قضايا

سلمان رشدي والقسمة الضيزى

عدنان الظاهرأشهدُ للرجل كاتباً فذاً وروائياً ممتازاً عميق الفهم لخصائص اللغة الإنجليزية والبيئة البريطانية وأحوال الجاليات الأجنبية المهاجرة إلى بريطانيا ولا سيّما المسلمة منها. كما أنه جيد الأطّلاع على التراث الروائي البريطاني والعالمي. أحكم على الرجل من خلال قراءتي لروايته " الآيات الشيطانية "... الناشر

The Consortium. INC

Dover. Delaware

Paperback Edition 1992

العظم ورشدي

قد أُغامر بالإدّعاء أني أفهم الرجل بشكل جيد، لذا لا يمكنني إلاّ أن أتحفظَ على دفاع الأستاذ الدكتور صادق جلال العظم صاحب الفكر الجليل المدافع المعروف عن حرية الرأي والمُعتقد والتعبير. فلقد كان شديد الحماس في دفاعه عن سلمان رشدي وعن " آياته الشيطانية " مبرراً أخطاءه التأريخية بإسم حرية التعبير عن الرأي تارةً وبمستلزمات العمل الروائي تارةً أخرى. (أنظر مجلة الناقد التي كانت تصدر في لندن وبيروت، العدد 54، كانون الأول 1992). حرية الرأي والمعتقد

[سيدي صادق جلال العظم] لا ريبَ أمر مقدَّس ولكن، هل نقبل من الكاتب الروائي المبدع أن يحرّف بعضَ ما نعرف من حقائق ومسلمات وما نحترم من ثوابت؟ هل أساءَ تولستوي إلى أمته فيما كتبَ؟ هل أساءَ دوستييفسكي أو شكسبير إلى الدين والأمة وقد قدموا الروائع الخالدة

 للعالم؟ وهل من الضروري أن نسئَ حين نبدع؟ تلك هي المسألة.

ولكي لا أظلم الرجل بمثل هذه الإعمامات {التعميمات.. خطأ شائع} فإني سوف أتناول عيّنات من أخطاء سلمان رشدي وأضعها أمام القارئ سائلاً إياه أن يساعدني في إكتشاف مبررات مثل هذه التجاوزات والأخطاء. ولكي أُيسّرَ الأمر عليَّ وعلى القارئ الكريم فإني درستُ بشكل خاص الفصل الثاني من الرواية وعنوانه (ماهاوند - Mahound)

ثم الفصل السادس المعنون (إرتداد إلى الجاهلية - Return to Jahlia)

لأنَّ هذين الفصلين قد أقاما الدنيا على رأس رشدي من بين بقية فصول الكتاب التسعة.

ماهاوند:

Mahound

Ma + Hound

 أطلق رشدي هذا الإسم على " محمد " النبي وكرره كلما ورد ذكره في الرواية. سلمان رشدي يعرف الإنجليزية بشكل جيد، ويعرف بعض خصائص اللغة العربية كمسلم بريطاني متحدر من أصول هندية أولاً، وككاتب روائي عالي الثقافة ثانياً. فلا بدَّ له والأمر كذلك من إتقان ما إستطاع من اللغات الأخرى. فكلمة " هاوند " هي إسم كلب الصيد السلوقي

Hound

و [ما] هي أداة النفي المعروفة في لغتنا. ف.. [ما هاوند] حرفياُ تعني [ليس كلباً]. خلطة عربية / إنجليزية ليس فيها ما يدل على عبقرية مُبدِعة أو إكتشاف مذهل.. ولا غرابة في ذلك إذْ أنَّ سلمان رشدي قد دأب أن يستخدمَ في روايته الأسماء التي تحمل معنيين أو دلالتين كما سنرى لاحقاً.

لقد أفرد الأستاذ صادق جلال العظم في مقالته (آيات شيطانية كرنفال ساخر) فقرة خاصة أسماها (لُغز الإسم) مبرراً ومدافعاً بحجة (قلب الإهانات إلى مصادر قوة) و(التفاخر بالأسماء التي أُطلِقت عليهم

 تحقيراً) أو من باب (نعم أنا أسود وفخور بالسواد) أو (سجِّل أنا

عربي).

