قضايا

مدرسة فرانكفورت كثورة فكرية

حاتم حميد محسنكانت مدرسة فرانكفورت عبارة عن مجموعة من الباحثين المرتبطين بمعهد البحوث الاجتماعية في آلمانيا، سعوا الى تطبيق الماركسية على نظرية اجتماعية راديكالية متعددة الحقول. حاول أعضاء المدرسة تطوير نظرية في المجتمع ترتكز على الماركسية والفلسفة الهيجلية لكنهم استعملوا ايضا رؤى من تحليلات علم النفس والسوسيولوجي والفلسفة الوجودية وحقول اخرى. هم استخدموا مفاهيم ماركسية أساسية لتحليل العلاقات الاجتماعية ضمن الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية. هذا الاتجاه الذي أصبح يُعرف بـ "النظرية النقدية" وجّه انتقادات مؤثرة وهامة للشركات الكبرى والاحتكارات والى الدور الخطير للتكنلوجيا وتصنيع الثقافة وانحدار الفرد في المجتمع الرأسمالي. الفاشية والسلطوية ايضا كانتا من المواضيع الرئيسية للدراسة.

اهتم أعضاء المدرسة من الاكاديميين والمختصين بتطوير نظرية نقدية ونشر الطريقة الديالكتيكية للفهم عبر التحقيق في تناقضات المجتمع. رجالها البارزون كانوا ماكس هوركهايمر وثيودور ادرنو وإريك فروم وهربرت ماركوس. في عام 1923، أسس الأكاديمي الماركسي كارل رونبيرج المعهد، الذي جرى تمويله اساسا من اكاديمي آخر وهو فيليكس ويل. رجال مدرسة فرانكفورت عُرفوا بطابعهم المتميز في تبنّي نظرية ماركسية جديدة ذات تركيز ثقافي، وإعادة التفكير في الماركسية الكلاسيكية التي جرى تحديثها لتتناسب مع المرحلة الاجتماعية والتاريخية. هذا الامر كان هاما لحقل السوسيولوجي والدراسات الثقافية ودراسات الميديا.

معظم اعضاء المدرسة كانوا قد اُجبروا على مغادرة آلمانيا بعد استلام هتلر السلطة عام 1933، والعديد منهم حصلوا على لجوء في الولايات المتحدة. وهكذا اصبح المعهد مرتبطا بجامعة كولومبيا حتى عام 1949، بعدها عاد الى فرانكفورت. في الخمسينات من القرن الماضي تفرّع منظّروا مدرسة فرانكفورت في مختلف الاتجاهات الفكرية. معظمهم تنصّل من الارثودكسية الماركسية، لكنهم ظلوا ناقدين بعمق للرأسمالية. هربرت ماركوس انتقد النزعة المتصاعدة للرأسمالية في السيطرة على كل مظاهر الحياة الاجتماعية، وهو ما جعل لكتاباته تأثيرا عميقا في الستينات بين الأجيال الشابة. هابرمس وهو العضو الأبرز في الحركة في فترة ما بعد الحرب، حاول ان يفتح النظرية النقدية للتطورات في الفلسفة التحليلية والتحليلات اللسانية والبنيوية والهيرمونطيقا. اما هربرت ماركوس فكان من بين أهم أعماله هو (الانسان ذو البعد الواحد، 1964) جادل فيه ان المجتمع "الثري" الحديث يقمع حتى اولئك الناجحين فيه، بينما يحافظ على رضاهم من خلال الإشباع الزائف لثقافة الاستهلاك. عبر ترسيخ مثل هذه الأشكال الضحلة من التجربة ومن خلال منع الفهم النقدي لعمل النظام في ارض الواقع، كان المجتمع الثري يحيل أعضائه الى وجود فكري وروحي بائس ذو "بعد واحد". الكتاب لقي اقبالا واسعا خاصة بين اليسار الجديد، ونجاحه ساعد في تحويل ماركوس من مجرد استاذ جامعة غير معروف الى نبي او أحد الآباء البارزين.

ومن بين الأعمال الاخرى الأكثر تاثيرا كان كتاب "النظرية التقليدية والنقدية، 1937"، لهوركهايمر قارن فيه بين ما اعتبره توجها اجتماعيا مطابقا للفلسفة السياسية التقليدية والعلوم الاجتماعية من جهة، وذلك النوع من الماركسية النقدية المفضلة من جانب المدرسة من جهة اخرى. طبقا لهوركهايمر، الاتجاهات التقليدية كانت سعيدة في وصف المؤسسات الاجتماعية القائمة اكثر او اقل كما هي، ولهذا فان تحليلاتها لها تأثيرغير مباشر في إضفاء الشرعية على الممارسات الاجتماعية القمعية واللاعادلة باعتبارها طبيعية وموضوعية. بالمقابل، النظرية النقدية من خلال فهمها التفصيلي للسياق التاريخي والاجتماعي الأكبر الذي تعمل به هذه المؤسسات، كانت تعرّي الادّعاءات الزائفة للأنظمة بالشرعية والعدالة.

