قضايا

قراءة في المعطى المعرفي للدكتور علي المؤمن

امجد الفاضليتخذ المفكرون وحملة الأقلام مناهج فكرية متعددة كل بحسب ما يرى، وتحتل الموضوعات الإنسانية المرتبة الأولى من حيث اتساع مساحة الاشتعال ومن حيث تعقيد القضايا وتشعبها، ومن حيث صعوباتها الإجرائية، كون الإنسان يمثل هدفاً متحركاً حياً تصعب السيطرة المختبرية عليه، كما هو واضح، وحين يتعلق الأمر بالفكر الإسلامي يصبح أكثر تعقيداً لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها في هذه العجالة.

إن غلبة التنظير على الفكر المطروح إسلامياً على الساحة العالمية، جعل النظر فيه أقرب إلى المشكلة المضافة من الحل المنشود، لابتعاد الأفق التنظيري عن معطيات الواقع ورؤاه العملية، وغياب المقاربات المعرفية ذات الأصول الواقعية النابعة من رحم المجتمع وأرض الواقع وبؤرة معاناة الإنسان.

وفي خصوص التجربة العراقية الإسلامية؛ هناك سمات محددة تتطلب كتّاباً ومفكرين من طراز خاص، قد واكبوا الحراك المجتمعي ثقافياً وسياسياً واقتصادياً ومعرفياً وغير ذلك. وقد شاهدنا عدداً ممن طرحوا أسماءهم في الساحة منظرين سياسيين واقتصاديين وإداريين ومختصين في البحث العلمي، ولكل منهم إنجازاته واخفاقاته بطبيعة الحال البشرية. ولكن ما لفت نظري - باعتبار تخصصي في المناهج النقدية والفكر الإسلامي- وجود كاتب ومفكر ينطلق من الأصل الوجودي، وهو الإنسان، ليلاحق سماته المجتمعية وحركته الموجية عبر المعطى الحضاري، عمودياً مرة، وعبر الحراك البيني الأفقي مرة أخرى. فعلى الرغم من أهمية الجوانب الاقتصادية والسياسية والإدارية، ألّا أن الجانب الاجتماعي ببعده المعرفي يبقى هو الأساس عند الدكتور علي المؤمن.

إن تصدي الكتاب والمفكرين للقضايا، يمثل وعيهم بسلم الاولويات، فهناك من يقدم الاقتصاد على غيره وهناك من يقدم السياسة وهناك وهناك، إلّا أن الحقيقة التي تفرض نفسها، وقد تسلح بها الدكتور المؤمن، هي أن الإنسان يتقدم على ما دونه من قضايا، سواء في بعده الفردي أو الجمعي، مع محاولة الموازنة بين الفرد والجماعة، ولكن في البدء كان الإنسان، وهذا ما يشجع على توقع صحة المعطيات عند هذا الكاتب الفذ.

منذ مدة ليست بالقصيرة وأنا اقرأ لهذا الكاتب النبيه، وألاحق أفكاره.. أعيدها -كعادتي حين أقرأ - الى أصولها الفلسفية، متتبعا أنساغها ومورثاتها، حتى أوائل أهل الفكر وآبائه، فوجدت أن له مزايا أجمل ما أجمله منها كما يأتي، عسى أن تتاح لي فرصة الحديث المفصل عن الكاتب وعن نتاجه الفكري في مناسبة أخرى:

1- يتخذ الدكتور علي المؤمن من الإنسان غاية ووسيلة فيما يكتب، لذلك فهو يحاول أن لا يحمِّل الإنسان مسؤولية كل شيء من دون أن يكسب شيئاً، كما هو شأن الفلسفات والأفكار المتشائمة والانهزامية التي لا تلد ألّا اليأس والاحباط وانهدام البناء الوجودي للإنسان.

2- ينطلق من حيثيات المجتمع الذي يحاول معالجة مشاكله، ولا يفرض مسبقات فكرية يقحمها في الموضوع، ربما تكون مشكلة مضافة فيما لو طبقت فعلاً.

3- يحاول المقاربة المعرفية في الإفادة من التجارب المغايرة، دون المقاربات السياسية السطحية الفاشلة، كما نجد في كتاباته عن الديمقراطية ومحاولة التأصيل الإسلامي.

4- يعتمد مجسّاته الخاصة في تحسس الواقع وملامسته عن قرب، لتكون المعلومات المتاحة للتحليل أقرب إلى الصدق، مما يظهر النتائج ذات أهمية معينة.

5- إن تواضع الرجل وحضوره الثقافي، قد رسّخ قبوله بالرأي الآخر وإبداء الملاحظات على آرائه، ونجد له تعديلات مهمة على آرائه تبعاً لذلك، وهذا يحسب له، ويمثل حالة من الوعي مطلوبة للمفكرين وحملة الأقلام في هذه الأمة المعطاء.

6- إن هذه الملاحظة الأخيرة تشجعني للطلب منه التركيز على الجانب المعرفي للإنسان وعلاقته ببناء مؤسسات الدولة، فإن تجاهل هذا الحقل المسكوت عنه يعد أحد أسباب فشل تلك المؤسسات في وقتنا المعاصر، والدكتور المؤمن يمتلك القدرة على تفعيله.

7- وأضيف أفقاً آخر لمقترحي هو علم المستقبليات في أفق المأسسة المعرفية للعلاقة بين المجتمع والسلطة

أعتقد جازماً أن الدكتور المؤمن يستحق التكريم، ولعل أفضل تكريم له أن يعطى فرصة إنشاء فريق عمل للدراسات، لتطبيق أفكاره، بتمويل حكومي مناسب، مع الحرية المطلوبة لكتابة القضايا المعرفية المهمة للدولة العراقية وارتباطها بمأسسة المجتمع على أسس حضارية متينة. وكم هو مشرق الصباح الذي يكرم فيه مبدع عراقي في حضور مهم للنخب الفكرية والثقافية والأكاديمية، فإن هذا بحد ذاته يعد انتصاراً للإنسان على أهم مشكلة من  مشكلات العصر، وهي الخوف على المثقف النخبوي من الانسحاق تحت عجلة الهامشي والطارئ واليومي، فإن ذلك بات  من أخطر الأعراض الجانبية للفوضى (النفّاقة) التي يعيشها عالمنا اليوم.

***

أ. د. أمجد الفاضل

أستاذ المناهج النقدية والفكر الإسلامي بجامعة كربلاء

 

في المثقف اليوم