين على رفع مستوى التعليم في كل المجالات اولها البدء بمكافحة الأمية وإعداد الكوادر العلمية في مجالات متعددة، منها الطب والهندسة والعلوم وغيرها، و بناء الدور السكنية للشغيلة من العمال والفلاحين.

وفي عام 1980 قرر أتحاد الطلاب العالمي ومقره في جمهورية جيكوسلوفاكيا في العاصمة براغ، تشكيل فصيل اممي من الأطباء لمساعدة الشعب الانغولي، وفعلا جرى الاقتراح على المنظمات الطلابية المتواجدة في الاتحاد العالمي، وتمت الموافقة من قبل اتحادنا (أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية)، وأقترح أرسال أطباء. عراقيين أنهوا دراستهم خارج العراق، ولم يتسنى لهم العودة العراق بسبب من الاضطهاد والسجن على يد النظام الدكتاتوري القائم، فجرت الموافقة من قبل كل من الدكتور ماجد كثير الصكر من موسكو جامعة الصداقة بين الشعوب والمسماة بأسم المناضل (باتريس لومومبا)، والدكتور فاضل سعيد من بلغراد يوغسلافيا واخته الدكتورة بخشان سعيد من موسكو وهم اخوة أبو محمود في القامشلي (جلال الدباغ ) كان انذاك مسؤول عن أرسال الرفاق الذين يأتون من الخارج لإرسالهم إلى كردستان للالتحاق بفصائل الأنصار الشيوعيين لمقاتلة النظام، وفاضل وبخشان من الاخوة الأكراد لكنهم لم يكملوا المشوار في العمل التطوعي، حيث ادعى الدكتور فاضل سعيد لدية قرحة في المعدة وهو بحاجة الى السفر إلى موسكو للعلاج وأشترط أن ترافقه اخته بخشان وهذا ما تم وجهزوهم الرفاق في اتحاد الشباب الانغولي ببطاقتي سفر وفعلا جرى تسفيرهم إلى موسكو، ومن الجدير بالذكر ان الدكتور فاضل سعيد كان مسؤول منظمة الحزب في يوغسلافيا وهو حدثني عن كيفية أرساله الرفيق الطالب نشأت فرج بالذهاب الى السفارة العراقية في بلغراد لتجديد جواز سفره ودخل الرفيق نشأت فرج الى السفارة ومهمة الدكتور فاضل ان يراقب الموقف من خلال زرف في الكنيسة المجاوررة للسفارة العراقية واعتقل الرفيق نشأت وسفر بطريقة وحشية الى بغداد ولم يطلق سراحه الابعد الاحتلال عام 2003، وانا كاتب هذه السطور محمد جواد فارس من مدينة كرسندار في روسيا الاتحادية، سبق وكانوا معنا أطباء من الهند وأيرلندا وصحفي من جيكوسلوفاكيا يغطي نشاطات الفصيل إعلاميا، بدئنا في دراسة اللغة البرتغالية، لكي يتم التفاهم مع المرضى ومع الناس، وهي لغة الدولة الرسمية، وتم تنسيبنا إلى مستوصفات في العاصمة لوندا الجميلة والواقعة على ساحل المحيط الأطلسي وكان نصيبي مستوصف تعمل به اخت خالد الذكر اغستينو نيتو وهي صيدلانية فيه ومسؤلة المستوصف، وتعرفنا على السفير الفلسطيني أبو فهد وهو من مدينة سلوان الفلسطينية، وفي سفارتهم اثنان، سائق السفير وكذلك مدير مكتبه، والسفارة كانت سفارة الكيان الصهيوني ايام المستعمر البرتغالي، وبعد الاستقلال تم طرد السفير الاسرائيلي وطاقم السفارة، وأعطيت البناية إلى سفارة فلسطين وللعلم انها اول سفارة تفتح في جمهورية انغولا الشعبية بعد الاستقلال عام 1975، وليس كما يقال ان اول سفارة لفلسطين فتحت في طهران بعد الثورة، وهذا غير صحيح تاريخيا. وقد ساعدت الأخوة الفلسطنيين في انشاء مكتبة، فيها من الكتب السياسية والثقافية العربية والبرتغالية، والسفير أبو فهد كان يشاركنا احتفالاتنا بمناسبات عديدة ومنها عيد ميلاد الحزب الشيوعي العراقي في 31 آذار ويلقي كلمة وهو يتحدث أضافة للعربية اللغة الأم البرتغالية والانكليزية وبطلاقة، وقدم لنا الكثير كلما طلبنا منه ومثال على ذلك قضية سفينة الرزازة العراقية للصيد الأسماك، التي اخترقت المياه الإقليمية لسواحل انغولا للصيد السمك فيها معمل لتعليب الاسماك وبيعها الى دول قريبة مثل الكاميرون، وشارك في إطلاق السفينة لأنها ملك للشعب العراقي، وبفضله تم اطلاق السفينة بعد أن سدد العراق ضريبة تواجدها في الميناء الانغولي، و طلب من الرفاق الانغول عدم تسليم المناضل عوني القلمجي إلى نظام بغداد، وكان عوني مدعو للمشاركة في مؤتمر يعقد في لوندا للتضامن مع الشعب الانغولي، وحدثت اشكالات في تمثيله كعراقي وهو يحمل جواز سفر سوري. وقضية زوجتي د. رحيمة السلطاني التي جاءت لزيارتي وليس لديها تأشيرة دخول ذهب لاستقبالها في المطار وهو يحمل علم فلسطين. وشكرنا جهوده لتعاونه معنا.

و تابعنا عملنا في لوندا حتى كلفنا بعد فترة في السفر إلى مدينة أخرى، في الشمال تسمى ب أيويج عملنا في مستشفاها مع زملائنا من الأطباء الكوبين، ومن خلال عملنا اكتسبنا خبرات جيدة في الأمراض المتوطنة والتي درسناها في بلد السوفيت، ولكن دون مشاهدة لمرضى، كما هي داء الفيل، وليبرا والملاريا وغيرها من الأمراض (أمراض المناطق الحارة وشبة الحارة).

ومن خلال علاقتنا مع شبيبة اغستنو نيتو حدثونا عن البناء الاشتراكي وتطور القوى المنتجة وإعداد الكوادر العلمية في مختلف التخصصات وتحريك الصناعات منها استخراج النفط من منطقة كابندا في الشمال على المحيط الأطلسي، وكذلك المعادن المستخدمة، والاهتمام بزراعةالقهوة والكاكو و جوز الهند، علما أن هناك كانت تدار حرب أهلية بعد التحرير، حيث انشق عن السلطة جانوس سفمبي زعيم يونتا زعيم الاتحاد الوطني للاستقلال انغولا وشكل قوات في جنوب انغولا مدعومة من الامبريالية والمعادين للنظام نيتو وأصبح يقوم بعرقلة أمن الدولة والمواطنين، وكذلك في شمال انغولا ظهرت قوات معادية للتوجهات سلطة حزب العمل الانغولي، بقيادة روبرت هولدن، ورغم ذلك كانت كوبا تقف إلى جانب بناء انغولا الشعبية في مساعدتها صحيا وتعلميا اقتصاديا، ولايمكن نسيان دور المناضل الأممي ارنستو تشي جيفارا المشارك في حرب التحرير مع القائد اغستينوا نيتو، حتى أن الفلاحين يتذكرونه في الريف الانغولي عندما كان يحمل بندقيه الكلاشنكوف ويعالج الفلاحين، علمنا أنه كان يعاني من نوبات ربو قصبي شديدة الحدة، كان جيفارا يشارك في التخطيط وادارة المعارك ضد المستعمر البرتغالي. وعندما استلم الرئيس خوسي ادواردو دوس سانتوس وهوخريج بلد الاشتراكية الأول من جمهورية اذربيجان في معهد النفط المسمى بأسم عزيز بيكوف والمعروف دوليا بدراسته في مجال النفط تعقيبا وأستخرجا، وتخريج عدد كبير من الطلاب الأجانب من الدو ل النامية التي يتواجد فيها النفط، وطلاب من جمهوريات الاتحاد السوفيتي، استفاد سانتش، أضافة لتخصصه العلمي، في دراسة الماركسية، في الفلسفة والاقتصاد السياسي وكذلك الاشتراكية العلمية، وعندما شغل مركزه الأول في الحزب ورئاسة الدولة مستفيدا من التجربة الاشتراكية في بناء الدولة، وضع الخطط السنوية من أجل البناء في مجالات متعدد منها تطوير التعليم والصحة والاهتمام في الزراعة والصناعة والاستفادة من ثروات البلد من النفط والقهوة والكاكو وجوز الهند وغيرها.و سخرت ثروات البلد من أجل بناء انغولا الحديثة والمتطورة حيث جرى الاهتمام بتطوير الإنشاءات الصحية في المدينة والريف وكذلك التعليم الاولي والعالي بعد القضاء على الأمية، وإعداد الكوادر في المجالات المطلوبة لمتابعة تطور البلد وفق متطلبات العصر، واليوم انغولا تسير وفق البرامج التي وضعها أوغستينو نيتو ومن بعده أدوار دوس سانتوس وقيادة حزب العمل الانغولي ونفذت العديد منها وكان لاتحاد الشباب الانغولي دورا هاما في عملية البناء.

و في القرن الواحد والعشرين وبعد انتهاء مرحلة الاستعمار وولوج الامبريالية وهيمنتها على اقتصاد الدول في بيع منتجاتها بما فيها الاسلحة الفتاكة وتدخلها السافر في إنهاء الأنظمة التقدمية وذلك بإستخدام جهاز المخابرات الأمريكية للتأمر على الشعوب و الأنظمة بالتعاون مع العملاء والمرتزقه، أصبح من الضرورة بمكان التخلص من هذه الهيمنة، وحتمت الضرورة أيجاد تعددية الاقطاب، بدلا من هيمنة القطب الواحد، وظهرت منظمة البريكست التي ضمت في صفوفها كل من الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وجمهورية الهند وكذلك جمهورية أفريقيا الجنوبية والبرازيل، واليوم تتوسع بطلب العديد من الدول العربية والافريقية، وبالتالي سوف تنهي هيمنة الدولار الأمريكي على الإقتصاد العالمي. واليوم أفريقيا بعد أحداث انقلاب النيجر وطرد فرنسا المستعمرة للبلد والتي استغلت النيجر في سرقة اليورانيوم وارساله إلى فرنسا من أجل توليد الطاقة الكهربائية لفرنسا، وجدت النيجر في روسيا الاتحادية عون لها في التشدد بموقفها اتجاه طرد السفير الفرنسي، وسوف تحذوا دول أفريقية في إنهاء الاستعمار واللجوء إلى دول البريكست.

أنغولا الشعبية سوف تستمر في برنامجها الاقتصادي والسياسي، لبناء مجتمع أشتراكي.

***

محمد جواد فارس

طبيب وكاتب

عن إشكالية قراءة التاريخ

لا يقوى الماضي -بعظمته وتفاهته- على النهوض من ركام تعاقب العقود والقرون. لمصلحة ما، نحن من نستدعي الماضي بأبطاله الأخيار والأشرار، بحقائقه وأكاذيبه. ننفخ فيه روحاً من حياة بمواصفات خاصة، حياة "تحت السيطرة"، وإن خرجت عنها في أحيان كثيرة. وفي أثناء ذلك، ربما سنكتشف أن كثيراً مما كنا نحسبها حقائق تاريخية يقينية ليست سوى تخيلات لا أكثر، سرديات بمحتوى تاريخي، وبقالب يستجيب لقوانين بلاغية بحسب هايدن وايت. يحدث هذا حين نؤمن بأن كل قراءة للتاريخ هي تأويل بالضرورة، وأن رفاهية امتلاك معنى نهائي واحد لخبر، أو رواية تاريخية أمر بعيد للغاية، لأن فعل التأويل محكوم بميول، وأهواء، ومصالح، ومستوى إدراك، وطموحات، ومخاوف شعورية، ولا شعورية، حقيقية، أو وهمية، وجميع ما ذكر يلقي أثراً بقدر ما على طبيعة فهمنا للنصوص.3645 عبد الكريم قاسم

عبد الكريم قاسم

لكن الاشتباك العلمي مع النص التاريخي يبقى مقيداً بحدود، بموثوقية مصدره، بعدم تعارضه مع نصوص أخرى، بأفق تلقيه، وأفق انتاجه أيضاً، والأهم بلغته. وبخصوص هذه الأخيرة فإننا إن أثبتنا النص بألفاظه، وبدأنا بتفسيره/ تأويله/ الاستشهاد به نكون قد نقلناه من سياق، إلى سياق ثانٍ. فما بالنا إن تمت روايته بمعناه فقط لا بألفاظه، وكانت الألفاظ البديلة بعيدة عن الأولى. إن النص منظومة من العلاقات، وأي استبدال لكلمة بكلمة أخرى حتى وإن بدت لنا قريبة في معناها سيؤدي إلى إحداث تغير في الدلالة، والمثال الآتي سيخبرنا بالكثير.

كان قد استوقفني تعليق للدكتور عبد الخالق حسين، على هامش مقال له نشر في موقع الحوار المتمدن بتاريخ 17/ 7/ 2023، جاء بعنوان (الذكرى الخامسة والستين لثورة 14 تموز)، وقد وجدت من المفيد أن أقدم رأيي فيما أعده أمرأ جوهرياً: كيف نقرأ تاريخنا بطريقة علمية؟ وما السبيل الأمثل لاختبار صحة رواية تاريخية ما، ثم الخروج منها بنتيجة؟ سأكتفي بهذه الغاية،  لأني أجدها أكثر نفعاً من إصدار أحكام قِيمة، تجاه عهد، أو شخصية  سياسية. ولعل من المفيد البدء بنقل التعليق المشار إليه، ثم التعقيب عليه. يقول الدكتور عبد الخالق حسين:

(وكل الشكر لك أخي العزيز سيد طالب على تعليقك القيم، وتفهمك لأمور المرحلة، وتعقيداتها. نعم، كان الزعيم "عبد الكريم قاسم" محاصراً من كل الجهات. ولم يكن في نيته إعدام أي مسؤول من العهد الملكي، ما عدى "عدا" سعيد قزاز وزير الداخلية، وبهجت العطية مدير الأمن، لأنهما تسببا في قتل عشرات العمال المضربين، وكذلك عبد الجبار فهمي متصرف بغداد أيضاً له دور في بعض الجرائم. والزعيم كان يريد أن يستفيد من كبار الشخصيات في العهد الملكي، بمن فيهم نوري السعيد، فعندما سمع بوجود نوري في بيت استرابادي "الحاج محمود الأسترابادي" أرسل مرافقه وصفي طاهر لجلبه سالماً ومحترماً، ولكن لما وصل وصفي طاهر إلى بيت استرابادي وجد الجماهير هناك تسحل بجثة السعيد. وهذا ما جاء في مذكرات إسماعيل العارف. تاريخ العراق دموي).

لقد عرفت بعد قراءة التعليق  المتقدم أن الدكتور عبد الخالق حسين يتبنى هذا الرأي، وقد سبق له أن أورده، مستعيناً بالإشارة إلى رواية إسماعيل العارف، دون اثبات نصها أيضاً، ضمن مقال نشره قبل واحد وعشرين عاماً، في موقع إيلاف، في الثاني من أغسطس من العام 2002 وكان بعنوان "رد على محمد الرميحي: ثورة 14 تموز لم تكن انقلاباً فاشلاً". يقول فيه: "فأرسل الزعيم مرافقه العقيد وصفي طاهر على رأس قوة عسكرية مع أوامر مشددة بالحفاظ على حياة الباشا، وعدم المساس به، لأنه أراد الاستفادة من خبراته، ومعلوماته، ويؤكد ذلك المرحوم إسماعيل العارف في كتابه".

إن مذكرات اسماعيل العارف التي يشير إليها الدكتور عبد الخالق حسين جاءت في كتاب له بعنوان "أسرار ثورة 14 تموز وتأسيس الجمهورية في العراق". سأرجع هنا إلى الكتاب نفسه أيضاً، بطبعة لندن الصادرة في العام 1986 لمناقشة  ما استنتجه من الرواية.

خبرات أم أسرار؟: ما لم يقله النص

يوحي حديث الدكتور عبد الخالق حسين بأن الزعيم عبد الكريم قاسم –أول رئيس للوزراء في العهد الجمهوري- أراد الحفاظ على حياة رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد، ورجالات العهد الملكي -باستثناء ثلاثة منهم- والتعامل مع كبارهم باحترام لغرض الإفادة من خبراتهم. ولعل من غير المستبعد أيضاً أن يفهم كثيرون بأن الزعيم كان ينوي إتاحة فرصة جديدة لهم للعب دور ما –استشارياً في الأقل- لا سيما وأنه لا يذكر أمداً محدداً لبقاء "الباشا" محتفظاً بحياته بلا عقاب، وإنْ كان سيتم تقديمه للمحاكمة أم لا. كما أنه لا يبين لنا نوع الخبرات والمعلومات التي يمتلكها نوري السعيد. إن اعتماد المفردتين على إطلاقهما يجعل أذهان أغلب القراء تنصرف إلى الخبرات الشهيرة الشائعة عن نوري السعيد، أي إلى مهارته في ميدان العمل السياسي، إلى "دهاء" رجل ترأس 14 وزارة، وله تاريخ مديد من العلاقات، والصداقات مع ملوك، ورؤساء كثيرين، عرباً، وأجانب.3646 نوري السعيد

نوري السعيد

لكننا إذا عدنا لأصل النص الذي أشار إليه الدكتور عبد الخالق حسين فسنجده يقول شيئاً آخر مختلفاً. كان إسماعيل العارف يتحدث عن "إلقاء قبض" لا عن "جلب"، وعن "أسرار سياسية" لا عن "خبرات". وبهذا أصبحنا أمام كلمات جديدة مُخفَّفة، ومًلطَّفة لا تؤدي المعنى المثبت في الأصل. يقول: "أخبرني الزعيم عبد الكريم قاسم أنه كان يرغب في إلقاء القبض على نوري باشا حياً، قبل أن تكتشف مكانه الجماهير الثائرة  فتقضي عليه، لأنه كان يعتقد بأن لدى نوري السعيد أسراراً سياسية ذات نفع كبير للثورة والعراق" (ينظر: العارف: الصفحة 174).

إذن. كان طلب الزعيم يتلخص بإلقاء القبض على نوري سعيد "حياً"، أما "محترماً" فلا وجود لها، ولا يوجد أيضاً أي حديث عن رغبة لدى الزعيم للإفادة من "خبرات" نوري السعيد، أو سواه. ف"الخبرات" شيء و"الأسرار السياسية" شيء آخر. باختصار، إن قيمة حياة نوري السعيد تتلخص -في الرواية المتقدمة- بمقدار ما يملكه من أسرار سياسية نافعة، يُراد الحصول عليها لسبب أمني محض.

إن تركنا لغة الرواية، واتجهنا لتقييم صدقيتها في ضوء الوقائع فسنجد أن العهد الجمهوري الأول الذي تركزت فيه أغلب السلطات بيد عبد الكريم قاسم قد هيمن عليه مزاج ثوري شعبوي أسهم بإهدار خبرات رصينة لرجال دولة كبار، وعرضهم لإهانات شتى، لمجرد تسنمهم مناصب في العهد الملكي. وإذا كان أستاذ تربوي قدير، يحمل مؤهلاً علمياً عالياً، ورئيس وزراء سابق مشهود له بالوطنية، والكفاءة مثل الدكتور محمد فاضل الجمالي يُهان، ويُتهم بالخيانة، ويُحكم عليه بالإعدام – تشفعت له بعض الجهات لاحقاً فغادر العراق - فكيف سيكون مصير نوري السعيد المؤمن بأن مصلحة العراق تتحقق بالتحالف مع بريطانيا، لو كان هو الواقف في قفص الاتهام أمام المهداوي؟

كان اسماعيل العارف وهو واحد من "الضباط الأحرار" صديقاً مقرباً لعبد الكريم قاسم، وأصبح في عهده وزيراً للمعارف. وليس من الصعب على من يقرأ كتابه أن يكتشف فيه تعاطفاً مع الزعيم. بالمناسبة، جاء حديث الدكتور عبد الخالق حسين بسياق ذي سمة اعتذارية متعاطفة مع الزعيم أيضاً: (كان الزعيم ...محاصراً من كل الجهات...، لم يكن في نيته إعدام أي مسؤول من العهد الملكي، كان يريد أن يستفيد من كبار الشخصيات... بمن فيهم نوري السعيد...، أرسل مرافقه وصفي طاهر لجلبه سالماً ومحترماً...ولكن...، تاريخ العراق دموي).

لا ريب في أن الدكتور عبد الخالق حسين كان قد قرأ كتاب إسماعيل العارف، ولعله حين أراد أن يستشهد بالرواية المتقدمة في العام 2002 ثم في العام  2023 اعتمد على ما حفظه في ذاكرته، فتبدلت بعض الكلمات، وكان النتيجة تقديم رأي في قضية تاريخية مهمة لا يؤكده المصدر الذي أشار إليه، ولا تؤيده الوقائع. هذا فضلاً عن وجود سهو في رواية الأحداث، فهناك خلط بين وقائع يومي 14 و15 تموز 1958. في الواقع، لم يعرف عبد الكريم قاسم، ولا أي أحد من رجالات العهد الجديد بلجوء نوري السعيد إلى بيت الحاج محمود الأسترابادي في الكاظمية، حيث بات ليلته الأخيرة هناك. أما ذهاب وصفي طاهر للقبض عليه فقد كان في اليوم الثاني "15 تموز"، في منطقة  البتاويين.

في اللحظة التي قرأت فيها تعليق الدكتور عبد الخالق حسين، تملكني شعور غريب. تمنيت بصدق أن يكون لما قرأته نصيب من الصحة، أن لو صدقت نية الزعيم، لو شمل عفوه نوري السعيد أيضاً، مثلما سيشمل من أطلقوا عليه النار في شارع الرشيد. وبرغم أن ثقتي بحصيلة ما قرأته عن تلك الأيام كانت تمنعني من التصديق، لكنني عدت لكتاب اسماعيل العارف على الفور. كنت مدركاً أن أمنيتي البعيدة لن تغير ما حصل قبل ستة عقود ونصف، ولن تعيد الحياة لأي من الضحايا، لكن لو كنت قد وجدت شاهداً حقيقياً ينفي بقية الروايات فسيكون درساً نافعاً عن إشكالية فهم التاريخ، درساً لي في الأقل.

يبقى من الضروري الانتباه إلى الجملة الأخيرة في حديث الدكتور عبد الخالق حسين: "تاريخ العراق دموي". مما يؤسف له أن هذه الجملة أصبحت أشبه بالمُسلَّمة عند كثيرين، ولازمة تفسيرية، لا تتيح لنا معرفة مسببات العنف، ولا تساعدنا على تجنبه. من شأن جملة من ذلك القبيل أن ترسخ في أذهان المؤرخين والباحثين نتائج جاهزة، وأحكاماً مسبقة أقل ما يقال عنها أنها غير مثمرة، ولا تنفعنا في فهم الحاضر، ومن شأنها أيضاً أن تشيع اليأس، والإحباط في نفوس الأجيال العراقية الجديدة، أجيال تستحق حياة أفضل من تلك التي عشناها. ولا أنبل من أن نسهم كلنا بجعل ذلك أمراً ممكناً.

***

عباس عبيد

أكاديمي وباحث من العراق

ستحل بعد أربع سنوات مئوية نصب أول مصفى نِفط عراقي، ومِن ذلك التَّاريخ(1927) وشعل غاز الآبار والمصافي كافة لم تطفأ ليلاً ونهاراً، تضيء الفضاء، حتَّى يومنا هذا. أوجب قول ذلك ما يعيشه العِراق راهناً، مِن أزمة الغاز السَّائل الحادة، ومع وجوده بغزارة، يستورد مِن الجوار، فيجري التّحكم، ولهذا التَّحكم خط أحمر أيضاً.

لستُ اقتصاديّاً، لكنني شاهد عيان على حرق الغاز، كنا، ومن الطّفولة، إذا ولينا وجوهنا جنوباً، نرى مِن فوق أطراف الهور شعلةً، عُرفت بـ«نار الشّعيبة». كنا قبل شيوع الكهرباء، نعتقد بأَّنها مصباحٌ عملاقٌ، يُسرج ليلاً، وما كنا نعلم أنها محرقة الغاز النَّفيس عالمياً، تهبه الأرض مِن رحمها نعمةً لا نقمةً لتأكله النَّار، سماه المختصون بـ«الغاز المصاحب»، وإذا «المصاحب» بنى دولاً، جعلها على صغرها عملاقة باقتصادِها. حللنا ببغدادَ، وإذا شعلة الشّعيبة نفسها تظهر خلفنا، ممِا يُقابل مقاهي وحانات «أبو نواس».

كأن لهيبها يتراقص طرباً على أنغام الأغاني الصّوادح، على شاطئ دجلة، قبل تحول الجرف الغربيّ إلى دار حكم حصينة، ثم منطقة خضراء أكثر حصانة، ولم يدر بخلدنا أنَّ هذه الشّعلة العظيمة، التي يُضاء بها النّهر، هي محرقة للغاز المصاحب أيضاً، حيث «مصفى الدّورة». غير أن ما كنا نعتبره بهاءً للمكان، وتخيلناه، مِن قبل، سِراجاً عظيماً، أثار قلق الاقتصاديين الأوائل، والحكومات نفسها، لذهاب الثّروة هباءً، فمحرقة الشّعيبة تقع على أطراف البصرة، والدّورة، حيث ينعطف مجرى دجلة، وسط بغداد، ومع خسارة الغاز يُجنى التلوث وسط المدن.

نقرأ الآتي: «يُعدّ غاز النِّفط مصدراً مهماً للثروة، يُنتج عن استخراج النِّفط، وهو الغاز الذي يضيع الآن بالاحتراق، والذي يمكن استغلاله بكميات وافرة لدعم الحركة الصّناعيَّة في العِراق، وتقوم حكومة الجمهوريّة بوضع الخطط اللازمة لاستغلال هذا الغاز، وتجهيز المشاريع الصّناعيّة الحكوميّة به، وتوزيعه على مركز الاستهلاكات الصّناعيَّة، ومشاريع الإسكان الرَّئيسية»(دليل الجمهوريّة العِراقيّة 1960). تصوروا بعد(63) عاماً، مِن هذا التَّنبيه الرّسميّ، يتجمهر العراقيون طوابير طوابير، حاملين قناني الغاز فارغات، أمَّا الصّناعة، التي جرى التّفكير بدعمها، فككت أدواتها، ولم يعد مصنع فتاح باشا ينتج البطانيات، ولا سامراء تنتج الأدوية، ولا البصرة الورق، ولا كربلاء الدِّبس والمربيات، ولا منطقة المعامل الطَّابوق، فالاستيراد صار وفق العقيدة.

كان «مصفى الوند» أول المصافي، أنشأته شركة نِفط خانقين(1927)، ثم «باباكَركَر» بكركوك، فمصفى الحكومة(1935)، و«الدّورة»(1955) قيل أنشئ بأيدٍ عراقيَّة (دليل الجمهوريّة 1960 والملكيّة 1936)، وغيرها مِن مصافٍ، تحرق الغاز كنفايات. لكن أغرب القصص كانت لـ«مصفى بيجي»، أضخم المصافي، أنشئ (1978)، على أثر ثورة النّفط الكبرى، غزته «داعش»(2014) فتحكمت به، وبعد طردها سُرق، وهو بمثابة مدينة، وهُرب في ليلة ليس ظلماء، وعاد، بعد سنوات، في ليلة ظلماء، لم تعلن أسماء المهربين والبائعين والمشترين. لكنّ الذين استغلوا إنجازات الجيش العراقيّ، بتحرير «بيجي» ورثوا ما غزته «داعش»، وعذرهم أنه مِن المعادن «مجهول المالك»، هؤلاء وحدهم يُسألون عن المصفى، لكنّ إذا تكلم العراقيّ، أخرسوه بخدعة: «حَمينا عرضك»!

كنا نلهوا برؤية شُعل المصافي، وما كنا نعلم أن مستقبل الأجيال يُحرق، مثله مثل جثامين الموتى، كي لا تلوث الأرض! فهل مِن تفكير بهذه المحارق، والتَّحرر مِن كماشة المورد المقدس، التي جعلت العراقي لا يطهو، ولا يتدفأ إلا بشروطها! ليس لنَّا الاستغراب مِن خزين الغاز، واستخراجه لغرض حرقه في الفضاء، ومنع صناعة وزراعة وفق مفاهيم أصحاب الولاية، كي تبقى الكماشة تعصر رقبةَ العِراقِ، ولنّا استعارة التَّشبيه مِن أحمد الصَّافيّ(ت: 1977): «جاءته حوتُ البحرِ ظامئةً له/ أو ما كفاها بَحرها العَجاجِ»(عزّ الدِّين، الشّعر العِراقيّ الحديث).

