قضايا

العنف ضد الأطفال في العراق

قاسم حسين صالحالواقعة:

(اعلنت هيئة رعاية الطفولة، الجمعة 15 نيسان 2022، وفاة الطفلة زينب التي تعرضت الى التعنيف من قبل والدها . وقال مصدر أمني ان” والد الطفلة زينب ضربها بتوثية، ما اسفر عن تهشيم رأسها، ولم تنجح محاولات الاطباء في اسعافها، نتيجة الاصابات البليغة).

وقبلها بسنة، نشرت وكالات الأنباء ما نصه: (في حلقة أخرى من مسلسل جرائم الضرب والعنف المتصاعدة ضد الأطفال في العراق، التي باتت شبه يومية، اعتقلت وزارة الداخلية العراقية، رجلا في العاصمة بغداد، ظهر في مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، وهو يعتدي بالضرب المبرح على ابنه الصغير الذي بالكاد يبلغ بضعة أعوام).

وكانت (اليونسيف) قد حذرت من تبعات العنف المتمادي ضد الأطفال، وصفته بأنه بلغ مستويات خطيرة في العراق، فيما ذكرت (هيومن رايتس) ان 80% من اطفال العراق يتلقون العنف وفقا لتقرير الشرقية نيوز.

استطلاع رأي

في ليلة وفاة الطفلة زينب نشرنا ما نصه:

 (أب يحطم جمجمة ابنته وتفارق الحياة. الاب يقدّم ثلاث افادات مختلفة، وخال الطفلة يقول ان والدها كان حسن السلوك، ولكن صدر منه مؤخرا كلام غرب كقوله.. البنت من تكبر تصير عار. ندعو الجهات المعنية بالتحقيق اتاحة الفرصة لنلتقي بالاب من اجل الوصول الى الحقيقة، لأننا على يقين بأن الدافع سيكولوجي وان ارتبط بمتغيرات اخرى).

واليكم بعض الأجابات:

* هاي بالجاهلية كانوا يؤدونها، يعني يدفنها بعد ولادتها، والسبب انه كانت العرب تغزو بعضها بعضا ويخافون من سبي النساء. يعني معقولة هاي الأفكار موجودة في القرن الواحد والعشرين. احتمال الاب مكبسل بسبب انتشار المخدرات.

* مأساة كبيرة..هل يشعر الانسان بسعادة قصيرة جدا لثانيتين في بلد تحدث فيه جرائم بهذا الشكل.

* حالة تستحق دراستها سايكولوحيا، وانت الاقدر على دراستها دراسة علمية و معرفة كافة ظروفها.

* اللهم انت الحافظ، شنو هل التعقيد والجاهلية..هذا يعيش بمجتمع قبل ١٤٠٠ عام، العصر الجاهلي ووأد البنات لانهن يحملن الاب عار.

* لماذا لا تهتم الحكومة بهكذا حالات، وتفسح المجال لمثل جنابكم لكشف الحقائق لمجتمع وتوعية لمثل هكذا حالات.

* نحن نعيش قبلية المجتمع العراقي في ذروتها.

* الأب هو نتاج ارث اجتماعي يحمل مفاهيم مريضة من عقليات رؤساء كتل الشؤم السياسية.

* وكيلك آلله شعب صابته الكابة من وراء السياسيين!

التحليل

 بدءا نشير الى ان حماية الأطفال من مختلف أشكال العنف، تعتبر حقّاً أساسيّاً من حقوقهم كما هو منصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، جاء فيها بالنص: (ان الطفل بسبب عدم نضجه البدني والعقلي يحتاج الى اجراءات وقاية ورعاية خاصة بما في ذلك قانونية مناسبة، قبل الولادة وبعدها)، وحددت مسؤوليات الحكومات في تأمين حقوق الأطفال والعراق احدى تلك الدول الموقعة عليها.

 وللتوثيق، فاننا نشرنا في الصحف العراقية بتاريخ (16 و 24 و30 آب 2020) ثلاث حلقات بعنوان (قانون مناهضة العنف الأسري العراقي) تناولت تعريفا بالقانون وتشخيصا لنقاط الضعف العلمي، ومواصفات الاسرالتي يشيع فيها العنف، وخصائص شخصية مرتكب العنف، ولماذا عارضت احزاب دينية وبرلمانيون تمرير القانون..وتوصيات تخص الأجهزة الرسمية ومنظمات المجتمع المدني. وكعادتها، فان الحكومة والبرلمان لا تأخذ برأي اكاديميين اصحاب اختصاص وخبرة..بل لا تقرأ ما يكتبون.

من يرتكب العنف ضد الأطفال؟

 تفيد الدراسات، وخبرتنا لثلاثة عقود، ان القائم بالعنف ضد الطفل (والزوجة ايضا) كان قد تعرّض في طفولته الى عنف جسدي او نفسي أنشأ لديه الأحساس بـ(الضحية)، وانه حين يتزوج يقوم لا شعوريا بتفريغ الحيف في الأطفال او بزوجته، فيما يأتي آخرون من أسر يعاني فيها الوالدان من اضطرابات نفسية وخلافات وعدم توافق في المعاشرة الزوجية، او من آباء عدوانيين فيقلدونهم، وقد يأتي بعض الأفراد من الرجال بتركيبة سادية.