نحن لا نعرف أنَّ قريشاً كانت تسمّي محمداً (ليس كلباً). بلى، قد تكون أسمته (مُذَمما) وربما أسماه جده عبد المطّلب (قُثماً) إضافةً إلى النعوت الأخرى التي الصقتها به قريش مما ورد في القرآن الكريم صراحةً مثل (الشاعر والمجنون والساحر) فأين هذا كله من (ماهاوند)؟

ما نعرف أنَّ محمداً قد فاخر قومه يوماً بقوله مثلاً (نعم أنا ساحر أو مجنون أو أنا شاعر). لقد نفى عن نفسه هذه النعوت كما نفاها القرآن عنه نفياً قاطعاً. ثمَّ متى تحدّى قُريشاً وشانئيه بالقول (نعم، أنا المُذّمم أو أنا قُثم) ؟

إنَّ (إستراتيجية الطرف الضعيف في قلب الإهانات إلى مصادر قوة وتحويل الأسماء والنعوت التحقيرية إلى ميزات وفضائل تقلع عين العدو والخصم)... كما يفيد الأستاذ العظم... ليست واردة في حالة (محمد) أبداً. ذاك أن محمداً ما كان زنجياً حبشياً وما كان منبوذاً من قبل قريش قبل الدعوة، بل وكان كما يعرف الجميع سليل أشراف قريش وزوج سيدة جليلة منهم هي (خديجة بنت خويلد). ومن ثمَّ إلتحق به رهطٌ من نُخبة رجالات قريش شرفاً وجاهاً ونسباً ومالاً كأبي بكر الصديق وعمر وعثمان وإبن عمه وربيبه علي الذين لم يأتِ أي ذكر لهم في كتاب

" آيات شيطانية ".

خالد بن الوليد:

 لم أسمعْ في حياتي أنَّ خالداً بن الوليد " سيف الله المسلول " كان مجرد سقّاء في مكّة... حسب رواية رشدي.

حول ثراء " الوليد بن المغيرة "، والد خالد، الملقَّب بالوحيد في قومه يقرر (النسفي) في تفسيرة للقرآن الكريم / الصفحة 308، الجزء الرابع، دار الكتاب العربي، بيروت // أنَّ بعضَ آيات سورة " المُدثّر "

نزلتْ في الوليد بن المغيرة أبي خالد، الذي (كان له عشرة أبناء أسلمَ منهم خالد وهشام وعمارة. وكان له مائة الف دينار وأنَّ له أرضاً بالطائف لا ينقطعُ تمرها). أما آيات سورة المدثِّر فهي:

{ذرني ومن خلقتَ وحيدا. وجعلتَ له مالاً ممدودا. وبنينَ شهودا. ومهّدتَ له تمهيدا}.

أعود إلى مقولة (قلب الإهانات إلى مصادر قوة) فأراها متهاوية في مجمل وضع سلمان رشدي من النبي محمد. فرشدي رجل علماني ثم لا يؤمن بدين مطلقاً ، وما كان معجباً أصلاً بشخص محمد.، بل وكان شديد السخرية منه ومن الدين الإسلامي ومن فكرة الوحي وجبريل والتنزيل. لقد بنى مجمل كتابه على أساس فكرة واحدة هي أنَّ الدين الإسلامي هو أصل تخلّف معتنقيه مهما كانت قومياتهم. فمن كان هذا موقفه من الأديان عامةً ومن الإسلام خاصةً فهل نتوقع منه أن يدافعَ عن محمد وأن يعضِّده بعناصر و مصادر قوة من نوع تسميته (ليس كلباً) ؟؟!!

لقد أطلق رشدي على قبيلة قريش إسم سمك القرش: Shark

ولا غرابة في ذلك... ف (قُريش) لغةً مصغّر (قرش). الرجل يعرف خصائص اللغة العربية رغم وقوعه في خطأ الترجمة التي أخذها من سواه لبعض آيات (سورة النجم) التي وردت فيها الآيات الشيطانية الثلاث. فلقد ترجم (القسمة الضيزى) بـ:

A fine Division

في حين أنَّ الصواب هو :

A Division Most Unfair

كما ورد في ترجمة عبد الله يوسف علي للقرآن الكريم.

*** 

د. عدنان الظاهر

في المثقف اليوم