قضايا

كيف تأججت حروب الجيل الرابع علي الأراضي الأوكرانية؟

محمود محمد عليعزيزي القاري الكريم هل تتذكر حروب الجيل الرابع التي صدرت علم 1989 والتي أشعلتها الولايات المتحدة بمساعدة بعض الدول الغربية، كانت تمثل ناتجاً طبيعياً لظروف استراتيجية وفرتها الثورة العلمية في الاتصالات والمعلومات والتقدم في أدوات إدارة العلاقات الدولية، ومتطلبات الحد من التدخل العسكري المباشر، حتي لا تتعرض القوات المسلحة لهذه الدول لخسائر مادية، أو بشرية، أو عسكرية، فهي إذن حرب وسائل أخري تسمح بتحقيق الأهداف الاستراتيجية والعسكرية بأقل قدر من التكلفة والخسائر، إنها حرب تدار علي الدولة المستهدفة في كل المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية، والثقافية، والعسكرية، والأمنية، فهي لا تقتصر علي المسرح التقليدي للحرب بأبعاده البرية، والبحرية، والجوية.

كما أن حروب الجيل الرابع تختلف بصورة جذرية عن الجيل المعروف للحروب، سواء من حيث الهدف منها، أو أدوات تنفيذها أو طرق إدارتها؛ إذ كانت الجيوش تقود الحرب بصورة مباشرة وفق أهداف سياسية ، فإن في حرب الجيل الرابع يتراجع دور القوات المسلحة، ليحل مكانه قوات أخري تستطيع إدارة مثل هذه الحروب عن بعد ، إنها حرب بالوكالة وبالقيادة من خلف الكواليس تعمل علي إسقاط الدولة المستهدفة دون حاجة إلي التدخل العسكري الخارجي المباشر.

كما أن حروب الجيل الرابع تمثل حالة من الحرب تمتاز بدمويتها وطول مدتها وتعدد جبهاتها، ويصعب فيها التفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين، والجندي، والمدني، والسياسي، علاوة علي أن تلك الحروب تقوم علي إرغام العدو على تنفيذ إرادتك – أي حرب بالإكراه، والإكراه يقوم على مصادرة إرادة الخصم بغض النظر عن الوسائل، والأساليب، والأدوات المستخدمة في الوصول إلى هذه النتيجة، لذلك يمكن الوصول إليها دون حاجة إلى استخدام جيوش وأسلحة وقوات كبيرة؛ بمعنى أنه يمكن الوصول إليها دون اللجوء إلى استخدام النيران والسلاح.

ولو نظرنا للحروب الروسية – الأوكرانية نجد أن  الولايات المتحدة كما يقول الدكتور سمير فرج تستخدم فيها الحرب بالوكالة،  وذلك حين أعلن الرئيس الأمريكي بايدن تدعيم أوكرانيا بمبلغ 40 مليار دولار مفاجأة للجميع، وفى نفس التوقيت قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بتفعيل آلية رمزية تعود للحرب العالمية الثانية، وهى قانون ليندليز الذى تبناه الرئيس الأسبق فرانكلين روزفلت عام 1941، بهدف مساعدة أوروبا في مقاومة هتلر، ويعطى الرئيس الأمريكي صلاحيات موسعة لدعم جهود الحرب في أوروبا، علاوة على الدعم العسكري الأمريكي الكبير لأوكرانيا مثل: 1400 منظومة ستينجر، و7 آلاف منظومة جافلين مضادة للدروع، ومئات من أنظمة الطائرات الدرونز، وسبعة آلاف أسلحة صغيرة، وأربعة رادارات ومركبات مدرعة متعددة الأغراض، وأجهزة رؤية ليلية، و45 ألف خوذة وواقٍ.