 وعلميا، حدد الدلیل التدریبي الإرشادي صفات الزوج الممارس للعنف بالآتي:

 سرعة الغضب، تعكر المزاج، شدة الامتعاض، الشعوربخیبة الأمل، عدم الإحساس بالأمان، انخفاض تقدیر الذات، الشعور بعقلیة الخاسر، عدم القدرة على تحمّل المسؤولية، تعاطي المخدرات، وإدمان الخمور.

 وتوصلت الدراسات السيكولوجية العربية والعالمية الى ان الأسر التي يشيع فيها العنف تنفرد بأربع صفات:

التعليم، والفقر، والضغوط، والكحول.فقد تم التأكد ميدانيا بأن العنف ضد الأطفال ينتشر بين الآباء والأمهات الأميين ومنخفضي المستوى التعليمي، وأن الفقر يلعب دورا رئيسا في انتشاره، ووجود علاقة طردية بين العنف الموجه ضد الأطفال والضغوط الأجتماعية المتمثلة بالبطالة.

 وما لا يدركه كثيرون ان العنف الذي يتعرض له الأطفال (على صعيد الأسرة والمدرسة ايضا) يحدث آثارا طويلة الأمد عليهم وعلى المجتمع ايضا. فهم معرضون الى: صعوبات في التعلّم، ضعف الانتباه، اعاقات في الوظائف التنفيذية للدماغ، مثل: الذاكرة العاملة، وضبط النفس، والمرونة المعرفي.. خلل في الصحة العقلية والعاطفية، اكتئاب وقلق يدفع بعضهم الى الأنتحار وتعاطي المخدرات. وتؤكد الدراسات ان الكثير من الأطفال الذين تعرضوا للعنف يكونوا فاشلين في حياتهم الزواجية وغير منتجين اجتماعيا. ولا يقتصر العنف هنا على النوع الجسدي، بل والنفسي ايضا من قبيل النبذ، التمييز في المعاملة، السخرية، والتحقير.

من المسؤول؟

 كلنا مسؤولون لكننا نرى ان نوعية النظام السياسي الحاكم هو المسؤول الأكبر عن شيوع كل الظواهر السلبية في المجتمع.فلقد اثبتت الأحداث في العراق أن احزاب الأسلام السياسي التي تولت السلطة في 2006 الى الآن(2022)، تضاعف في زمن حكمها عدد حالات الطلاق، الأنتحار، المخدرات، والعنف الأسري ضد المرأة والأطفال..وأضف لها (الألحاد) مع انها احزاب وكتل اسلامية!. والسبب في ذلك انها استبدت بالسلطة، وقتلت أطفالا في وثبة تشرين، واستفردت بالثروة وافقرت 13 مليون عراقيا باعتراف وزارة التخطيط، واشاعت العنف وصدمت الناس بتوالي الخيبات..لتوصل الأب المحتقن نفسيا الى حالة قهر يضطره الى ان يفرغه في اطفاله.

توصيات

 مع ان حكومات العراق بعد التغيير لا تكترث بدور علم النفس والطب النفسي وعلم الاجتماع في دراسة هذه الظاهرة واقتراح سبل معالجتها..وعليه فاننا نوصي بالآتي:

- قيام اقسام علم النفس وعلم الاجتماع في الجامعات باجراء دراسات ميدانية تتقصى اسباب العنف ضد المرأة ومؤشراتها الاحصائية، وتواترها وآثارها النفسية على الرجل المعنف والضحية والاطفال.

- قيام وسائل الاعلام بالتوعية العلمية عبر برامج وكتابات يتولاها اختصاصيون بعلم النفس والاجتماع.

- تخصيص اقسام او اجنحة في المؤسسات المعنية بالصحة النفسية، تتولى عملية التأهيل النفسي لمرتكبي العنف ضد الأطفال والمرأة.

- اجراء فحص نفسي من قبل استشاريين بعلم النفس والطب النفسي لكل راغب في الزواج يؤكد سلامته النفسية من الاسباب والعقد التي تدفعه لارتكاب العنف الأسري.

- الأهتمام باشاعة مفهوم النوع الاجتماعي (الجندر) بين شباب وفتيات الألفية الثالثة.

- تضمين قانون مناهضة العنف الأسري نصا" واضحا" بتشديد العقوبة، ومادة صريحة تعدّ القتل بأسم الشرف جريمة قتل عمد مع سبق الاصرار.

- تعديل مفهوم ارتباط الرجولة بالعنف.

- التمييز بين عقاب ناجم عن غضب او عدوان وبين عقاب تأديبي تربوي.

- اقامة دورات تدريبية لرجال الدين لازالة المفاهيم الخاطئة التي تربط العنف بالدين.

- تفعيل دور المرشد التربوي والباحث الاجتماعي في المدارس والمحاكم.

 ونعيد التذكيربأن (قانون مناهضة العنف الأسري) لا يمكن ان تنجح في تطبيقه الأجهزة الأمنية والمحاكم، ولن تكون نتائجه مضمونة الديمومة ما لم تكن هناك استراتيجية توعية تطبّق على مراحل يقوم باعدادها علماء نفس واطباء نفسيون وعلماء اجتماع وتربويون.. من المستقلين سياسيا، لأن السياسة في العراق أفسدت حتى الدين!

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية 

في المثقف اليوم