قضايا

الزواج صفقة في مناطق الجنوب الشرقي

لبنى بطاهر(أرفود، الريصاني، الجرف...)

ان الزواج ليس صفقة تجارية بين شريكين وليس وسيلة لإرضاء مطالب الجسد والنفس. اذ مشروع الزواج هو مشروع انساني كما أخذه الغرب من العرب، أي واجب من أجل المحافظة على النوع الانساني. فهذا ما يتوافق مع ما صرح لي به  أستاذي ومفكرنا الجليل محمد أومليل عندما قال أن: " الزواج مشروع بناء الانسان ومسؤولية كبرى "،  باعتباره سبيلا للمودة بين الرجال والنساء. فما المقصود بالزواج؟ انه  عبارة عن ميثاق مبني على أساس التفاهم المتبادل بين الطرفين، وشروطه:  الرد بالإيجاب والقبول وحضور شاهدين. الا أن الزواج في الاسلام يختلف عن القوانين الوضعية التي تجرد الزواج من كل صفة دينية...، من كل ذلك يطرح السؤال: هل الزواج حقا مشروع بناء الانسان في مناطق الجنوب الشرقي؟

الملاحظ أن الزواج أصبح مشروعا اقتصاديا بامتياز في بعض مناطق الجنوب الشرقي خاصة الثلاثي (أرفود، الريصاني، الجرف)، شكليا هو على سنة الله ورسوله لكن ضمنيا (جوهريا) هو على سنة المال والتجهيز...، السبب غياب المعنى الحقيقي لمفهوم الزواج، بالتالي اندثار الوعي الانساني المعقلن. مما سيتولد عنه مجموعة من المشاكل النفسية، الاجتماعية، اقتصادية، وكذلك في القيم الانسانية. الذي يؤول بنا الى تراجع فكري للمجتمع بصفة عامة ولتلك المناطق بصفة خاصة، فكيف تتم هذه المشروعية او بالأحرى الصفقة اللامعقلنة للزواج بهذه المناطق وما هي نتائجها؟

يكون الزواج عبارة عن مشروع براغماتي (منفعي لا عملي)، عندما تكون الغاية منه ليس تحقيق التكامل بين الطرفين، وبعث جيل جديد فاعل في المجتمع مؤسس على الحب والتعاون، الاحترام، التقدير...، انما يكون الهدف مادي كأنه يشتري بقرة تعطيه من اللبن ما يبيعه في وقت الحاجة.  يتجسد ذلك في أن التقاليد في الجنوب الشرقي  تحتم على أهل المرأة  بأن تأثث البيت، علاوة على الذهب  والهدايا  التي تجلبها، كما هو معلوم لدى أهل الجنوب الشرقي،  بأن مصاريف الزفاف تبلغ من المال ما يتراوح بين 40000 درهم ( أربعة ملايين) الى 70000 درهم( سبعة ملايين) بالنسبة لأهل المرأة. كما أن الحقيقة المأساوية المضمرة كون معظم السكان في الجنوب الشرقي هم من طبقة متوسطة مما يكلفهم أكثر من طاقاتهم، علاوة أن مهر الفتاة  أو ما سماه الله في القران الكريم صدقة يتراوح  بين 3000 درهم و5000 درهم وذلك تبعا لقول رسول الله (ص):  " أقلهن مهرا أكثرهن بركة " !!!  لا تنتهي مساهمات أهل المرأة في هذه المرحلة، بل تمتد الى أن تنجب ابنتهم المولود الأول حيث يقومون بإحضار الذبيحة _ (السمية) حسب التقاليد المتعارف عليها في تلك المناطق_ اضافة الى احضارالملابس للعروس واسرة زوجها سواء صغيرة كانت او كبيرة، والخضر، القطاني التي تكفي الأسرة  لمدة أربعة  أشهر بأكمله صدق القول الشعبي: " لدى صحراوية دى مشروع"!!!...

هذا لا يختلف مع تصور المرأة في أوروبا حسب العرف هي من تؤسس لخاطيبها بيت الأسرة وهو قلب لنا كدولة اسلامية وضرب من قوامة الرجل، بمعنى هو قلب للوضع الطبيعي لنا نحن كعرب. بدون وعي تم التقليد الأعمى وأصبح طقس يتوارث، الا انني ارى اننا لم نتخطى عتبة المعنى الحقيقي لتأسيس الأسرة بشريكين كما وصل له الغرب... المهم أن  كل هذا يستمر اذا نجح الزواج، لكن اذا كان العكس  !! سيبدأ الصراع وعدم التفاهم في معظم العلاقات، الذي يفضي في اخر المطاف الى الطلاق والانفصال، ليشق كل طرف حياة أخرى. هنا تجليات بداية أزمة مشروع الزواج في مناطق الجنوب الشرقي، فهناك بعض الأسر من تبيع ممتلاكاتها من الاراضي او مسكنها بغية تزويج بناتهم، متناسين وربما يتغافلون ويظنون أنهم بذلك يقيمون القيمة لبناتهم. انما هي عبارة عن مشروع يستفيد منه الزوج في لحظة معينة، فاين نحن من قول المفكر محمد اومليل عندما صرح لي بأن: " الزواج مشروع يتحمل أعباءه الزوجين معا في البيت والعمل "،  فهذا ما نفتقده في المناطق الثلاثة من الجنوب الشرقي.

