قضايا

مراد غريبي: عبد الجبار الرفاعي صديق الإنسان

مراد غريبيمن ظمأ السؤال إلى استلهام الحكمة

عندما يكتب عبد الجبار الرفاعي لابد أن تقرأ، وعندما يحاضر لابد أن تنصت، إنها تجربة معرفية عمرها أكثر من خمس عقود من المطالعة والدراسة والبحث والحوار والنقاش والتأمل والتفكر، والغوص في غمار الفلسفة وعلم الكلام والفقه والأصول والآداب والعلوم الحديثة. لا يمكنك العبور مرور الكرام على البستان الثقافي للصديق عبد الجبار الرفاعي، لأنك ستخسر اصطياد الكثير من الخبرة المتراكمة والمنهج والرؤية والصبر، في معارف الدين والفلسفة والثقافة والأخلاق والإنسانية والتربية. هكذا عرفت واكتشفت وعايشت فكر هذا العربي المسلم العراقي الأصيل منذ قرابة ثلاث عقود. الرفاعي معلم مثقف رزين يأسرك تواضعه وسعة أفقه. الدكتور الرفاعي خلال كل أحاديثي معه أزداد إعجابا بإنسانيته، ناضل هذا الإنسان لينال كنوز المعرفة والفقه والفلسفة وعلم الكلام والثقافة، صارع كل ألوان القهر والاغتراب والارهاب والتقييد والتسقيط. عمل طيلة عقود في الظل بعيدا عن الأضواء، بروح المتبصر العارف بزمانه، المتأمل للواقع الثقافي والديني بحكمة وروية. لم يحب البروز تحت أضواء مسرحيات الفكر والثقافة والتدين المغشوش، بقي متمسكا بالقيم والمبادئ التي حملها منذ طفولته عبر مخاضات الحياة كلها، فكانت النتيجة شخصية إنسانية ذات لمسات حضارية في كل تفاصيل حياته.

  ابتسامة دائمة على محياه، كتابات عميقة تكسبك فن التعامل مع متغيرات الفكر والثقافة والحضارة، لطف في معاملة الناس، خطابه الفيصل بصوته الأبوي الحنون التي يبهرك بنظم الخام الفكري في موسيقى اللغة ونسق التعبير ولغة التهذيب. الرفاعي يختزن في تجربته ومسيرته تجارب ومحطات متعددة ومتنوعة ومختلفة، استجمعها ببراعة واتقان، ليقدمها بإحسان في أسلوبه ومدرسته الأخلاقية الإنسانية التي أصبحت رائدة في تجديد إنسانية الإنسان في المجال العربي والإسلامي، عبر خطاب صادق وعابر لفنون الكلام المنمق الخاوي. من أجمل ما يزيد القارئ انفتاحا وتطلعا للنهل من فكر الرفاعي معادلاته الأساسية التي محورها: الدين، الإنسان، المعنى، الحياة، الأخلاق، والفعل التجديدي. بين كل ذلك كنوز تربوية وإضاءات فلسفية ومحطات منهجية ومقاربات فكرية تغني القاصي والداني بلمعان جواهرها، وتبعث في نفوس أهل الظمأ المعرفي طاقة عجيبة من الاستزادة في السؤال والاطلاع والنقاش.

 إن المنجز الفكري لعبد الجبار الرفاعي يشكل قفزة تنويرية فريدة في المشهد الثقافي العربي والإسلامي الحديث والمعاصر، كونه فتح آفاقا جديدة للرؤية والنقد والتطلع والصياغة اللغوية، لدور الإنسان المسلم في الحضارة المعاصرة، مستفيدا بكل براعة ونباهة المفكر البناء المنفتح على كل ماهو ايجابي وخلاق للوعي والحرية والفاعلية الأخلاقية والمصداقية الإنسانية. تجربة الرفاعي حافلة بحقول ومباحث مهمة في الفكر والنقد والتجديد.

  تعمدت عدم عرض أية اقتباسات من كتاباته، لأبقي للقراء الكرام فرصة النهل من بساتين المعرفة والأخلاق والروح الإنسانية عند الرفاعي. عرفنا الدكتور الرفاعي في فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد وتشريح ماهية الايمان وضرورته في حياة الإنسان، أو أصول الفقه أو فلسفة الأخلاق والقيم أو إنسانية الدين أو إشكاليات التجديد أو نقد الفكر الديني أو إعادة قراءة الفلسفة الإسلامية ومبادئها، أو جدليات علم الكلام الجديد.

   عبد الجبار الرفاعي معلم وتربوي ثمين، لابد للأجيال من طلاب التعليم الأصلي أو الأكاديمي الاهتمام بجميع مباحث فكره ومسيرته العلمية المميزة والملهمة للوعي والتجديد. خصوصية الرفاعي أنه فكر بصدق ولم يجامل أحدا، ونقد بكل أدب، وحاور بإنسانية منفتحة على الله، فكانت النتيجة أنه استطاع أن يجمع الفرقاء من أجل قضايا إسلامية معاصرة، وتمكن بكل نزاهة ومحبة أن يستقطب حتى من بخسه حقه في يوم ما. الرفاعي مثقف واعي، وإنسان خلوق، ومعلم صبور، وتربوي مهذب.

 يسود كتابات الرفاعي الحس النقدي، وهو يسعى لاستنبات بذور لشروط ومقتضيات حداثة إسلامية مرتقبة، وتنوير عرفاني للروح. كأن فكره بستان حكمة يعبق بعطور الشوق إلى الفضيلة والنزاهة والصدق والحب في رحاب الايمان الإنساني بكل ما هو جميل. تحية خالصة للرفاعي الأخلاقي صديق الإنسان، مفكر الإيمان المجدد.

 

أ. مراد غريبي، باحث في الفكر.

 

في المثقف اليوم