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

الرئيس الأمريكي الخلافي الأسبق دوناند ترامب سلم نفسه أخيراً- الخميس الماضي- إلى السلطات بمقاطعة فولتون بولاية جورجيا التي يسيطر عليها الجمهوريون؛ ليطلق سراحه لاحقا بكفالة بقيمة 200 ألف دولار بعد نحو 20 دقيقة من حجزه في سجن المقاطعة، حيث أخذت بصمات أصابعه وصورته الجنائية التي بدا فيها متجهماً يائساً، ليصبح أول رئيس أمريكي تؤخذ له صورة جنائية.. غير أنه حولها بدهاء إلى فرصة ثمينة داعمة لمشروعه الانتخابي كما سنرى لاحقاً .

والمعروف أن ولاية جورجيا تابعة للجمهوريين ما يعني بأن قرار المحكمة الخاصة بترامب سينطق به محلفون قد يكون معظمهم من الجمهوريين، ويفترض أن يؤثر ذلك على اتجاه المحاكمة وبالتالي إدانة ترامب، هذا إذا علمنا بأن محاكمته أجلت إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية والمقرر إجراؤها يوم الثلاثاء 5 نوفمبر 2024.. بغية إخراج ترامب -وفق ترامب- من المشهد السياسي مع انه رشح نفسه لانتخابات الحزب الجمهوري الجارية لتمثيل الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ لذلك فإن خصمه السياسي جو بايدن كشف عن نيته الترشح للرئاسة مع نائبته كامالا هاريس.

ووصف ترامب لائحة الاتهام في مقابلة متلفزة بأنها "ذات أبعاد سياسية"، مضيفا أنه "كان يمكن إصدارها قبل قرابة ثلاث سنوات، ولكن تم تفصيلها لتوجّه الصفعة الصحيحة في منتصف حملتي السياسية".

ومنذ أشهر، يخوض ترامب حملة سياسية لدعم ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024.

لذلك ربط ترامب مصيره بنتائج الانتخابات الرئاسية القادمة فيما لو تحقق فوزه، وبالتالي استغلال صلاحياته كرئيس في إلغاء الأحكام التي قد تصدر بحقة.

وملف ترامب متخم بالقضايا الخطيرة التي يمكن اختصارها في أربع قضايا ما لبثت تلاحقه إلى الآن، وهي:

-محاولة قلب نتائج انتخابات 2020، والهجوم التخريبي الذي شنه أنصاره على مبنى الكابيتول في السادس من يناير 2021.

- تهمة التجسس.. حيث أظهرت مذكرة التفتيش الصادرة بحقة أن السلطات الفيدرالية كانت تحقق مع ترامب في إتلاف مستندات حساسة، وعرقلة قوانين العدالة، وانتهاك قانون التجسس، بما يشمل رفض إعادة وثائق الأمن القومي، ما يمكن أن يؤدي لسجنه أو توقيع غرامة عليه.

وتصل عقوبة انتهاك قانون التجسس بحد أقصى إلى السجن مدة عشر سنوات، ويتعلق ذلك بإساءة استخدام الوثائق التي تضر بالأمن الوطني للولايات المتحدة.

- ضبط تسجيلات خطيرة لترامب خلال اجتماع عام 2021، ظهر فيها بأنه احتفظ بمعلومات عسكرية "سرية" لم تُرفع عنها السرية، وفقاً لنص التسجيل الصوتي الذي حصلت عليه شبكة CNN.

وكان ترامب يشكو في الاجتماع من رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي. وعُقد الاجتماع بعد وقت قصير من نشر مجلة "ذا نيويوركر" قصة لسوزان غلاسر توضح بالتفصيل كيف أوعز ميلي، في الأيام الأخيرة من رئاسة ترامب، إلى هيئة الأركان المشتركة بضمان عدم إصدار ترامب أوامر غير قانونية، وإبلاغه إذا كان هناك أي قلق.

- تقديم رشوة لممثلة الأفلام الإباحية ستورمي دانيلز التي اعترفت بأقامة علاقة جنسية مع ترامب، وإنها حصلت على 130 ألف دولار من محاميه قبل انتخابات عام 2016 مقابل صمتها بشأن هذه العلاقة التي أنكرها ترامب حيث تلقى طلباً من المحكمة للشهادة ضد محاميه.

وقبل خمسة أشهر من بدء الانتخابات التمهيدية لاختيار المرشح الجمهوري لانتخابات 2024، يزداد التأييد لترامب فيما تلقي عدة قضايا جنائية بظلالها على محاولته العودة للبيت الأبيض.

وعقب ذلك، قال ترامب للصحفيين في مطار أتلانتا إن اعتقاله يمثل "يوماً حزيناً للغاية بالنسبة لأمريكا وتدخلاً في الانتخابات".

وأضاف: "ما حدث يعد استهزاء بالعدالة. لم أرتكب أي خطأ".

وفي وقت لاحق، نشر ترامب أول تغريدة له على منصة "إكس" منذ 8 يناير 2021، حيث شارك صورته الجنائية التي التقطت له في السجن وكتب عليها: "تدخل في الانتخابات.. لا تستسلم أبدا!".

فترامب لديه القدرة على تحويل الكبوات إلى فرص ثمينة.. فخلال 72 ساعة حصل على تبرعات وصلت حتى ذلك الوقت إلى 7 مليون ومئة الف دولار دعماً لحملته الانتخابية.

ويواجه ترامب حرباً شرسة تقودها الدولة العميق التي تؤيد مواقف الديمقراطيين الليبرالية على نحو دعم المثلية وتأجيج الحرب الأوكرانية التي وعد ترامب بإيقافها.

***

بقلم: بكر السباتين

28 أوغسطس 2023

منافسو ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة؛ سيكونون مضطرين إلى تكبير حجم طاولات المُتبرَّعين، وزيادة أعداد الكراسي المُرافِقة لها. بدون مؤتمرات ضخمة ربّما لن تكون ميزانياتهم الدعائية، قادرة على مُجاراة العشرين دقيقة التي قضاها ترامب في سجن مقاطعة فولتون في جورجيا.

العشرون دقيقة هذه تشبه إلى حدٍ ما الجمهور الأمريكي؛ الذي اهتم بمُناظرة الانتخابات الرئاسية في ستينيات القرن الماضي، بين جون كينيدي وريتشارد نيكسون. من استمعوا للمناظرة عبر المذياع راهنوا على فوز نيكسون، لكن من شاهدوها عبر التلفاز، اعتبروا قطرات العرق التي غزت جبين نيكسون، اللقلق الذي سرق الرئاسة من النافذة الجمهورية ليُسقطه في المدخنة الزرقاء الديموقراطية.

عشرون فولتون الجورجية، شحنت بطَّارية المقابلة التي أجراها تاكر كارلسون معه، عبر منصة X (تويتر سابقاً) بـ 256 مليون مشاهدة، منذُ الخميس ولحين الأحد الماضيين، بينما المناظرة الرئاسية بين المُرشَّحين الجمهوريين للرئاسة عطست عند 12.500 مليون مشاهدة فقط، رغم كمية السعوط الترامبية التي تنشَّقوها جميعهم في أداء المُناظرة، لكن دقيق التبغ ليس مثل سيجار هافانا الشهير.

طائِرُ الحظ الرئاسي لترامب كان منقارهُ واضحاً، منذ مناظرته الأولى في 2016 التي شوهِدت من 25 مليون في ذلك الوقت. لكن كما يبدو أن خروجه من قشرة تلك السنة لم يكتمل إلَّا في 2023. الرئيس ترامب بدأ ظاهرة وأنتهى أيقونة.

إدارة الرئيس بايدن تبدو مستمتعة جدّاً، وهي ترى التهم القضائية، تُفتش عن الرئيس السابق في المحاكم الأمريكية. عدد التهم استقر عند الرقم 37 منذُ يونيو الماضي. هذه الاتهامات تشبهُ برميل الحسومات، حيثُ تُرمى فيه منتجات بأسعارٍ بخسة قد تصِلُ إلى 99 سنتاً.

وظيفةُ البرميل هذا وكمثال هي تشجيع المُرشَّحين الثمانية في مناظرة الأربعاء الـ 23 من أوغست، للصعود عليه وتزويد الناخب الجمهوري ببضاعة ترامبية مُقلَّدة، رغم توفَّر الأصليَّة، وهي لا تحتاج براميل للاختباء فيها. مقابلة ترامب مع كارلسون أكَّدت أن ترامب هو ربطة العُنق الأكثر احمراراً والتي تسعى إليها بدلة الناخب الجمهوري. 120 دقيقة شاهدها 256 مليوناً خلال ثلاثة أيام، وهي ليست جزءً جديداً من سلسلة أفلام المنتقمين التي تُنتِجُها ستوديوهات مارفيل.

الرئيس بايدن عندما سؤل عن المقابلة. قال بداية إنه لم يشاهدها ثُمَّ قال لم يكُن فيها شيء يستحق المشاهدة، مُعلِّقاً في الختام بأنها لم "تتحدَّث عن الأمور المهمة مثل التعليم والعمل". الرئيس بايدن قد يكون معذوراً فسياسة الهويات التي أطلقتها المدفعية التقدُّمية في حزبه، أوقعت السقوف السياسية المعقولة في الولايات المتحدة. آخِرُ تلك المقذوفات كانت الحُريًّة الجنسيَّة، حيثُ من حقِّ المدفع الاقتران بالمدفع والفوهة بالفوهة وهكذا ستنتهي مشاكل الأمريكيين والعالم!

الرئيس ترامب رجلٌ ضد الحروب، وضد من يُقدِّمونها للشعوب كفطائر. يقِفُ على مسافةٍ بعيدة بدوره عن شركات السلاح.. رجال تسليم تلك الفطائر. كذلك يحاول اقتلاع جذور الدولة العميقة، المصنوعة من تشابك أغصان بيروقراطية هزيلة مع جذوع كارتيلات الشركات العابرة للقوميَّة.

الديمقراطيون يعامِلون الناخب/ة الأمريكي، كواحدٍ من ذي الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصَّة)، يجب توفير هوية فرعيَّة له كي يستقيم فهمه السياسي. الرئيس كينيدي رغم مشاكلة الصَّحية كان لا يربأ عن لبس حزام الظهر ودعامات لرجليه، طيلة استعداده للانتخابات الرئاسية، وهو يزور عوائل الناخبين، عائلة بعد أُخرى، ويصعد الطوابق بدون كللٍ أو ملل. هذا الرئيس ذو الأصول الكاثوليكية لم يستعن بسياسة الهويات، وحتّى الرئيس ليندون جونسون، والذي كان أول جنوبي يجلس في البيضاوي سنة 1963 بعد أكثر من 100 سنة، لم يلجئ هو أيضاً إلى سياسة الهويات المُختزلة اليوم بالأعضاء الجنسية.

أستعين برؤساء ديموقراطيين بدل جمهوريين لأننا نسير على طريق الرئيس بايدن؛ الذي كرَّز بأنه سيُعامل الجميع أمريكيين لا حُمراً وزُرق، ليقضي على حالة الانقسام في المجتمع الأمريكي. الليبرالية الأمريكية تحتاجُ فرداً مسؤولاً، لا فرداً بهوية منحوتة من احتياجاته النفسية المدفوعة من مغامراته البيولوجية. الديموقراطيون يحاولون تفكيك العائلة لأخذ صوتٍ انتخابي منها، واثنين من غيرها وهكذا دواليك.

الليبرالية عند الجمهوريين تريدُ جزءً من كعكة السعادة ولقد تعِبت من استخدام معجون أسنان الهوية وتنظيف الانقسامات بخيط الحريات الجنسية. الثروة الأمريكية يا سيادة الرئيس نحلة يُلقِّحُها الأمريكيون لكنها تعطي عسلاً خارج البلاد. نحنُ لسنا مسؤولين بحسب عقليتنا الجمهورية المتواضعة عن توفير عسلٍ لكل دببة العالم.

العائلة يا سيادة الرئيس وأنت كما يعرفُ الجميع تحبُ عائلتك كثيراً هي نواة الليبرالية، بدونها سيصبحُ الأمريكي طرزان بلا غابات مؤنسنة. العائلة الانتخابية الجمهورية تعتبرُ الرئيس ترامب أبرز أفرادها، أو من 55 إلى 60 في المئة على الأقل يعتبرونه كذلك. القانون قد يستطيع قنصه، والقانون في الولايات المتحدة هو حبلُ السِّرَة الذي نرتبطُ به نحن الأمريكيون جميعاً.. عوائلاً وأفراداً ننتمي إلى عوائل، لكن أسلوب مطاردته يحوِّل البلاد إلى جمهورية موز. ألم يكُن من الأفضل لنا جميعُنا لو فاز بولايتين رئاسيتين كي نفهم من خلاله أين موقع الخلل في أرض اليانكي. كان سيتسنى لنا على الأقل أن نفهم ما تحتاجهُ واشنطن من مقدارٍ إمبراطوري في السياسة الخارجية، والضرورة الهائلة إلى سياسات داخلية صحية تُحافِظُ على نضارة الجمهورية الفتيَّة.

كُل من يقول أن ترامب يُمثِّلُ "القمامة البيضاء" كما جاء في كتاب ما يكل وولف، هو يُفكِّر كقُمامة فالنفايات تعرِفُ بعضها. هو يمثِّلُ حاجة أمريكية إلى شيءٍ ما شعر به قسمٌ كبير من الأمريكيين؛ الذين استنفذوا غلال ثرواتهم ومخزوناتِهم الليبرالية، بسبب سياسةٍ أمريكية متحالفة مع سياسات عالمية شبيهة بالاشتراكية الدولية، لكنها لا تعمل لصالح الطبقات الضعيفة اقتصادياً في مجتمعات العالم، إنَّما لصالح شركات تأخذُ التبر وتعطينا التبن.

 سيادة الرئيس أنتَ تعامل دونالد ترامب مثلما يُعامل ألكسي نافالني في روسيا. طبعاً، نافالني سيُنسى ولولا الحاجة إلى استخدام كُل أسلحة الشيطنة ضد موسكو وكبير الكرملين، لتبخَّر ذِكرهُ منذُ زمنٍ طويل. لكن صاحبنا ضد التبخُّر.

سيادة الرئيس أودِّعُك الآن لكن لترامب بقية سأعود للحديث عنها. تحديداً السياسات التي سيتبعُها إن عاد رئيساً، والتي ستؤكد لنا أن سياسات من سيجلسون على البيضاوي؛ ستكون توائم لسياساته حتّى وإن خرجت من أرحام حزبية ذات لونٍ مُختلف.

***

مسار عبد المحسن راضي وتوم حرب

كاتب وباحث عراقي/ عضو في الحزب الجمهوري الأمريكي

لو أراد الشّيخ الجليل اللّبناني ياسر عودة، راحة الخاطر وملء الرِّضا، مِن العوام والميليشيات العقائديّة الولائيّة، لحصل على ما أراد، فمّا عليه إلا الصّمت، ولا داعي حتّى لأن يُسبح باسم الكهنوت. يسكت عن المشاهد الفظائعيَّة المخزية، التي أقيمت، خصوصاً هذا العام، في العاشر مِن محرم، والتي فاقت ما تبناه العهد الصَّفويّ (1501- 1723م) من اختراعات، مشاهد جعلت الإنسان السَّوي يحار بين الحقيقة والخيال، ومع سَوق هذه الجموع إلى كهف الخرافة، يصبح التَّمييز بين الصَّحيح والخطأ صعب المنال، خصوصاً أن الجميع يتحدث بالدّيموقراطيّة، وكلّ يفهمها وبطلبها وفق مفاهيمه.

حصل أن صَدر (2023/7/4) توجيه من أعضاء في مجلس الإسلاميّ الشّيعي الأعلى في لبنان (هيئة التّبليغ في المجلس) بنزع الأهلية الدّينيّة عن خطباء ودعاة، وبالتالي هم مطالبون بنزع العمائم، والذّوات هم: ياسر عودة، سامر عبد الحسين غنوي، بلال إبراهيم سليم، محمد يوسف الحاج حسن، نزار محمد حمزة، إبراهيم حسن حرز، عبد الكريم الشيخ علي، يوسف حسن كنج، أحمد عباس عيدي، أبو الحَسن عباس حمود مخ، محمد علي الفوعاني، هاشم علي الموسوي، محمود عبد الله فقيه، عبد السّلام نيازي دندش ونظير جمال الجشي. مع أنهم اعتمروا العمائم ليس منحة أو تشريفاً من جماعة التّبليغ في المركز، بل من دراستهم الحوزويّة.

كان الأبرز، بالنّسبة إلى الوسط العراقيّ بين هؤلاء، صاحب العمامة البيضاء الشّيخ ياسر عودة، فصوته يصل إلى العراق، ويتداوله العراقيون، بين مؤيد، من شاجبي قتل الثمانمئة متظاهر من الشّباب العراقي، ومن الذين يشعرون بمعاناة بلادهم مِن الفساد الفظيع، ومبغضٍ من أتباع كتائب وعصائب ولائية.

كذلك تجري متابعة الشّيخ ياسر بكثافة، من قبل العقلانيين العراقيين، بسبب كثرة  المنابر وتكاثرها، التي ترمي بالخرافات على الشّباب، حمماً من الجهل والشّعوذة، مع علم المتابعين بأنّ صوت الشّيخ ياسر يضرب في الصّميم، لذا يمكن القول إنّ الضّغط الذي جرى على الشّيخ عودة، والأربعة عشر من المتنورين، هو تضامن ميليشيات لبنان والعراق الولائيّة ضدهم.

يعرف الجميع، أنه بعد الحوادث السّوريّة، وقبلها احتلال وسط بيروت مِن قبل ميليشيا "حزب الله" في (7/5/2008)، تغيرت النّظرة إزاء هذا الحزب، فمن ألق المقاومة لتحرير فلسطين إلى الإحباط بتحرير بيروت من أهلها، حصل حادث اجتياح وسط بيروت نتيجة لقرارين مِن مجلس الوزراء اللبناني: السّيطرة على شبكة الاتصالات، والتي يعدها الحزب من حقّه، ضمن منطق "دولة داخل دولة"، وإقالة مدير أمن المطار، وهو أيضاً لـ"حزب الله"، وليس هناك مِن دولة تعترف بها الأمم المتحدة، ولها علم ونشيد ودستور، وتكون شبكة الاتصالات وأمن المطار بيد حزب مِن الأحزاب، تابع علانية لدولة أجنبية.

بعد اجتياح وسط بيروت، خفت ألق "حزب الله"، من أنه المقاومة والمقاومة هو، لذا صار الاتجاه إلى كسب الشّعبيّة وإدامة الولاء، إلى حماية الخرافة والفساد، فالخرافة تُخضع البسطاء من النّاس، وتمنع أيّ احتجاج وطنيّ صادق، بل على العكس يتحول الاحتجاج إلى نصرة الخرافة والشّعوذة أو الشَّعبذة، وهذا الواقع يتماهى تماماً مع الواقع العراقي وهيمنة الميليشيات الولائيّة، الواقع المرير في الوسط الشّيعيّ الذي يتصدى له الشّيخ ياسر، بفكر وحماسة.

 يُذكّرنا ما اجتمعت مِن أجله لجنة التّبليغ داخل المجلس الإسلامي الشّيعيّ في لبنان؛ بما حصل مع السّيد محسن الأمين (تـ: 1954)، في مطلع القرن العشرين، مع تجار المواكب الحسينيّة الذين يقدمون الطّائفة الشّيعيّة، أو المذهب الشّيعيّ الإماميّ، خارج التّاريخ، عبر مواكب الجلد بالسّلاسل ومواكب التّطبير بالقامات والسّيوف، إلى درجة أنّ أحدهم، وقيل السّيد صالح الحلي (ت 1940) قال من الجارحات بحقّ السّيد الأمين: «يا راكباً إما مررت بجِلَّقٍ/ فابصق بوجه أمينها  المُتَزَنْدِقِ»! ومعروف جِلَّق اسم من أسماء دِمشق قديماً. بينما نصر السّيد الأمين الشَّيخ مهدي الحجار (تـ: 1939) بالقول: «تأسَ يا محسن في ما لقيت بما/ لاقاه جدك من بغي ومن حسدِ» (انظر: الخليليّ، هكذا عرفتهم). إذا كان الحلي خطيب معارضة «التّنزيه» في النّجف، وقف عميد المنبر الحسيني في زمانه الشّيخ محمد علي اليعقوبي (تـ: 1965) نصيراً للتنزيه. فصار المجتمع الشّيعي، على مستوى الفقهاء والخطباء، بحسب شائعات المنحدرين مع الشّعوذة والخرافة، فريقين هما: أمويون وهم الأمين ومؤيدوه، والفريق الآخر علويون. عموماً كانت المجالس الحسينيّة واللّطم من اختراعات الصّفويين (التكابني، قصص العلماء)، أما اختراعات اليوم، والتي تعدت اختراعات الأمس فمن صناعة مرجعيات، كالشّيرازيّة ولها حضور في كربلاء، وضعت كل ثقلها في التّمادي، بما يصفونه بالشّعائر الحسينيّة، حتّى تعدت المعقول.  

إذا كان السّيد محسن الأمين تناول الممارسات في عاشوراء، ولم يتحدث عن أيّ أمر آخر (رساته التّنزيه 1928)، فإن الشّيخ ياسر عودة، والمطالبين بنزع عمائمهم جميعاً، خطيئتهم مزدوجة، أكبر وأخطر، فهم يتصدون ضد مصادرة الطّائفة، وضد ذوبان الأوطان في ولاية أجنبيّة، يقفون ضد التّيار الجارف بالشّيعة إلى انتزاعهم من أوطانهم، لمصلحة مشروع لا يبقي عليهم ولا يذر، فشبابهم يُقتل في ميادين الحروب بالوكالة، ومناطقهم يرثى له.

 بهذا من حقّ جماعة التبليغ أن تعد الشّيخ ياسر عودة وزملاءه غير مؤهلين، فالعمائم، وفق جماعة التبليغ، مهمتها إنشاء الوطن الطّائفة، بقهر الآخرين وأولهم النّاجون من عقيدة هذا المشروع، بما عُبر عنه منذ البداية "الفخر في حزب ولاية الفقيه". فماذا تريد هذه الولاية غير غسل أدمغة الأتباع من الولاء لأوطانهم، بالفساد وبالخرافة، وبالخدعة العقائديّة، وبأيّ أسلوب كان، هذا ما يقف ضده المشار إليهم بعدم الأهليّة، والمقصود، في حقيقة الأمر، عدم الأهلية لهذا المشروع! فماذا يترتب على هذه المعارضة؟! يترتب التّسقيط، والإقصاء، والمطاردة، والاغتيال إذا اضطر القائمون على المشروع لتنفيذه، والخطوة الأولى خلع العمامة، مع أنّ معتمرها لا يحتاج إلى رخصة أو إجازة أو شهادة، غير شهادة الدّراسة لا شهادة السّياسة.  

بما أنّ المشروع واحد، في أذهان عمائم ولاية الفقيه وقادة الميليشيات الولائيّة، بين الوضع العراقي والوضع اللّبناني، حصل التّضامن بين أصحاب المنابر والمؤسسات، وقصة ذلك طويلة.

حاولتُ أن أجد لكناية "سب العنب الأسود" أصلاً وفصلاً فلم أجد، وما شاع في التواصل الاجتماعي عنها سببها قولها، لا أجده صحيحاً، وهي كناية "عمن تعرض للسلطة الحاكمة بانتقاد" (الشّالجيّ، موسوعة الكنايات البغداديّة)، فكيف والشّيخ ياسر العودة انتقد ما هو حكومة على الحكومة، في لبنان والعراق معاً، لكنني أُخمن أن أصل الكناية هو "سب الحجر الأسود"، الذي يُعتبر خطيئة بل جريمة كبرى، وبما أنّ "عبارة الحجر الأسود" فيها من المحاذير ما يصل إلى التّكفير، ولم تتداول في أي من مجامع الأمثال ومعاجمها التّراثيّة، فقد اختص بها العراقيون، وهم معروفون بالتّمرد، فأجدهم استبدلوا العنب بالحجر.  

ربّما كان الشّاعر الشّعبيّ البغداديّ عبود الكرخي (تـ: 1946) وثق لهذا المثل عندما أغلقت جريدته فقال: "ما ذنب الجريدة دائماً تنسد/ هل سبت عنب زرباطية الأسود" (موسوعة الكيانات البغداديّة). أخبرونا يا جماعة التّبليغ، هل الشّيخ ياسر عودة سب العنب الأسود؟! وإن سبه فهل كان عنب زرباطية، المنفذ الحدودي مع الجمهوريّة الإسلاميّة، أم عنب بيروت، حيث نفوذ الجمهورية الإسلاميّة أيضاً، فهاج عليه النّفوذان بلا هدنة وهوادة!

***

د. رشيد الخيّون

تواجه المجتمعات الإنسانيّة المعاصرة اليوم، وفي مطلع العقد الرابع من الألفيّة الجديدة، حمأة مواجهة مصيريّة جديدة مع أخطر تحدّيات الوجود والمصير تحت مطارق الثورة الصناعيّة الرابعة الّتي بدأت تضرب البنية الوجوديّة لهذه المجتمعات، وتهدّد مصيرها وتقضّ مضاجعها. ولا ريب أن المجتمعات الإنسانيّة تشهد اليوم طفرات هائلة من التغيّر الاجتماعيّ تفوق كلّ التصوّرات والاحتمالات الّتي يمكن للمخيال البشريّ أن يبدعها ويصوّرها.

فالتقدّم الإنسانيّ المعاصر في مجال التكنولوجيا الصناعيّة والثورات العلميّة والمعرفيّة المتواترة أدّى إلى تلوّث البيئة والثقافة والإنسان، فارتفعت حرارة الأرض واشتدت إشعاعاتها، ودمّرت الثروات الكامنة في باطنها كما يحث أعماق البحار، وانتشر الرعب والخوف، وعمت الحروب، وانتشر الفساد في مختلف أنحاء المعمورة، وقد أصبح الإنسان المعاصر يعيش وضعيّة مأساويّة اغترابيّة تتمثّل في مأزق أخلاقيّ، أقلّه انتشار المثليّة الجنسيّة، وقد نشهد غداً تشريعات تبيح زواج المحارم وتشجّع عليه. في ظلّ هذا التقدّم الوحشيّ ضدّ الأخلاق والقيم، بدأ الإنسان المعاصر يفقد كيانه الذاتيّ في ظلّ التهتّك الأخلاقيّ الرهيب، وقد عمّ الفساد، وانتشر رهاب الخوف والقلق من حادثات الزمان ومفارقات الأيّام في مستقبل مخيف رهيب.

لقد بلغ حجم المشكلات والتحدّيات الّتي تواجه الإنسانيّة حدّاً يفوق الوصف والتقدير، ومنها: الفقر والفاقة والجوع، ودمار البيئة، وفقدان الهويّة، وانتشار وضعيّات الاغتراب والاستلاب، والحروب الأهليّة، والتعصّب، والصراع على الثروة، والفساد، وضياع الأخلاق، وقد انتشرت هذه الظواهر وما يماثلها على نحو يفوق قدرة الإنسان على التخيّل والتصوّر.

وفي لحظات الضياع وفقدان الهويّة، في هذا الزمن الاغترابيّ، يبرز دور التربية والأنظمة التعليميّة كقوّة حضاريّة قادرة في نهاية الأمر – إذا ما أريد لها - على مواجهة التحدّيات الهائلة الّتي تواجه هذه المجتمعات، كما يمكنها ضمن هذا التوجّه أن تستلهم في بناء نظام قيميّ جديد يمكن الإنسانيّة من تجاوز ظلمتها المعتمة ولحظات اغترابها.

ولكنّ ما يدعو اليوم إلى الحسرة والأسى أنّ الأنظمة التربويّة العربيّة، لم تسلم من فوضى الفساد والإفساد، وقد تعرّضت نفسها للفساد الكبير، وأصبحت بذاتها منتجة للفساد وراعية له، بعد أن كانت أمل المجتمع في قدرتها على إصلاح ما أحدثه الفساد الاجتماعيّ، وأصبح حالنا حال الشاعر الّذي أنشد يما يقول:

بالملح نصلح ما نخشى تغيّره

فكيف بالملح إن حلّت به الغير.

