قضايا

كذبة الواقع المعيش.. التربية والتعليم ببلادنا نموذجا

لبنى بطاهرسأباشر القول بكون عدمنا (موتنا) أفضل من وجودنا (حياتنا) بلغة الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر(Martin Heidegger)(1976-1889)،ففي نهاية المطاف سنموت . كما أن  منامنا (أحلامنا) أجمل من يقظتنا (واقعنا) بتعبير العالم النفساني سيغموند فرويد(Sigmund Freud)  (1856-1939)، آملين بأن ما كنا نطمح إليه في طفولتنا يترجم إلى حقيقة واقعية في مستقبلنا .لقد خُلقت وأبدعت أفكار وهمية خيالية أضحت واقعا، لنحارب بها أنفسنا وينعموا هم بالسلام معنا . إنها أفكار السادة والحكام على شعوبهم، وهي ما حاول كشفه لنا نيكولاي ميكيافيلي(Niccolo di Bernardo dei Machiavelli) (1469-1527) في عصر النهضة الأوروبية في كتابه الذائع الصيت " الأمير" (Le Prince)، بعبارة مختصرة تجمل معنى الكتاب في جوهره ألا وهي " كيف يضلل الحاكم شعبه لا كيف يقوده " .لماذا لا نستطيع التحديق في أشعة الشمس ؟ ألقوة وهجها ؟ هل نكتفي بالظلال وعشق الظلام  لينسينا واقعنا ويذكرنا بوهننا وارتكاسنا ؟ عجبا،قمنا بشن حرب على ذواتنا وقتلنا آمالنا بأيدينا وشيعت أرواحنا جنائزنا، ببكاء ونواح على ضمائرنا المقادة الى المقابر . هنا حروب وفتن أهلية، خربت البيوت والمدارس والشارع . جعلت منا مسحوقا متناثرا أكثر مما هي عليه فوضى الحواس، ومثالية التجريد العقلي.

لنتأمل وضعية التربية والتعليم ببلادنا  مثالا ونزولا من برج الكلمات المتعالية،حيث ما يسري عليها من نتائج ينعكس على المجالات الأخرى،باعتبارها شرط إمكانية الوجود الانساني، لأنها بؤرة ومرآة كل المهن والحرف المعاصرة .قبل الاسترسال في الألفاظ والعبارات، ينبغي الوقوف على مهمة  رجل التعليم باعتباره جنديا مسلحا لا بمسدس أو بندقية كمحارب في الحروب الدموية ، إنما سلاحه العلم والمعرفة، يخوض بها معركة شديدة الوطيس في محاربة السفسطة الواقعية الوهمية، بغية  تحقيق سلام بعدي .وهذه هي المهمة التي تكلف بها كل الأدباء والعلماء والفلاسفة على مر تاريخ الأفكار الأدبية والفلسفية والعلمية، في مقابل القادة المحاربين العسكريين أمثال نابليون بونابرت (Napoléon Bonaparte)(1769-1821) في مواجهة الأيديولوجين بأفكارهم الحرة، لنكون قد قدمنا هنا النتائج على المقدمات .

فالمدرسة / المؤسسة بمعية الأسرة هي أرضية ولبنة للأحداث، وليست جدرانا من الإسمنت، بل هي مشكلة من إدارات وجمعيات وخلايا مخابراتية ونقابات وأحزاب متصارعة المصالح ...، ليتأرجح المعلم(ة) / الأستاذ(ة) بين كل تلك المخاضات .فهذا تابع ومقاد مثله مثل العامة التي تنظر بالبصر لا البصيرة، لكن الأحرار لهم نظرة مخالفة، شبيهة بنظرة النسر وهو محلق في السماء يود الانقضاض على فريسته  . فلا يكون الدافع الذاتي الخاص محركا بلغة أرسطوطاليس (Aristoteles) (384 ق م – 322 ق م)، بدل القيام بالواجب المهني من زاوية الضمير العملي، وتبليغ رسالة سامية المقام وكونية الغاية من جهة الضمير الأخلاقي على نهج الأخلاقيات الكانطية.

