قضايا

فادية سمير السيد: اللغة والسياسة

فادية سمير السيدسيكون من المضلل، الإيمان بأن الصراع السياسى لا تعكس  مزيد من الارتباك فى استخدام اللغة، فاللغة أداة نفكر بها ونتواصل من خلالها مع الآخرين . وإذاكانت اللغة التى نستخدمها مشوشة أو غير مفهومة، فسيكون من الصعب التعيبر عن آرائنا بدقة،ومن المستحيل معرفة ما يدور فى أذهاننا مما يؤدى إلى صعوبة أبتكار مفردات علمية محايدة للسياسية.وإذا كانت محاولتنا من أجل أبتكار مفردات محايدة علمية للسياسة ميئووس منها فماذا نفعل؟ أقل ما يمكننا فعله هو أن نكونوا واضحين بشأن الكلمات التى نستخدمها والمعانى التى نريد إيصالها.وهنا تتحول اللغة إلى أداة للتعبير وليس لأخفاء الفكر ومنعه. وهى مهمة ليست سهلة حينما يتعلق الأمر بالمصطلحات السياسية لأنها تمثل أفكارًا ومفاهيم وقيمًا نفسها معقدة للغاية وغالبا ما تكون محل نزاع حاد. وعلاوة على ذلك. تحمل معظم المصطلحات السياسية عبء أيديولوجيا ثقيلًا. ومجموعة من الافتراضات والمعتقدات التى تعمل على التأثير فى كيفية استخدام الكلمات والمعانى المخصصة لها.وهذا ما يذكرنا بصموئيل جونسون Samuel Jounos ( 1709- 1784) وهو يحذرنا من التعامل مع اللغة بدقة فيقول :" أن الكلمات بنات الأرض، وأن الأشياء أبناء السماء" بمعنى أن اللغة دائما ما يكون لها قيمة محدودة.فالرغم من أستخدام الكلمات بعناية والحرص الشديد فى أختيار المعانى، فأن اللغة تميل إلى تبسيط وتحريف التعقيد اللامتناهى للعالم الحقيقى.

ومهما كانت السياسة،فهى نشاط اجتماعى. يتم اجراؤها من خلال اللغة .واللغة عبارة عن نظام تعبيرى يستخدم الرموز"الكلمات" لتمثيل أشياء والتى يمكن أن تشمل الأشياء المادية والمشاعر والأفكار وما إلى ذلك. وهذا يعنى أن اللغة سلبية بشكل أساسى، لأن دورها يتمثل فى أنه انعكاس للواقع بأكبر قدر من الدقة.واللغة أيضًا أيجابية ونشطة، قادرة على إطلاق الخيال وإثارة المشاعر .فهى لا تعكس الحقائق التى حولنا فحسب، بل أنها تساعد فى تشكيل مانراه وتحريك موقفنا الخاصة نحوها.فاللغة تساعد على خلق عالم موازى من الفكر والأبداع الذهنى المتعدد.

ويستخدم السياسيون المحترفون اللغة كوسيلة للتلاعب والتشويش .فالسياسيون مهتمين بالدرجة الأولى بالدعوة السياسية ويكونوا أقل اهتمامًا بدقة لغتهم من أهتمامهم بقيمتها الدعائية.لذا فأن اللغة ليست مجرد وسيلة أتصال،بل هى سلاح سياسى .يتم تشكليها لنقل النوايا السياسية.وتحت ضغط من الحركات النسوية وأنصار الحقوق المدنية فى أواخر القرن العشرين بذلت محاولات لتطهير اللغة من الآثار العنصرية المتحيزة جنسيًا وغيرها من الآثار المهيمنة فى استعمال اللغة . لأنه وفقا لوجهة النظر هذه تعكس اللغة دائما بنية السلطة فى المجتمع بشكل عام،وبالتالى فهى تميز لصالح المجموعات المسيطرة وضد المجموعات الخاضعة لها. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك أستخدام "الإنسان" أو "الجنس البشرى" للإشارة إلى البشرية بشكل كليًا، والأشارة إلى "الأقليات العرقية ب"زنوج"  أو "ملونون" ووصف دول العالم الثالث بأنها "متخلفة" تكمن الصعوبة فى محاولتنا خلق لغة موضوعية وغير متجازة للخطاب سياسى معين  قد يكون وهميًا.وهنا يمكننا استبدال المصطلحات والصور "السلبية" بأخرى "إيجايبة" على سبيل المثال، يمكن الأشارة إلى "المعاقين " على أنهم " ذوو قدرات مختلفة" .ويمكن وصف الدول المتأخرة أقتصاديًا بأنها " النامية" بدلا من "متخلفة". على الرغم من أن هذا يعنى ضمنًا أنها متخلفة  عن البلدان "المتقدمة" وعلاوة على ذلك، يجادل منتقدو "الصواب السياسى" بأنه يفرض قيودًا أيديولوجية على اللغة التى تضعف قوتها الوصفية وتقدم شكلًا من أشكال الرقابة من خلال رفض التعبير عن الأراء "غير الصحيحة".

 وفى النهاية نقول : السياسة هى السلطة الحاضرة المهيمنة واللغة هى السلطة الغائبة والذين يصوغون الأحلام الإنسانية يرون أن العالم كان سيكون أسعد لو أن السياسة قلصت من حضورها فى وعى أصحابها واللغة قلصت من غيابها عن جمهور الناس المحكومين بالسياسة.

 

بقلم د. فادية سمير السيد

باحثة دكتوراة فى الفلسفة السياسية

 

في المثقف اليوم