قضايا

الأطفال في عاشوراء ضرب الزنجيل.. جريمة!

قاسم حسين صالحأعرف أن هناك من سيتهمني بكذا وكذا، لأنني اعتبر الآباء والأمهات الذين يدفعون اطفالهم الى ضرب ظهورهم بالزنجيل و تطبير رؤوسهم بآلات حادة في عاشوراء..يرتكبون جريمة بحقهم، لاسيما ان بين هؤلاء الأطفال من هو بعمر ثلاث سنوات!

ولا يعنيني أمر هؤلاء، على قلتهم، ولا يعنيني هنا الجانب المعتقدي، فما يلزمني هنا أمران هما: واجبي بصفتي سايكولوجست، وتذكير من يعنيه الأمر (الحكومة والبرلمان بشكل خاص) بمخالفة العراق لوثيقة حقوق الطفل بصفته عضوا صادق ووقع عليها.

في سيكولوجيا الطفولة

نعيد التذكير بأن (الطفولة) شغلت اهتمام علماء النفس بشكل عام وعلماء نفس النمو بشكل خاص. والمفارقة اننا نحن العرب سبقنا هؤلاء في تبيان اهمية مرحلة الطفولة، يكفي الاشارة الى: اخوان الصفا، القيرواني، ابن سينا، الغزالي، وابن خلدون الذي خصهم بفصل في مقدمته بعنوان: (في تعليم الولدان واختلاف مذاهب المصار الاسلامية في طرقه)..وجميعهم اكدوا على ان ما يتعلمه الطفل من اسرته وبيئته يؤثر في تشكيل شخصيته طفلا ومراهقا وراشدا، وتحذيرهم للوالدين والمعلمين من استعمال العنف مع الاطفال..بل انهم، ويالنباهتهم، اوصوا ان يختار الوالدان اسماءا جميلة لأطفالهم!.

ونعيد التذكير ايضا بأن الكثير من العراقيين لا يدركون أن مرحلة الطفولة المبكرة تعد أهم وأخطر مرحلة في حياة الآنسان، لدرجة انه يمكن تشبيهها بالأساس الذي تبنى عليه عمارة. ولهذا اطلقوا عليها اسم المرحلة التكوينية التي يكتسب فيها مفاهيم تؤثر في سلوكه وشخصيته حين يكبر. فشيخ علماء النفس، فرويد، يرى ان خصائص او سمات شخصية الانسان الراشد تشتق من مرحلة الطفولة وان ما يصيبه من اضطرابات نفسية في مرحلة الرشد تعود اسبابها الى اساليب تنشئته في مرحلة الطفولة. ولخصمه العلمي علم النفس(سكنر) مقولة (اعطني عشرة اطفال وانا كفيل بان اصنع منهم عالما ومجرما وما شئت)، فيما الاسلام سبق الجميع بالقول ان الانسان يولد على الفطرة..ما يعني ان الطفل يتعلم من والديه والمجتمع الذي ينشأ فيه وان ما يتعلمه من قيم، عادات، طقوس..، تبقى ملازمة له خلال مراحل حياته كلها.

قوانين حق الطفل

منذ العام 1949 صدرت قوانين دولية متعددة على صعيد الأمم المتحدة، وبرتوكولات جنيف (1989الى 2005) هدفت الى تثبيت واجبات الأسرة والدولة تجاه الاطفال وما يترتب عليهما من حقوق تخص الطفل وحمايته من امور كثيرة بضمنها (عدم تعريضه الى الأذى الجسدي والنفسي). وكان العراق من بين 193 دولة التي وقعت عليها. يضاف الى ذلك ان الدول العربية اصدرت قانون حماية الطفل تضمن (145) مادة، بضمنها تلك التي تنص على عدم تعريض الطفل الى أذى جسمي او نفسي..والعراق من ضمن الموقعين عليه.

وكان العراق قد اصدر في 2010 (مشروع قانون حماية الطفل) جاء في المادة (1 – أ):

الارتقاء بالطفولة في العراق بما لها من خصوصيات إلى مستوى ما توجبه من رعاية تهيّأ أجيال المستقبل بتأكيد العناية بالطفل الحاضر)، وأقر في مادته التاسعة بـ(تمتع الطفل بكل الضمانات المقررة في القانون الإنساني الدولي والمنصوص عليها في المعاهدات الدولية المصادق عليها من العراق(..

