قضايا

فلسفة نظرية الجذر الحي وشروط النهضة

قاسم خضير عباسإنَّ أهمية العوامل المحلية والذاتية لأي مجتمع، من الخطورة إلغاؤها، لأنّ إلغاءها سيؤدي إلى الاستلاب الحضاري والسقوط الفكري. كما أنَّ التحول التقني والتكنولوجي، الذي تحدث عنه تيار التغرب عندنا طويلاً، ليس هو العامل الوحيد لنهضة المجتمع وتحديثه، بل تسبقه عوامل أخرى حيوية (ذاتية وموضوعية) تقوي البنى التحتية، وتزيد الروابط الاجتماعية والأخلاقية، وتعمق الفكر الأصيل المرتبط بحاضر الأمة وتراثها ومستقبلها.

بمعنى أوضح إحياء جميع العوامل المحلية والذاتية، التي تقود إلى تبني منهج حضاري له فلسفته وفكره ونظرته للحياة والإنسان والكون، بحيث يتم التخطيط وفق تصوراته لخلق تكنولوجية مناسبة كخطوة أولى نحو التحول الصناعي والتقني العالي، الذي سينشأ بإبداع محلي ذاتي بعد الاستفادة من علوم الغرب وتقدمه، وإذابتها في المنهج المطبق، عندها سيحدث التحول المجتمعي الصحيح نحو الرقي والحضارة، متناغماً ومنسجماً مع حركة العوامل التحتية من فكر وثقافة وتراث، فتلك العوامل بلا شك هي قوة المجتمع؛ إذا ارتكزت إلى منهج صحيح يدفع الفرد بقوة للإبداع.

لقد حاولت دول الخليج العربي النفطية إدخال تكنولوجيا متطورة إلى بلدانها، وأحدثت طفرة شكلية في تحديث مدنها، لكنها مع ذلك ظلت عاجزة عن طرح مشاريع حضارية، تنتشل المجتمع من تخلفه وتأثّره الشديد بالغرب.

لهذا فإنَّ المسألة ليست في استيراد تكنولوجيا متطورة وترك المجتمع في تخلفه وجهله، المسألة تكمن في خلق الإنسان الحضاري المتعامل مع تكنولوجيا العصر بوعي وإدراك، وإذابتها في ثنايا وأعماق المنهج العام المطبق.

وهكذا فإنَّ الموضوعية تقتضي ـ قبل البدء بالتحديث ـ العمل على إعادة بناء الإنسان العربي، والانطلاق من ذاته الإسلامية، وتأريخه المشرق بحيث يكون له صلة بحاضر يستلهم تطور العصر وتقدمه، وصلة أخرى (ديناميكية) نشطة وغير جامدة بالتراث والأصالة، على شرط أن يكون استلهام تقدم الحاضر وتطوره وفق أسس صحيحة، لا تؤدي إلى الاستلاب الحضاري والفكري، بل إذابة الوافد الأجنبي في منهج ينبت في أعماقنا، ويحيا في نفوسنا.

وقد نقل الفلاسفة المسلمون سابقاً من الحضارات الأخرى، لكنهم تعاملوا مع العلوم الأجنبية بصورة جعلتها تنصهر في المنهج الإسلامي، بحيث لم تعد علوماً أجنبية بل علوماً إسلامية تتساير وتنسجم مع المبادئ التي آمن بها المسلمون.

هذه التأملات الفلسفية المعمقة في الفكر وشروط النهضة، دعتني للبحث ولسنوات طويلة في نظرية الجذر الحي، فإيماني بهذه النظرية يرجع إلى مبدأ أساس هو: (خصوصية كل أمة وظروفها وواقعها المحلي)، فأيّ تعارض مع هذا المبدأ سيؤدي إلى إعاقات وأزمات.

ومن عبقرية الإسلام أنه عندما انطلق نحو الشعوب الأخرى لم يلغ خصوصيتها الذاتية، بل أكد عليها، خصوصاً في موضوع العرف، على أن لا يتناقض مع المبادئ الإسلامية، التي تريد أن توجه الإنسان بوعي لاستغلال العلاقة بين الأرض والسماء دون أي تراكمات سلبية.

***

د. قاسم خضير عباس

كاتب سياسي وخبير القانون الجنائي الدولي والوطني

 

في المثقف اليوم