قضايا

بين الضحية والجلاد

درصاف بندحر

أن يتعاطف الإنسان مع من يسيئ إليه حالة نفسية تسمى «متلازمة ستوكهولم» . سميت هذه المتلازمة بهذا الإسم نسبة إلى حادثة جدت في ستوكهولم حيث سطا مجموعة من اللصوص على بنك كريديت بانكين Kreditbanken في عام 1973 بالسويد.  اتخذ اللصوص بعضاً من موظفي البنك رهائن لمدة ستة أيام.

خلال فترة الارتهان  بدأ الرهائن يرتبطون عاطفياً مع الجناة. بعد تحريرهم، قاموا جمع المال لتعيين محامي  للدفاع عن المعتدين لإطلاق سراحهم.

مصطلح متلازمة ستوكهولم لم يحظ بانتشار واسع إلا بعد حادثة اختطاف "باتريشيا هيرست"، حفيدة رجل الأعمال وامبراطور الصحافة الصفراء  الأمريكي "ويليام راندولف هيرست".

خطفت الحفيدة على يد جماعة ثورية مسلحة، تطلق على نفسها "جيش التحرير السيمبيوني" (Symbionese Liberation Army) عام 1974.

بعد أن احتجز أفراد الجماعة باتريشيا وطلبوا فدية قدرها ملايين الدولارات للتبرع بالطعام للفقراء، انضمت الرهينة إلى صفوف المختطفين، ولم تكد تمضي أيام حتى شوهدت تحمل سلاحا أثناء عملية سرقة بنك، وتلقي أوامر على رواد البنك وتحمي أعضاء الجماعة.

فماهو تفسير علم النفس من رؤية "الجانب الجيد" للفرد المسيء إلى درجة التعاطف معه؟

يعتقد علماء النفس الذين درسوا المتلازمة أن الرابطة تنشأ في البداية عندما يهدد الخاطف حياة الرهينة لكنه يختار عدم قتلها، ويتم تحول ارتياح الرهينة عند انتهاء التهديد بالقتل إلى مشاعر الامتنان تجاه الخاطف لأنه منحها فرصة البقاء على قيد الحياة.

قام أخصائيو علم النفس بتوسيع تعريف متلازمة ستوكهولم ليشمل أي علاقة جاء ⁹يرتبط فيها ضحايا سوء المعاملة ارتباطًا قويًا بمرتكبي الانتهاكات كأسرى الحرب، والأطفال الذين تعرضوا للإيذاء، والناجون من سفاح القربى، وضحايا العنف المنزلي.

ليس من الواضح تمامًا سبب حدوث متلازمة ستوكهولم، لكن يعتقد خبراء الصحة العقلية أنها استراتيجية وقائية، وطريقة يتعامل بها ضحايا الاعتداء العاطفي والجسدي كشكل من أشكال البقاء، ومواجهة الصدمة في التعاطي مع الموقف المسبب لها.

في علاقتنا بالآخرين يمكن لأي واحد منا إنشاء هذه الروابط كطريقة للتعامل مع ما يتعرض له من مواقف متطرفة ومؤذية.

قد يلجأ الواحد منا إلى التكيف مع شخص مسيء  من أجل الحاجة إلى الاستمرار في العلاقة برغم الأذية.

في  محاولة التكيف مع ردود الأفعال المسيئة نحن  نطور  سمات نفسية ترضي هؤلاء الأفراد المسيئين كالتبعية، والامتثال للأوامر.

إن التصرف بهذه الطريقة يعد حل من لا حل له.

قد يلجأ البعض المصابون بهذه المتلازمة إلى إيجاد تفسير لتبرير سلوك المسيئين كأن يذهب الضحايا إلى أن أساس فعلهم المسيء يعود إلى معاناتهم أثناء  طفولتهم ومن ثم التعاطف معه.

أن ترنو إلى العالم بعيني من يؤذيك كما يفعل المصاب بمتلازمة ستوكهولم هو في الأصل  أن تنظر إلى نفسك نظرة دونية..تتجاهل ألمك .. لا تشفق على ذاتك.

إن الصفح الذي يشجع على الانتهاكات لا يحمل في طياته ميزة إنسانية إيجابية بل هو يشجع المسيئين على التمادي في إساءتهم.

الصفح الذي يشجع على الانتهاكات هو ذلك العفو المتكرر على إساءات متكررة.

أن ترى المسيء على حقيقته وتكيف فعله المؤذي تكييفا صحيحا لا يعني بالضرورة أن لا تسامحه. لا يعني العفو هنا أن تمحو ما بدر منه من إساءة وأن يصبح بعد إيذائه لك خليلا صفيا.

التسامح يعني اتخاذ قرار بالتغاضي عن الشعور بالاستياء والتخلي عن الأفكار الانتقامية.صحيح أن الفعل الذي سبب لك الشعور بالجرح أو الإهانة ربما يرافقك طوال الوقت ويرهقك. إن العفو من الممكن أن يقلل من سيطرة ذلك الشعور على نفسك ويساعدك على التحرر من القيود النفسية التي يفرضها التألم من تصرف الشخص الذي أساء إليك.

صحيح أن التسامح من شيم النفوس الكريمة  وأن الكاظمين الغيض والعافين عن الناس يعدون من المحسنين، لكن أن تغفر للمؤذي لا يعني أن تبرئه مما اقترفه في حقك.

حري بك أن تتعامل مع من يؤذيك كمن قطع ذراعيك تستطيع مسامحته ولكن لا يمكنك  أبدا عناقه.

***

درصاف بندحر - تونس

 

 

 

في المثقف اليوم