والأهم من ذلك ان المادة (63، و 65) تضمنتا بالنص (كل من اعتدى على طفل بالضرب او بالجرح..وافضى الى موته او احدث فيه عاهة مستديمة يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات " موت الطفل" ولا تقل عن خمس سنوات "عاهة مستدية ").

أطباء نفسيون ومفكّرون..يحذّرون

في عاشوراء العام(2017) تم نشر وتداول صور صادمة لأطفال بينهم بعمر ثلاث سنوات جرى تطبيرهم بطريقة سالت فيها الدماء من رؤوسهم على وجوههم وثيابهم، بينها صور لأمهات حاملات اطفالهن المدماة رؤوسهم وهن مبتسمات بتباهي . وكنا قدمنا مذكرة الى المرجعية الموقرة بتاريخ (5/19/2017) حملت تواقيع 763 شخصية عراقية تدعو المرجعية الى اصدار توجيه او فتوى بتحريم تطبير الأطفال في عاشوراء (موثقة في غوغل).

وانطلاقا من مسؤوليتنا التربوية والسيكولوجية، فاننا كنا قد توجهنا الى المرجعية الدينية الموقرة في (5 /10/2017) بالتماس نرجوها فيه اصدار فتوى بتحريم تطبير الأطفال، اوضحنا فيه ان هذه العملية تؤدي من وجهة نظر علم نفس الطفولة الى اصابتهم باضطرابات نفسية وسلوكية من قبيل: (كوابيس، تبول لاارادي، فزع، جفلة، تاخر دراسي...)، وان اثارها تمتد الى المراهقة والشباب والرشد، توصلهم الى استسهال العنف والعدوان وتعلم حلّ مشاكلهم والتعامل مع الآخرين باستخدام الالات الحادة، مستندين في ذلك الى دراسات علمية تؤكد ان ما يتعلمه الأطفال من بيئتهم يعدّ محددا رئيسا لما سيكونون عليه في المستقبل.

وكنا طلبنا رأي مفكرين وزملائنا الأطباء النفسيين عن موقفهم فجاءت داعمة لدعوتنا هذه، بينهم كبير الأطباء النفسيين العراقيين الدكتورعبد المناف الجادر(الأردن)، واستشاريين عراقيين في جامعات بريطانية، بينهم: محمد جمعة عباس، رياض عبد، زيراك الصالحي، و حسنين الطيار من جامعة اكسفورد، فيما طالب الطبيب النفسي الدكتور الراحل طه النعمة بأحالة آباء هؤلاء الأطفال الى المحاكم. واتفق مفكرون مع موقف الأطباء النفسيين بينهم الراحل الدكتور كاظم حبيب الذي اوضح بأن هؤلاء الآباء يحملون فهما مشوها ومزيفا للدين والمذهب والشيعة ويلحقون أفدح الأضرار بأنفسهم أولاً، وبأطفالهم ثانياً، وبالمجتمع العراقي ثالثاً، فيما رأى الدكتور تيسير الالوسي أن تطبير الأطفال يتطلب تنفيذ القوانين بـ" تجريم " مرتكبيه.

وها نحن نكرر دعوتنا الى من يعنيهم الأمر: المرجعية،  مجلس الوزراء، وزارة العدل، رجال دين، فضائيات، صحف، مواقع الكترونية، وسائل تواصل اجتماعي.. الى الزام الحكومة بتطبيق الاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل، والتوعية الجماهيرية بمخاطر تطبير الأطفال السيكولوجية والشخصية والسلوكية والمجتمعية، والدعوة الى الحدّ منها وايقافها لضمان جيل سليم نفسيا، يتعامل مع الواقع بمنطق من سيعيشون زمانا غير زماننا، لا باللطم وضرب الزنجيل والتطبير بالقامات التي تشيعها جهات سياسية تهدف الى تكريس التخلف وتغييب الوعي لضمان الفوز بالانتخابات!.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

 

في المثقف اليوم