فالتربية العربيّة تعاني اليوم من خلل وجودي قوامه الفساد الّذي انتشر في مختلف مفاصل الحياة التربويّة، وفي مختلف مستويات الحياة والوجود، حتّى أصبحت المشكلات الّتي تعانيها تشكّل اليوم صورة أعمق للمشكلات الاجتماعيّة الّتي تعتور المجتمع وتقضّ مضاجعه. فالتربية العربيّة تعاني اليوم من مشكلات صميميّة في المجتمع، وهي تنتج وتعاود إنتاج الفساد والإفساد والبلاء في المجتمع، وهذا الأمر يشكّل ظاهرة وجوديّة خطرة جدّاً إذ كيف للمجتمع أن يصلح نفسه بتربية أفسدها زمانها؟

ولا غضاضة في القول بناء على ما تقدّم: إنّ التربية العربيّة اليوم تعيش أسوأ لحظاتها اليوم، إذ أصبحت موطناً مغايراً للقيم الأخلاقيّة الخلّاقة الّتي عرفناها من قبل، وقد أصبح الغشّ في الامتحانات، والتلقين في الدروس، والانتحال العلميّ، والتمييز الاجتماعيّ، والواسطة والمحسوبيّة، وغياب التكافؤ، وانتشار التعصّب الاجتماعيّ بين جدران المدرسة، وهيمنة العنف والتنمّر المدرسيّ، وانتشار الأمّيّة الثقافيّة بين صفوف الأساتذة والمعلّمين والمتعلّمين، سمات جوهريّة في مدارس اليوم، وفي الأنظمة العربيّة التعلّميّة السائدة. وعلى هذا النحو لم تعد المدرسة - على النحو الّذي عرفناه والّذي يجب أن تكون عليه - مؤسّسة لبناء الأخلاق، وتكريس التسامح، وبناء العقول، وتفجير القدرات، وتحقيق العدالة، وترسيخ الجدّ والجهد والاجتهاد في طلب العلم، ولم يعد العلم والثقافة غاية في ذاته، وقد تحوّلت المدرسة إلى أشلاء مؤسّسة تعليميّة فاقدة للحسّ الإنسانيّ، بتحوّلها إلى مؤسّسات لمنح الشهادات، وقد تحوّلت الشهادات ذاتها إلى وسائل للحصول على وظيفة أو عمل في سوق متوهّم للعمل. حتّى الأهالي لم يعد همّهم -كما كان في سابقات الأيّام - أن ينهل أطفالهم المعرفة، وأن يصقلوا بالثقافة والعلم، وأن يؤصّلوا فيهم مكارم الأخلاق، بل أصبح همّهم وهاجسهم الأكبر يتمثّل في أن يحظى أبناؤهم بالنجاح المدرسيّ والمنافسة في الحصول على الشهادات كرخصة لسوق العمل بأيّ وسيلة أو معيار دون أيّ وازع أخلاقيّ.

ومع الأسف الشديد، لقد تحوّلت مدارسنا اليوم ومؤسّساتنا التربويّة إلى منصّات تعمل على إيقاعات الأيديولوجيّات الاغترابيّة المضادّة للإنسانيّة والإنسان، وأصبحت مجرّد سجون مغلقة تمارس فيها طقوس الفساد  والإفساد، وقد تحولت مدارسا على مقاييس الأسياد الّذين حوّلوها إلى قوّة هائلة لتدجين العقول وتشكيل الوعي النمطيّ المستلب والتدمير الممنهج للقدرات النقديّة والعقول، وكلّ القدرات الإبداعيّة في نفوس الطلّاب والناشئة والأطفال، وذلك لتبقى خاضعة ضعيفة لا تملك أدوات التمرّد والثورة على الواقع المأساويّ الّذي يحيق بالوجود.

 لقد تحوّلت الجامعات إلى مجرّد ثكنات مدجّنة لإنتاج أجيال اغترابيّة عاجزة كلّيّاً غير قادرة على ممارسة الفعل والإنتاج والإبداع، وأصبحت اليوم قوّة هائلة تعمل على تحويل طلّابها ومريديها إلى قوّة استهلاكيّة في عالم استلابيّ اغترابيّ مدجّن بقيم الطاعة والرضوخ والقبول بالواقع الراهن على علّاته. وقد تبدو المؤسّسات التعليميّة مشرقة في مشاهدها السطحيّة - وذلك لمن لا يستطيع الخوض في الأعماق - إذ تأخذ صورة ممارسة تربويّة خلّاقة تعمل على بناء الأجيال المتعلّمة وتطوير قدراتها وإمكانيّاتها في عالم الثقافة والمعرفة، ولكنّ هذه الصورة الّتي تبدو على السطح قد تغاير تلك الّتي تتحرّك في الأعماق، ويمكن لمن يمتلك القدرة على الغوص في الأعماق - أي في خفايا البنية الوظيفيّة لهذه المؤسّسات والمدارس - أن يرى أنّها في جوهرها ليست أكثر من مؤسّسات تمارس أكثر أدوت القمع تدميراً لقدرات الأطفال الإبداعيّة العقليّة والروحيّة. لإنتاج أجيال مدجّنة هامدة خامدة ضعيفة مغيّبة. وعلى هذه الصورة تفعل المدرسة فعلها في ترسيخ قيم الخضوع والهزيمة والانكسار، إذ تقتل في النفس كلّ أشكال القدرة على النقد والنزع إلى الثورة والتمرّد على الواقع الاستلابيّ المخيف الّذي يبطّ إنسانيّة الإنسان.

ومع ذلك لا بدّ من القول بأنّ الأمل في أن تجد مجتمعاتنا طريقاً إلى الخلاص لا ينقطع أبداً، وهذا الأمل ما يزال قويّاً في النفوس، أصيلاً في العقول نابضاً حيّاً في القلوب. وإذا كان القول القديم: "بالحبّ يحيا الإنسان" فإنّنا على منهجيّة هذا القول نقول: إنّه بالأمل يحيا الإنسان، والأمل يدفع في القلب ومضّ الحياة الحرّة الكريمة في قلوب البشر، ويذكّي الإيمان بقدرة المجتمعات الإنسانيّة على التغيير ومواجهة المصير.

وهذا يعني أنّ سرد التحدّيات، ووصف الوضعيّات الاغترابيّة، لا يعني الاستلام لقدر الهزيمة والنكوص إلى الأحلام الغافية، والاستسلام لمشاعر الإحساس بالهزيمة، وعدم القدرة على مواجهة التحدّيات، ومن المؤكّد أيضاً أنّ هذه السرديّات المأساويّة لا تعني يأساً أو قنوطاً أو تشاؤماً مطلقاً، لأنّها على خلاف ذلك كلّه قد تشكّل – إذا أردنا- منطلقاً أساسيّاً للأمل والعمل والإيمان بقدرة الإنسان على صوغ المصير، واقتحام المستقبل محمّلين بالقدرة على المواجهة والبناء وتحقيق التقدّم الإنسانيّ والأخلاقيّ.

 وإزاء هذا الإشكال الحضاريّ الاغترابيّ يتوجّب على الإنسان العربيّ المعاصر، أن يطرح أسئلة الكيفيّات الموضوعيّة الّتي تمكّنه من تجاوز هذا القصور الحضاريّ، ومواجهة أوجه السلب في هذه التحدّيات؟ وقد يشكّل هذا الطرح الإشكاليّ منطلقاً لإيقاظ الوعي التربويّ، وذلك لأنّ السؤال ذاته قد يشكّل أخطر لحظة في عمليّة بناء الوعي وتشكيله وتطويره. ولا مناص اليوم من ضرورة تشكيل الوعي العميق بأبعاد هذه التحدّيات وطبيعة هذه المشكلات، وذلك لأنّ الوعي يشكّل منصّة الانطلاق نحو التغيير والمواجهة والبناء والتطوير.

ومن هذا المنطلق؛ وعلى هذا الأساس، علينا أن نطرح أسئلة حيويّة ومصيرية حول قضايا التخلّف والنكوص والتراجع والانكفاء، وقد تتمحور باكورة هذه الأسئلة بداية حول طبيعة هذه المشكلات الاجتماعيّة التربويّة في أسبابها ومتغيّراتها، وديناميّات حركتها، وهي أسئلة تمهّد لأسئلة أخرى مصيريّة تتعلّق بالحلول والإمكانيّات والاستراتيجيّات، وقد تنتهي بأسئلة جديدة لا محيص عنها تأخذ صيغة البدايات والأينيّة والكيفيّة: كيف نبدأ؟ ومن أين؟ ومتى؟ وكيف؟

وعلى هذه الصورة يجب على التربية العربيّة أن تطرح أسئلتها المصيريّة حول السبل الّتي يمكن اعتمادها في تحرير أنظمتنا التربويّة ومجتمعاتنا من كوابيس التحدّيات، وثقل المشكلات، وعنف الأزمات. ومثل هذه الأسئلة تشكّل المنطلق المنهجيّ لكلّ محاولة جادّة تطرح نفسها في مواجهة التحدّيات الّتي تحيق بالأنظمة التربويّة، وتدفع بها إلى حالة من العطالة والجمود والقصور. ويقيناً فإنّ مثل هذه الأسئلة تدفع المفكّرين والمثقّفين وعلماء الاجتماع بخاصّة إلى ساحة المواجهة الحقيقيّة الّتي تتّصل بالوعي الإنسانيّ بالمصير، وهو الوعي الّذي غالباً ما يجب عليه أن يتشكّل في أعماق الأنظمة التربويّة المعاصرة. ويبقى السؤال الأساسيّ الثوريّ الّذي يمكن للمفكّرين العرب أن يطرحوه وهو: كيف السبيل لإخراج المجتمع من دائرة الجمود والتخلّف واليأس الحضاريّ؟ وكيف يمكن تشكيل الوعي العامّ مرّة، والوعي التربويّ مرّات ـ بأهمّيّة البحث عن السبل التاريخيّة الممكنة لمواجهة أعظم التحدّيات وأخطر المشكلات الّتي تواجه مجتمعاتنا الإنسانيّة ومؤسّساتنا المدرسيّة.

***

عليّ أسعد وطفة - جامعة الكويت

تستعد الولايات المتحدة لحرب بيولوجية واسعة النطاق على الأراضي الروسية، ولتحقيق هذه الغاية، يقومون بتطوير فيروسات أخطر بكثير من فيروس كورونا، ويؤكد الخبراء، إن الولايات المتحدة بدأت الاستعدادات لمواجهة وباء جديد، كما يتضح من إنشاء الأمريكيين لقسم جديد التي تعمل على تطوير اللقاحات والأدوية لوقف الفيروسات، ويرأسه اللواء بول فريدريكس، المساعد الخاص للرئيس في مجلس الأمن القومي الأمريكي.

و كشفت وزارة الدفاع الروسية عن عدد من الأنشطة بأسماء المؤسسات والأشخاص في أوكرانيا، الذين تعاونوا مع "البنتاغون" وغيره من المؤسسات الأمريكية المانحة بغرض إجراء تجارب بيولوجية عسكرية، وأعلن الجنرال إيغور كيريلوف قائد قوات الحماية الإشعاعية والكيميائية والبيولوجية التابعة للقوات المسلحة الروسية،، القائمة الجديدة ممثلي المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة في أوكرانيا والتي تشمل المشاركة في البرامج البيولوجية العسكرية الأمريكية.

وتسعى الولايات المتحدة للسيطرة العالمية على الوضع البيولوجي، وتنشئ مكتبا لسياسات التأهب لمواجهة الأوبئة والاستجابة لها، وهي الخطوة التالية لإرساء تلك السيطرة العالمية، حيث أعلن البيت الأبيض رسميا عن تشكيل مثل هذا الهيكل في 21 يوليو 2023، والذي سيكون مسؤولا عن تطوير مسار وتنسيق الإجراءات لمكافحة التحديات البيولوجية المعروفة وغير المعروفة، بما في ذلك مسببات الأمراض التي يمكن أن تثير حالة طوارئ عالمية أخرى، وأن المجالات ذات الأولوية لهذا القسم تشمل العمل على استخدام لقاحات وأدوية لوقف الفيروسات ومتغيراتها المعدلة وراثيا، فضلا عن إدخال التقنيات المتقدمة في الإنتاج البيولوجي.

ووفقا لبيانات العلم الحديث، من المستحيل إنتاج فيروس خاص يضرب أمة معينة، لكن من الممكن تمامًا إنتاج فيروس قاتل للبشرية كنوع، ثم يجب تطعيم سكانها، ويمكن اعتبار بداية هذا التطعيم السري، على الأرجح، تحضيرًا لنوع جديد من الحرب، بما في ذلك الأسلحة البكتريولوجية، ويمكن أن يكون الاتجاه الآخر للهجوم البكتريولوجي هو الأنواع الزراعية من الحيوانات المهمة للأمن الغذائي للبلاد، على سبيل المثال، الخنازير أو الدواجن، ومن خلال تقويض صناعة لحوم البقر، تحصل الدولة المهاجمة على ميزة اقتصادية جدية، ومن المعروف أن الاقتصاد هو أساس الحرب.

وحقيقة أن هذا سيناريو كارثي غير مفتعل أنشأه كتاب السيناريو في هوليوود، وذكرته صحيفة وول ستريت جورنال أيضًا، حيث سيتم شن الحرب العالمية الثالثة ليس فقط بالأسلحة التقليدية والقنابل والصواريخ والقوات، ولكن أيضًا بالاستخدام النشط للفيروسات البيولوجية وفيروسات الكمبيوتر، وقد تكون هذه الفيروسات في البداية بدون أعراض حتى ينجح الهجوم التسلل، ويشير مؤلفو المنشور إلى أنه لا ينبغي إطلاق الفيروس في البلد الأصلي للمهاجم، بل في البلد المستهدف، وفي أقرب وقت ممكن من الأجسام البيولوجية، حتى يصل العالم إلى نتيجة خاطئة مفادها أن كل شيء حدث بسبب تسرب من برنامج داخلي سري، وهذا يعني أن الدولة المستهدفة قد لا تتمكن حتى من تحديد ما يحدث كجزء من هجوم تآزري ثنائي تكميلي لفيروسات الكمبيوتر والفيروسات البيولوجية.

ويرى الخبير العسكري، العضو السابق في لجنة الأمم المتحدة المعنية بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية، إيغور نيكولين، وبالتزامن مع ذلك، قال الفريق إيغور كيريلوف، رئيس قوات الدفاع الإشعاعي والكيميائي والبيولوجي للقوات المسلحة للاتحاد الروسي، ان قيمة الهجوم الحيوي/السايبراني الثنائي بالنسبة للأميركيين ، يكمن في القدرة على تحقيق أهداف مدمرة مع الحفاظ على سرية العملية، ولتحقيق أقصى قدر من التأثير التخريبي، يمكن أن يكون أحد مجالات العدوان هو الهجوم السيبراني المتخفي في هيئة برامج فدية على المستشفيات والمراكز الطبية والبحثية ذات الصلة بعلم الفيروسات.

ويمكن للبرامج الضارة، أن تستهدف في الوقت نفسه شبكات الطاقة ومحطات الطاقة وشركات النقل والمصانع ومصافي التكرير والمؤسسات المصرفية، وإمدادات المياه ومحطات معالجة مياه الصرف الصحي والمزيد، ويمكن أن تصبح المؤسسات الطبية ومعاهد البحوث ذات الصلة هي الأهداف الأكثر وضوحًا، وإذا انتقلنا إلى التاريخ، فإن السلطات الأمريكية لديها ممارسة لاستخدام الأسلحة البكتريولوجية، وقد تم تطبيقه واختباره لأول مرة على السكان الأصليين لأمريكا في عام 1763، ثم قدم قائد قلعة فورت بيت، العقيد بوكيه، لزعماء القبائل الهندية "بادرة حسن نية"، البطانيات والخيام التي تم جلبها من مستشفى مرضى الجدري، بعد هذه "الهدية" اندلع وباء في ولاية أوهايو وكان ضحاياه من الهنود المطمئنين.

ووفقا للباحثين، بدأت الولايات المتحدة في ممارسة تجارب واسعة النطاق على استخدام الفيروسات كسلاح بكتريولوجي لمحاربة الخصوم الخارجيين منذ عام 1943 في ساحة تدريب دوجواي الواقعة في صحراء يوتا ، ومن المعروف أن تطورات "المفرزة 731" اليابانية اللاإنسانية جاءت إلى الولايات المتحدة مع مجرمي الحرب الذين أجلاهم الأمريكيون، فقد وقفت الأخيرة في أصول المشاريع الجديدة في قاعدة فورت ديتريك العسكرية، الواقعة بالقرب من مدينة فريدريك (ميريلاند)، والتي أصبحت المركز الرئيسي للبنتاغون، حيث تم تحسين واختراع مجموعة متنوعة من مسببات الأمراض الوبائية والالتهابات الفيروسية، و "الهدية" الأمريكية لشعب فيتنام هي الأمراض الوراثية الخطيرة، سبب التشوهات هو الديوكسين: ويكفي أن تأكل نباتات من موقعك أو تشرب حليب ماعز أكل العشب المسموم به.

ان علماء معهد ووهان لعلم الفيروسات الذين يعملون على فيروس كورونا، والذين أصيبوا بمرض غير محدد أثناء تفشي مرض كوفيد-19 الأولي، تم تمويلهم من قبل الحكومة الأمريكية، وفقًا لمسؤولين أمريكيين ، فإن حجم الضخ المالي الأمريكي في الاستعدادات لحرب بيولوجية واسعة النطاق، يتجلى في عدد المختبرات البيولوجية التي تنمو بسرعة في جمهوريات رابطة الدول المستقلة مثل الضفادع بعد المطر، ففي خريف عام 2015، أعلن نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن في الاتحاد الروسي، عن زيادة في عدد المختبرات البيولوجية الأمريكية في بلدان رابطة الدول المستقلة بمقدار 20 (عشرين) مرة! وبحلول ذلك الوقت، كانت أوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وكازاخستان قد نقلت بالفعل عيناتها من مسببات الأمراض الخطيرة إلى هذه المختبرات مقابل "المساعدة" الأمريكية.

كما أن وزارة الخارجية الأمريكية و"البنتاغون" هم عملاء ورعاة أمريكيون للمركز العملي والتكنولوجي الأوكراني، ويأتي التمويل أيضا من خلال وكالة حماية البيئة الأمريكية، ووزارة الزراعة والصحة والطاقة الأمريكية، وذكر كيريلوف أسماء كل من منسقة المشروع الأمريكي لمدة 25 عاما وهي ناتاليا دودكو، والتي نسقت أكثر من 250 مشروعا في مختلف المجالات العلمية، والمديرة العامة لمركز الصحة العامة التابع لوزارة الصحة الأوكرانية ليودميلا تشيرنينكو، وكذلك نائب المدير العام لمركز الصحة العامة ألكسندر ماتسكوف، والذي أشرف على التنفيذ الشامل لمشروع "كوفيد-19" ثنائي الغرض الممول من الولايات المتحدة، وأن الدور الرائد في البرنامج البيولوجي العسكري لـ "البنتاغون" يلعبه معهد أبحاث الأمراض المعدية التابع للجيش الأمريكي.

وقد تأسس هذا المعهد في "فورت ديتريك" على أساس مرفق لتطوير الأسلحة البيولوجية، وهو الجزء الرئيسي من نظام التحكم البيولوجي العالمي، وقد شارك المعهد، على سبيل المثال لا الحصر، في برامج بيولوجية في أوكرانيا، ودرس إمكانية استخدام مفصليات الأرجل لنشر الريكتسيا، وفيروس التهاب الدماغ الذي ينقله القراد، إضافة إلى مسببات أمراض حمى القرم والكونغو وفيروسات هانتا.

وفي الوقت نفسه، فإن أنشطة المختبرات البيولوجية الأمريكية، الغريب فيها انها لا تسبب القلق سواء بين نشطاء حقوق الإنسان أو دعاة حماية البيئة، وفي الوقت نفسه، حصل البنتاغون من حكومات ما بعد الاتحاد السوفييتي على إمكانية الوصول إلى نتائج البرنامج البيولوجي السوفييتي، بما في ذلك مجموعات من السلالات القتالية للكائنات الحية الدقيقة التي تم إنشاؤها في الاتحاد السوفييتي، وإن وضع CRL خارج الولايات المتحدة يسمح للبنتاغون بإجراء أبحاث بيولوجية عسكرية دون خوف من احتجاجات الرأي العام الأمريكي.

وزارة الدفاع الروسية التي أفادت في وقت سابق ، بتورط محتمل لشركة Big Pharma والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID في ظهور فيروس كورونا الجديد، وقالت "ينتمي الدور الرئيسي في تنفيذ مشاريع دراسة هذا العامل الممرض إلى المنظمة الوسيطة Eco-Health Alliance، حيث يدرس المتخصصون في هذه الشركة، منذ عام 2015، تنوع فصائل الخفافيش، ويبحثون عن سلالات جديدة من فيروسات كورونا وآليات انتقالها من الحيوانات إلى البشر، ودرسوا أكثر من 2500 خفاش".

وقبل شهرين من التقارير الرسمية الأولى لظهور عدوى فيروس كورونا المستجد في الصين، وتحديدا في 18 أكتوبر 2019، عقدت جامعة جونز هوبكنز تدريبا عمليا بعنوان Event-201 تم فيه ممارسة الإجراءات المطلوبة أثناء تفشي فيروس كورونا غير معروف سابقا، ووفقا للرواية المفترضة حينها، أن ذلك الفيروس الافتراضي غير المعروف قد انتقل من الخفافيش إلى البشر من خلال جسم كائن حي وسيط هو الخنزير، وإن تطور الوباء وفقا لهذا السيناريو بالضبط، إضافة إلى تنفيذ مشاريع من قبل Ec0-Health Alliance، يثير تساؤلات حول الطبيعة المتعمدة المحتملة لـ (كوفيد-19) ومشاركة الولايات المتحدة في ذلك.

ان هذا النوع من نشاط البنتاغون ، يسبب قلقًا كبيرًا لوزارة الخارجية الروسية منذ عدة سنوات، وقد ظهرت المرافق ذات الصلة في العديد من البلدان، وفي السنوات الأخيرة يتم بناؤها بالقرب من الحدود الروسية، وأكدت الخارجية الروسية، انه ليست هناك حاجة للحديث عن "التوجه الإنساني" لعمل علماء الأحياء الدقيقة، والأطباء الذين يرتدون الزي العسكري، ويتعاملون مع مسببات الأمراض المسببة للعدوى الخطيرة بشكل خاص، ولا "يسع المرء إلا أن يخمن المحتوى الحقيقي لأنشطتهم، حيث مصنف بالكامل."

ومع ذلك، فإن البنية التحتية العسكرية البيولوجية الأجنبية لوزارة الدفاع الأمريكية مستمرة في النمو، وليس في أي مكان فحسب، بل في المنطقة المجاورة مباشرة لحدود روسيا، في وقت، هناك اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتكديس الأسلحة البكتريولوجية (البيولوجية) والسامة وتدمير تلك الأسلحة، وتضم في الوقت الحاضر، أكثر من 160 دولة ، تعهدت بعدم تطوير أو إنتاج أو تخزين أسلحة بيولوجية، فمدى فعالية الاتفاقية إذا لم تكن هناك آلية واضحة للتحقق من الامتثال لها؟، خصوصا وان الولايات المتحدة ، في عام 2001 هي التي عطلت بمفردها المفاوضات المطولة المتعددة الأطراف التي كانت على وشك الانتهاء بشأن وضع بروتوكول إضافي للاتفاقية، وعرقل الامريكان ومنذ ذلك الحين أي محاولات بناءة لإقامة عمل موضوعي في إطار اتفاقية الأسلحة البيولوجية والتكسينية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

اولاً انا لا افهم معنى تعبير: مزاد العملة؟. انه ابتكار لاداعي له ولامعنى.. مامعنى كلمة مزاد مع ان البنك يبيع الدولار بسعر محدد؟

الطبيعي ان يقدم المستوردون وثائق سليمة تثبت صحة طلباتهم للتحويل الخارجي، فتقوم المصارف المخولة او البنك المركزي (التحويل الخارجي) بتسديد المبالغ المستحقة لتسديد كلفة الاستيرادات.

وهنا تبرز ضرورة وضع البنك المركزي، بالتشاور مع باقي الجهات ذات العلاقة، قائمة بضوابط التحويل والسلع والخدمات المسموح باستيرادها وسقف المبالغ والدول والشركات المسموح بالاستيراد منها (حتى الولايات المتحدة زعيمة العالم الرأسمالي تفرض ضوابط على الاستيرات) والوثائق المطلوبة.

يمكن تخويل عدد من المصارف للقيام بالعملية تحت اشراف البنك المركزي الذي يتولى التدقيق في سلامة عمليات التحويل وبخلافه يتحمل المصرف عواقب اي تلاعب يقوم به ذلك المصرف.

ماحصل هو تطبيق مُبالغ فيه وغير واقعي لسياسة حرية التحويل الخارجي وكأنما العراق من اعرق البلدان الرأسمالية مع انه يفتقر الى الكثير من شروط التحول نحو اقتصاد السوق الحرة، لكن بعض الجهات ارادت من وراء ذلك التحول المستعجل وغير الناضج، تحقيق مصالحها في الاستحواذ على

العملات الاجنبية..

القضية الاخرى هي قضية السيطرة على السوق الموازية والمضاربة، وهذه في نظري مشكلة يصعب السيطرة عليها بسبب وجود كتلة ضخمة من النقد بالدينار العراقي تطارد الدولار..

مصادر هذه الكتلة متعددة، منها ماهو شرعي ومنها ماهو ناتج عن الفساد . كذلك منها ماهو داخلي ومنها ماهو خارجي..

وبدون الحد من تلك الكتلة بكل اشكالها ومصادرها، لايمكن النجاح في مكافحة السوق الموازية وتهريب الدولار.

تهريب الدولار الى ايران يعتبر نتيجة منطقية لسياسة الحكومة التي تسمح بالاستيراد من ايران بمليارات الدولارات لكنها لاتسمح بتحويل قيمة الاستيرادات بالدولار الى ايران نتيجة ضغوط خارجية معروفة !!

ايران بلد محاصر وتبحث عن اسواق لمنتجاتها، لذلك تضطر للتصدير الى العراق على امل التسديد بالطرق الملتوية مثل شراء التجار للدولار بالسوق الحرة لغرض التسديد لايران.. وسمعت انه يتم التسديد بالدينار احياناً..

ايران تستخدم الدينار العراقي لاغراض مختلفة منها دفعه لزوار العتبات الدينية في العراق بدل العملة الصعبة او استخدامه من خلال وسطاء لشراء الدولار من السوق السوداء مما يرفع سعر الدولار عن السعر الرسمي الذي يحدده البنك المركزي!!

الحكومة تنفق مبالغ كبيرة معظمها رواتب لموظفيها المدنيين والعسكريين، لكنها لاتسترد منها الكثير لانها لاتفرض ضرائب ولاتستطيع جباية الضرائب السائدة بسبب الفساد ولاتستطيع جمع ماتحتاجه من الدنانير من السوق من خلال بيع الدولارات

!! لانها مقيدة بسبب ضوابط خارجية ..

اما كيفية عمل اجهزة الرقابة المصرفية فهي الحلقة الأخطر في موضوع ادارة سوق الصرف في العراق لانها تستطيع اذا كانت كفوءة وجادة، ان تفرض قواعد الرصانة في السلوك المصرفي، وان تفرز البنوك الرصينة التي يمكن لها العمل بنزاهة في هذا الميدان...

الدفع الالكتروني يمكن ان يكون حلاً، لكنه يقتضي رقابة صارمة وضوابط دقيقة وكوادر كفوءة ونزيهة...

لكنه سوف يقلص حجم الدولار المتداول نقداً، ومع بقاء مصادر الطلب على الدولار على وضعها الحالي، فأن الوضع يمكن ان يزداد سوءاً ...

***

د. صلاح حزام

المؤكد أننا نغادر حقبة ما بعد الحداثة فى الفن والأدب! فما هو التيار الثقافى القادم بعد تلك الحقبة؟!