والأكثر من ذلك أن الولايات المتحدة تقدم تحليلات لهذه المعلومات، بمعنى معلومة عن وجود كتيبة مدرعات روسية في ذلك المكان، ونوعية هذه الدبابات، ثم تقدم للجانب الأوكراني احتمالات عملها، والتوقيت المنتظر، وهذه المعلومات كما يقول الدكتور سمير فرج مهمة للغاية لأنها كلما كانت المعلومات صحيحة كان القرار صحيحا.. ولعل ما تم ذكره من أن الولايات المتحدة قدمت لأوكرانيا معلومات عن الطراد الروسي موسكوفا الذى دمرته أوكرانيا كان أبسط دليل على ذلك، رغم محاولة أمريكا نفى ذلك الخبر، لكن من المؤكد أن هناك معلومات كثيرة ذات قيمة كبيرة من الدقة والتحليل تقدمها أمريكا إلى أوكرانيا في مجال إدارة القتال.

كذلك بدراسة نوعية الأسلحة التي تقدمها أمريكا إلى أوكرانيا، نجد أنها كما يقول الدكتور سمير فرج أسلحة دفاعية يكون الهدف منها إطالة زمن الحرب، ولم نر قيام أمريكا مثلا بإمداد أوكرانيا بطائرات مقاتلة مثل ميج 29 من الدول التي تمتلك هذا النوع من الطائرات، أو وسائل دفاع جوى ضد الصواريخ الباليستية الروسية التي تحدث خسائر كبيرة في القوات الأوكرانية كل يوم..

لذلك يأتي هذا المفهوم الأمريكي من إمداد أوكرانيا بأسلحة دفاعية فقط كما يقول الدكتور سمير فرج هو إطالة زمن الحرب، وكلما زاد زمن الحرب تحملت روسيا أعباء اقتصادية كبيرة، وهذا هو هدف أمريكا إضعاف العدو الرئيسي لها روسيا اقتصاديا، وبعدها يحدث التذمر فى الشارع الروسي ضد رئيسه بوتين بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، كذلك كلما زادت مدة الحرب زاد حجم التدمير في المدن الأوكرانية، ومن ثم يزيد حجم الكره من الشعب الأوكراني لروسيا.

وفى الاتجاه الآخر، تعمل الولايات المتحدة بقوة على حرمان روسيا كما يقول الدكتور سمير فرج من أهم إنتاجها ومصدر رئيسي لدخلها القومي وهو الغاز الطبيعي، لذلك تشجع كافة الدول الأوروبية التي تعتمد على الغاز الطبيعي الروسي حيث تحصل أوروبا على 40% من غاز روسيا.. كل ذلك بهدف إضعاف الاقتصاد الروسي؛ ومن ثم تتوقف روسيا عن تطوير أسلحتها ومعداتها العسكرية، خاصة أن روسيا فاجأت الجميع في هذه الحرب بأنواع جديدة من الصواريخ الباليستية وفوق الصوتية ذات الدقة العالية للغاية، وكانت مفاجأة لكل الباحثين، حيث قدمت روسيا في هذه الحرب أفكارًا عسكرية جديدة، وهى التركيز على الضربات الصاروخية بدلا من الاعتماد الرئيسي على الضربات الجوية، الأمر الذى كان سائدًا من قبل في الفكر العسكري في العالم.

وعلى الطرف الآخر، فإن بوتين أخذ يتفهم جيدا بأن هدف أمريكا هو إطالة زمن الحرب وذلك لاستنزاف الاقتصاد الروسي، لذلك فهو يعمل حاليا كما يقول الدكتور سمير فرج على سرعة الاستيلاء على إقليم دونباس، والاستيلاء على ميناء أوديسا.. بذلك يكون قد حرم أوكرانيا من موانئها على بحر آزوف والبحر الأسود، وهى ضربة قوية للغاية، بعدها من المنتظر لبوتين أن يوقف القتال ويبدأ في التفاوض مع أوكرانيا وهو في موقف قوى للغاية، حيث تكون مطالب بوتين الخمسة هي: (ضمان حياد أوكرانيا، وثانيًا تعهد أوكرانيا بعدم الانضمام إلى حلف الناتو وأي حلف عسكري مع الغرب، وثالثًا عدم امتلاك أوكرانيا السلاح النووي، ورابعًا اعتراف أوكرانيا بحق روسيا في شبه جزيرة القرم، وخامسًا اعتراف أوكرانيا باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين دونيتسك ولوغانسك).. هذه الشروط الخمسة لبوتين حيث سيطالب الرئيس الأوكراني بأن يوقع عليها.

