قضايا

الإسلامية بديلاً عن الشيوعية في الصراع بين الشرق والغرب

قاسم خضير عباسحاولت الولايات المتحدة الأميركية استغلال مقولة ظاهرة الإرهاب التي أوجدتها، والمدانة من قِبَل المسلمين لأنها لا تتفق مع مبادئ القرآن، وذلك لإدامة الصراع الحضاري بين الشرق والغرب الذي تكلم عنه (صموئيل هنتاغتون) في كتابه (صراع الحضارات)، وجعل الإسلامية بديلاً عن الشيوعية بعد انحلال الاتحاد السوفيتي وشطبه من الخارطة السياسية. والسبب هو دعم الصهيونية على حساب مصالح الشعب الفلسطيني المشروعة، والكيل بمكيالين في العلاقات الدولية، وحماية المصالح الاستراتيجية الخارجية لواشنطن دون أية التفاتة لتطلعات ومصالح الشعوب، التي يكفلها القانون الدولي العام والقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان.

من جانب آخر ذكر بعض المحللين السياسيين الأميركيين أنَّ كل ذلك جاء نتيجة لتخوفات (فرانك فوكوياما)، وهو مفكر أميركي من أصل ياباني نشر آراءه في مجلة يمينية متطرفة تدعى (الصالح القومي)، ووصف انتهاء الصراع الإيديولوجي بين الشرق والغرب بأنه: (أمر محزن للغاية)، لأنَّ التاريخ بفعل انهيار الاتحاد السوفيتي قد وصل إلى نهايته وحلت التناقضات، التي شغلت فكر البشرية قبل انتهاء الحرب الباردة.

وبنفس السياق اعتبر (اليهود الأمريكان) أنَّ انتهاء عصر (التوازنات الدولية) السابقة خسارة جسيمة (لإسرائيل)، لأنها كانت الأكثر استفادة بفعل صراعاتها مع العرب.

ولذا فلقد حاول (اليهود الأمريكان) من جانبهم استغلال الموضوع وإقناع واشنطن بفكرة (اعتبار الإسلامية بديلاً عن الشيوعية)، لإدامة (النضال من أجل إثبات الهوية)، إذا جاز لنا استخدام تعبير (فوكوياما).

إنَّ فكرة (اعتبار الإسلامية بديلاً عن الشيوعية) لها صدى قوياً يداعب مشاعر بعض الساسة الأميركيين، الذين نشروا أفكارهم في صحيفة (الفوروارد) اليهودية المتزمتة التي أعلنت مراراً عن عدائها للإسلام، وأكدت مراراً على ضرورة ربط الصراع الحضاري معه كبديل عن سقوط الاتحاد السوفيتي.

ومن المعروف أنَّ السياسة الخارجية للولايات المتحدة قد ألبست لباس الدين في محاربة الإسلام، وهذه المسألة ليست جديدة في متبنيات البيت الأبيض بل دعا إليها الرؤساء الاميركيون منذ فترة طويلة. لقد كان واضحاً وصريحاً (ارثر شليزنغر) مستشار الرئيس الأميركي الأسبق (جون كيندي) عند عرضه لسياسة الولايات المتحدة حيث قال إنَّ هذا مسار: (صادر عن افتراض مؤداه، أننا نحن الأميركيون رسل الله الذين مسحهم بالزيت المقدس وكلفهم أن يكونوا حراساً على قواعد السلوك الدولي. وجعل بلدنا الولايات المتحدة الأميركية دولة مشرفة تعطي درجات للدول الأخرى صعوداً أو هبوطاً تبعاً لما نرى نحن أنَّ تلك الدول تتصف به أو لا تتصف من انتهاج للسلوك القويم دولياً. ويبدو أنَّ الفكرة التي بني عليها ذلك نبعت من الاعتقاد بأنَّ رسالة الولايات المتحدة في العالم لم تفرضها الظروف بل أملاها الله ذاته)!!

والمعروف أنه يوجد نص في الكتاب المقدس يتحدث عن النبي أشعياء، وتحاول الولايات المتحدة أن تضعه أمامها في كل حدث ساخن يتعلق بأزمة سلام الشرق الأوسط، لذلك تم كتابته على (حائط أشعيا) أمام أبنية الأمم المتحدة، وعلى تمثال رجل عاري ذي عضلات بارزة موجود في حدائق الأمم المتحدة أيضاً.

ويؤكد النص المذكور أنه: سيكون (في آخر الأيام أنَّ جبل بيت الرب يكون ثابتاً في رأس الجبال، وتجري إليه كل الأمم. وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله. لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككاً ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب فيما بعد).

والغاية معروفة من إدراج مثل هذا النص المقدس أمام أبنية الأمم المتحدة، فهو يؤكد بأنه من (صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب فيقضي بين الأمم)؛ فالسلام بين الأمم لا يكون إلا من خلال (شريعة صهيون) وبشروط (واشنطن وأورشليم) !!

ولذا فإنَّ الصهيوني (بن جوريون) أكد على هذا المعنى مطولاً في كتابه (بن جوريون ينظر ورائه)، فبعد أن تناول حديث النبي أشعياء أوضح أنَّ: (إسرائيل) ستكون (نموذج في آخر الأيام لقيمتها العالية)!!

وهكذا نجد أنَّ السياسة الأميركية الخارجية تتأثر في كثير من الأحيان بالأصولية المسيحية، مع أنَّ الولايات المتحدة علمانية الاتجاه تفصل بين الدين والسياسة؛ ولذا فإنَّ الرئيس الأسبق (جيمي كارتر) وصف نفسه بأنه: من أبناء (المسيحيين المولودين من جديد)، وهي تسمية للمسيحيين المولودين على ضوء الكتاب المقدس لتأييد إنشاء دويلة (إسرائيل) في فلسطين المحتلة.

وقد المح الرئيس (بوش) الابن خلال حملته الانتخابية أنه قرر ترشيح نفسه للرئاسة الأميركية سنة 1999، على إثر موعظة سمعها في الكنيسة وكان موضوعها اختيار الله موسى لقيادة بني إسرائيل؛ ولذا (فبوش) يعتقد أنَّ من حق اليهود أن يملكوا فلسطين منحة إلهية حسب ما يقول الكتاب المقدس.

لقد استغلت أميركا كل ذلك في حملتها ضد ما يسمى بخطر (الإرهاب الإسلامي) التي أوجدته هي بدعم وتأييد (القاعدة) في أفغانستان، و(داعش) في العراق وسوريا، وجندت صحافتها وإعلامها في هذا الاتجاه، من أجل التواجد العسكري في منطقة الشرق الأوسط، ونهب ثروات العالم الثالث، وحماية أمن الصهيونية و(إسرائيل)، ومحاولة إنشاء ما يسمى (بالشرق الأوسط الكبير) بعيون أميركية صهيونية، بعد أن أفلست من تحقيق (الشرق الأوسط الجديد).

***

د. قاسم خضير عباس

في المثقف اليوم