فى الماضي كانت الإجابة تأتى سهلة، وقد سبق تفصيلها فى معامل الموضة الفرنسية، أو أروقة الجامعات الألمانية، أو فى هوليود.. أما اليوم الأمر مختلف؛ إذ أن أصحاب الموضة الثقافية منشغلون عن وضع المعايير وتوليد الرؤى والأفكار لصياغة فلسفة ثقافية جديدة إلى ما هو أهم وأخطر.. فرنسا مشغولة بموجات احتجاج وتمرد تكاد تتطور لحرب أهلية أو ما هو أسوأ، وأمريكا لم يعد أمامها سوى كابوس واحد يهدد وجودها ذاته، وهو الصعود الصينى ومخاوف سقوط الدولار.. وألمانيا منهمكة لقيادة الناتو فى حرب مصيرية مع شريكها الاقتصادى القديم الذى تحول فجأة إلى عدوها الأول؛ روسيا..هكذا فرغت الساحة من صناع الثقافة ورواد الفلسفات الفكرية التى تتحكم فى عقول الناس وأذواقهم وأمزجتهم!..إن ما يبدو فى الأفق أن هناك تيار ثقافى جديد غامض قادم على العالم. فما هو؟ وما جوهره؟

بنظرة شاملة لما يجرى حولنا يمكن القول إن الثقافات العالمية كلها فى طور تحول كبير سيحدث هذه المرة بعيداً عن التحكم الفوقى، أو هيمنة الصوت الواحد ، أو الموضة المفروضة القادمة من الغرب.. إنها أقوى موجات الثقافة على الإطلاق..حيث الشعوب هى صاحبة الصوت الأعلى، ولأنها شعوب وثقافات متعددة، فيمكننى القول بضمير مستريح أننا مقبلون على ما أسميه " حقبة الموزاييك"!

صعود الأقليات

هناك اليوم عالمان..عالم افتراضى سيبرانى تتمدد ألسنته باستمرار حتى يكاد يبتلع الناس جميعهم ويضعهم فى سلة اقتصادية وإعلامية واحدة، بحيث صار العالم كله بالفعل قرية مصغرة هى قرية الإنترنت! ثم هناك العالم الضيق الفردى الأرضى الواقعى، عالمى وعالمك بين جدران أربعة!

إن أول السمات البادية على سطح الواقع اليوم فيما أدعوه أو أدعيه من بدء ظهور حقبة الموزاييك، حيث كل شئ متناقض يلتصق بالمشهد ليكمل الصورة الأكبر، تبرز سمة لا تكاد تخطئها عين الفاحص أو المتابع للأحداث على مر السنوات القليلة الماضية.. سمة صعود الأقليات على اختلاف أنواعها..

ثورات وحركات تمرد نشأت على إثرها أحزاب وطوائف كانت فى السابق أضعف من أن يكون لها تواجد على الساحة، وفى أوروبا استطاعت بعض هذه الأحزاب أن تصل إلى السلطة بمختلف مستوياتها، وبات صعود اليمين المتطرف ظاهرة ملحوظة للكافة. حتى فى أمريكا جاء انتخاب ترامب كدليل على التحول إلى الشعبوية التى خرجت منها حركة تمرد من قلب الجمهورريين هى ما سميت بالحركة الترامبية، عندما انحازت فئة متمردة إلى أفكار ترامب الشعبوية وكادت تفسد المشهد الانتخابى الرئاسي باقتحامها مبنى الكونجرس اعتراضاً على فوز جو بايدن بعرش أمريكا!

فترة جائحة كورونا جاءت لتأخذ بيد الفرق الطبية كأبطال الظل، وهى الفترة التى انتعش فيها العالم الافتراضى من تجارة إليكترونية وتوظيف عن بعد وتواصل إنسانى رقمى! لنكتشف أن عالمنا اللاهث المتسارع المتناحر لا يؤدى بالمجتمع إلا إلى مزيد من الهلاك، وأننا بحاجة للارتداد إلى أسلوب الأجداد القديم الهادئ الوتيرة، وصعدت فى تلك الفترة دعوات العودة للوراء والنوستالجيا نلتمس منها حلولاً لأوبئة العصر الذى أوجدها الإنسان بتهوره وغروره.

حتى فى عالم الحروب رأينا صعود الميليشيات بدءاً من ليبيا ومروراً بسوريا وانتهاء بالجنجويد والفاجنر ..مثل تلك السمة ستشهد تغيراً حتى فى الفلسفات والاستراتيجيات العسكرية لاحقاً.

الغريب فى الأمر أن الفن والأدب انساق مضطراً وراء كل صيحة من هذه الصيحات يحاول اللحاق بها والتفتيش فى جذورها وسبر أغوارها، لكنه يكتشف أنها أسرع منه، وأن الواقع الإنسانى لديه الكثير مما لم يبديه أو يقوله كله بعد!

مملكة وادى السيليكون

انتقل الريموت كونترول اليوم إلى أباطرة وادى السيليكون، وباتت بضع شركات كفيسبوك وجوجل ويوتيوب تتحكم فى أذواق الناس عبر الأثير. بل وتحولهم جميعاً إلى مروجين وموظفين يعملون تحت إمرتهم مجاناً! وفى المقابل بات الفن والأدب رهناً بالأذواق الجديدة التى أثمرها اختلاط الثقافات فى بوتقة التيك توك واليوتيوب والإنستجرام، وأصبح لزاماً على الفن والأدب والإعلام إذا شاءوا الاستمرار والبقاء فى عالم يتحكم فيه الأباطرة الجدد، أن يفهموا أذواق هذا العالم الافتراضى مهما كانت تبدو غريبة أو تافهة أو غير تقليدية.

آخر صيحات العالم السيبرانى طفرة الذكاء الاصطناعى التى يعتبرها البعض مقدمة لعصر جديد بعد عصر الصناعة ثم التقنيات ثم الإنترنت والآن عصر "الإيه آى" أو الذكاء الاصطناعى. وأولى نتائج باكورة هذا النوع من الذكاء أنه استغنى عن وظائف تقليدية ليحل محلها الروبوت؛ حتى أننا رأينا مثل هذا الروبوت يقدم للحجيج طعاماً وحلوى! ومن قبل ذلك انتشر مقطع يبرز كيف انتقمت سيدة من روبوت أنثى حل محلها فى وظيفتها القديمة كممرضة فى إحدى المستشفيات!

هناك ألفاظ ومصطلحات لم تكن لتنتشر بهذه الطريقة لولا السوشيال ميديا؛ كالبراند والتريند والإنفلونسر والفريلانسر وغيرها كثير..وفى خضم هذه المعمعة السيبرانية الكبري تنصهر الأفكار والأذواق والأمزجة والرؤى من الشرق والغرب، ويختلط المشهد الصينى بالمقطع الأمريكى بالصورة الأوروبية بالرقصة الإفريقية بالأغنية اللاتينية حتى نفيق على لوحة ستكتمل يوماً كلوحة من قطع الموزاييك أو الفسيفساء لا يكتمل معناها سوى من تجميع سائر تلك القطع والمنمنمات فى صورتها التامة.

من مراقبين إلى صناع

نحن الآن على أعتاب حقبة يستطيع فيها كل ذى أثر أن يضع بصمته..

إنها الفرصة السانحة لفرار الأسري من سجن الهيمنة الثقافية إلى براح الإبداع الحر من أى قيود أو إملاءات أو تبعية ثقافية. إن الشعوب كلها تستطيع اليوم أن تضع بصمتها الثقافية عبر الأثير لتؤثر على ثقافات تبعد عنها بمئات الأميال. وبعد أن ظللنا لفترات طويلة ننتظر وجبة الفن والأدب والموضة أن تأتينا جاهزة من الغرب، بات سهلاً أن نبادر بالتأثير على الغير حتى وإن كان هذا الغير هو الغرب نفسه.

غير أن تقليدنا للغرب لا يمكن أن يكون بوابتنا للتأثير فيه. ولو أننا ظللنا ندور فى فلكه الهالك فلن نستطيع أن ننتقل من دائرة التأثر إلى دائرة التأثير أو أن نتحول من مشاهدين ومراقبين إلى فاعلين وصناع للمشهد الثقافى العالمى.

مسألة صعود الأقليات، وتغير المزاج العام فى الغرب يبشر بتغير أمزجة الشعوب هناك. وفى هذا دليل على أنهم مستعدون للتأثر بأى فكر جديد مختلف بشرط ألا يكون تافهاً سطحياً، ولا مشرباً باللون الغربي الذى بات موضة قديمة يحاولون انتزاعها من جلودهم. الحل هو أن نقدم لهم أنفسنا كما هى بلا تذويق ولا تشويه. وأن نقدم لهم المزاج الشرقى الرائق بكل ما فيه من سحر الماضي وعبق التاريخ الأصيل. فكما سبق ورأينا كيف ارتد العالم كله إلى حالة من النوستالجيا خلال فترة كورونا، وأن العالم الحديث يحن إلى ماضيه الهادئ الرائق كعلاج لحالة الجنون والصخب والحمى. إنه يحن إلى أخلاقيات الماضى بعد أن غرق حتى أذنيه فى بحر من التناحر والعنف والإباحية والمجون.

كن على ثقة أن ما يطفو على السطح من غثاء التفاهة والسطحية والحماقات التى تملأ فضاءات السوشيال ميديا هى إفرازات طبيعية لتلك الحالة من المخاض التى سينتج عنها ظهور ملامح تلك الحقبة الثقافية الجديدة القادمة. وسوف تنزاح كل تلك التفاهات ليحل محلها مشهد ثقافى ثقيل فخم تشارك فيه حضارات قديمة راسخة كحضارة مصر والعراق وروسيا والصين،كلهم يندمجون فى لوحة ثقافية واحدة جديدة النكهة قديمة الجوهر.

***

عبد السلام فاروق

هذا هو العنوان الرئيسي  لما جاء فى قمة البريكس المنعقدة فى جوهانسبرج بجنوب إفريقيا لمدة ثلاثة أيام ..وكان أبرز وأهم فعالياتها خطاب بوتين النارى ضد أمريكا وسياساتها الاقتصادية المهلكة للدول الصغرى إما من خلال سلاح القروض أو سلاح العقوبات الاقتصادية، الأمر الذى يستلزم القضاء على هيمنة الدولار وضرورة تنويع سلة العملات العالمية مؤكداً أن مجموعة البريكس لديها العديد من أدوات الضغط والتأثير لإسقاط الدولار من عرشه العجوز..تلك الرسالة كانت هى الأبرز والأكثر تداولاً بين وسائل الإعلام وعناوين الصحف العالمية وحتى على السوشيال ميديا والأنباء المتداولة رقمياً..

القمة الأهم والأخطر!

شعارها هذا العام : "بريكس وإفريقيا: شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة بشكل متبادل" ...إنها قمة التوسع، وإفريقيا هى الهدف الأول لها!

لقد تمت دعوة 67 دولة و20 ممثلاً لمنظمات دولية لحضور فعاليات هذه القمة المهمة..وقد جاءت بعد أسابيع من انعقاد القمة الروسية الإفريقية،ومن حدوث انقلاب النيجر الذى قلب موازين القوى فى القارة السمراء..هناك أمر جلل يحدث، وهناك تغييرات حتمية ستتم على الصعيد العالمى والإفريقى لا محالة، ذلك ما يمكن أن نستنتجه من كل هذه الأحداث المتتابعة التى تصب كلها فى هذا المعنى..

أغلب الدول التى تمت دعوتها للقمة هى دول إفريقية، بالإضافة لدول من آسيا وأمريكا الجنوبية والكاريبي..وفى حين أبدت نحو 43 دولة استعداداً للانضمام لمجموعة البريكس، فإن ثلاثاً وعشرين منها طلبوا الانضمام لها رسمياً وفى مقدمتهم مصر والسعودية ثم الجزائر والأرجنتين والبحرين وبنجلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا وفلسطين والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام.أى أن هناك 8 دول عربية تسعى لهذا الغرض.

على مدار 13 عاماً لم تحقق القمة طفرة كما حدث لها فى آخر عام..والإنجاز الأكبر لها كان ما حدث عام 2014 من إنشاء بنك التنمية NDP برأسمال 100 مليار دولار..ثم ما حدث من تضاعف للتبادل التجارى بين دول البريكس بمقدار ستة أضعاف، والأهم من هذا وذاك أن الدول الأعضاء جميعها حققت زيادة ملموسة فى ناتجها المحلى وأقواها الصين؛ إذ حققت طفرة فى ناتجها المحلى الإجمالى من 6 تريليون دولار سنوياً عام 2010 فى بدايات العمل بالمجموعة ، إلى نحو 18 تريليون دولار عام 2021 والنمو لديها يتسارع بشكل مطرد..  أما أهم وأخطر ما يدور فى كواليس القمة الحالية، تهيئتها لتكون المنافس الأول لا لمجموعة السبع الكبار وحدها وإنما تحديها للنظام العالمى القائم بأكمله..حيث يؤكد الخبراء أن قمة البريكس هذا العام لها بعد سياسي واضح ورسالة مؤداها تقديم البديل للمؤسسات المالية الدولية وللنظام الدولى الحالى، والتبشير بعالم متعدد الأقطاب..

الهند تعارض التوسع

الدول الخمسة المؤسسة لمجموعة البريكس يمثل اقتصادها 23% من الناتج المحلى العالمى، وسكانها يمثلون 42% من سكان العالم..قوة اقتصادية وموارد بشرية كبري، ورغم ذلك فإن الغرب وأوروبا ما زالوا الأقوى والأشد تأثيراً من خلال منظمات دولية راسخة متغلغلة فى النسيج الاقتصادى الدولى كله..

المنطق يقول إن دخول عدد آخر من الدول فى هذه المنظومة القوية سيدفع الكفة لتميل نحو البريكس فوق كل التكتلات الاقتصادية ، ما يجعل من السهل تحقيق حلم الأقطاب المتعددة ونزع مخالب الغرب وإضعاف هيمنة أمريكا والدولار .. لكن هذا التوسع فى نطاق الشراكات والعضويات الخاصة بمنتدى البريكس يلقى معارضة قوية من الهند وربما من البرازيل أيضاً..فلماذا الهند؟

المراقبون يؤكدون أن الصراع الحدودى بين الصين والهند أثمر تضارباً فى المصالح بين البلدن؛ الأمر الذى تسبب فى إحداث تصدع داخلى فى الكيان الاقتصادى الناشئ..والبعض يذهب إلى أن هذا التصدع مقصود ومفتعل؛ بدليل ما حدث من تقارب كبير بين الهند وأمريكا فى الشهور الأخيرة ؛ ما يعنى أن البريكس ليس بإمكانها تحدى النفوذ الأمريكي والغربي مهما حاولت، وأن الاختراق الغربي لمنظمة البريكس يهدد بقاءها أو على الأقل سيؤدى إلى تحجيمها وإضعاف تأثيرها..

لهذا تؤكد التقارير أن مجموعة البريكس وضعت شروطاً لاختيار الدول التى يمكن قبول انضمامها للمنتدى أهمها أن تضيف الدولة المختارة قوة حقيقية لهذه المجموعة، وأن تكون موافقة على سياسات واتجاهات المنظمة التى تخطط لنظام عالمى بديل، وأن تكون ذات قوة اقتصادية مؤثرة.

القمة لن تعلن موقفها من طلبات الانضمام للبريكس إلا فى اليوم الأخير للقمة.. إنها تلك اللحظة التى ينتظرها العالم ليري بذرة التحدى للنظام العالمى الحالى تنمو وتثمر!

القمة وحرب العملات

أنيل سوكلال سفير جنوب إفريقيا قال كلاماً مغايراً لما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فى مستهل القمة..ما يعنى وجود فجوة بين ما يدور فى العلن وبين ما يدور فى كواليس القمة!!

قبيل القمة أثير الكلام حول إطلاق عملة موحدة مدعومة بالذهب يتم من خلالها القيام بالتبادل التجارى بين الدول الأعضاء بمجموعة البريكس، والواضح أن الدراسات التى جرت تشكك فى قدرة مثل هذه العملة على منافسة الدولار سواء فى المستقبل المنظور أو البعيد..وهذا ما جعل محور الحديث فى القمة اليوم يدور حول التداول بالعملات المحلية بين الدول الأعضاء..لهذا قال السفير الجنوب إفريقي سوكلال: إن جدول أعمال المنتدى لا يتضمن االتخلى عن الدولار، وأن البريكس لا تدعو أصلاً للتخلى عنه، وسيظل هو العملة الرئيسية عالمياً..فهذه حقيقة واقعة.. هذا كلامه..

أما بوتين فكان خطابه المضاد للدولار واضحاً جلياً، وأن استهداف الدولار يبدو كأولوية فى خطة روسيا الاقتصادية القادمة، كنوع من الرد الروسي على العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية ضدها..

نحن فى انتظار البيان الختامى لهذه القمة الاستثنائية التى ستكشف عن التوجهات المستقبلية لهذا التكتل الاقتصادى سريع النمو، ومدى حجم التوسع الذى سيصل إليه خاصة فى إفريقيا التى باتت اليوم فى بؤرة الصراع الدولى..

البريكس وتوقعات النمو

منذ البداية وخبراء الاقتصاد يبشرون بأن البريكس سيكون لها مستقبل عظيم وصدقت توقعاتهم..

الأرقام الحالية كشفت أن مساهمة دول البريكس فى الاقتصاد العالمى بلغت نحو 31,5% بينما بلغت مساهمة الدول السبع الصناعية 30,7%؛ ما يعنى أن البريكس ولأول مرة حقق تفوقاً على السبع..

التوقعات تشير إلى أن التوسع فى انضمام الدول للبريكس قد يصل بها إلى ما يزيد عن 20 دولة، وأن التبادل التجارى بالعملات المحلية سوف يتم إقراره.. فى الوقت الذى تزيد فيه قدرات الصين على السيطرة على سلاسل التوريد والإمداد العالمى من خلال زيادة أسطولها التجارى البحرى والجوى خاصة مع اكتمال مشروع طريق الحرير.. وإذا أضفنا لهذا مساحات النفوذ التى يكتسبها الروس والصينيون فى إفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط .. كل هذا يبشر بأن مجموعة البريكس يمكن لها بالفعل أن تغير المعادلة العالمية القائمة، وأنها حقاً قادرة على إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي العالمى برمته..

البساط ينسحب بالتدريج من تحت أقدام الغرب وأوروبا.. وكلاهما متورط فى حرب طويلة ممتدة على الحدود الشرقية لأوروبا وفى بحر الصين، تلك الحرب التى كلما طالت استنزفت خزائن أمريكا وطاقتها البشرية والعسكرية.. أنت تتحدث عن اقتصاد يعانى أصلاً بفعل عدة أزمات متعاقبة بدأت بأزمة البنوك ثم سقف الديون ثم حرائق كاليفورنيا وهاواى، فكيف الحال وقد تحولت دفة الاقتصاد العالمى نحو الشرق، وزهد حتى حلفاء أمريكا القدامى فى الشراكة معها؟

كافة الحسابات تؤكد أن المستقبل القادم للبريكس.. وأن شمس الغد سترتفع من قِبل الشرق!

***

عبد السلام فاروق

هل يستطيع مؤرخ او مؤلف عربي او مسلم واحد ان يعطينا الدليل ان جماعة الاسلام منذ ظهورها في القرن الاول الهجري والى اليوم قد حققت لنا منجزا حضاريا واحدا على مسوى القانون او الحقوق الانسانية او الحضارية التي حققتها اتباع الديانات الاخرى، نتحداهم ان قدموا لنا البرهان او الدليل.؟ أذن ما فائدة دين بلا تحصين، كل مناهجنا الدراسية وما كتبناه وعلمناه طلابنا كان خنجرا مسموما في الصدور.

وهل يحق لمن كنا نعتقد انهم ثوارا حقا لمصلحة التغيير، ان يخونوا القيم والمبادىء التي كانوا ينادون بها لينحرفوا عنها من اجل المغانم لا مبادىء التحرير، كان بأمكانهم لو كانوا صادقين ان يحصلوا على الاثنين معا، لكن الفعل دليل الاصل في التحقيق، لا ان يسجلوا في صفحات التاريخ الاسود عارهم وخياناتهم حتى اصبحوا اليوم عار التاريخ، لا ما هكذا كانت مبادىء اهل البيت التي اوصلتموها الى اللامعقول دون خجل منهم ومن التاريخ، فلينتظروا المصير الاسود القادم اليهم من حيث لا يعرفون،

هل أصبح الرأي الغالب في بلاد الأسلام اليوم المستند على النص المقدس لا يناسب الواقع في الاعتقاد والتطبيق؟ لا، بل فشل فشلا ذريعاً في العقيدة والدين. بعد ان أصبح الواقع والظروف الصعبة والاختلافات الفقهية بحاجة الى تغيير،  اذن لابد من تفسير النص من جديد على ضوء مقتضيات تطور اللغة والواقع السايكوجي للنص ومحتواه وطرق جمعه ليصلح ان يكون عقيدة دين، وبعد ان تحول النص الى نصوص،  والدين الى مذاهب واجتهادات خاطئة كل منها يؤدي الى معتقد مختلف عن الاخرفي التطبيق، فأذا كان القرآن كتابهم واحدا فلمَ الاختلاف القاتل بينهم في العقيدة والدين؟ والكل أنحشرت في زوايا الخيانة الوطنية، لا بل اصبح الحلال عندهم حراما والعكس صحيح، اذن اين شريعة الله التي كانوا ينادون بها البارحة و اليوم حتى اصبحت بحاجة الى تغييريعتمد على حقيقة التأويل للنص من جديد،  بعيدا عن الترادف اللغوي الذي فقد التسميات الحسية التي استكملت بعد تركيزها في تجريدات، فهل حقا ان هؤلاء الزنادقة هم مسلمون ومن اصحاب نظرية أهل البيت، حشا وكفا، ان يكونوا منهم.

، الدساتيرالحديثة اصبحت نصوصها لا تتماشى مع الفقه القديم، اذن لا بد من فقهاء دستوريين يسطيعون تكييف القوانين بما يخدم التشريع والقانون معاً. وبعد ان تغيرت السُنة النبوية الى خمس سُنن كل واحدة منها تخالف الاخرى، سُنة ابن اسحاق،  وابن هشام، وابن سعد،  وموسى بن عقبة،  وعبدالله الانصاري، ولا ندري ما الصحيح. لظروف قام بها فقه التشريع في عهد النبوة واتسع ثم توقف في عهد العباسيين، وبعد ان تحول نظام الحكم السياسي الى النظام الموازي في التطبيق؟ مشكلة لابد من الالتفات اليها كي لا تضيع الحقوق وتنتهي صفة القانون عند المسلمين وهي على وشك اليوم.

ويستمر التخلف الحضاري عند الجماعة الاسلامية اليوم للظروف غير المواتية لتقدمه، بعد ان اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي، لان الظروف التي قامت عليها عقيدة الاسلام قد تغيرت ولم تسمح بالتقدم بعد، في ظل ظروف تناقض العقيدة بين القديم الصحيح والحاضر المتغير لصالح الخطأ في التطبيق. فاذا اعتقد من جاء لحكم الوطن اليوم قد يتمكن من الحكم الاحادي دون معارضة باسم المذهب والدين، قد أخطأ التقدير،  حتى وان اصبح المال والفقيه بأيديهم لكنهم اصبحوا مكبلي التفكير والتنفيذ من شعب فقد حقوقه في التطبيق، والمعارضة تحيط بهم من كل جانب تمنعهم من استمرارية الخطأ لكنها بلا قوة التغيير، وتحويل موارد الوطن الى (انفال) كما في عقيدتهم المصطنعة من فقهاء التخريف التي ورثوها من فقهاء الخطأ السابقين، اذن هم والعقيدة اليوم في وَهم التاريخ،

فلا سياستهم المعتمدة على قوة فقه المختلفين الاخرين نافعة اليوم،  ولا توجهاتهم المعتمدة على القبيلة والمال والمذهب تسمح لهم بالتقدم بعد ان اعتقدوا ان اموال الدولة ملكا سائبا لهم دون رقيب او حسيب. ولا ايمانهم بالعقيدة الوهمية التي توجهوا بها الى احياء خرافات الماضي واللجوء الى فقهاء الصمت والكهان والمزارات واحياء المناسبات الدينية البائرة باعتها اليوم،  والخضوع لكل ترهاتهم دون القانون،  معتقدين ان الحكم اصبح لهم حكما عضوضا لا احد بأمكانه التغيير، فتوجهوا الى شل مجتمعهم الذي يجب ان تُشل فيه حركة الذهن وملكة الابتكار ليصبح حجرا اصما لا ينطق وكأننا في عصر اصنام الآولين، في التركيز، واتجهوا الى العادات والتقاليد الدينية لاحياء سير الأولين لكنهم مادروا انه اصبح معدوم الاثر لانكشاف حقيقة الفقه التاريخي المزيف الذي به يحكمون فقه الشيخ المفيد وابن تيميه، والذي تبعه سوء النظام الاداري والمالي وخضوعهم لخزعبلات التاريخ حتى اصبح وهما في عقيدة الناس، اذن لابد من التغيير.

هذه التصرفات اللاحضارية المتبعة اليوم التي تتنافى وعصر التحديث بعيدا عن الادارة والتنظيم ساقتهم الى اعتماد البطالة واللصوصية والمخدرات والاستيلاء على موارد الوطن بعد ابتكار مؤسسات مالية لا تمت للقانون بصلة( غسيل الاموال) حتى تحول البعض الغالب منهم الى تجار سراديب فتراجعت العقيدة الدينية وازدادت محبة الوطن عند المواطنين بعد ان اكتشفوا ان الحاكم هو عدوهم وعدو الوطن في التطبيق،

بالجملة ان سبب الانتكاس السياسي المفروض عليهم كان خارجيا من الذين لا يؤمن بحقوق المواطنين والذين يعتقدون ان الوطن لهم تاريخياً دون الشعب.نقول للقيادات التي تدعي الوطنية اليوم في المؤسسات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية واللامنتخبة شعبياً الوالغة في المال والسلطة، اين الوعود والقسم واليمين التي وعدتم بها الاحراريوم كنتم تأتون للعراقيين في الخارج وأنتم اشبه بالمتسولين،  واين النتائج التي حصل عليها المواطن اليوم بعد ان بعتم القيم والاخلاق والوطن مقابل السلطة والمال المجموع.،  كلها مردودة عليكم بعد ان اصبحتم بنظر الشعب خونة وبائعي اوطان في بلاد المظلومين،

ايها المواطن المظلوم :ان جماعات الحكم وضعت نفسها في شرنقة الخطأ حتى اصبحت تعيش في عصور ما قبل القانون فتغيرت سايكولوجياتهم بفعل الاموال المنهوبة لهم معتقدين خطئاً،  انها حامية نظام حكمهم الذي اوقفته بأيديها دون تقدم.ونجد ان هذه القيادات الحزبية الساقطة خلقيا اصبحت مكبلة بقيود سياسية واجتماعية ودينية حبستها داخل اطرها الفاسدة دين، فتحولت الى شرانق ديدان ميتة لا أمل بأحيائها من جديد،، والسياسة المرتبطة بها حولتها الى بدائية التصرف في التطبيق لا تسمح لها بالتقدم ابدا حتى اصبحت غير صالحة لحكم الدولة وكفاح المجتمع فتوقفت كالشجرة التي جفت عروقها فتجمدت مكانها تنتظر القلع والتغيير.

هنا تراها تلتجأ لترهات دينية تقودها الاصنام الميتة والايمان الشامل بالارواح والتصورات بالاوهام وتخوف الناس من ايام القيامة ان عصوا الحاكم الشرعي، "أطيعوا الله والرسول وآولي الأمر منكم، حتى غدا ولي الامر هو السلطان بديلا عن النص والقانون، والايمان الشامل بالارواح وعذابات ما بعد الموت الوهمية،  والنحيب على الماضي وتصويرة هو المنقذ كما في تقاليد عاشوراء والدك واللطم والرواديد الذي يقودهم خرف "اسمه باسم كربلائي"متعمد تضليل افكار الشباب تساعده حكومات البغي والجريمة حتى اصبح اللجوء الى الكهان والخضوع لهم على نحوٍ شل حركة الذهن تماماً في التطبيق.

فلا ندري عن اية حضارة اسلامية يتكلمون بعد ان اصبحت الحكومات الاسلامية منذ عصر( البويهيين 334-447هج) التي اوقفت التقدم بفقهاء التخريف الديني من امثال الكليني والشيخ المفيد وابن بابويه وصاحب بحار الانوار والغزالي بحجة حقوق اهل البيت والمذاهب المخترعة التي ما هي الا وسائل تدمير للفكر الديني والسياسي والاجتماعي وظهور نظريات التفضيل بعد ان اصبحت نظما خالية من الخدمات الاجتماعية مقابل المال المجموع.

لقد فشل المذهب الشيعي منذ البداية من تقديم صورة لنظام دولة الموطنين اعتبارا من عهد الادارسة مرورا بالفاطميين والعلويين والصفويين وحتى اليوم لمعاداته القانون.وبطبيعة الحال لم يكن هذا التدهور من عمل عصر واحد، بل نتيجة لسياسة عامة سار عليها ولاة المذاهب وازدات قسوة على المجتمع على يد جماعات الحاكمين اليوم الذين فاقوا كل تصور في خيانة المجتمع والدين.