أصل مدرسة فرانكفورت

في عام 1930 اصبح ماكس هوركهايمر مديرا للمعهد وقام بتعيين عدة اكاديميين شكّلوا ما يسمى مدرسة فرانكفورت. وفي أعقاب فشل تنبؤات ماركس بالثورة، كان هؤلاء الافراد قلقين من صعود حزب ماركسي ارثودكسي وشكل دكتاتوري للشيوعية. هم وجّهوا انتباههم لمشكلة الحكم من خلال الايديولوجية، او حكم يتم في عالم من الثقافة. هم اعتقدوا ان التقدم التكنلوجي في الاتصالات وإعادة انتاج الافكار ساعد في ظهور هذا الشكل من الحكم. هناك أعضاء اوائل آخرين لمدرسة فرانكفورت كان من بينهم فردريك بولوك واوتو كيرشهايمر وفرانز ليوبولد نيومان. كان والتر بنيامين أحد الأعضاء ايضا اثناء ذروة نشاط المدرسة في منتصف القرن العشرين.

أحد المخاوف الرئيسية للنخبة في مدرسة فرانكفورت، خاصة هوركهايمر وادورنو وبنيامين وماركوس هو صعود "الثقافة الجماهيرية". هذا المصطلح يشير للتقدم التكنلوجي الذي سمح بتوزيع المنتجات الثقافية – الموسيقى، الفيلم، والفن – على نطاق واسع. (تجدر الملاحظة انه عندما بدأ هؤلاء الاكاديميون في صياغة نقدهم، كان الراديو والسينما لايزالان ظاهرة جديدة، والتلفزيون لم يظهر بعد). هم عارضوا الطريقة التي قادت بها التكنلوجيا الى التشابه والنمطية في الانتاج وفي التجارب الثقافية. التكنلوجيا سمحت للجمهور بالجلوس بشكل سلبي امام المحتوى الثقافي بدلا من الانخراط الفعال مع بعضهم البعض كما فعلوا في الماضي. المفكرون الأعضاء اعتبروا ان هذه التجربة جعلت الناس كسالى فكريا وسلبيين سياسيا، لأنهم سمحوا للقيم والايديولوجيات المنتجة على نطاق واسع للتأثير عليهم بقوة والتسلل الى وعيهم.

جادلت مدرسة فرانكفورت بان هذه العملية كانت احدى الحلقات المفقودة في نظرية ماركس في هيمنة الرأسمالية وأوضحت لماذا لم تتحقق نبوءة الثورة. ماركوس اتخذ هذا اطارا له وطبّقهُ على سلع المستهلك واسلوب حياة المستهلك الجديد الذي اصبح عقيدة في الدول الغربية في اواسط القرن العشرين. هو جادل بان الاستهلاكية تعمل بنفس الطريقة، كونها تحافظ على استمراريتها من خلال خلق حاجات زائفة لا تشبعها الاّ منتجات الرأسمالية.

نقل مقر معهد البحوث الاجتماعية

في ظل الوضع السائد في آلمانيا قبل الحرب العالمية الثانية، قام هوركهايمر بتغيير مكان المعهد حفاظا على سلامة أعضائه. في عام 1933، انتقل المعهد الى جنيف، وبعد سنتين انتقل ايضا الى نيويورك بالارتباط مع جامعة كولومبيا. في عام 1953، وبعد الحرب، اُعيد تأسيس المعهد في فرانكفورت. المنظّران يورجن هابرمس وأكسل هونيت اصبحا نشطين في مدرسة فرانكفورت في سنواتها اللاحقة.

المطبوعات

من بين الأعمال البارزة التي نشرتها مدرسة فرانكفورت تشمل التالي (لا الحصر):

- النظرية النقدية والتقليدية، ماكس هوركهايمر.

- ديالكتيك التنوير، ماكس هوركهايمر وثيودور ادرنو.

- نقد العقل الأداتي، ماكس هوركهايمر.

- الشخصية السلطوية، ثيودور ادرنو.

- نظرية الجمال، ثيودور ادرنو.

- إعادة النظر بصناعة الثقافة، ثيودور ادرنو.

- الانسان ذو البعد الواحد، هربرت ماركوس.

- البُعد الجمالي: نحو نقد الجماليات الماركسية، هربت ماركوس.

- أعمال الفن في عصر إعادة الانتاج الميكانيكي، والتر بنيامين.

- التحول الهيكلي والمجال العام، يورجن هابرمس.

- نحو مجتمع عقلاني، يورجن هابرمس.

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم