قضايا

لماذا تأتي الحرية أولا قبل السعادة في حال الصراع معها؟

علي حسينلماذا تأتي الحرية أولا قبل السعادة في حال الصراع معها؟ لأنها، بكل بساطة، صفة متأصلة في الإنسان، و هي ما تميزنا عن الحيوانات، و تسمح لنا بالدخول إلى مجال الأخلاق، ففقدان الحرية يعني فقدان الإنسانية !!

لوك فيري من كتابه "مفارقات السعادة"

ولد لوك مارك فيري في الثالث من كانون الثاني عام 1951 في ضاحية شمال باريس لأب من مصممي السيارات الرياضية، يعشق قراءة الكتب، ويتذكر الصبي لوك ان الكتب كانت ترافق اباه حتى في مكان عمله، اما الام فقد ارتضت بان تكون ربة منزل مسؤوله عن ثلاثة ابناء، سيصبح اثنان منهم فلاسفة واحد منهم جان مارك فيري الذي يكبر لوك فيري بخمسة سنوات، كانت الام تؤمن بان ابنائها سيصبحون يوما ما في مراكز متميزة، يتذكر لوك فيري ان مارسيل بروست كتب في احد رسائله :" لطالما وافقت ماما انني لا اتفق إلا امرا واحدا في الحياة، ولكنه أمر كان كل منا يقدره بشدة، بحيث كان يُذكر كثيرا : بروفيسور ممتاز " عانى في مراهقته من الخجل وكان منطويا لا يحب رفقة زملائه الطلبة، تسحره شخصية الروائي مارسيل بروست الذي كان يمضي كل وقته في القراءة والكتابة، كما اعجبه غرور صاحب البحث عن الزمن المفقود واعتزازه بنفسه، وبسبب عزلته يقرر والده ان يكلف عدد من الاساتذة لتدريس ابنه في المنزل، يدرس الفلسفة وعلم الاجتماع في السوربون، يتخرج من الجامعة بشهادة فلسفية وبنظرة مغايرة للحياة، يبدأ حياته العماية مدرس لمادة الفلسفة في المدارس الثانوية، العام 1980 يحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية، ويتم تعينه في معهد الدراسات السياسية في ليون، بعدها ينتقل للعمل استاذا للفلسفة، ينشر اول كتبه بعنوان " الفلسفة السياسية " عام 1984 والذي لم يثر الاهتمام، واعتبره البعض مجرد كتاب مدرسي، لكنه سيكتسب شهرة عام 1985 بعد صدور كتابه " فكر 68 " الذي وجه من خلاله نقدا الى الفلاسفة الفرنسيين الذين وصفهم بانهم يحملون افكارا معادية لـ "الإنسانوية"، حيث تناول بالنقد كتابات ميشيل فوكو وجيل دولوز وجاك دريدا، ثم توالت إصداراته التي لفتت اليه الانتباه وجعلت منه فيلسوفا تطارده وسائل الاعلام وتخصص له الفضائيات برامج يعطي من خلالها دروسا مبسطة عن الفلسفة، مثلما كان الفلاسفة الاغريق ينشرون الفلسفة في الاسواق .

 يري لوك فيري ان ارسطو لم يكن فيلسوفا تأمليا، وانما كان يرى العالم بعين الفلسفة، ويدربنا على ان نتفق على ثوابت الحياة كجماعة انسانية وان نعي الوجود جيدا، يكتب ارسطو :" يجب ان نختبر ما قلناه سابقا ثم نختبر صحته بمقارنته بحقائق الحياة، فإذا ما وجدناه يتفق معها فعلينا إذن ان نقبله، وإذا ما تعارض معها فلا مفر من التسليم بانه محض حديث نظري " .  ونجد فيري يضع مقارنات في " تعلم الحياة " بين الدين والفلسفة، فالاديان تعد الإنسان بامكانية الوصول إلى إلى الخلاص عن طريق الإيمان، بينما الفلسفة تعد الانسان بانه سيتمكن من إنقاذ نفسه بنفسه  عن طريق العقل .4078 لوك فيري

ويثير فيري ضجة في الاوسط الثقافية الفرنسية  عندما يؤكد ان فولتير وروسو وديدرو  لم يكونوا فلاسفة بالمعنى الدقيق، وان فكرة التنوير لم تاخذ طابعها الفلسفي إلا على يد الفلسفة الالمانية وخصوصا عند ايمانويل كانط .. بل ويذهب ابعد من ذلك عندما يعتبر ديكارت ليس بفيلسوف جيّد. وهو يرى ان الفلسفة الفرنسية حاولت الغاء الدين من المعادلة التنويرية، عكس فلسفة كانط التي عملت على " علمنة الدين " . ويجد فيري ان الفلسفة في فرنسا حاولت ان تجرد الانسان من مركزيته في الكون :"  في تاريخ الفلسفة كان تاريخا للعباقرة  منهم إما من اليونان كسقراط وأفلاطون وأرسطو، أو من الألمان مثل كانط، والجيل من بعده: ياسبرز، هوسرل، وهابرماس  " – لوك فيري اجمل قصة في تاريخ الفلسفة .

يسعى لوك فيري من خلال مؤلفاته التي قاربت الـ " 50 " كتابا الى  تبسيط الفلسفة وتقديمها من خلال لغة بسيطة واضحة من السهل فهمها من طرف جمهور غير متخصص، وقد قدم في هذا المجال عدد من الكتب ابزها "الفلسفة كما شرحتُها لابنتي"، وكتابه الشهير "تعلم الحياة"  وكتاب ممتع بعنوان بعنوان "اجمل قصة في تاريخ الفلسفة " والذي يستعرض فيه قصة الفلسفة عبر العصور مؤكدا ان  :" الفلسفة ليست فن الأسئلة كما يُشاع، وإنّما هي في الأساس فن الأجوبة ". فبرأيه، أن إنسان هذا العصر، في ظل هذه المتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية المتسارعة، والتقلّبات السياسية والاقتصادية المتتابعة، يصبح عرضة للشكوك والظنون، فيقع تحت تهديد مخاوف كثيرة، نفسية واجتماعية، تقلقه وتفسد عليه حياته واطمئنانه. ولذلك، يذكرنا فيري بما انتهى إليه الفلاسفة اليونانيون منذ القدم، وهو أن الإنسان لا يستطيع أن يحيا حياة سعيدة إذا كان الخوف يسكنه، لأنه في تلك الحالة سيكون أسير الحنين والتمني، أي انه يقع اسير حب الماضي وحب المستقبل، وسيتعذر عليه عندئذ التمعن في الحاضر جيدا

في عام 1994 يتم اختياره رئيسا  للمجلس الوطني للبرامج في وزارة التعليم،  وبعدها باعوام يتولى وزارة التربية، وهو لا يخفي اعتزازه بهذه المناصب، حيث قال  في تصريح صحفي : "لا أشعر بالخجل وأنا أمارس السلطة، فأنا أتعلم هنا أكثر مما أتعلمه طيلة عشر سنوات من تدريس فلسفة القانون".

يكتب لوك فيري ان ارسطو تمكن من تخصيب الفلسفة بالملاحظة اليومية للحياة . يحاول لوك فيري اقتفاء أثر ذاك ارسطو ليثبت لطلبة الفلسفة ولعشاقها ان بامكانهم أن يذهبوا في رحلة فلسفية يحجون فيها إلى بلد سقراط وافلاطون وأرسطو وديوجين  وابيقور للاستجمام العقلي والجسدي  . يكتب لوك فيري :" لا نزال بحاجة إلى الفلسفة من أجل تحديد موقعنا في هذا العالم وذلك بغض النظر عن عرضيتها أو أصالتها" .

 

في المثقف اليوم