ان الذي يفرحنا اليوم هو ان الطبقات الحاكمة المكروهة من الشعب انفصلت عن جماهير الامة المخلصة باطار اخلاقي معنوي وما على الجماهير اليوم الاتقوية الروابط الاسرية قبل سقوطها لتبقى المُثل العليا سليمة، لاسقاط الطبقة الحاكمة المعدومة الضمير. سيبقى الشعب سليما حتى لو سقط بيد اعداء الله والقيم والدين لاصالته التاريخية والفعل دوما دليل الاصل عبر التاريخ،

نحن نقول للولايات المتحدة الامريكية راعية التغيير الاصفر في العراق ان تتنبه لهذا الواقع المر الذي فرضته على شعب كان يامل منها كل جديد في حقوق الشعب التي اقرها الدستور الامريكي العظيم لا ان تسلم الامور الى اجرم واخون طبقة حاكمة شهدها التاريخ.

***

د.عبد الجبار العبيدي

بمناسبة إنطلاق قمة مجموعة بريكس وإهتمام العالم والمختصين السياسيين والاقتصاديين والإعلاميين فيه بهذه القمة أكتب لكم هذه الكلمات لتوضيح ماهية هذا المشروع.

بريكس من التجمعات الدولية الجديدة التي لفتت الانتباه إليها في الآونة الأخيرة وهو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتتينية BRICS /المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالم، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.

كما ان منتدى بريكس يغتبر منظمة دولية مستقلة تعمل على تشجيع التعاون التجاري والسياسي والثقافي بين الدول المنضوية بعضويته.

عقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة لهذا المشروع في يكاترينبورغ بروسيا في حزيران 2009 حيث تضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي جديد يسمى عالم ثنائي القطبية.

وعقد أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء دول «بركس» في يوليو/تموز عام 2008، وذلك في جزيرة هوكايدو اليابانية حيث اجتمعت آنذاك قمة «الثماني الكبرى».

وشارك في قمة «بركس» رئيس روسيا فلاديمير بوتين ورئيس جمهورية الصين الشعبية جين تاو ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، وهذه الدول الأربع تعتبر من بين أكبر عشر دول بالعالم تحتفظ باحتياطيات تبلغ نحو 40% من مجموع احتياطيات العالم.

لهذا السبب فإن الولايات المتحدة الامريكية لازالت تنظر إلى بريكس نظرة ذعر وخوف، ولعل أهم وأكبر هواجسها يتمثل في خوفها من تمدد وإنتشار العملة الصينية في تعاملات دول العالم بدل الدولار الامريكي.

كما يعيش بالدول الخمس (بعد إنضمام جنوب افريقيا) نصف سكان العالم، ويوازي ناتجهم الاجمالي المحلي للدول مجتمعة ناتج الولايات المتحدة وهو (13.6 تريليون دولار)، كما يبلغ مجموع احتياطي النقد الأجنبي لدول المنظمة أربعة تريليونات دولار.

اتفق رؤساء الدول على مواصلة التنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية آنية، بما فيها التعاون في المجال المالي وحل المسألة الغذائية.

انضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010، فأصبحت تسمى بريكس بدلاً من بريك سابقا.

أهداف مجموعة بريكس ..

تمثل مجموعة بريكس أكبر اقتصادات خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي نادي الأغنياء بالنسبة للاقتصادات الناشئة.

وعلى الرغم مما يربط الدول الخمس (بعد إنضمام جنوب افريقيا) في بريكس من تطلعات بالفرص الاقتصادية والتحديات المشتركة، فإنها تواجه تساؤلات مستمرة حول مدى قدرتها على توحيد مواقفها بشأن قضايا دولية رئيسة نظرا لتباين أولوياتها.

ومن التحديات التي تواجه بريكس ضرورة تسريع الإصلاحات في دول المجموعة، وتحقيق مهمة تدويل عملاتها المحلية.

لذلك فإن تدعيم التعاون النقدي بمختلف المستويات يمثل حاجة مشتركة بين دول المجموعة لتدويل عملاتها المحلية.

وقد تنوعت القضايا التي تتناولها اجتماعات بريكس، وتعددت لتشمل التحديات الدولية متمثلة في الإرهاب الدولي وتغير المناخ والغذاء وأمن الطاقة ومشاكل التنمية والأزمة المالية العالمية.

وساهمت ثلاث قمم واجتماعات لوزراء الخارجية والمالية والزراعة والصحة وقطاعات أخرى في تعزيز أواصر التعاون بين دول بريكس.

وفي المستقبل سيكون بإمكان الدول الخمس عقد الصفقات وتبادل أسناد القروض عبر تأسيس آليات نقدية ثنائية أو بين الدول الخمس (بنك خاص بها)، وتأسيس قاعدة تعاون استثمارية وتجارية مشتركة، وتأسيس منظومة تعاون نقدية متعددة المستويات بين دول المجموعة، وبذلك يمكن من خلال إطار التعاون المالي بين دول المجموعة دفع احتساب التجارة بالعملة المحلية، والتوسيع المستمر لنطاق ومجال تبادل اعتماد العملة المحلية بالعلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف بين الدول الخمس، الأمر الذي سيسهل المبادلات التجارية والاستثمار بين دول المجموعة، ويدفع بالتعاون والاستثماري المشترك بينها.

ونرى أن دول بريكس إذا ما تخلت عن سدس احتياطيها يمكنها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي الذي يتحكم برقاب معظم دول العالم من خلال مديونياتهم له.

وقد وفرت العملات والأصول الأجنبية حماية وأمانا ضد الكساد الكبير، وساعدت بريكس لتصبح قوة مالية علاوة على كونها قوة اقتصادية في وقت تناضل فيه معظم الدول الغربية من أجل كبح جماح العجز في ميزانياتها وارتفاع ديونها.

وتعتبر مستويات الدين العام لبريكس متواضعة ومستقرة في الغالب باستثناء الهند، وقد ترجم هذا الأداء الاقتصادي إلى أنواع مختلفة من النفوذ.

ولعل برامجها للتنمية ومحاربة الفقر تحتل مرتبة أعلى باهتمامات أعضاء بريكس منها في الدول الغربية، وهذه الدول تحاول تنويع اقتصاداتها وتتحدى الأفكار الغامضة للعولمة.

شروط الإنضمام لمجموعة بريكس

ليس هناك شروط محددة للإنضمام للمجموعة، ويتم غالبا دعوة بعض الدول للمشاركة في القمة إلى جانب زعماء الدول الخمسة من أجل الحوار على هامش القمة ومناقشة رغبتها بالإنضمام.

وقد أعلنت الكثير من الدول عن رغبتها بانضمامها إلى المجموعة مثل، الجزائر وأفغانستان والأرجنتين وإندونيسيا والمكسيك وتركيا ومصر وإيران ونيجيريا والسودان وسوريا والإمارات العربية المتحدة وباكستان وبنغلاديش وبيلاروسيا وزمبابوي والسعودية ومؤخراً بنغلاديش واليونان وفرنسا، وأبدوا اهتمامًا قويًا بالعضوية الكاملة في البريكس.

 فوائد الانضمام لمجموعة بريكس

بريكس هي منصة للحوار والتعاون الاقتصادي بين البلدان التي تمثل 43 ٪ من سكان العالم، من أجل تعزيز السلام والأمن والتنمية الاقتصادية في عالم متعدد الأقطاب ومترابط ومتزايد التعقيد.

تتضمن أهم الفوائد الرئيسية للانضمام لمجموعة بريكس ما يلي:

1- العلاقات التجارية الحرة ..

توفر مجموعة بريكس فرصًا للشركات في الدول الأعضاء لتوسيع نطاق عملياتها التجارية بحرية تامة، وتبادل السلع والخدمات والتقنيات بين بلدانها الأعضاء.

2- تعزيز النمو الاقتصادي ..

تسهل مجموعة بريكس الاستثمار في بلدانها الأعضاء، وتعزيز النمو الاقتصادي السريع، من خلال توفير بيئة تجارية أكثر استقرارًا وشفافيةً، وتقليل الحواجز المتعلقة بالتبادل التجاري والاستثمار، مما يؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل.

3- التعاون في المجال الاقتصادي ..

تعمل مجموعة بريكس على تطوير التعاون في المجال الاقتصادي وتوفير بيئة تجارية ملائمة، وذلك عبر تعزيز التجارة الحرة وتحقيق التوازن التجاري وتعزيز الاستثمار المشترك.

4- التعاون السياسي ..

تسعى مجموعة بريكس إلى تعزيز التعاون السياسي بين بلدانها الأعضاء، وذلك عبر التشاور والتعاون في المنتديات الدولية وتعزيز العلاقات الثنائية.

5- بناء القوة الاقتصادية ..

تمثل مجموعة بريكس اليوم أكبر مجموعة من الدول النامية في العالم، وتتمتع بقوة اقتصادية هائلة، وبالتالي فإن الانضمام إليها يمكن أن يساعد في تعزيز مكانة الدولة العضو وزيادة نفوذها في المجتمع الدولي.

سؤالنا كعراقيين.. هل هناك فائدة من إنضمام العراق لهذه المحموعة؟

إنضمام العراق لمجموعة بريكس ..

في ظل هذا النظام الجديد، يمكن للعراق ان يدخل في شراكات تعاون اقتصادية واستثمارية كبيرة مع دول المجموعة، وهو ما سوف يؤدي في النهاية إلى توفير عملات أجنبية أخرى غير الدولار المُتحكم بالسوق المالي والاقتصادي في العراق، عبر التبادل التجاري مع دول المجموعة مثل اليوان الصيني والروبل الروسي، وهو أمر يخفف من شأنه تخفيف الضغط على الدينار العراقي أو زيادة قيمته، وتجاوز أزمة الدولار، فضلا عن أنه يعزز أهداف التنمية المستدامة في البلد.

كما أن من فوائد انضمام العراق لبنك يضم مجموعة «بريكس» أنه سيوفر مجموعة من التسهيلات أبرزها المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة، بخلاف ما يفرضه عليها صندوق النقد الدولي من التزامات، وهو ما سوف يساعد الحكومة العراقية في المضي قدماً باستكمال مشروعاتها الاقتصادية الكبرى، ويعطيها مميزات اقتصادية بالتحالف مع دول المجموعة في إبرام اتفاقيات على مستوى عالٍ من الأهمية، فضلاً على الحصول من السلع الغذائية الضرورية للشعب الشعب العراقي، هذا غير المنتجات والشراكات الصناعية التي تؤدي بالتأكيد لتشغيل الأيدي العاملة وحل جزء من مشكلة البطالة.

كما أن الانضمام إلى «بريكس» سيمثل نجاحاً لجهود الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية العراقية، وسيكون داعماً لبرامج حكومة الخدمات كما نعتقد.

***

بقلم: د. نبيل الأمير التميمي

نَشر رئيس «تيار الحِكمة» السّيد عمار الحَكيم في حسابه الشّخصيّ (تويتر 5/7/2023) ما نصه: «نستذكر باعتزاز بالغ فتوى جدِّنا الإمام السَّيد محسن الحكيم (قُدس سره) التي صدرت في مثل هذا اليوم من عام 1965، بتحريم قتال أهلنا الكرد آنذاك، والتي عززت التَّكاتف واللحمة الوطنية بين أبناء البلد الواحد، ورسخت مبدأ حفظ المكونات العراقية لبعضها البعض، وبقي صداها وذكراها شاخصين حتَّى يومنا هذا، كما كانت مصداقاً لحرص الإمام الحكيم على حفظ أنفس المسلمين والتَّصدي لمحاولات سفك دمهم الحرام» (@Ammar_Alhakeem).

هنا لنا قول يستند لشاهد عيان، وفي الحدث نفسه، عمّ السّيد عمار الحكيم الأكبر، محمدّ مهدي بن محسن الحكيم (اغتيل: 1988)، الذي كان بمثابة باب والده المرجع السّيد محسن الحكيم (تـ: 1970) وحاجبه، فمِن تقاليد المراجع الدينيين عند الشّيعة الإماميَّة عموماً أنّ يقوم الأبناء بدور إدارة مكاتب الآباء وصلتهم بالآخرين، ولا يتم اتصال إلا عبرهم، والأمثلة على هذا كثيرة.

جاء ذلك في كتاب السّيد مهدي الحكيم: «مِن مذكرات العلامة الشّهيد مهدي الحكيم حول التّحرك الإسلاميّ في العِراق»، فقد أكد أن ما حصل ليست فتوى، إنما احتجاج على زج اسم المرجع محسن الحكيم دون علم مرجعية والده، في بيان منشور ضد الكرد، خلال القتال مع الحركة الكرديَّة آنذاك، ووفقاً لما ذكره مهدي الحكيم لم يحدث ذلك في التَّاريخ الذي أثبته عمار الحكيم (1965) إنما عام 1964.

إنّ ما حصل، والذي يعد خلاف الواقع، كان بدافع التّأثير على القوى الكرديّة، في زمن المعارضة العِراقيّة في التسعينات مِن القرن الماضي: إنَّ حكومة الرئيس عبد السّلام عارف (قُتل: 1966) دعت إلى عقد «مؤتمر علماء الإسلام» (1964)، شارك فيه رجال دين مصريون، تحت ظلال مشاعر الوحدة العربيَّة في زمن الرَّئيس جمال عبد النَّاصر، وأفتوا جميعاً: بأن «الأكراد بغاة يجب قتالهم». فطُلب مِن المرجع الحكيم تأييدها، فرفض ذلك.

كان سبب الرفض عقائدياً أولاً لأن «الحكومة غير شرعيّة» (مذكرات مهدي الحكيم)، أيّ في زمن الغيبة الكبرى، وهذا تقليد ثابت عند فقهاء الشّيعة، وثانياً أنه لا يرى القتال حلاً، ومعلوم أنّ الحكومات في العقيدة الإماميّة ليست شرعيّة خلال الغيبة، لكن يمكن التّعامل معها دون الشّرعيّة الدِّينيًّة، وعدم العمل ضدها، فالعمل الثّوريّ غير متاح في التقليد الشيعي الإماميّ، أو الاثني عشريّ، فتلك من حقّ الإمام الغائب فقط.

غير أنّ أحد رجال الدّين ممَن حضر المؤتمر المذكور أعلاه، كتبَ منشوراً، نشره «التَّوجيه المعنويّ» في الصَّحافة، وهو المؤسسة الإعلاميّة الرَّسميَّة آنذاك، جاء فيه: «إنْه تشرف بخدمة (تشرف بزيارته) الإمام الحكيم الذي أظهر استنكاره للأكراد»، أي أظهره أنه مع فتوى قتالهم. بطبيعة الحال، وربّما جرى حديث بهذا الاتجاه، في برانية المرجع الحكيم، لكن لا تؤخذ أحاديث اللقاءات والمجاملات على أنَّها مواقف، وتُنشر في الصَّحافة.

عندما علمت مرجعية الحكيم بالمنشور، اتصل مهدي الحكيم بـ«التَّوجيه المعنوي»؛ محتجاً على زج اسم والده دون علمه! فكتبت المرجعيّة تكذيباً، لكنْ لم يوافق «التّوجيه المعنويّ» على نشره، فأخبرهم: «أنتم مخيرون: إمّا تنشرون التَّكذيب، أو نقوم نحن بنشر المنشور»! فقامت المرجعيّة بتوزيعه في المساجد والحُسينيات، بواسطة نشطاء في الإسلام السّياسيّ آنذاك، مثل مرتضى العسكري (تـ:2007)، وعارف البصريّ (أعدم: 1974). هذا، ولولا زج اسم الحكيم في المنشور، ما تحدثت معارضة التّسعينات عن وجود فتوى تحريم قتال الكرد.

لم تكن المرجعية ضد الكرد، في حالٍ مِن الأحوال، عدا ما أوردته الرَّسائل الفقهية: عدم تزويج الأكراد والأعراب وأقوام أُخر، وهذا الرأي الفقهي يشترك فيه رجال دين كثيرون، وبينهم الحَكيم (مستمسك العروة الوثقى)، وهو رأي فقهيّ قديم يخص كفاءة النّسب (الكلينيّ، الكافي).

إضافة إلى الموقف الشّرعيّ التَّقليديّ مِن الحكومات؛ خلال الغيبة الكبرى، إنّ لمرجعيّة الحكيم موقفاً مِن السِّياسة الحكوميَّة آنذاك، فلما أراد عارف زيارة الحكيم، اشترط لاستقباله إلغاء قانون «الأحوال الشّخصيّة» (188 لسنة 1959) - كان قانوناً متقدماً لصالح المرأة والأسرة - وإلغاء القوانين الاشتراكيَّة، التي أصدرت عهدذاك (مذكرات مهدي الحكيم).

غير أنَّ إظهار المنشور على أنه فتوى حصل بعد عقود طويلة؛ في أيام معارضة التَّسعينات العِراقيّة، بعد حرب الخليج الثَّانيّ وتحرير الكويت، وضمن العمل المشترك ضد النّظام السَّابق، حصل بدافع إسلاميّ مصلحي، وهو الحصول على تسهيلات بإقليم كردستان - العِراق، التي تُديره القوى الكرديّة!

وقد ظل السَّاسة الكرد يتداولون الفتوى المزعومة على أنها حقيقةٌ، ورداً للجميل حصل الإسلاميون، في مقدمتهم «المجلس الأعلى للثورة الإسلاميَّة»، على تسهيلات للنشاط الشِّيعي السِّياسي، كرسه مسؤول «المجلس الأعلى» بكردستان حينها، للكسب المذهبيّ الحزبيّ الطَّائفيّ، مما لفت نظر أحزاب الإسلام السِّياسي السُّنيّ الكرديّة (سمعت هذا من قياداتهم). كان ثمن الفتوى أيضاً افتتاح «حسينية الحكيم» بالسُّليمانيَّة (بعد تسلم إدارتها 1990) بمنطقة سُنيَّة، ناهيك عن أنَّ صلات السّليمانيّة بإيران، بعد القتال مع أربيل والدَّعم الإيرانيّ لها، في تلك الظُّروف، تُشجع على ذلك.

أرى ما نشره رئيس «تيار الحِكمة» مِن فتوى لجَدِّه، في هذا الوقت، قد يكون لا يعلم هو نفسه أنها ليست فتوى، فقد حصل ذلك في زمن عدم تصديه وتصدره لقيادة التَّنظيم، ولا تخرج إعادة التّذكير بوجود الفتوى، خلاف الحقيقة، عن هدف إدامة الغزل الحزبيّ، ومع اعترافنا بمثل هذا الغزل في العمل السّياسيّ، لكنْ ليس بالادعاء على حِساب التَّاريخ، فالحكيم الجدُّ لم يفتِ مع الكرد ولا ضدهم، خصوصاً ليس هناك نص يدل عليها ولا شهود، وما كتبه الحكيم العم حسم الجدل بالفتوى المزعومة.

***

د. ر شيد الخيون - كاتب عراقي

الكل يتذكر المواقف الوطنية التي تشبثت بها حكومة التناوب التوافقي المغربية، التي قادها المجاهد عبد الرحمان اليوسفي. إنه الوزير الأول الوطني الاستثنائي الذي قال "لا" للإتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا في ملف الصيد البحري (1998-2002). لقد كان هذا الموقف المعبر عنه آنذاك بصدق شديد في صالح فرنسا لو تنازلت عن تعاليها، واستوعبت في حينه إشارات هذا الحقوقي العالمي. المغرب يَعْتبر العلاقات الديبلوماسية الناعمة بين إفريقيا وأوربا مركزية في التأثير على العلاقات الجيوستراتيجية الكونية في القرن الواحد والعشرين. لقد كان اليوسفي مؤمنا أنه سيكون لهذه العلاقة دورا محددا للتطورات التي سيعرفها مفهومي العولمة والشمولية. رسالته كانت واضحة: المستقبل يتطلب ميول قادة القارتين وفاعليهما إلى الحكمة والتبصر.

عاش المغرب سنوات العهد الجديد، ولم يتقاعس عاهله يوما في ترديد شعارات التعاون البناء "شمال-جنوب" و"جنوب- جنوب" ومد يده من جانب واحد إلى الجارة الجزائر وشعبها الشقيق. عبقرية ملك المغرب جعلته لا ينقطع في قيادة استراتيجيات المستقبل مناصرا لقضايا الديمقراطية، والتعاون، والتضامن، والسلم، والأمن، والتنمية المستدامة.

بدأ عبد الرحمان اليوسفي تنفيذ المخطط الوطني الملكي لحماية المستقبل مبكرا، وبذكاء استباقي أكدت التطورات الدولية موضوعيته وقوته. فرنسا لم تستوعب هذا الانبعاث المفاجئ لهذا الوعي المبكر لهذا البلد الحليف من شمال إفريقيا. وبذلك، تكون قد استهانت بالتاريخ وتوازناته الحتمية، التي لا ترحم المترددين والمتهاونين والمشككين. قامت بذلك، وهي تعلم تمام العلم، أن جذور الحضارة المغربية منغمسة بقوة في التاريخ العالمي للبشرية. المغرب الحضاري كانت جذوره دائما في إفريقيا وأغصانه في أوروبا. لقد قاوم الأطماع الأجنبية ببسالة، وانتصر في العديد من المعارك، ولم يخضع بلغة السلاح والدبلوماسية للإمبراطورية العثمانية.

فعلا، لقد كان لفرنسا، كإمبراطورية كونية عملاقة، نفوذا سياسيا واقتصاديا وعسكريا كبيرا، شمل أوروبا نفسها (مالطا) والأمريكيتين وآسيا وإفريقيا. لقد تحولت في بعض محطات الخمسمائة (500) سنة الأخيرة إلى قوة ناعمة حُبِّذ تواجدها في سياق التسابق الاستعماري للقوى العالمية على بقية دول العالم الضعيفة. إلا أنها للأسف الشديد قد تجاهلت أو تناست أن النعومة لا توجد إلا في عمق الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية المتوازنة للحلفاء. تجاهلت كذلك أنها لم تعد اليوم تواجه الاشتراكية والملكية العامة لوسائل الإنتاج، بل تواجه عبقرية مفهوم الزعيم الاشتراكي-الليبرالي في روسيا والصين الشعبية كنموذجين بمنطق علاقات دولية بنفس جديد.

وصل ماكرون إلى الحكم، فانقشع المسكوت عنه، ليتوالى رفع الشعارات الشعبية المناوئة لهذه الدولة التاريخية مطالبة برحيلها من مجموعة من الدول الإفريقية. إن الأفارقة يرفعون اليوم شعارات جريئة للغاية رافضة المنطق الفرنسي المتعالي :

- لا للانتهاكات الحقوقية لفرنسا في إفريقيا.

- لا للانتهازية الفراكوفونية.

- لا لاستنزاف الخيرات الإفريقية.

- نعم لإسقاط حلفاء فرنسا إفريقيا.

- نعم لطرد فرنسا من إفريقيا.

- فرنسا صانعة الطغاة في إفريقيا.

- فرنسا ناهبة الثروات الإفريقية وإفقار شعوبها.

- .....

في ختام هذا المقال القصير أقول أن الرسائل المغربية قد بُعِثت إلى أوربا عامة، وإلى فرنسا خاصة، في التوقيت المناسب. المنطق السياسي والعسكري الإفريقي لن يطيق في السياق العالمي المتطور إلا التعاون المثمر بين دول الشمال والجنوب، وبين دول الجنوب فيما بينها، تعاون بمبادئ جديدة يقوم على أساس القيم التي دعا إليها ملك المغرب، والتي لا ترفع حصريا إلا الشعار المنتصر لمنطق "رابح- رابح" المتفاوض في شأنه ديمقراطيا.

***

الحسين بوخرطة – كاتب وناقد مغربي

تحوَّل فضاء الميديا العراقية، منذ السابع من أوغست، حيثُ بدأ حوار التعاون الأمني الأمريكي العراقي المشترك، ولحين كتابة هذه السطور، إلى أحراشٍ أفريقية، مليئة بالفيلة. المحلِّلون السياسيون؛ الذين تتكأ الحكومة على خراطيمِ حضورهم، في القنوات الفضائية، كانوا مُصرَّين، على تفسيراتٍ فريدة من الفيلة البيضاء.

أول أبيضٍ منها، كان في الـ 13 من أوغست، حيثُ زعم أحدُ المحلِّلين "الخرطوميين"، وعلى شاشة إحدى الفضائيات، بأنَّ "الولايات المتحدة تُريد تقليل أعداد الحشد الشعبي". الحقيقة، إن الولايات المتحدة غير معنية بالأمر! فبحسب صحيفة "المونيتور" الأمريكية، في الـ 10 من أوغست، فإنَّ البنتاغون لديه قناعة، بأنَّ "وجود 238 ألف مقاتل في الحشد الشعبي مسألة مُبالغ فيها". مُلمِّحة إلى إنَّ هذه الأرقام، جوكر ضغط. علماً أن تعداد الجيش العراقي النظامي، هو (341) ألف مقاتل، بحسب إحصاءات 2019، استناداً على ما نشرته الـ "سبوتنيك" الروسية (النُسخة العربية)، في الخامس من فبراير 2023.

السؤال المهم: لماذا لجأت الأحزاب إلى الصدق الأبيض؟

هناك أسباب عديدة، منها ما كشفهُ وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، في بيانٍ رسمي، يوم الثامن من أوغست، بخصوص "داعش". أوستن بيَّن أن "أعداد التنظيم في العراق انخفضت إلى ألف فقط وكذلك في سوريا". بينما ما زالت الفضائيات العراقية، مُصرَّة، على أن أعداد التنظيم في البلاد، تتراوح بين (5-7) آلاف شخص! هكذا لم تعُد الميليشيات، قادرة على دباغة جِلد القداسة العابرة للحدود، إلَّا عبر الأرقام الفضائية، المُتسلَّلة إلى أغلب مؤسسات الدولة العراقية. المفارقة إنَّ باحثاً أمريكياً كان قد كشف في وقتٍ سابق، أن ما يعرف عراقياً بـ "الفضائيون"، وهم قوّة عاملة، غير موجودة حقيقةً، في تلك المؤسسات، تجبي الأحزاب مُخصصاتهم، تتراوح نسبتهم من (15-25) في المائة!

مكونات "الإطار التنسيقي"، أرادت التغطية أيضاً، على موافقة الجانب العراقي، بإشراك جيش البلاد في التدريبات المشتركة؛ التي تقوم بها قيادة القوات المركزية الأمريكية في المنطقة مع الحلفاء! إضافة لذلك، تمويه الفساد؛ الذي تُعاني "مؤسسات الجيش والأمن العراقية منه الأمرَّين"، بحسب المفتش العام في البنتاغون.

الحوار أدَّى بدوره، إلى اتفاقاتٍ طريفة وفاضحة لحكومة "الإطار التنسيقي"، بحسب البيانات الرسمية المشتركة للجانبين. كان منها، الإعلان عن "تأسيس لجنة عسكرية عليا مشتركة". أي لا أبرهة أمريكي بعد اليوم، لا حجارة من سجيل المقاومة، ولا "درونز" أبابيل!

دانا سترول، رئيس دائرة سياسات الشرق الأوسط في البنتاغون، كان لها حصَّة مميَّزة، بتصريح لافت للنظر، سبق الحوار الأمني  المشترك بين العاصمتين: "أنا اعتقد، إن من العدالة القول، إنَّهُ ولعدة عقود في المستقبل، القوات الأمريكية لن تكون حاضرة في العراق بالشكل الحالي؛ الذي توجد عليه اليوم".

نستطيع تفسير هذا التصريح، بما ذكره رئيس الوزراء العراقي الأسبق، عادل عبد المهدي، قبل سنين، في مقالٍ له، اختصر شكل العلاقة بين بغداد وواشنطن: "العلاقة بين العراق وأمريكا، تشبهُ العلاقة بين العراق وبريطانيا قبل سنة 1958". أمّا تحليل ما قالته سترول، ولو بطريقةٍ سطحية، يكشِفُ لنا اتجاه العراق، نحو توحيد نوعية ترسانة الأسلحة لديه، وجعلها أمريكية حصراً، بدلاً من استيرادها من "مناشئ مختلفة تخلق تعقيدات لا حصر لها"، بحسب تقرير المفتش العام للبنتاغون. بالتالي فإنَّ العقيدة العسكرية العراقية، مُرجَّح أن تُصبح أمريكية، بالتمام والكمال، خلال السنين القادمة، وبالتالي لن تكون هناك حاجة لشعارات " فلتخرج أمريكا".

