قضايا

هل تجلب زيادة الوعي والمعرفة مزيداً من السعادة أم الشقاء؟

سجاد علي جوادلا شك أن هذا السؤال من الأسئلة المحيرة إذ إن جوابه نسبي فقد غنى كل مفكر فيه على ليلاه ونهل من نهر تجربته وانطلاقاً من فلسفته وتصوره للعالم فمثلاً يقول أبو الطيب المتنبي

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

‏ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.

‏‏كذلك كان رأي الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي في هذا الموضوع على لسان بطل رواية مذكرات من العالم السفلي إذ قال "إن الإفراط في الوعي مرض بل إن كل وعي مرض" إذ كان دوستويفسكي وانطلاقاً من فلسفته المتشائمة يرى أن الكنه الحقيقي للعالم قاتم وسوداوي وإن السبيل لتجنب شقائه هو المرور عليه مر السحاب دون التمعن فيه والإفراط في البحث عن معناه لأنه سوف يصدم بالواقع المر، وعلى نفس اللحن عزف الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه حين قال "أتراك تريد حياة سهلة؟ فابق إذن قريباً من القطيع" لقد رأى نيتشه من خلال تجربته أن الإفراط في التفكير ينبه صاحبه إلى العمى الجماعي الذي يسير فيه الأفراد من حوله وهذا ما يؤدي بالتالي إلى فصل هذا المفكر عن الجماعة سواء كان بنفيهم إياه لعدم قدرتهم على تقبل الاختلاف أو بانعزاله الإرادي عنهم حين يرى البون الشاسع بينه وبينهم ولعل هذا ما كان يقصده الناس في أمثالهم المتداولة بأن من يقرأ كثيراً يجن.

‏وفي الجهة الأخرى يقف المتفائلون الذين يرون أن جوهر العالم عادل وجميل وانطلاقاً من هذه المقدمة كانوا يرون أن المعرفة هي النور الذي بزيادته تزداد السعادة فمثلاً كان ابن الهيثم يرى أن للسعادة شكلين واحدة تأتي بعد الألم وأخرى تأتي بلا ألم فأما التي تأتي بعد الألم فقد قصد بها السعادة الحسية وهذا الشكل من السعادة مؤقت فالحاجات الحسية متجددة إذ سرعان ما تتحول السعادة إلى ألم مرة أخرى أما السعادة التي تأتي دون ألم فهي التي لا تطلب لإسكات ألم ولا تتبع بألم وهي استحصل الحكمة التي رأى ابن الهيثم إنها السعادة الحقيقية المستمرة والمثمرة.

‏وللأديب اللبناني جبران خليل جبران رأي في هذا الموضوع أيضاً ففي روايته " أجنحة متكسرة " قال على لسان بطلها

"يقولون إن الغباوة مهد الخلو والخلو مرقد الراحة، وقد يكون ذلك صحيحا عند الذين يولدون أمواتًا ويعيشون كالأجساد الهامدة الباردة فوق التراب. ولكن إذا كانت َّ الغباوة العمياء قاطنة في جوار العواطف المستيقظة تكون الغباوة أقسى من الهاوية وأمر من الموت. والصبي الحساس الذي يشعر كثيراً ويعرف قليلا هو أتعس المخلوقات أمام وجه الشمس ".

إن المنطلق الرئيسي للإجابة عن هذا السؤال ينبع من فلسفة المجيب عنه فإن كان يرى الوجود بنظره سوداوية وعبثية فإنه سوف يقول عن الوعي بأنه هو منبع الشقاء وإن كانت متفائلة فإنه سوف يرى زيادة الوعي زيادة في السعادة، وأيضاً مما يحدد ما إذا كانت تلك المعرفة هي نوعية المعلومات المستقاة إذ إن بعض المعلومات تسر من يسمعها فتكون المعرفة هنا مصدر سعادة غير أن أموراً أخرى أن تبدى لنا تكدر صفونا وأن جهلنا فيها يمثل راحة لو كنا نعرفها لما استبدلناها ولو بالحقيقة التي قد تكون آخر ما نود سماعه.

3770 سجاد علي

سجاد علي – كاتب عراقي

في المثقف اليوم