قضايا

هل المُعْجِزَةُ خَرْقٌ لقوانينِ الكونِ؟

هناك محاولاتٌ لتجريدِ الدين من عنصر الغيب، الذي هو جزءٌ لايتجزأُ من الدين. وهذهِ المُحاوَلاتُ تسعى الى تقديمِ دينٍ عقلاني- حسب تعبيرهم، خالٍ من الغيب واي عنصر من عناصر الميتافيزيقا وبما أَنَّ المعجزةَ يتجلى فيها البعدُ الغيبيُّ بشكلٍ كبيرٍ، عمدوا الى انكارها.

 ونحن في هذا المقال، نحاولُ أَنْ نتعرَفَ على المُعجِزَةِ، هل هي خرقٌ لقانونٍ طبيعيٍّ؟ أَم هي خَرقٌ للعادةِ؟ ام هي لاهذا ولاذاك، وانما هي قانونٌ آخر موازياً للقوانين الاخرى لامتقاطعاً معها ولاخارقاً لها.

 الذين يدعون الى دينٍ طبيعي يحذفون المعجزة من دينهم، ويرونها فكرة خرافية لاواقع لها. والسؤال الذي نطرحه هو: هل ان هذه المعجزات التي تحدثت عنها الكتب السماوية هل لها اثبات تاريخي؟ وهل وقعت فعلاً؟ وهل هناك شهودُ عيانٍ يشهدون بوقوعها؟ أَم انها لاواقعَ لها وانما نسجها الخيال؟

 لو ثبتت هذه المعجزات بالادلة التاريخية، وانها وقعت فعلاً، فلايمكن وصفها بالخرافة ؛ لان الخرافةَ لاوقوعَ ولاتحقق لها في الخارج، الخرافة ولدتها خيالاتٌ واوهامٌ.

 هناك تفسيراتٌ للمعجزات منها:

1- المعجزةُ خَرقٌ للقانون: فالنار تحرقُ، الاحراقُ قانونٌ، ولكنَّ اللهَ تعالى اَبطلَ قانون الاحراق وعطَّلَهُ بالنسبة لخليله ابراهيم (ع). والحقيقة أَنَّ قانونَ الاحراق لم يُعَطَّل ؛ لان الروايات تتحدث، عن ان الطيور التي تمر من فوق النار تسقط من شدة الحرارة. اذن قانون الاحراق لم يخرق بل ظلَّ كما هو. وانما الله تدخل لحفظ خليله ابراهيم بقانون آخر لحمايته من قانون الاحراق وهو قانون موازٍ لقانون الاحراق وليس خارقاً له. (وقلنا يانار كوني برداً وسلاماً على ابراهيم). قانون السلامة عمل لصيانة ابراهيم من الحرق. ابراهيم عليه السلام البسه الله قميصاً، كان هذا القميص واقياً لابراهيم عليه السلام من الحرق. مثل الستر الواقية التي تحمي من الرصاص. وهذا القميص ورثه اسحاق ويعقوب ووصل الى يوسف عليه السلام الذي ارسله الى ابيه الذي فقد بصره فارتد بصيراً.

2- المعجزة خرقٌ للعادة: وهذا التفسير يرى ان المعجزة خرقٌ للعادة لاخرقٌ للقانون، فالجسم يسقط الى الارض حسب قانون الجاذبية، ولكننا نرى الطائرة بركابها وحمولتها الثقيلة ترتفع في الجو. عادةً ان الجسم يسقط الى الارض، اما كيف ترتفع الطائرة ولاتسقط فهذا خرقٌ لهذه العادة التي اعتدنا عليها.

3- المعجزة قانون اخر: المعجزة ليست خرقاً للقانون الطبيعي ولاخرقاً للعادة وانما هي قانونٌ آخر يسير بموازاة القوانين الاخرى ويعمل عمله دون ان يخرق قانوناً آخرَ أَو يعطلهُ. الله اسرى برسوله من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى، وهذه المعجزة ليست حدثت اعتباطاً وبلاقانون وانما يحكمها قانونٌ. اذا كان الاسراء استغرق ليلةً واحدةً، فنحنُ اليوم نفهم هذه المعجزة. الطائرة اليوم تقطع هذه المسافة من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى بساعة واحدة آواكثر قليلاً. واقتراح العفريت من الجن ان ينقل الى سليمان عرش بلقيس من اليمن الى فلسطين قبل ان يقوم النبي سليمان من مقامه. اما الذي عنده علمٌ من الكتاب، اي ان العملية الاعجازية تقوم على علمٍ لاعلى تخرصات وظنون. الذي عنده علم من الكتاب قال: (انا اتيك به قبل ان يرتد اليك طرفك). وماقام به الخضر عليه السلام من خوارق، كان مستنداً الى علمِ. يقول الله تعالى:

(فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا ). الكهف: الاية:(65)

فالمشكلَةُ لاتكمنُ في المعجزة، وانما في فهمها وتفسيرها. فليست المعجزةُ خرافةً ولاخيالاً علمياً وانما هي علمٌ. هي قانونٌ آخر يعمل بموازاة القوانين الاخرى منسجماً معها لاخارقاً لها ومنتهكاً لها كما يدعي ديفيد هيوم.

 نعم، الله يتدخل لانه وجودٌ مختار، والتدخل لايعني الخرق، فالانسانُ الجالس تحت شجرةٍ وسقطت من الشجرة تفاحةٌ ومد يده لتناولها، هذا لايسمى خرقاً لقانون الجاذبية وانما هو تدخل، والتدخل لايبطل القانون. فتلخص مما مر، ان المعجزةَ ليست خرقاً لقوانين الكون ونظمه وانما هي قانون آخر يعمل بموازاة القوانين الكونية.

***

زعيم الخيرالله

في المثقف اليوم