إذاً ما سبب الدوبلاج العراقي للبيانات الرسمية بأصوات المُحلِّلين "الخرطوميين"؟

الهدف الأساسي، هو تقليل سرعة انقلاب العلاقة، بين حكومة "الإطار التنسيقي" وواشنطن، من صفر تعاون، بحسب الإعلام الميليشاوي، إلى "علاقة 360 درجة"، وقد وَرَدَ هذا الوصف، في البيانات الرسمية المشتركة. كما أن وضع مسافة  إعلامية آمنة، بعيدة عن الحِجر الأمريكي، تبدو ضرورة ميدان، لتقليل ردود الأفعال المزعجة، على الساحة العراقية، من الميلشيات "المُختارة" التي سيُضحَّى بها، إعلاميَّاً على الأرجح؛ كي تُحقِّق نصراً سهلاً لكليهما، أي الشريكين "الإطاري" والأمريكي. هذا هو الهدف، من وراء ترويج أبواق الإطار للخوف، من قرب انطلاق عمليات عسكرية في سوريا، بالأحرى في المناطق الحدودية مع العراق.

تعامل حكومة "الإطار التنسيقي"، مع قوات مكافحة الإرهاب العراقية؛ سيكون مؤشِّر جيَّد، على انطلاق هذا السيناريو. إذ إنَّ الأحزاب المُشكِّلة لهذه الحكومة، كانت قد حرصت، منذ 2018، على عدم معالجة، نقص عديد هذه القوات، والتي فقدت (4) آلاف مقاتل. أي 14 في المائة من أعدادها.

الأرباح الإقليمية من حوار التعاون الأمني بين بغداد وواشنطن، عديدة، منها تهدئة مخاوف "إسرائيل"، تبريد الجبهة اللبنانية، تفعيل الدور السوري بدون عصا القيادة الإيرانية، والإعلان عن عودة طهران والولايات المتحدة، إلى سكة الصفقة النووية. هكذا نستطيع أن نقول ألف مُبارك، على تحضير المهد للمولود القادم.. حكومة "إطارية" رشيدة، تُلبي الحاجات الإقليمية والدولية، وتؤجِّل حاجات البلاد والعباد؛ فهي أهداف لا تتناسب مع أجندة المقاومة، ونيَّة الفوز بإحدى الحُسنيين.. الانتصار على الشعب أو الشهادة في سبيل الرضى الأمريكي.

***

مسار عبد المحسن راضي

كاتب، صحافي، وباحث عراقي

دولة عربية نشأت منذ القرن الأول الهجري وفق القاعدة الدينية الاجبارية وضرب الشورى لحصر السلطة والمال بأيدي القادة دون الناس، فكانت الخلافة الأسلامية بلا شرعية وحتى ىسقوط الدولة عام 656 للهجرة.

 وحينما عارضت الجماعة الخلافة عمدت الى ضربهم بالسيف خلافا لعقيدة الرأي والرأي الأخرالتي نصت عليها العقيدة الاسلامية، وضرب الخصائص الفكرية للمجتمع العربي حتى سمي عصر قبل الاسلام بالجاهلية، ولا ندري كيف سمي بهذا الاسم، وهم في مناهجهم المدرسية يدرسوننا المعلقات الشعرية والأدب العربي الذي سموه بالادب الجاهلي، الا هذا يعتبر تناقضا بين الحقيقة والتطبيق؟ لكنهم قيدونا بنصوص التقديس،  فضعفت الحاجة التي قررها الاسلام، وهي القدرة والعلم والصلاح مما ادى الى قيام سلطة العائلة والفرد الخارجة عن التشريع.

ابتداءً، أبعَدوا فلسفة الرأي في صنع الفكر، مما ادى الى تفسير النص بما يتناسب مع الحاجات السياسية المؤقتة بعد اهمال معارضة الرأي عند المشاركين من الانسان الاخر واثره في تكوينه الذهني، وأحلوا محلها فلسفة العقيدة على مقاساتهم، بعد ان اوجدوا مناخا لبروز مفكرين سياسيين وضعوا انفسهم في خدمة السلطة، من هنا ظهرت فلسفة نظريات التبرير لترجيح الطاعة للامام الفقيه، حتى اصبح الحاكم الظالم وفق التنظيبر الجديد أفضل من أنعدامه؟ من هنا انحرفت عقيدة القرآن حتى اصبح السلطان يصل الى السلطة بالاستيلاء والقوة الغاشمة؟ هذا العنصر المهم الذي أغفلته مناهجنا الدراسية وبقينا عنده آميين،  وراحت مناهجهم الدراسية والفقهية تشيد لنا ببطولات الفتوح واحتلال البلدان وسبي اهلها دون تفريق، فلاهم اصلحوا وطن،  ولاهم بنوا فلسفة ولا احترموا انسانية الانسان سوى التهريج في حكم الدين.

من هنا ظهرت نظرية الحياد في قضايا الدين والمصير، والحياد بلا شرعية دوما يؤدي الى السكوت عن الحق وتقوية جبهة الباطل التي ينظم اليها كل متردد وضعيف. هذا التوجه ولد لنا نظرية جديدة اخرى هي نظرية ضياع الحق بالتقادم بعد السكوت حتى ضاعت الحقوق بحجة تجنب الفتنة بين الناس والحاكمين، دون ان تدرك السلطة ان طريق العدل والمبادىء هي وحدها تضمن للمجتمع التوازن والثقة وتحقيق الحقوق.

من هنا انهزم العدل والحق امام قوة الباطل المسنود من السلطة، فتشكت المذاهب الفقهية التي تستند الى الرأي لا القانون وشعبية النص في التنفيذ.فاصبح الوقوف مع الحاكم الفاسد لكونه يملك سلطة قانون،  فتحولت الخلافة الى ملك عضوض كما في عهد الامويين ومن بعدهم العباسيين.

أما فتوحات الغرب منذ عصر الرومان لبلدان بقوة السيف كانت دراسة الفكر الحضاري القديم ساريا في ظل القانون رغم انهم وضعوه تحت سيطرة اباطرة الروم، فأحتفظوا على كل ما قامت به الانسانية من تجارب الماضي ولا زالت قوانينهم تدرس في جامعاتنا اليوم، في وقت اغلقت دولة الاسلام هذا التوجه الرصين وعدوه كفرا ضد توجهات الدين، فحاولوا الغاء الفلسفة وابتكارات الاوربيين بنظريات الماوردي (450 هج) التي تجيز انتخاب الامام حتى ولو برجل واحد. ونظرية ابن تيمية التي تدعو الى عدم فصل الدين عن الدولة سيعني الفوضى،، ونظريات الغزالي في نظرياته "الغاية تبرر الوسيلة، والضرورات تبيح المحضورات"لتبرير انتخاب الخليفة الظالم والتي تتعارض مع النص المقدس في الدين، وربما كانت هذه هي نقاط الضعف التي مكنت الاوربيين من غزو بلاد المسلمين، حتى أصبحنا مصطلحاً بين الأمم سموه هزيمة المسلمين.

النظريات تقول لا تفاوت بين اجناس البشر في الخصائص البدنية والعقلية سوى الاختلافات الظاهرية في الطول والعرض واللون بينما التركيبات البدنية واحدة والقدرات الذهنية واحدة وهذا ما اثبته العلم الحديث والقرآن أكد على هذا التوجه"انا خلقناكم من نفسٍ واحدةٍ".كل شعب من الشعوب اذا أزيلت من امامه العقبات يتقدم في كل ميادين النشاط الانساني اسوداً كان ام أبيضا، متديناً أم كان علمانيا،  الجنس الاسود في افريقيا مثالا.

ولا ندري أي اسلام هذا الذي يعبدون، اسلام داعش ام القاعدة ام طالبان التي اهملت نصف المجتمع (المرأة) واستعبدتها للجنس والتي عدوها هي والحمار والكلب الاسود في ميزان واحددة. أم مرجعيات الدين التي وظفت اموال المواطنين لها بحجة الخمس (نظرية لله خمسه) وحرمت منه كل المستحقين،  لتبني لها ناطحات السحاب في لندن وباريس المملوكة من مرجعيات الدين،  كما عملت في سرقة اموال الاوقاف دون محاسبة السارقين، بحجة اموال الدولة ملك سائب للحاكمين،  فهل بهؤلاء نبني دولة القانون؟

تبقى الطفولة التي أهملت من بين كل اجناس البشر فضاعت حقوق الطالب في المدرسة وابناء المطلقين في الصحة والعناية مما ادى الى الفصل بين الخيال والحقيقة، أنظر كيف يُخدم الطالب في مدارس الاوربيين (الكفار كما يدعون)، وبين مدارسنا الرثة التي لا تليق حتى بحيوان اهوار الخائبين، هنا يتخوفون من ادراك الحقيقة ليبقى الملك لهم، .فحين يزداد خيال الطفل اتساعا وتأخذ عواطفه في العمق ينتبه للعلم الحديث، هذا الذي يؤلمهم تطبيقه. او معالجة الاخطاء المنهجية وضرورة دراستها والابتعادعن اي منها يؤذي الطفل ويقلص من قدراته الجسمية والعقلية.فمنعوا التوبيخ له والضرب في المدرسة امام الاخرين وطرق معاقبته اذا اساء، بينما نحن العرب والمسلمين لم نلتفت في مناهجنا المدرسية الى هذه الخاصية فبيقيا نضربه اذا قصر في واجباته المدرسية ونعنفه لاتفه الاسباب فضلت عقدة الخوف والنقص تلازمه فنشأ معقدا لا يملك نمو الذهن الصقيل،  وملكة الابتكاروهذا ما تريده مؤسسة الدين، حبيس التربية الاحادية، حتى بقيت المدرسة كتاتيب بلا منهج ولا تدريب.

وظلت ظاهرة العنف والاهمال وتردي المنهج المدرسي والنظر للطفل على انه لعبة تُحرك كيفما يريدون مشكلة المشاكل في ايقاف تقدمه الفكري والمعنوي، وبقينا نخرج غير المسلم من دروس الدين، ولا ندري لماذا لا ندرس الاديان الثلاثة وهي دين واحد جاءت من رب العالمين، والقرآن يقول لمحمد: "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والأنجيل "آل عمران 48"، بينما بقيت ظاهرة الواقعية المادية هي التي تسيطر على فكر الطفل الاوربي،  التي أدت الى معرفته بفلسفة الحياة منذ الولادة وحتى النشأة وابعدته عن الفكر الديني المقيد للتفكير،  وفصلت الاراء الدينية المتزمتة عن فكره المتحرر فتحول نحو البحث والبرهان، الصحيح.لذا تراه منذ الصغر نبيهاً على حقوقه لايقبل ان يضرُ بها احد.

وتبقى البيئة الجغرافية لها الاثر الكبيرفي نشأته الحضارية ياخذ مادته منها لكنها ليست عائقا بفضل تطور العلوم، فكان مستعدا لان ياخذ منها كل جديد،  ولانه يعيش في بيئة باردة فقد مكنته من العمل والانشاء والابتكار والتطلع الى كل جديد.لكن الارادة البشرية تبقى هي الارادة حتى في المناخ الحار، والا كيف استطاع سكان جزر المحيط الهادي من نيوزيلند الى جزر الهاواي ان يثبتوا جدارتهم في تعمير هذه البلدان ويعبروا اليها بسفن لم تكن مؤهلة تماما لتنقلات الانسان.وكذلك صحراء العرب وما انجزوا فيها للانسان.

وظل العلماء والباحثين الحضاريين الى اليوم يركزون على التربية والنشأة الاولى والعقل،  ليستطيع الانسان التغلب على الظروف غير المواتية بدلا من الرضوخ اليها وتركها تشكله كيف شاءت، وبقينا نحن نركز على العاطفة والدين والغيبيات واهمال العقل.فرق بين انسان الخمول وانسان النشاط كما نرى بين انسان السودان اليوم المتخاصم على السلطة،  وانسان جنوب افريقيا الذي دخل معركة الحياة وانتصر والفرق بينهم كبير،  يعود لهمة وثقافة القيادة عند الطرفين.وحتى ابن خلدون لم يبتكر نظرية البيئة من عنده، بل هي التي ذاعت عند الاغريق كظاهرة من ظواهر الفكر الهيليني القديم. ولم ياتوا بها الا بعد العمل المضني والجهد بمنطقية الواقع الصحيح.

 وعندما قام المرحوم الحبيب بورقيبة في تونس من تحرير المرأة والغاء الزواج المزدوج اقامت عليه الدنيا مؤسسة الدين الدنيا وأقعدتها باعتباره ناكرا للتشريع، هذا هو مجتمعنا الخاطىء في التطبيق. ليبقي العربي والمسلم يهرول خلف المغانم في السلطة والمال والجنس ولا غير.

نحن نكتب للقارىء النبيه ان لا تفاضل بين اجناس البشر ولا علاقة للون والبشرة بينهم كل الثورات الاصلاحية اشتركت فيها الشعوب وكان هدفها الاول وضع دساتير الحرية والحقوق لا دساتير الشرعية التي تتفاخر بها مؤسسة الدين وهي اول الناكرين لحقوق الاخرين، كما في الثورات العربية اليوم.الشعوب اخرجت عبقريات مثل زرادشت وبوذاوا والعبقريات السياسية عند اليونان والرومان وفي حضارات الفراعنة والسومرين، وهي التي صنعت لنا كل عظيم في حياة الشعوب. لذا علينا ان نقيم الامور تقيما بميزان الاحصاء الذي لا يخطأ.ومهما يكن من أمر مادمنا نهرول خلف أئمة المذهب الفقهية المتزمتة من السُنة والشيعة وغيرهم واحاديثهم الموضوعة من أئمة الحديث الوهميين،  حتى نسبوا لأئمتهم الغيب، ,القرآن يقول:"لو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير، الاعراف 188، ".

سنبقى في خطر التوجيه الذي يؤدي الى انعدام صحوة التفكير حتى استبد بنا الضعف وحلت الغنيمة بديلا للحق،  والمداورة بديلا للمبادىء والتبعية للاجنبي بحجة الدين والمذهب بديلا للمشاركة، كما نحن اليوم.

احترموا شجاعة من يقول الحقيقة اوبعضها لنخترق دعاة الاديان المزيفة التي اماتت كل تطلعات الانسان في اوطاننا المقهورة منهم. فالتاريخ في ظاهرة لا يزيد عن الاخبار، أما في باطنه فهو الاحداث.

***

د.عبد الجبار العبيدي

ثمة جهود متلاحقة لوقف الحرب من أطراف عدة.. سواءً الحرب السودانية أو الأوكرانية..لكن السؤال الجوهرى الذى قد يكشف لنا الكثير : لماذا يراد للحرب أن تستمر؟

الإجابة السريعة الحاضرة فى الأذهان "فتش عن المستفيد"..لابد أن هناك طرفاً أو أطرافاً لديها مصالح فى استمرار هذه الحرب أو تلك. فمهما تكن الدوافع التى من أجلها قامت الحرب، فإنها ستختلف حتماً عن الدوافع لاستمرارها أو لإيقافها؛ لاسيما وقد استفحلت الخسائر لدى أطراف الحرب جميعا.

دعونا قليلاً من الحرب الأوكرانية الروسية، ولنحاول الاقتراب أكثر من المشهد السودانى الأليم لعلنا نفهم بعض أسبابه وقليلاً من أسراره..

مأساة السودان

خمسة أشهر أو نحوها مرت على الحرب السودانية التى تسير وتيرتها من سيئ إلى أسوأ..

كنت من أول المحذرين أن تتحول تلك الحرب إلى حرب عصابات وشوارع تجرى بين البيوت والمساكن ويتحول السودانيون فيها إلى دروع بشرية أو ضحايا سلبيين عزل من السلاح.الآن تنتقل الأحداث من قلب العاصمة السودانية إلى غربها ثم إلى طرقها الرئيسية ومعابرها، لا تدع الفرصة حتى للفرار من أتونها المستعر وكلما استمرت الحرب استمرت المعاناة..البيوت مهدمة من القصف المستمر، والمحال التجارية مغلقة، وسائر الأعمال معطلة بعد أن أغلقت المصارف والبنوك أبوابها وانتشرت الميليشيات تهدد الناس فى أرزاقها، وما زاد الطين بلة أن الكهرباء والمياه متوقفة ما يهدد بكارثة إنسانية ضخمة؛ حيث يهدد شبح المجاعة نحو 20 مليون سودانى تحت خط النار!

كل هذا ليس أسوأ نتائجها..فالحرب أدت إلى ما هو أسوأ بكثير؛ المشارح اكتظت بالجثث حتى فاضت، وانتشرت المقابر الجماعية بعد أن تناثرت الجثث فى الشوارع والطرق وعلى أسطح المنازل، وتُركت الجثث لتتعفن وتتحلل فى العراء، وباتت أكثر المهن المطلوبة فى السودان مهنة حفارى القبور لدفن القتلى من المدنيين والعسكريين. وغدت الأوبئة هى التهديد الأكبر بعد الرصاص لحصد الأرواح، وسُجلت حالات وفاة جراء الحصبة والكوليرا والحمى بأنواعها، وبات من المرجح عودة أوبئة أخرى كالملاريا للظهور. وبات السودان فى انتظار كوارث بيئية وصحية إلى جوار الحرب والجوع والفيضان القادم. كل هذا وأمراء الحرب يصمون آذانهم عن صوت العقل لا يريدون الاستماع إلى أحد!!

اللاعبون فى الفناء الخلفى

بدأ الصراع بطرفين أساسيين ولاعب أو أكثر من خلف الكواليس، ثم ما لبث اللاعبون أن تكاثروا على مسرح النزاع، منهم من يريد إنهاءه ومنهم من يريد له مزيدا من الاشتعال!

فرنسا والغرب لديهم مصلحة فى تهييج الصراع حتى يثمر تقسيماً وانفصالاً لإقليم دارفور الغنى بالموارد، لاسيما وقد فقدت الكثير من نفوذها فى الشرق والغرب الإفريقي، وربما نذكر كيف خرجت فرنسا منذ عقود من شرق القارة بفعل ترويكا"ثلاثية" أنجلوساكسونية واليوم تخرج من غربها بفضل ترويكا روسية جزائرية غرب إفريقية. ولمن لا يصدق أن فرنسا أحد اللاعبين من خلف الكواليس ما جاء من خبر إلقاء القبض على جنود فرنسيين على الحدود السودانية التشادية قبل أسابيع.

هناك دول إقليمية بدأت فى استثمار الصراع الدائر للخروج بمكاسب آنية أو مستقبلية ومن أبرزهم إثيوبيا وتشاد . هؤلاء أصبح لهم تواجد على أرض الصراع بشكل أو بآخر. ثم هناك المصلحة السعودية والإماراتية فى السودان وهى مصلحة قد تستمر لما بعد الحرب، وربما يكون للدولتين دور بارز فى القدرة على إقناع الأطراف بالجلوس على مائدة المفاوضات.

الصين أيضاً لديها مصالح فى السودان كأحد أكبر المستثمرين فى إفريقيا عامة والسودان خاصة، إلا أن مصلحة الصين تقتضى تهدئة الأجواء أولاً وخلق بيئة صالحة للاستثمار الآمن، لهذا فإن الصين لا تلعب دور مؤجج الحرب، كما لا يبرز لها دور بارز من خلف الكواليس. تركيا أيضاً تريد أن تضع لنفسها موضع قدم كلاعب فرعى من خلف الكواليس وإن شغلها عن هذا الدور شاغل.

حرب باردة خلف الساحة

الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال لابد لها أن تلعب دورها كشرطى للعالم..فكيف اقتحمت مسرح الصراع؟ وبماذا تهدد؟ وما حرصها على أن تضع آذانها وأذنابها هناك؟

سائر الدول التى أجلت مواطنيها نقلتهم عبر الطائرات من جيبوتى، أما أمريكا فكان لها رأى آخر؛ حيث استلزم إجلاء الأمريكيين من السودان إرسال ثلاث مدمرات إلى ميناء بورتسودان مع تسيير غطاء جوى من الخرطوم إلى الساحل فى عملية إجلاء غريبة تطلبت، بحسب الأمريكيين، دقة استثنائية لحساسية مقدّرات السفارة الأميركية وملفاتها إلى الحد الذي قاد الأميركيين إلى تكريم 12 عنصراً من مشاة البحرية شاركوا في هذه العملية!

لكن لماذا بقيت هذه المدمرات الثلاثة ولم تنسحب من مواقعها؟! السبب هو أن ميناء بورتسودان تحديداً بات بؤرة صراع لحرب باردة جانبية بين أمريكا وروسيا..

روسيا كانت متواجدة فى السودان من خلال قوات فاجنر وعلاقتها المعروفة مع حميدتى وشركات استخراج الذهب من دارفور كما أوضحت فى مقال سابق. لكن المصلحة الأكبر لروسيا تمثلت فى إقامة قاعدة روسية على الساحل السودانى كان البشير قد عزم على إقامتها قبل أن تنفجر الثورة فى وجهه وتمنعه من تحقيق هذا الهدف. هكذا ظل الأمريكيون يترقبون مصير إنشاء هذه القاعدة الروسية عن كثب لمنع إنشائها. وربما كان الروس اليوم أشد حرصاً على تعزيز نفوذهم الإفريقي أكثر مما مضى، لاسيما وقد حظيت إفريقيا بأربع زيارات متتابعة من وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف!

أصحاب السودان..وأصحاب المصلحة

لقد تم الإعلان عن تخصيص مليار ونصف مليار دولار من المساعدات الأممية للسودان، فهل سيتم تفعيلها حقاً؟ وهل كلها موجهة للمساعدات الإنسانية كما يشاع؟ أم أن لها أغراضاً أخرى؟

هناك دعاة للسلام طوال الوقت، ليسوا جميعاً صادقين فى دعاواهم..وفى مقدمة الصف يقف مؤتمر دول الجوار وعلى رأسه مصر للمناداة بتحكيم صوت العقل فوق كل صوت ينعق بالفوضى واستمرار اشتعال الحرب واستمرار المعاناة للجميع. صحيح أن خسائر الحرب تفاقمت والجراح بين الطرفين تعمقت وظهرت دوافع الانتقام والتشفى والرغبة فى الغلبة وبسط السيطرة والنفوذ . إلا أن السبيل سيظل مفتوحاً أمام التهدئة والتفاوض، مادام هناك عقلاء لديهم القدرة على الوصول والتأثير على أطراف النزاع، والأهم أن يتم وقف تدفق الأسلحة والذخائر من الأبواب الخلفية للحرب.

إن استمرار الحرب بهذه الوتيرة يضاعف من خسائر الجميع حتى أصحاب المصالح المزعومة أنفسهم..أما على المستوى الإنسانى فكم من الوقت سننتظر قبل وقف الحرب؟ وهناك 48 مليون سودانى مهددين فى أرزاقهم ومعيشتهم، و20 مليون مدنى يتهددهم الموت جوعا أو مرضا أو بطلقات الرصاص! وحتى النازحين الذين ارتفعت أعدادهم إلى أكثر من 4 ملايين لاجئ بالدول المجاورة للسودان يتعرضون خلال هجرتهم القاسية لكل أنواع التهديد بالسرقة والنهب والاغتصاب والقتل من العصابات المسلحة المنتشرة بالطرق الرئيسية والمعابر، ناهيك عن أعداد القتلى التى لا يوجد لها حصر رسمى أو تقدير سليم يقترب مع حقيقة ما يجرى من فظائع.

لابد من إيجاد حل عاجل وحاسم للصراع فى السودان قبل أن تتفاقم المصائب والكوارث الناجمة عن هذا الصراع، وقبل أن تنتقل عدوى الحرب إلى الجناح الغربي من إفريقيا، ذلك الذى ينذر بقرب احتدام صراع دولى جديد وحرب باردة وساخنة تنطلق من النيجر وتنتشر فيما حولها من بلدان لا لشئ إلا لأن بعض القوى الدولية قررت أن يستمر نهبها لخيرات إفريقيا لأطول وقت ممكن!!

***

د. عبد السلام فاروق

دعا أكاديميون وناشطون عراقيون إلى ضرورة تطبيق قانون تنظيم الأحزاب السياسية قبيل إجراء انتخابات مجالس المحافظات نهاية العام الحالي، وأشاروا لأهمية تأطير عمل النظام الديمقراطي من خلال تفعيل تطبيق قانون الأحزاب، الذي يحدد آلية عملها وحدود صلاحياتها وطرق تمويلها، فيما حذروا من آثار ومخاطر خروقات الأحزاب المتنفذه على الاستقرار السياسي والمجتمعي. فعدم تطبيق القانون على تلك الأحزاب يتيح لها هامشا كبيرا من الحركة في ارتكاب المزيد من الخروقات لبنود الدستور واطر العمل الديمقراطي.

لا معنى لانتخاب وعملية اقتراع دون أن تكون هناك ضوابط وآليات شفافة وديمقراطية ترافق مثل هذه الإجراءات. والانتخابات الحرة والنزيهة مستحيلة إذا كانت عملية حشد المصوتين تجري بناءً على رغبة من يملكون السلطة والمال، وتتشكل وفق استراتيجيات تكون حكرا لهم ولمؤازريهم، وتبعد كليا أو جزئيا قوانين وتشريعات هي من صلب العملية الديمقراطية. وأن أفضل سبيل للحفاظ على سير العملية الانتخابية هو وضعها في أطرها القانونية، استنادا للدستور وأعراف العملية الديمقراطية وقوانينها، وكذلك اعتماد النماذج العالمية المثلى لإدارتها.

إن الإخلال بطبيعة العملية الانتخابية وحرفها لا يشكل سوى مظاهر زائفة لمجمل الوقائع والتشكيلات الإدارية والسياسية التي تسفر عنها. ودائما ما تتحمل الهيئات التشريعية المسؤولية المباشرة عن وضع الأطر الكافلة لجعل عملية الانتخاب بعيدة عن توصيف التزوير أو مخالفة القوانين. وعلى أن تكون الضوابط التي تضعها السلطة التشريعية ضامنة لتحاشي عمليات الغبن والإجحاف بحق الناخب وأيضا بحق الأحزاب أو القوائم المشاركة.

أظهرت الانتخابات السابقة للبرلمان ومجالس المحافظات جزرا واضحا في أعداد الناخبين، وهذا الأمر يختلف قطعا عن ما يماثله في الأنظمة الديمقراطية الثابتة المعايير وسنن القوانين. ومثل هذا يؤشر لما هو سلوك غير طبيعي إن حدث في بلد يقدم للجميع كافة الضمانات القانونية، ويفتح أمامهم مختلف الخيارات ومنها الحق في المشاركة بعملية التصويت من عدمها. ولكنه في حال العراق وبعد الخروج من الحكم الشمولي والتوجه لتأسيس الدولة على وفق شروط الديمقراطية والرغبة في المشاركة الجماعية مثلما يعلن، فأن الأمر يبدو وكأنه عزوف مقرر سلفا، ويؤشر لنقص حاد في الشعور بالواجب المدني والاجتماعي الوطني، وعدم اكتراث الناس بالنتائج المتحققة، وهذا ناجم عن الاعتقاد بأن النتائج المتأتية من الانتخابات سوف لا تغير شيئا في مجرى حياتهم اليومية، بل العكس سوف تجلب لهم ما هو أسوأ مما هم عليه. وإن كان هناك ما يؤكد مسؤولية الكثير من الناخبين في عدم المشاركة، عبر عدم ذهابهم لتجديد سجلاتهم والتأكد من مراكز التصويت. فقد شاركت مفوضية الانتخابات (المستقلة ؟!) وآليات الاقتراع التي اعتمدتها في إحداث ذلك القصور والجزر في أعداد المقترعين. حيث لم تأخذ إجراءاتها الاهتمام الجدي للوقائع والمتغيرات التي أحدثتها العمليات الإرهابية والتطهير العرقي والطائفي والانتقال داخل مخيمات النازحين والمهجرين والهجرة من الريف إلى المدن، وأيضا ما كان من الأفعال السياسية التي خدشت وقائعها العملية برمتها وطعنت بمآلاتها. وما كانت عمليات تسجيل الأسماء وتوزيعها على مراكز التصويت لتكون تصويب للأخطاء بل كانت سببا  في حرمان الآلاف من حق المشاركة.

 ومع اقتراب عمليات انتخابات مجالس المحافظات المقررة نهاية هذا العام. فقد دعت المفوضية العليا للانتخابات، جميع الناخبين إلى تسجيل بياناتهم وتحديثها بأسرع وقت ممكن، وأشارت لعدد الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات الخاصة بمجالس المحافظات وهم 27 مليون ناخب. وعلى أن تكون طريقة الاقتراع بايومترية مع وجود مليون و500 ألف بطاقة بايومترية متبقية من انتخابات عام 2021 مع استمرار عمليات النقل والتغيير والإضافة والحذف في هذا المجال . 