وغياب ذاك  يزرع نتائج سلبية تتجلى اثرى  حصول عدم التفاهم،  بحيث تعود المرأة الى بيت أبيها خائبة، منكسرة، محطمة وتتكسر معها أسرتها نفسيا وماديا. فكل ما فعلوه من اجلها بهدف انجاح الزواج قد فشل وضاعت تلك الملايين في زواج كان منذ البداية مشروعا ماديا، لا مبني على الحب والانسانية. فالمتضرر الأول هو أسرة المرأة، لو افترضنا أن تلك الأسرة لها أربعة فتيات أو خمسة ما مصيرهم؟ اما أن الأب سيفلس وسيبيع كل ممتلكاته من أجل تزويج بناته ان كان ميسورا، أو سيضلن عوانس بقربه بلا دراسة ولا زواج ان كان من طبقة فقيرة، وربما سنعود الى عصر الجاهلية وسيتم وأد الفتاة وهي حية منذ ولادتها !! سنلجأ الى ذلك ليس خوفا من الفقر أو العار كما كان سالفا انما خوفا من مشروع زواجها، ولازالت نظرتنا في الجنوب الشرقي للمولودة الأنثى كأنها عالة على اسرتها وارى الآية التالية تنطبق على حالنا: " واذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون " النحل: 58_59

نعم، الزواج هو ميثاق عقد  بين ذكر وأنثى يكمل أحدهما الآخر، ويكون الحب والعطاء المتبادل، لا الطمع والاستغلال المادي. كما يذهب استاذي ومفكرنا الجليل محمد اومليل ان مشروع الزواج يجب فيه " مراعاة مجموعة أمور:  مسؤولية الزواج، مسؤولية الانجاب، مسؤولية الحياة، مسؤولية الاختيار، التناسب بين الزوجين واجب، تناسب الجينات، تناسب الهرمونات، تناسب الفصيلة الدموية، التناسب الاجتماعي، التناسب الثقافي، التناسب الأخلاقي، العلم بعلوم التربية والسلوك والنفس والاجتماع، اختيار المولود المرغوب فيه ذكرا أو أنثى، مساهمة الرجل باستعمال حبوب منح الحمل من خلال التناوب، الرغبة في العيش في الرفاه، الرغبة القوية في تعليم وتكوين الأبناء كي يكونوا موظفين سامين ". فنحن في عصر يتجاوز وضعية المرأة قبل القرن الحادي عشر في الهند واليونان وروما، اذ كانت تتصف بكونها حيوان أعجم  لا روح لها أو شيطانا. كانت محتقرة  لا قيمة  لها سوى أنها رمز للغواية، لكن من القرن الحادي عشر ونهاية القرون الوسطى على يد الكنيسة ونظام الفروسية تبوأت المرأة مكانة محترمة.

كما أن تلك التقاليد لها اثار خارج الجنوب الشرقي، حيث بدأ الشباب من داخل المدن الداخلية، يتوافدون عليها. ليس حبا في السياحة أو التجارة انما من أجل فتاة صحراوية تأثث لهم البيت، وتسهل عليهم عملية الزواج التي أصبحت أمرا مستعصي في المدن. فالملاحظ أننا لم نفهم معنى أن اثنين يتزوجان، والشيء الذي يربطهما ويديم هذه العلاقة !!  كما أن هناك اشكال آخر تعاني منه فتيات الجنوب الشرقي، كونهن  يتزوجن رغما عنهن في سن مبكر خوفا من العنوسة لا من الطلاق !! فلا هم اكملوا دراستهم الجامعية وحتى من انتهت من دراستها  يظل الزواج هو مستقبلها وهمها الوحيد و الأساسي، فأين المشكل اذا لم تتزوج الفتاة؟ ! هل الزواج هو من يجعلها امرأة لها قيمة؟...، كلا، فالمرأة مكرمة بالزواج أو بدونه ويمكنها أن تثبت ذاتها وحدها، بقدرتها على مواجهة الواقع، وأن تكمل دراستها وتحقق أحلامها في حالة لم تجد شابا يناسبها فكريا وجسديا، ويقدرها حق قدرها، ويدفع بها الى الأمام لا الى الارتكاس والهوان.

***

بقلم: لبنى بطاهر

 

 

في المثقف اليوم