وهنا أود أن أتساءل هذا السؤال: هل هناك بصيص من الأمل أن تنتهى هذه الحرب؟، وإن كان هناك أمل.. فمتى سيتوقف القتال؟،

فبالنسبة لتحقيق الأهداف حتى الآن نجد أن روسيا كما يقول الدكتور سمير فرج حققت هدفها الرئيسي منذ بدء القتال، وهو تدمير البنية الأساسية للقوات المسلحة الأوكرانية، وأصبحت الآن سماء أوكرانيا مباحة تمامًا أمام القوات الروسية، مما دعا الرئيس الأوكراني إلى أن يطلب من الناتو التدخل بفرض حظر جوى على أوكرانيا، الأمر الذى رفضته أمريكا والناتو لأنه يعنى الدخول في حالة حرب مباشرة مع روسيا، وهو ما أعلناه منذ البداية بأنه لا تدخل عسكري ضد روسيا.

وعلى المستوى العسكري، فشلت روسيا كما يقول الدكتور سمير فرج في اقتحام العاصمة الأوكرانية كييف، بعد أن انسحب الجيش الأوكراني من الأماكن المفتوحة وتحصن داخل المدن، وأهمها كييف العاصمة، وأجبر الجيش الروسي على الدخول في حرب قتال المدن، وهو أصعب أنواع القتال لأى جيش نظامي. ولا شك أن وصول الدعم العسكري من أمريكا بصواريخ جافلين المضادة للدبابات وستينجر المضادة للطائرات ساعد المقاتلين الأوكرانيين على صد هجمات الجيش الروسي ومنعه من دخول كييف.

لذلك بدأت روسيا في اتباع سياستها المعهودة كما يقول الدكتور سمير فرج بعدم فتح جبهتين استراتيجيتين في وقت واحد، فبدأت فى إعادة التمركز وسحب جزء من قواتها من منطقة كييف وتشيرنوبل والتركيز على الجبهة الشرقية في أوكرانيا في اتجاه بحر أزوف والبحر الأسود، حيث نجحت في الاستيلاء على مدينة خيرسون، وحاليًا تقاتل القوات الروسية ومعها دعم قوات الشيشان حوالى 1000 مقاتل للاستيلاء على مدينة ماريوبول، حيث نجحت فى الوصول إلى قلب المدينة وبنجاح، وبذلك تكون قد حققت الاستيلاء على اتجاه دونباس، حيث جمهوريتى لوغانسك ودونيتسك المنفصلتين عن أوكرانيا. وبعدها تتوجه القوات الروسية للاستيلاء على أوديسا، وهنا تحرم روسيا دولة أوكرانيا من بحر أزوف والبحر الأسود، وسوف تكون ضربة استراتيجية كبيرة ضد أوكرانيا تعطى روسيا قوة كبيرة عند الجلوس على مائدة المفاوضات.

وعندما نتناول الإجابة عن السؤال الثاني عن الأمل في انتهاء تلك الحرب قريبًا، يري الدكتور سمير فرج أن روسيا تعمل على سرعة تحقيق انتصارات على الأرض، خاصة في منطقة دونباس، بعدها تبدأ في المفاوضات المباشرة الجادة مع أوكرانيا، حيث إن التوقيت الذى وضعته روسيا لإنهاء هذه الحرب هو ثلاثة شهور، أي تنتهى في آخر شهر مايو الحالي، وإلا فستبدأ العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا في التأثير المباشر عليها.

***

أ.د. محمود محمد علي

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

.......................

المراجع:

1- سمير فرج: هل تحولت الحرب الروسية الأوكرانية إلى حرب بالوكالة؟ ، العدد 6541،

2- سمير فرج: روسيا وأوكرانيا والشهر الثانى من الحرب!، العدد 6509، الإثنين 11-04-2022 00:38

3- سمير فرج: 4 أسئلة مشروعة حول الحرب الروسية الأوكرانية، العدد 6518، الأربعاء 20-04-2022 04:17

في المثقف اليوم