عملية فرز الأصوات وإعادة الفرز وكذلك دراسة الاعتراضات التي قدمتها بعض القوائم والأحزاب في الانتخابات الماضية إن كانت برلمانية أو خاصة بمجالس المحافظات،قد ساعدت على تقويض ليس فقط ثقة الناس بنزاهة الانتخابات كوقائع ونتائج، وإنما أكدت للبعض من الأحزاب والقوائم التي شاركت في العملية ، إن ما جرى كان يتناقض بحدة مع أطر الديمقراطية ومحاولات بناء الدولة الحديثة ذات طبيعة الحكم المبني على أسس العدالة وسلطة القانون. وإن مفوضية الانتخابات رغم الادعاء باستقلاليتها لازالت الشكوك تطاردها وتوسمها بالتبعية للأحزاب المتنفذة بالسلطة.وكانت آليات الإجراءات التي اتخذتها قد سببت لبعض القوائم خسارات ليست بالهينة، وحجبت عنها حسب نظام التصويت والفرز أصوات ناخبيها، بعد أن دفعت الطعون السلطة التشريعية ومن ثم المفوضية نحو خيار سانت ليغو، وجاء ذلك ضمن معايير وضعت بعجالة وأساءت للعملية الديمقراطية برمتها.

في جميع عمليات الانتخابات التي جرت في العراق بعد سقوط البعث كانت الإجراءات تخضع للتجريب والمقاربات مع انعدام الخبرة المترافقة بالصراع المتواتر للرغبات والأطماع. فكانت السمة الغالبة فيها بناء آليات وإجراءات التهيئة للانتخابات وفي كل مرة، تأتي وفق محاكاة لذات الطرق المعتمدة والتي تكرس التسلط لمجموعة من الأحزاب النافذة . فبين خيار القائمة المغلقة والقائمة المفتوحة أو المزاوجة بينهما،أو الأخذ بقواعد نظام التصويت والفرز على طريقة سانت ليغو. ترتفع وتيرة المقارنات والتفاضل في البحث عن الامتيازات وكسب السباق مع تلك الطريقة أو غيرها، دون النظر لأهمية إنجاح العملية الديمقراطية ذاتها بالآليات والأطر الحضارية المعتمدة في بلدان العالم الديمقراطي. لنجد أنفسنا أمام ابتكارات معقدة وبعيدة عن الدراية والحكمة ولتقتصر على صراع الإرادات والغلبة لكسب القوة العددية لكسر شوكة الأخر.

في كل مرة تحاول المفوضية تجاوز العقبات التي تظهر فجأة أثناء وبعد الانتخابات ولكننا نجدها في النهاية ترضخ لاشتراطات مراكز القوى أو ما يسمى بالقادة الكبار. ومع إن مثل هذه الأمور كانت ومازالت تمس حقوق الناس وتوضع في دائرة الطعون والتخوين. فأن الأحزاب المتنفذة تبدو غير معنية بتغير قواعد سلوكها وإكساب العملية الانتخابية نموذجها الديمقراطي الأمثل والذي يستحقه الإنسان العراقي بعد كل الذي جرى له.

ما من أحد يدعي أن العمليات الانتخابية التي تجري في أنحاء مختلفة في العالم تبلغ حال الكمال. فبعض وقائعها يمكن أن يشوه أو يحور إرضاءً لقوى حزبية بذاتها أو جراء عوارض سياسية أو اقتصادية. ورغم ذلك ولكثير من الأسباب فأن الانتخابات الحرة والنزيهة لها قواعد واشتراطات لا يمكن التخلي عنها أو إهمالها ولا حتى  تحويرها، وهي في مجملها ترتكز على وجود نظام سياسي مستقر، لا تتعرض فيه القيم الديمقراطية في أغلب الاحتمالات لخيارات شخصية أو حزبية خاصة.وأن أهم تلك القيم والمصالح هي حق المنافسة الشريفة التي تضمن العدالة وتكافؤ الفرص بين الجميع، وبذلك يتحقق الهدف الذي صممت من أجله الانتخابات. ولا يمكن اعتبارها نزيهة وحرة دون أن يوضع في الاعتبار تشريع يعالج مشاركة الأحزاب فيها، وقبل هذا يحدد وضعها القانوني، وكيف يتسنى ضمان حقوق الجميع في المنافسة ومن ثم في إدارة السلطة.

ادعت المفوضية المشرفة على إدارة انتخابات مجالس المحافظات القادمة على أن هناك أكثر من 269 حزبا وقائمة قدمت ولحد منتصف الشهر السابع من هذا العام، طلباتها للمشاركة وبلغ عدد طلبات تسجيل الأحزاب قيد التأسيس 77 طلباً. وعدد طلبات تسجيل الأحزاب المرفوضة بقرار مجلس المفوضين 151 طلباً، وبلغ عدد طلبات تسجيل الأحزاب التي تقدمت بسحب طلبها 18 حزباً، بينما بلغ عدد الأحزاب التي حلت نفسها 3 أحزاب. وعند بداية الشهر الحالي 8/ 2023 تم تسجيل 30 تحالفا سياسيا 20 منها جديدة ويزداد العدد قبل نهاية موعد الإغلاق. وأضيف ما يقارب المليوني ناخب من المواليد الجدد. وهنا يطرح السؤال الأكثر حيرة ودهشة، عن طبيعة برامج تلك الأحزاب وأهدافها وكيف يتسنى للجمهور معرفة تلك البرامج مع هذه الوفرة الغرائبية والمقصودة لتشتيت وإضاعة الأصوات.

 يمثل تشريع قانون تسجيل وتنظيم العمل الحزبي الثقل الفعلي في إنجاح العملية الانتخابية ووضعها في مسارها الصحيح، ومن دون هذا التشريع فأن أي عملية انتخابية تعد مبعثا للشك والريبة في أعراف الديمقراطية. وفي النهاية تكون محاولة يفُضلَ فيها خيار تحوير العملية برمتها لصالح أحزاب ذات أغراض خاصة، تسعى لإبعاد ما يفرض عليها لتكون ضمن تنافس حقيقي ديمقراطي. فقانون عمل الأحزاب يتطلب الكشف عن مصادر التمويل وكذلك الصرف. وهو يعني أيضا كشف حساب عن آليات عمل الأحزاب ومقدار قربها أو بعدها عن الديمقراطية في الوسط الحزبي وخارجه، وكذلك طبيعة التشكيل والهياكل الحزبية وعدد الأعضاء المسجلين فعليا، وطريقة إجراء الانتخابات الداخلية ومددها، وآليات صعود القيادات وطبيعة النظام الداخلي وتوصيفه للديمقراطية، ورغبة الحزب وإقراره بالسلم الاجتماعي والسياسي،وعدم امتلاكه لفصيل مسلح وابتعاده قطعا وضمن أدبياته المعلنة عن أساليب الصراع المسلح، وقبوله بالتداول السلمي للسلطة.وهذا التشريع الذي يوصف به الحزب وضعه التنظيمي والفكري هو المحك والمدخل والقانون الذي يسمح للحزب المعني بالمشاركة في العملية الانتخابية من عدمه.

لحد الآن فأن الكثير من الأحزاب المتنفذة في الحكومة العراقية حرصت قدر الإمكان على النأي بعيدا عن الخوض في تشريع وإقرار قانون تنظيم العمل الحزبي، وعدته إشكالا متنازعا عليه لا يمكن ربطه بالعملية الانتخابية الحالية وماسبقها، بالرغم من كونه مؤشرا يؤسس لبناء حقيقي للدولة الديمقراطية. ودائما ما اعتبرته ووفق رؤاها السياسية، ترفا غير مستساغ وليس من المستحسن النظر فيه أو تشريعه، وحاله حال الديمقراطية ذاتها التي تنظر لها تلك الأحزاب، على إنها وسيلة للوصول إلى الحكم وليس غاية لبناء دولة المواطنة.وفي مسعاها هذا تبتعد كليا عن إجراءات انتخابية واقعية وديمقراطية. فمع عدم وجود هذا القانون لن يكون هناك أي نوع من الصلة بين ما يجري من عملية انتخابات في العراق و السلوك الديمقراطي الصحيح والشفاف. وعندها تترافق العملية الانتخابية  وبشكل ناجز بعمليات تزوير وتزييف، مع خلوها من عدالة وتكافء للفرص. وتبعا لذلك فليس من المجدي إجراء الانتخابات مع وجود مثل هذا الخلل الفاضح في المنهجية والآليات. ودائما ما سيكون هناك غبن وإجحاف بحق المواطن قبل الأحزاب.في النهاية يمكن القول إن الدولة الساعية لتشكيل أطر مؤسساتها القانونية والدستورية وبما يبعدها عن طبيعة الحكم الشمولي، يجب أن تضع في المقدمة ما يضمن شفافية الفعل ودستوريته. وسن قانون عمل الأحزاب واحدا من أعمدة بناء الدولة الديمقراطية.

***

فرات المحسن

توطئة: إن النظام السابق تنازل عن منطقة الحياد للسعودية وتنازل عن نصف شط العرب وأراضي برية حدودية لأيران حسب معاهدة 1975 الجزائر، وتنازل للأردن عن أراضي برية في (طريبيل)، وتنازل للكويت في مزارع سفوان والقاعدة البحرية في أم قصر وقسم كبير من خور عبدالله لغاية الدعامة 162وفقاً للقرار الأممي المشؤوم 833 حيث تؤكد التقارير الدولية عائدية الخور للسيادة العراقية منذُ الأحتلال البريطاني، أما النظام الجديد بعد 2003 أستأنف مسلسل التنازلات وسط جيرانٍ لم يخلق الله من هم أكثر خبثاً وطمعاً في ظل الحكومات المتعاقبة بعد 2003، حيث تنازلوا عن حق العراق في قانون البحار المادة (70) بخصوص موقع ميناء مبارك الكبير الكويتي لكونه ضرراً فادحاً للعراق.

وكان الخطأ الفادح في دفع ثمن الترسيم 600 ألف دولار والذي يعني أعتراف العراق بالوضع الراهن للحدود العراقية، وهذا كلهُ جرى في زمن الحكومة الأتحادية 2014 للخروج من البند السابع، وبأعتقادي الشخصي:كان أرحم للعراق البقاء تحت طائلة البند السابع لكونه أفضل من خنق العراق وفقدهِ لسيادتهِ.

الموضوع: إن أتفاقية خور عبدالله أو أتفاقية تنظيم الملاحة البحرية هي بالحقيقة أصبحت بحكم القوي على الضعيف، أتفاقية دولية حدودية بين العراق والكويت تنفيذاً للقرار الأممي رقم 833 والذي أصدرهُ مجلس الأمن الدولي عام 1993في ترسيم الحدود لذا تمت المصادقة عليها في بعداد "25 تشرين الثاني 2013 " الموقعون من الجانب العراقي(الحكومة المركزية) .

فكانت من مخرجاتها السيئة الصيت: تقسيم الخور بين البلدين الواقع في أقصى شمال الخليج العربي بين شبه جزيرة الفاو العراقية وكلٌ من جزيرتي بوبيان ووربه الكويتيتين، أي تمّ تقسيم الممر المائي الملاحي المثبت في نقطة ألتقاء الخور بالحدود الدولية ما بين النقطة البحرية الحدودية رقم 156 ورقم 157 بأتجاه الجنوب إلى نقطة 162 ومن ثم إلى مدخل القناة الملاحية عند مدخل قناة خور عبدالله.

إن الحكومة السابقة والبرلمان العراقي صادقا وتنازلا عن جزء من خور عبدالله وهو الممر الملاحي الوحيد المؤدي إلى معظم الموانئ العراقية، وكان التقسيم (بالتنصيف) وليس بناءً على خط التالوك (أي أعمق نقطة ممر يسمح للملاحة البحرية فيه)، وأن المشكلات الحدودية زادت تعقيداً بين الدولتين الجارتين، ومع الأسف الشديد أن الجارة الكويت أستغلت أسقاطات الظروف العسكرية في العهد الصدامي في الأجتياح الخاطئ لدولة جارة والشروط الدولية المذلّة لخيمة سفوان والبند السابع الدولي جعلت حكومة الكويت تتمادى في الأبتزاز وأستغلال الأمر الواقع، إلى جانب الظروف السياسية التعسة بعد سني الأحتلال الأمريكي البغيض في 2003 دفعت الجانب الكويتي أعتبار الأتفاقية أستكمالاً لترسيم الحدود بناءً لقرار دولي.

تفرغت الحكومة الكويتية حينها لبناء ميناء المبارك الكبير على الشاطئ الغربي لخور عبدالله في جزيرة بوبيان الكويتية، والذي من المفترض أن يربط بسكة حديد مع العراق مستقبلاً، حيث أنهُ سيكون أكبر الموانئ في الخليج بقدرته الأستيعابية، والذي سوف يضيف على الطين بلّة هناك اليوم تسريبات شبه أكيدة لم يعمق الجانب العراقي التحقيق فيها التي هي:سيطرة الجانب الكويتي على جزيرة وسط شط العرب ضمن المياه الأقليمية العراقية، لذا تأهبت لجنة الأمن النيابية بأستضافة القيادات البحرية العراقية بشأن صحة المعلومات الواردة تواً، ولا نعلم بنتيجة التحقيق.

لماذا " أتفاقية خور عبدالله" مذلّة؟!

- تنازل الحكومة العراقية عن جزء كبير من الخورسيؤدي إلى خسارتهِ الممر الوحيد المؤدي إلى معظم الموانئ العراقية سوف يضيّق بالعراق السبل مع أنهُ يعاني أصلاً من ضيق الجبهة البحرية الصالحة للرسو وأستقبال السفن.

-تنازلاً عن أراضي ومياه عراقية وساحلهِ البحري الوحيد لصالح الكويت.

- تقسيم الخور جاء بالتنصيف وليس حسب خط التالوك (أعمق ممر يسمح للملاحة البحرية فيه).

- أفتقد العراق أي منفذ بحري وهي سابقة خطيرة ستضيق على الأقتصاد العراقي.

- أن الأتفاقية لم تكتفِ بتنظيم الملاحة بل تعدتْ ألى رسم حدود جديدة بين البلدين وهذا مخالف للقرار الأممي 833.

- أطلاع الكويت على كل التحركات الأمنية لخفر السواحل العراقية، يكون العراق فقد الرقابة الوطنية على السفن الحربية.

- الأضرار التي لحقت بالصيد البحري العراقي، ومنعت الجانب العراقي في الصيد في القناة التي تحوي ثروة بحرية زاخرة والمعلوم أن العراق أصلا يعاني من ضحالة سواحله البحرية.

- حرمان العراق من المياه الأقليمية وعدم السماح لبواخره ضمن سيادته البحرية والحصة الظالمة بقى للعراق 46 كم طول ساحل بحري بينما للكويت 600 كم، أضافة أن الأتفاق يعطي الكويت الأولوية في التحكم بالقناة الملاحية.

- الأتفاقية تهدد بأعادة شبح التوتر في العلاقات بين العراق والكويت الجارين.

- وتعد بناء الجزيرة الصناعية في خور عبدالله مخالفاً لبنود الأتفاقية

- حسب الأتفاقية يعتبر الكويت شريكاً في الممر الملاحي الوحيد الذي يؤدي إلى أغلب المونئ العراقية، وتعد تفريطاً للسيادة العراقية ومنح الكويت قناة تعود ملكيتها للعراق منذ عشرينات القرن الماضي مما يؤدي إلى ألحاق الضرر الفادح بالأقتصاد العراقي.

- تفعيل الأتفاقية يجعل الكويت تشارك العراق في قيادة السفن القادمة إلى موانئه مالياً وأدارياً مع فرض تنزيل العلم العراقي من السفن الداخلة للعراق، كما أنها ستستخدم القناة ملاحياً بعد أكمال ميناء مبارك الكبير.

-أما حكاية مشروع بناء ميناء "الفاو الكبير " يظهر أنهُ واقع بين كماشة بعض أجندات عراقية مرتبطة ببعض دول الخليج وخصوصاً الجارة الكويت التي أستثمرت عمالة بعض الخونة من الجانب العراقي بأثارة أزمة التقاطعات السياسية والأقتصادية أخرت الأنجاز منذُ 2004 ونحن اليوم في 15 أكتوبر 2020، وجاءنا هذا (العاجل): مدير الشركة الكورية ينتحر مشنوقاً مشوباً بشكوك الحدث إذ لا مبرر لأنتحار مسؤول مشروع خارج بلده، وتبين خلال هذه الفترة لعقدٍ ونيّفْ إن الشركة الكورية تتعرض لضغوطات ودكات عشائرية ورشا وأتاوات وبالتأكيد مصدرها الجارة الكويت !!!؟؟؟

الحل /لقد آن لنا أن نعيد النظرفي أتفاقية خور عبدالله " المذلّة " ونستعيد سيادتنا المنقوصة في حدودنا الدولية ومياهنا الأقليمية حيث مبادئ حسن الجوار السلمية وبدبلوماسية شفافة وعقلانية بالحوار الجاد بين الطرفين في النظر في القرار833، وأن أستعصى الحل نلجأ إلى قول الوزير الأسبق عامر عبالجبار: {مجرد تحفظ العراق على موضوع الربط السككي مع الكويت الذي يتعلق أقتصادياً بميناء مبارك الكبير، وهو حق العراق في القانون الدولي} وحين ترفض نلجأ إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وتعليق الموضوع لحين أسقاط العراق من العقوبات، أقامة دعوى قضائية في المحكمة الأتحادية للطعن بالأتفاقية، وأقامة دعوى قضائية أمام المحكمة الدولية تجاه موقع ميناء مبارك الكويتي الذي وصل أنشاؤه لخطوات متقدمة في خور عبدالله كونه جاء مخالفاً للمادة (70) من قانون البحار، وعلى الحكومة العراقية عدم تفعيل أتفاقية الربط السككي بين العراق والكويت ما لم يتم ألغاء أتفاقية خور عبدالله، أن حقوق العراق ضاعت بسبب المجاملة، فعلى الحكومات العراقية أيقاف العمل باللجان المشتركة وعدم تفعيل الأتفاقية لحين تنفيذ توصيات اللجنة البرلمانية التحقيقية للدورة الحالية والسابقة.

وحتى لا نضيّع الخيط والعصفور بأعتقادي من مواطن عراقي ثمانيني أن نسرع في تنفيذ ميناءالفاو الكبير بعمق 19 ولا غير ورفض ملحق المعاهدة الذي يتعلق بربط ميناء مبارك الكبير بالمد السككي مع أيران عبر العراق.

***

عبد الجبار نوري

أغسطس – آب - 2021

.........................

تنويه: المقالة كتبت ونشرت قبل سنتين، للضرورة أحكام أن تعاد للواجة لكون أتفاقية خور عبدالله حديث الساعة ومفتاح أطماع الجارة الكويت، وأطلاع شعبنا على حيثيات التمدد المتعسف !؟

أصبحت حالات النداءات المباشرة من وكالات الاستخبارات الغربية للمواطنين الروس أكثر تواترًا - حيث يتم استدعاؤهم ليصبحوا خونة، والتعاون، وبيع وطنهم الأم، وهذا ما لاحظه ريتشارد مور رئيس المخابرات البريطانية MI6، وممثلو وكالة المخابرات المركزية، لدرجة أن وزارة الخارجية الروسية اقترحت التصرف في المرآة والترويج لعمل مواطني الدول الغربية للمخابرات الروسية، فما علاقة كل هذا بالعمل الاستخباراتي الحقيقي؟

إن النداءات العلنية لأجهزة المخابرات الأجنبية للمواطنين الروس بالخيانة، هي أمر لم يسبق له مثيل من قبل، وعلى الأرجح، كانت هذه العربدة نتيجة سوء فهم آخر من قبل الغرب لما يحدث في المجتمع الروسي، وتعتقد المخابرات الغربية حقًا أن "الطابور الخامس" في المجتمع الروسي أصبح الآن قويًا بشكل خاص، وانه ينتظر فقط مساعدة الغرب الجماعي بطريقة ما، ولأسباب أيديولوجية، لماذا لديهم مثل هذا الانطباع أمر مفهوم أيضًا، فهذا هو نتيجة تبسيط عمل الخبراء الغربيين والتلقين المفرط للعمل التحليلي، حيث تؤمن وكالة المخابرات المركزية و MI6 بصدق، أن البشرية التقدمية كلها تسعى جاهدة من أجل نظام قيم ليبرالي، وتقومان بتعديل النسيج وفقًا لهذا الموقف، بغض النظر عن حقائق بلد معين.

ولسنوات عديدة، اعتبرت وكالات الاستخبارات الغربية اللاجئين والمهاجرين العدوانيين من الاتحاد الروسي خبراء مهمين في روسيا، والذين يبالغون إلى حد كبير في دورهم وتأثيرهم في المجتمع الروسي، وإذا استمعت إلى بعض المشاركين في التجمعات في فيلنيوس ووارسو لفترة طويلة، فيمكنك تصديق أنه يكفي تسجيل مقطع فيديو ملون - وسوف يتعثر الخونة للتواصل مع وكالة المخابرات المركزية و MI6، ودائمًا ما يكون الخونة في جميع الأوقات محترمين بشأن اسم ما خانوه، فعلى مستوى علم النفس اليومي، لم يعترف أي خائن على الإطلاق بأي أسباب عادية (أساسية) دفعته للعمل لصالح أجهزة استخبارات أجنبية، وأنه يريد فقط المال أو الشهرة أو أنه تعرض للابتزاز فقط، وفي العهد السوفياتي، ادعى كل فرد علنًا أنهم يقاتلون ضد النظام الشمولي، والآن، تطلق الدعاية الغربية دعوات للخيانة في غلاف "النضال من أجل روسيا الصحيحة".

وفي المحادثات الخاصة، يقول أشخاص مطلعون، على سبيل المثال رئيس الاستخبارات المركزية الامريكية وليام بيرنز، إن وكالة المخابرات المركزية تندب بشدة حقيقة أن الولايات المتحدة ليس لديها عمليًا منشقون رفيعو المستوى أو مجرد ممثلين عن مواقع بارزة في المؤسسة الروسية، وان هذا موضوع نقاش مستمر داخل أجهزة المخابرات الغربية، في الوقت نفسه، كان فيديو وكالة المخابرات المركزية يستهدف ضباط المخابرات الروسية من المستوى المتوسط، وكان نداء مور موجهًا (يُقرأ ما بين السطور) إلى الدبلوماسيين الروس .

ومع ذلك، فإن الاستخدام المكثف من قبل وكالات الاستخبارات الأوكرانية لتجنيد المراهقين والنساء والمتقاعدين عبر الإنترنت ليس ما يتحدث عنه بيرنز ومور على الإطلاق، بل هي مؤامرات وطرق مختلفة اختلافًا جوهريًا، ونداءات CIA و MI6 ، موجهة إلى جمهور مختلف عن موضوعات التوظيف عبر الإنترنت الأوكرانية، وفي التواصل مع هذا الجمهور، يتم استخدام أساليب ومخططات أخرى، وفي 99٪ من الحالات هم "أجداد"، وقد ثبت ذلك منذ عقود، وقال رئيس المخابرات البريطانية MI6، ريتشارد مور، خلال خطابه في السفارة البريطانية في براغ، إن لندن جندت بالفعل عددًا من الروس غير الراضين عن العملية الخاصة في أوكرانيا، ودعا المواطنين الروس الآخرين إلى الانشقاق والعمل مع ضباط المخابرات البريطانية "لوضع حد لإراقة الدماء" في أوكرانيا، ووفقا له، فإن العملاء "لم يكونوا أبدا مجرد جامعين سلبيين للمعلومات" و "يمكنهم في بعض الأحيان التأثير" على قرارات السلطات، وأضاف إن باب MI6 مفتوح دائمًا لجميع الروس، وقال "سننظر في عروض المساعدة التي قدموها بحذر ومهنية تشتهر بها خدمتي"، ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عنه قوله إن أسرارهم ستكون في " أمان معنا دائمًا .

وردا على ذلك، قدمت الممثلة الرسمية لوزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، ردا مرآة من موسكو في الإحاطة. "الفكرة مثيرة للاهتمام، وربما يجب توجيه نفس الدعوات للرعايا البريطانيين ومواطني الدول الأخرى في "محور الشر" التابع لحلف شمال الأطلسي، ودعوتهم، فكثير منهم في ظروف صعبة للغاية، العمل مع المخابرات الروسية، ولم لا، كما قال مور، للتعاون مع المخابرات الروسية "، وتبديد "البادئ" الحقيقي، الاستكشاف دائمًا لعبة متعددة المستويات.

الآن، تجاوزت غطرسة الغرب، ومنهم رئيس وكالة التجسس البريطانية ، بوقاحة كل الحدود التي يمكن تصورها والمفاهيم الأساسية للشرف واللياقة، وهذا مشابه جدًا لأساليب دعاية غوبلز، عندما عرض النازيون "التفاعل" مع مواطني الاتحاد السوفيتي، قائلين إن الوطن الأم لا يحبهم، وفي الغرب، يبدأ مواطنونا دائمًا في "الحب" وعرض "التفاعل" عندما يتحولون إلى الخطة "ب" بعد حرب خاطفة فاشلة.

ومنذ خريف العام الماضي، استخدمت وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، الشبكات الاجتماعية والخطابات العامة لجذب الروس غير الراضين عن عمليات العمليات الخاصة إلى أعمال المخابرات، وكتبت صحيفة وول ستريت جورنال أن روسيا أصبحت بيئة يحتمل أن تكون غنية لتجنيد المسؤولين وغيرهم من قبل وكالات الاستخبارات الغربية، ووفقًا للخدمات الغربية، بعد بدء العملية العسكرية الخاصة، ذهب أكثر من نصف مليون روسي إلى الخارج، "نحن نبحث عن الروس في جميع أنحاء العالم" بحسب قول نائب مدير وكالة المخابرات المركزية ديفيد مارلو في تشرين الثاني (نوفمبر)، وأضاف " نحن منفتحون على التعاون ".

في الوقت نفسه، لطالما استجابت موسكو للندن بشكل متماثل وغير متماثل، اعتمادًا على الموقف، وفي وقت سابق، قال مدير المخابرات الخارجية للاتحاد الروسي، سيرغي ناريشكين، في مقابلة مع وكالة ريا نوفوستي، إن الأجانب لديهم دافع مادي وأيديولوجي للعمل مع الخدمات الخاصة الروسية، ووفقا له، فإن مواطني الدول الأجنبية ينجذبون إلى موقف روسيا من السياسة الدولية، وهذا أيضًا موقف تجاه القيم والمعالم الثقافية والإنسانية والعائلية، وهناك الكثير من الأشخاص المستقلين العقلانيين والمستقلين في العالم الذين يتعاطفون مع السياسة الخارجية لروسيا، واستعداد روسيا للدفاع عن القيم العالمية ودعمها، واتباع سياسة محبة للسلام، وإذا كنت ترغب في ذلك، أعجب بقدرة روسيا على حماية الضعفاء إذا لزم الأمر.

وفي السياق البريطاني ، يتذكر الخبراء أيضًا أعمال "كامبردج فايف" الشهيرة - وهي واحدة من الصفحات الذهبية في تاريخ الاستخبارات الخارجية السوفيتية، وكتبت مجلة ميليتاري ريفيو ، أن خمسة من كبار المسؤولين في المخابرات البريطانية والدائرة الدبلوماسية تم تجنيدهم وعملوا لسنوات لصالح الاتحاد السوفيتي، وتضمنت المجموعة: كيم فيلبي شغل مناصب عليا في MI6 و MI5، وعمل دونالد ماكلين في وزارة الخارجية البريطانية، وأنتوني بلانت - في مكافحة التجسس ومستشار الملك جورج السادس غي بورغيس - أيضًا في مكافحة التجسس ووزارة الخارجية، وكان من بين "الخمسة" جون كيرنكروس، الذي عمل في وزارة الخارجية والاستخبارات العسكرية، وتم تجنيده في عام 1936 من قبل جيمس كلوجمان، أحد أكثر الماركسيين تأثيرًا في كامبريدج، وقد تصرفوا وعملوا لصالح موسكو لأسباب أيديولوجية - واعتبر الممثلون الوراثيون للنخبة البريطانية والأرستقراطيين، وكبار المسؤولين في الخدمات الخاصة أن من واجبهم مساعدة الاتحاد السوفيتي، حيث رأوا الأمل الوحيد لإنقاذ العالم من النازي، ومن وجهة نظر هذه ترى موسكو ، ان عليها أيضًا تشجيع الرعايا البريطانيين على التعاون مع المخابرات الروسية.

وبشكل عام، جندت المخابرات الروسية والبريطانية طوال تاريخهما عملاء في الخارج، وإذا كان المؤيدون الأقدم للأيديولوجية الاشتراكية يعملون لصالح الاتحاد السوفيتي، فإن ورقة روسيا الرابحة الآن هي التمسك بالقيم التقليدية، فهناك الكثير من أتباعهم في بريطانيا ودول أوروبية أخرى، وأن المصلحة المالية لم تذهب إلى أي مكان أيضًا، وفي الوقت نفسه، لم تحاول روسيا التصرف بوقاحة مثل MI6 الآن، وسيكون الأمر يستحق ذلك.

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

منذ الاحتلال الامريكي وحلفائها للعراق عام 2003 ولحد يومنا هذا ترتفع اصوات اليسار العربي ومعهم اليسار الاسلامي من المحور الايراني بوجوب التحالف مع الشرق المتمثل بروسيا والصين والتخلي نهائيا عن الغرب وامريكا. وقد عمل هذا المحور بكل جهد ومثابرة من خلال الجيوش الالكترونية ووسائل الاعلام التابعه له لدفع الانسان العربي الى تبني هذا الرأي والتمسك به.

الادله التي استندوا عليها ولا زالوا لحد الان يكرروها هي ان الغرب وبالخصوص امريكا لا يمكن الوثوق بوعودهم، فهي تتقلب حسب مصالحهم في المنطقة والعالم، وانهم مستعدين لبيع اصدقائهم للذي يدفع أكثر وانهم لا يرغبون بأصدقاء او حلفاء حقيقيين بل ما يريدونه هو عبيد لهم يطيعونهم مهما عملوا، وهذا يمكن ملاحظته من خلال الكم الهائل من الصور الكاريكاتورية والمقالات والتصريحات امام الكاميرات وفي الصحف.

طبعا هذه الحالة ازدادت وكثرة عندما قرر الرئيس الروسي الدخول الى سوريا ودعم نظام الحكم البعثي الحاكم فيها منذ أكثر من خمسين عام، فعندها بدأت الجيوش الاعلامية والالكترونية بتصوير بوتين على انه المخلص البطل الذي تحالف مع اهل الحق والمظلومين لأجل نصرتهم امام الطغيان والجبروت الغربي الامريكي الصهيوني. واستنادا لذلك تم اعطاء القاب عديدة لبوتين حتى تم تلقيبه بأبو علي بوتين وتم نشر قصص عن انه من اصل عراقي وابوه كان طالب في روسيا زمن الشيوعيين وكان لقبه ابو التين والذي تحول لاحقا الى بوتين وكان اسم الطفل عبد الامير وتغير لاحقا الى فلاديمير بسبب صعوبة الاسم في اللغة الروسية، وتم نشر صور له وهو يلبس العمامة الدينية الشيعية وظهرت مقالات تدعي انه ربما اصبح مسلم شيعي وغيرها الكثير من القصص والادعاءات ، ولا ننسى المحللين السياسيين المحسوبين على المحور الايراني وعلى المحور اليساري كانوا يكيلون المديح له ولروسيا ويدعون العرب والامة الى التخلي عن امريكا والوقوف مع الشرق الروسي ومن ثم تبعها الصين في الفترة المتأخرة، وكان شعارهم الذي دائما يرددوه بان "المتغطي بالغرب والأمريكان عريان".

لكن الضربة الروسية لهؤلاء لم تتأخر كثيرا، فخلال حوالي السنة من دخول الروس الى سوريا وبعد زيارة مفاجئة للرئيس وزراء الاسرائيلي نتنياهو حوالي سنة 2016 ظهر الرئيس الروسي بوتين وكذلك وزراء ومسؤولين روس اخرين امام الاعلام وصرحوا ان الوضع في سوريا يتحسن وعلى كافة القوات والمقاتلين الاجانب الخروج منها بأسرع وقت ... وكان الكلام واضح جدا ان المقصود منه هي إيران وحلفائها في سوريا، حتى ان وزير الخارجية الايراني في حينها رد على هذا الكلام بان صرح قائلا والروس ماذا يعتبرون قواتهم الموجود في سوريا؟ وهل هذا الكلام يقصدهم ايضا؟

وكان واضح جدا ان الرئيس بوتين اتفق مع نتنياهو وبضوء اخضر اوربي امريكي على اخراج إيران وحلفائها من سوريا مقابل الموافقه على بقاء روسيا وقواتها، وهذا ما تم نشره في وسائل اعلامية غربية كثيرة. كذلك تم الاتفاق على السماح لإسرائيل بضرب سوريا وبالخصوص إيران وحلفائها من اجل اضعافهم واخراجهم. وفعلا بعد هذه الزيارة لنتنياهو لموسكو بدأت عمليات قصف مكثفه بالطيران وبالصواريخ لكل المواقع التي يتواجد بها الايرانيون وحلفائهم من حزب الله اللبناني والافغان والعراقيين والذين دخلوا الى سوريا بدون موافقة الحكومة العراقية. وحسب تصريحات اعلامية فقد بلغت عدد الغارات والقصف الإسرائيلي للمحور الايراني في سوريا حوالي 500 هجمه قتل فيها العشرات وجرح المئات من الايرانيين واللبنانيين والعراقيين والافغان بالإضافة الى السوريين.

الضربة الجديدة التي وجهتها روسا الى المحور الايراني هي اصدار بيان مشترك مع دول الخليج العربي يطالبون فيه الحكومة الايرانية بحل مشكله الجزر الثلاثة التي تدعي الامارات انها تابعه لها حلها بشكل سلمي. وهنا ثارت ثائرة السياسيين الايرانيين ضد روسيا حتى ان أحد الصحف الايرانية اعتبرتها طعنه بالظهر بينما اعتبرها رئيس البرلمان الايراني ان روسيا تجاوزت الخطوط الحمر، حتى ان امام جمعة طهران استنكر هذا البيان وادان روسيا واخيرا صرح وزير الخارجية الايراني بان التصرف الروسي لا يطاق وعليهم تصحيح موقفهم. رغم كل هذا الاستنكار الايراني فان الموقف الروسي كان باهت لحد الان من خلال اصدار بيان عن وزارة الخارجية يؤكد على العلاقة مع إيران وان الحكومة الروسية تؤمن بوحدة الاراضي الايرانية لا أكثر من هذا البيان وهذا يعتبر تجاهل وتعالي وعدم اهتمام بالقلق الايراني.

طبعا هكذا مواقف لروسيا هي مشابهة لمواقف الاتحاد السوفيتي الشيوعي السابق، مثلا عندما اعترف الاتحاد السوفيتي السابق بدولة اسرائيل كأول دوله قبل حتى امريكا وأوربا وكان من اشد الداعمين لقيامها ولكن موقفه تغيير بعد سنيين قلائل عندما مال الاسرائيليين الى الغرب وامريكا بالذات مفضليهم على الشرق استنادا لحنكتهم السياسية واستقرائهم للمستقبل بشكل صحيح. التاريخ اثبت صواب رأي الاسرائيليين وخطل راي الدول العربية القومية واليسارية في حينها والتي استمالها النظام السوفيتي الحاكم في روسيا حينها. وكذلك لا ننسى كيف باع السوفييت الحزب الشيوعي العراقي عندما هجم عليهم نظام البعث العراقي في اواخر السبعينات ولم يدافع السوفييت عن الشيوعيين العراقيين الذين عانوا بشدة من الاعتقال والتعذيب والتشريد وحتى الاعدام.

انا أتساءل هل فعلا ان الشرق بالخصوص الروس هم اهلا للثقه والاعتماد والصداقة والتحالف أكثر من الغرب والامريكان ام ان كلا الطرفان متشابهان وهما لا يبحثان الا على مصالحهم فقط ولا شيء غيرها؟

فمتى اليسار العربي والمحور الايراني سيقولون الحقيقة لشعوبهم واتباعهم ويتوقفوا عن الخداع والمداهنه والتلوي؟

***

عارف الجواهري

بالمختصر.. الفرق السيكولوجي الكبير بين الشعب العراقي زمن النظام الدكتاتوي و زمن النظام الديمقراطي، ان العراقيين كانوا زمن النظام الدكتاتوري تحت سيطرة حاكم سادي،فكانوا مجبرين على طاعته بحال تحققت فيه معادلة (سادية حاكم مقابل مازوشية شعب)، وانه تحرر بعد التغيير من المازوشية وما عاد خائفا من الحاكم.. ولكن في مفارقة تحققت فيه معادلة (حكام فاسدون مقابل شعب مضحوك عليه!).

تعني المضحوك عليه.. المخدوع، المستغفل، وتعني المخدوع ان الخادع يظهر له خلاف ما يبطن وان المخدوع يصدق بالظاهر . ومعنى المستغفل هو الأنسان الساذج البسيط الذي يثق بآخر يعده بما يتمناه او يريده ويعمل نقيض ما وعد.

قصدنا من هذا الموضوع ان العراقيين مقبلون على انتخابات مجالس المحافظات .. فهل سيبقون بعد توالي خيباتهم لعشرين سنة.. مضحوكا عليهم؟!

كانت اول (ضحكه ) و أول (استغفال) للعراقيين يوم جاء من سلمت لهم اميركا السلطة في 2003 وعزفوا على الوتر الطائفي.ويومها راحت ملايين من جماهير محافظات الوسط و بغداد تهزج بانتصار.. الضحية: (صارت عدنه وما ننطيها) !

وكانت اكبر ضحكة واستغفال لمعظم العراقيين يوم تشكلت في 2006 اول حكومة دستورية .فلقد استبشرت جماهير الشيعة تحديدا بتولي حزب الدعوة اعلى سلطة بالدولة.وحصل ان المضحوك عليهم والمستغفلين الذي صبروا وانتظروا،اكتشفوا انهم ضحك عليهم واستغفلوا فخرجوا بمظاهرات وهزجوا (الله واكبر ياعلي الأحزاب باكونه).

المضحوك عليه.. يبقى مضحوكا عليه!

في انتخابات 2010 تأكد للعراقيين انهم مضحوك عليهم (مخدوعون!)،وانهم كانوا يعرفون الحكام والقادة السياسيين الذين يضحكون عليهم، ومع ذلك فانهم اعادوا انتخابهم!.ومع ان الدكتورحيدر العبادي اعلن يوم اصبح رئيسا للوزراء في 2014 انه سيضرب الفساد بيد من حديد.. ولم يضرب، معترفا بان الفساد في العراق صار مافيا تمتلك القوة والمال والفضائيات .ومع كل هذا البلاء.. فان العراقيين اعادوا انتخابهم!. وبوتثيق أدق فأن 20% منهم بقوا مضحوكا عليهم،و 80% اكتشفوا انهم مضحوك عليهم فامتنعوا عن التصويت.ومع ايجابية هذا الاكتشاف المتأخر،فان امتناعهم عن التصويت اتاح الفرصة للمضحوك عليهم بان ياتوا للبرلمان بمن ضحكوا عليهم!. والأغرب، ان من ضحكوا عليهم يعيشون مرفهين فيما هم بدون كهرباء في عصر الغليان الذي يتصدره العراق عالميا!.

وحكام العراق يتباهون بان لديهم برلمان ديمقراطي انتخبه الشعب، فيما برلمان (2010) مثالا، فاز فيه 15 نائب فقط باصواتهم، فيما الباقي (اكثر من 200 نائبا) لم ينتخبهم الشعب بل فازوا باصوات تصدقت بها قوائمهم بينهم معمم حصل على 79 صوتا وصار نائبا!، ظهر في الفضائيات يحمد الله ويشكره على حياة الرفاهية التي يعيشها العراقيون!،وما كان ليفعل هذا الا بعد ان جعلوا العراقيين شعبا مضحوكا عليه.

ومع ان حكومات العراق واحزاب السلطة بكل مسمياتها ومكوناتها الأجتماعية سرقوا المليارات،وبينهم من حولوا عبر البنك المركزي العراقي ملايين الدولارات على دفعات لجهات (مجهولة!) وافقروا 13 مليون عراقي باعتراف وزارة التخطيط في بلد يعد الأغنى بالمنطقة،فان العراقيين يعيدون انتخابهم ويعرفون انهم مضحوك عليهم!

واذا صح ان انتخابات مجالس المحافظات ستجرى بموعدها المحدد في الثامن عشر من ايلول المقبل، واذا صح ان التيار الصدري لن يشارك فيها !، وكذلك تيار محمد شياع السوداني، وان الأحزاب الجديدة(281 حزبا!) وقوى التغيير والديمقراطية ستبقى غير موحدة.. فان من ضحك على العراقيين واستغفلهم عشرين سنة،سيفوزون في اختيار محافظي المحافظات ومسؤولي المحافظات التنفيذين الذين يتمتعون بصلاحيات الاقالة والتعيين واقرار خطط المشاريع .. وستبقى كل ابواب ونوافذ الفساد التي ضحكوا فيها على العراقيين في كل محافظاته.. مفتوحة،لتوصلنا الى فاجعة تجسدها هذه الحقيقة:

ان العراقيين هم اكثر شعوب البلدان النامية المضحوك عليه.. سياسيا واخلاقيا ودينيا.. وسيبقى عشرين اخرى مضحوكا عليه ما دام حيتان الفساد يبقون.. هم الدولة!.

***

أ.د.قاسم حسين صالح

لم تمر فترة منذ تأسيس الدولة العراقية مشابهة في القتل والاغتيال الطائفي مثلما كانت أعوام (2006 – 2007)، التاريخ لم ينس مجازر انقلاب 8 شباط 1963 الا انها كانت سياسية قومية متطرفة بتجاه معاداة الحزب الشيوعي العراقي، اما اليوم بعد السقوط والاحتلال ابتلى العراق والعراقيين بالإرهاب والميليشيات الطائفية وحكومة اكثر طائفية من غيرها، وكانت الجثث خلف سدة ناظم باشا وعلى الأرصفة والشوارع ولم تسلم حتى المزابل منها، فالخطف والقتل والاغتيال الطائفي عبارة عن سلاح استعمل بشكل واسع ولم تسلم الأسماء من القتل الطائفي والتفجيرات التي كانت تحصد العشرات بدون استثناء او تمييز هو هدف يراد منه الإبادة الجماعية لطرف معين مهما كان الثمن باهضاً واعتبرت الإبادة عبارة عن منهج تدميري على أسس مذهبية ودينية وتطبق عليه " المادة 2 من اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية (cppcg)عام 1948 حيث نصت " أي فعل من الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجموعة وطنية أو عرقية، أو عنصرية  أو دينية، مثل: قتل أعضاء من الجماعة، وإلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة، وفرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، ونقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى مجموعة أخرى" وما جرى ويجري في العراق عبارة عن مخطط اعيد صياغته ورتب أسلوبه واتجاهاته العنصرية الإرهابية، ولا نستبعد وجود العقلية نفسها في الوقت الحالي عند قادة المليشيات التابعة المتطرفة  وهو نوعاً من التطهير العرقي فقد جرت محاولات عديدة لطرد مجموعة عراقية من مساكنها واراضيها والتهديد بالقتل بهدف تدمير جماعي بالضد من المجوعة الأخرى بهدف التطهير الطائفي مثال " جرف الصخر او بعض المناطق في العاصمة بغداد وغيرها "ان ابعاد او فصل مجموعة مذهبية عن مناطقها السكنية او أراضيها الزراعية او ابعادهم خارج البلاد يشكل ابادة ثقافية ايضاً ضمن التطهير العراقي  ويعتبر جريمة بحق الإنسانية وحقوق الانسان

، وهو ما حدث العديد من المناطق حيث شارك الإرهاب داعش او التنظيمات الإرهابية المتطرفة من جهة ومن جهة اخرى المليشيات الشيعية الطائفية المسلحة المرتبطة خارجياً بفعل هذه الجرائم المنافية للقوانين والأنظمة المرعية.

ان تنظيم الدولة الإسلامية " داعش" لم يتمكن من السيطرة على الموصل والمناطق الأخرى الا بانهيار وفرار قطاعات  من الجيش العراقي وتراخي حكومة نوري المالكي، هذه القطاعات العسكرية الحكومية  التي كانت تفوق داعش بالسلاح والأعداد البشرية بشكل واسع، وكان الضباط في المقدمة وخلع الكثير من الجنود ملابسهم تاركين أسلحتهم  لينضموا الى المواطنين المدنيين الخائفين وجرى التخلي عن الكثير من المدرعات والأسلحة المتطورة، واشار البعض من الاواسط القريبة من داعش انهم نهبوا نحو (500) مليون دولار " من فرع البنك المركزي في مدينة الموصل " وتمكن داعش من السيطرة على الموصل بكاملها بسب انهيار الجيش ايضاً في المنطقة الشمالية، ولهذا سارعت ميليشيات داعش الدخول الى وادي دجلة وراحت تستولي على المدن والقرى واحدة تلو الأخرى وتمكن تنظيم داعش السيطرة على مدينة بيجي ومصفاة النفط ثم الاستيلاء على مدينة تكريت  وامتد الى مناطق عديدة قريبة من العاصمة، اما الحكومة العراقية  برئيس وزرائها الأسبق نوري المالكي فقد بقت وكأنها ليس معنية ولا حول ولا قوة ما عدى التصريحات الفضفاضة امام جريمة سبايكر الدموية أو تدمير الموصل ومناطق ومدن عراقية (هناك اتهامات لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وسياسته الطائفية ساعدت بطرق مختلفة داعش) ولا بد من الإشارة الى القتل المبرمج الإرهابي ضد المواطنين العراقيين الازيديين الذين بقوا تحت طائلة العقاب الإرهابي،  نساء وأطفال وشيوخ ورجال ليتم فصل الأطفال والنساء واخذهم غنائم حرب كسبايا وإخضاع النساء للتمتع الجنسي وبيع البعض منهن كسبايا وعبيد وكما اكدت العديد من المصادر وجود آلاف من المفقودين.

ان الفجيعة التي اصابت الايزيديين تعدُ مع الفواجع التي اصابت المجتمع البشري وتعتبر أبادة جماعية ضد هذا المكون العراقي، لقد قام داعش الإرهاب بارتكاب ابشع الجرائم ضد الأطفال والنساء والشيوخ والرجال دون استثناء ومارس هذا التنظيم الإرهابي مختلف الأساليب وحشية وقذارة تجاه النساء وبخاصة سبي الفتيات المخطوفات والتلاعب بمصيرهن وبحياتهن واستخدام تجارة الرقيق والزيجات القسرية، ولم يتوان التنظيم الإرهابي من قتل العشرات ودفنهم في مقابر جماعية، تسعة  سنوات من القهر والحزن والقلق والانتظار من اجل تحقيق العدالة في قضية إنسانية متشعبة الجوانب منها معرفة مصير العشرات الذيم فقدوا بطرق وحشية بما فيها المقابر الجماعية التي بلغت لحد الان (83) مقبرة جماعية إضافة الى حوالي (3) آلاف مختطف، كما قام المجلس الأعلى بإحصاء ضحايا داعش الإرهاب والابادة الشاملة للأزديين في العراق وسوريا وأشار عن مقتل حوالي (10) آلاف أزيدي وتم اغتصاب (6) آلاف امرأة وفتاة أزيدية ولا يزال حوالي (3200) أزيدي وأزيدية  مفقودين فضلاً عن فرار عشرات الالاف نتيجة الوحشية والخوف من القتل والسبي وأشار المجلس الأعلى أن " الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها أوروبا مؤخرا، أظهرت جليّا أنه من مصلحة الأسرة الدولية القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية".

نعم انها ذكرى فاجعة وموجعة ليس للأزديين فحسب، بل لكل الشرفاء في العراق والعالم ولهذا « اعتبرت الحكومة البريطانية قبل فترة أنهم ضحايا "ممارسات إبادة" على يد التنظيم الإرهابي أقلية إثنية ودينية ناطقة بالكردية كانت تتركز في جبل سنجار شمال غربي العراق" الإبادة شملت جميع مناطق الازيديين والمسحيين ذلك الكابوس الذي دمر المناطق الغربية وجعل مدنها خرائب وأنقاض ونتيجة الإرهاب والقتل الوحشي هرب الالاف منهم خوفاً من الإرهاب ووحشية الممارسات الاجرامية، هكذا تركت الحكومة العراقية حينذاك حوالي (7) الاف ميل واكثر من (12) ألف كم تحت رحمة داعش الإرهاب بينما كانت في الوقت نفسه مشغولة في تغذية المليشيات الطائفية واستغلت فتوى السيد السيستاني في حزيران 2014 حول الجهاد الكفائي التي تقول " ان طبيعة المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه في الوقت الحاضر تقتضي الدفاع عن هذا الوطن وأهله وأعراض مواطنيه وهذا الدفاع واجب على المواطنين بالوجوب الكفائي، ومن هنا فإن على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السلاح ومقاتلة الإرهابيين دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم عليهم التطوع للانخراط في القوات الأمنية لتحقيق هذا الغرض المقدس" والدعوة عامة استغلت من قبل مليشيات شيعية مسلحة  تابعة كانت موجودة وتقاتل في العراق او سوريا،  وبدلاً من الانضمام للقوات الأمنية قاموا بتأسيس الحشد الشعبي الذي استغل من قبل البعض ليكن خاصاً بهم.

ان قضية مأساة المواطنين الازيديين مازالت ماثلة امام اعين الجميع وحظيت باهتمام الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع الدولي وكانت محط ادانة شاملة من قبل القوى الخيرة والوطنية والديمقراطية داخل العراق وخارجه مطالبة بالتحقيق النزيه وتقديم المقصرين والمشاركين من المسؤولين العراقيين او داعش الإرهاب الى القانون والعدالة،  والعمل باتجاه حل مشاكلهم وتقديم الدعم والتعويضات المادية ومعرفة مصير المفقودين منهم، لقد عانى الازيديين على مر القرون الاضطهاد بسبب ديني والارتباط بالكرد وحان الوقت لأنصافهم والاعتراف بحقوقهم وتقديم العون المعنوي والمادي لهم وبخاصة ونحن نسمع البعض من الأصوات تطالب بهجرتهم خارج العراق وهي عملية لا تقل قذارة من المأساة والهدف تفريغ العراق من مواطنين موجودين منذ  الاف السنين ويشكلون جزء هام من الشعب العراقي، مثلما حدث للمسيحيين العراقيين.

***

مصطفى محمد غريب

وكالة “بلومبرغ” الأميركية، اشارت، في مقالٍ لها، نشرته، في 11 من اغسطس الجاري؛ الى ان الضغط والجهود التي يمارسها المسؤولون الامريكيون على الرياض؛ تهدف الى دفع الرياض، عن طريق تقديم المغريات لها، بالاستجابة لطلباتها؛ من أجل “إنجاز صفقة إسرائيلية – سعودية”، (التطبيع بين اسرائيل والسعودية) هي بهدف تقييد اقتراب السعودية من الصين. الوكالة اوضحت بما مفاده؛ ان واشنطن سوف تقوم بتقديم تنازلات عديدة؛ لتمهيد الطريق لتعاون الرياض مع واشنطن، من اجل التوصل الى اتفاقية امنية قوية. الوكالة بينت في ذات المقال؛ الى ان واشنطن يتعين عليها دفع التكلفة؛ لمنع سقوط السعودية في مدار الصين. وايضا؛ ان لا تكون هناك للصين فرصة في اقامة قواعد لها في المملكة العربية السعودية. ان هذا ليس صحيحا، لأن اسرائيل، لها علاقات قوية جدا، في جميع الحقول مع الصين، ولم تسبب هذه العلاقة القلق الامريكي منها، بل انها ما كان لها ان تكون لولا ان هناك غض نظر من الامريكيين. لأنهم يدركون ان علاقة اسرائيل مع الصين لم تكون ولن تكون على حساب العلاقة بين اسرائيل وامريكا؛ لأنها علاقة مصير وحماية ودعم من جانب امريكا لجهة اسرائيل. كما ان علاقة اسرائيل مع روسيا، هي في ذات او في نفس علاقة اسرائيل مع الصين. ان المسؤولين الامريكيين يتفهمون تماما هذا التوجه الاسرائيلي واهدافه الاستباقية للتطورات المقبلة في الذي يخص حلحلة القضية الفلسطينية؟.. وموقف الدولتين في هذه الخانة المستقبلية، بما تحمل من مقايضات ومساومات بين الدول الكبرى واسرائيل ودول المنطقة العربية في وضع الحلول للصراع العربي الاسرائيلي. كما ان الصين ليس في وارد سياستها على الاقل في الامد المنظور وربما ابعد من هذا الامد؛ اقامة قواعد او غيرها في المنطقة العربية ومنطقة الخليج العربي تحديدا؛ لأنه هذا التوجه او هذه السياسة تؤثر على متانة علاقتها مع ايران. سياسة الصين المعلنة بوضوح؛ من انها تقف على مسافة واحدة من جميع دول المنطقة، كما انها تريد ان تكون وهي كذلك؛ طرفا في الحوار البناء وتسوية الصراعات والخلافات بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي، وليس طرفا في الصراعات في المنطقة العربية وجوارها الاسلامي. ان هذه السياسة الصينية؛ تتوافق تماما مع إدارة الصين لعلاقاتها وشركاتها مع جميع الدول في المعمورة وليس في المنطقة العربية وجوارها. ان  هذه السياسة الصينية الاقتصادية والاستثمارية، وكما تعلن عنها الصين بوضوح تام؛ من انها تسعى الى شراكات، قائمة على قاعدة المنفعة المشتركة والمتبادلة. ان السعودية بقيادة اميرها الشاب، لن تتخلى عن علاقتها مع الصين مهما كانت الاغراءات الامريكية؛ لأزاحتها من مساحات التعاون مع الصين؛ في توطين التكنولوجيا المتقدمة وشراء الاسلحة ولو ان هذه الامر هو في مراحله الاولية، إنما الطريق الى توسعته وتعميقه وتطوره؛ مفتوح مستقبلا. الصين لا تفرض أي شروط مهما كانت على أي دولة شريكة او تتشارك معها في مشاريع الاستثمار المتبادل. إما امريكا فأنها تفرض شروطا، احيانا تكون شروطا قاسية وغير قابلة للتنفيذ؛ (في الذي يخص حقوق الانسان، والديمقراطية؟!..)، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وموقف الدول التي تربطها شراكة مع امريكا، من اسرائيل.. امريكا لم تعترض على علاقة المملكة مع الصين، وهي علاقة او بداية شراكة؛ بدأت منذ سنوات وليست هي أي هذه العلاقة بنت هذه الايام، كما هو حال علاقة اسرائيل مع الصين مع ان الفارق كبير بين علاقة السعودية مع الصين وعلاقة اسرائيل مع الصين؛ فعلاقة الاخيرة اكثر سعة وعمقا وتطورا، وبالذات في حقل التكنولوجيا المتقدمة، والسلاح والموانيء. ان سعي إدارة بايدن المحمومة، في التطبيع بين السعودية واسرائيل؛ ليس لأبعاد السعودية عن الصين، إنما، خلق بيئة اقتصادية وسياسية جديدة في الشرق الاوسط؛ تكون دولة الاحتلال الاسرائيلي؛ دولة طبيعية معترفا بوجودها من جوارها العربي ومن الجوار الاسلامي للمنطقة العربية؛ لتكون مستقبلا شريكا مهما وفاعلا في الشرق الاوسط الجديد. ان هذا الشرق الاوسط الجديد، المفترض؛ سوف يخدم المصالح الامريكية والاسرائيلية على الامد البعيد؛ وينتج عنه شراكات على اسس وقواعد جديدة؛ ربما تشترك فيها؛ الدول العظمى والكبرى المنافسة للغرب وامريكا واسرائيل، في مساومات ومقايضات، وتوافقات؛ على تقاسم مساحات النفوذ والشراكات، ولو بالإحياء المتبادل وليس الاتفاق المكتوب على الورق. ان هذه السياسة لو صارت واقعا على الارض؛ فأنها سوف تكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقه الشرعي في دولة فلسطينية ذات سيادة. من وجهة النظر الشخصية؛ أن هذه السياسة الامريكية والغربية والاسرائيلية؛ بحكم الضرورة وحق الشعوب في الحياة والتطور والإرادة السياسية والاقتصادية؛ في اوطان حرة، ليس في اجسادها جروح تمس مسا عميقا سيادتها. عليه، فأن مساحات الشراكات والاستثمارات، بين دول المنطقة العربية وجوارها الاسلامي وبين الصين بدرجة كبيرة وروسا بدرجة اقل كثيرا عن الصين؛ سوف تتسع على حساب مساحات الشراكات والاستثمارات، الامريكية والغربية؛ للأسباب التي اوردتها في الذي سبق من هذه السطور. وبالعودة الى السعي الامريكي؛ لأبرام صفقة التطبيع بين اسرائيل والسعودية؛ فأن الأخيرة، من المستبعد جدا، ان لم اقل، ربما من المستحيل ان تُبرَم هذه الصفقة، قبل الانتخابات الامريكية، للسبب المعروف..

***

مزهر جبر الساعدي

في المثقف اليوم