فأشباه رجال ونساء التعليم في موطننا، يتخذون  أسهل وأيسر الطرق للتمويه والتضليل، فهم قطيع تابع، لذلك لن نسلط الضوء عليهم ،  بل سنتربع على عرش الأحرار . الذين يسلكون الدرب بعصامية ومغامرة،فلا يهبون ولا يخفون لومة لائم، إذ يتبعون ما يمليه عليه ضميرهم وإن قادهم إلى الجحيم، فهو مصدر نور وقنديل في العتمة . يؤمنون بأداء الأمانة والقيام بالمهام سواء كانت عادلة أو ظالمة في حقهم .ولنا عبرة في ذلك من أب التربية الأخلاقية، وشهيد الحقيقة في فلسفة التربية  " سقراط " (Socrates) (470 ق م – 399 ق م)، لتكون قصة موته أمثل صورة للوطنية بصفة خاصة وللإنسانية عامة، بقبول الأحكام الصادرة سلبا كانت أم ايجابا فداء لما لقنه من تعاليم للشباب .  سؤال: لماذا لا يحتج أصحاب هذا التوجه السقراطي ببلادنا بصوت مرتفع مثل البقية التي تنتفض في الشارع ؟ ألا يفقهون ثقافة الاحتجاج والنضال ؟

الجواب بالسلب والنفي، فلنصغ بعقولنا لهذه الحروف : " ليس كل من يرفع الشعارات وسط الجموع مناضلا وليست كل المطالب لذاتها،  فهناك حق يراد به باطل في أغلب الأحايين . وما المناضل الحقيقي في التربية والتعليم إلا موجه للمتعلمين / المتعلمات ويظل أثره يتوارث من جيل لآخر". هذا لا ينفي أو يتعارض مع التضامن الاجتماعي في القضايا العامة ببلادنا، كمناهضة ارتفاع الأسعار في المواد الاستهلاكية والبترولية في المغرب في وقتنا الراهن، بالمقارنة بالدول المجاورة والأجنبية  حيال الحكومة الجديدة، التي يترأسها رجل الأعمال والبولدوزر " عزيز أخنوش "(Aziz Akhannouch) (1961، تافراوت)، الذي يمارس نوعا من السيادة الطاغية والتعسفية على المواطنين، بقهرهم بالزيادات المتتالية داخل المغرب . جعلت الشعب برمته يرفع له كلمة " ارحل "، في أشهره الأولى من انتخابه كرئيس للحكومة .

فهناك تداخل بين ماهو اقتصادي وسياسي وتربوي واجتماعي، إلا أن الأنا العاقلة تنحاز دائما لتحقيق السلام(La Paix)  والحب (L’amour) بين كل تلك المجالات المتداخلة . حيث تتجنب  الصراعات الشعبية المقادة من طرف جبابرة الدول . الذين  بثوا سموما على شاكلة أحزاب (Des soirées)  ونقابات(Syndicats)  وتنسيقيات (Formats) متصارعة وهما وزيفا، لتعد ترياقا للرؤساء والحكام .  ترتكز على الخلافات غير المبنية على الحب، وإنما على الكره (Le ballon)  والمصلحة (Intérêt) لصالح فرد أو جماعة معينة  . هي نفس الصورة المماثلة لما فعلته الدول الغربية القوية بالدول العربية بعيدة الاستعمارات والاستيطانات المباشرة من ناحية معينة، وبطريقة غير مباشرة متمثلة في غرسها نوعا من التفرقة العرقية والعقائدية والسياسة داخلها،إضافة إلى  بثها الفوارق الاجتماعية، كي تظل مكتفية بالتفكير في همومها وأزماتها، محاولة بذلك تضميد جروحها. بينما هي ماضية في التقدم في البحث العلمي تسابق الزمن،محافظة على هيمنتها ومركزيتها الدولية.

الإشكال المؤرق الآن هو : لم لا نستيقظ من سباتنا العميق ونحن نتوجه نحو الحائط ؟ لم يعد تفصلنا عنه سوى شعرة ؟ كلنا نعلم في بواطننا أن النجاة في التكتل (Une agglomération)،وتصالحنا مع ذواتنا وفكرنا، فننبذ تلك الأفكار المعيشة المزيفة،و على سبيل التوضيح : لا وجود لكذبة اليمين واليسار، حتى تعدد الفصائل وكثرة النقابات بدعة لم تخلق سوى الدمار (Destruction) والحقد(Détester)  والضغينة (Rancune)- يتفرقون في الأحداث ويجتمعون في المصالح ويصفون الأشخاص المحايدين بالبراغماتيين لعلمهم بغاياتهم المشؤومة ووسائلهم المخاتلة - في حين أن الحقيقة الصارخة تجمعنا " كفة الشفقة "(Pitié Manchette)، وهو شعور لا يرضاه أحد لنفسه، فقد استنشقنا عبيره الفياح . كما أن الرؤساء والقادة على موائد من ذهب يشربون نخب سذاجتنا وخلافاتنا الوهمية.

***

لبنى بطاهر

 

في المثقف اليوم