قضايا

الدوافع -Motivations (1)

ترجمة: احمد مغير

السؤال الأساسي يدور حول "سبب السلوك" أو العوامل التي تجبرنا على القيام بأنشطة معينة هذا يؤدي بنا الى أن ندرس العملية النفسية التي تسمى الدافع . في هذه المقالة سوف نتحدث عن طبيعة الدافع، وأنواع الدوافع، والأنواع الداخلية والخارجية من الدوافع، والصراع، والإحباط . فهم الدافع يساعدنا على فهم ديناميكية الافعال التي يقوم بها الانسان.

معنى الدافع

الدافع هو واحد من الكلمات الأكثر استخداما في علم النفس. يشير إلى العوامل التي تحرك أو تنشط الكائن الحي. نستنتج وجود الدافع عندما نرى أن الناس يعملون نحو أهداف معينة. على سبيل المثال، قد نلاحظ أن الطالب يعمل بجد في كل مهمة تقريبا تسند اليه، من هذا نستنتج أن الشخص الذي لديه دافع سيسعى لتحقيقه. يبدو أن جميع السلوكيات البشرية تنشأ استجابة لشكل من أشكال التحفيز الداخلي (الفسيولوجي) أو الخارجي (البيئي). ومع ذلك، فإن السلوكيات ليست عشوائية وغالبا ما تنطوي على غرض أو هدف. غالبا ما يعتقد أن السلوكيات تحدث نتيجة لإثارة دوافع معينة. وبالتالي يمكن تعريف الدافع بأنه عملية تنشيط السلوك والحفاظ عليه وتوجيهه نحو هدف معين. عادة ما يتم إنهاء العملية بمجرد تحقيق الهدف المنشود من قبل الشخص. تسمى عملية بدء العمل تقنيا "الدافع". توجيه السلوك نحو هدف معين هو جوهر الدافع،الدافع ليس دائما ملحوظا بشكل مباشر، يتم الاستدلال عليه واستخدامه لشرح السلوك. عندما نسأل "ما الذي يحفز الشخص على القيام بمهمة معينة؟" عادة ما نعني لماذا يتصرف هكذا. وبعبارة أخرى، فإن الدافع، كما هو شائع الاستخدام، يشير إلى سبب السلوك. ومن المثير للاهتمام أننا لسنا على دراية بجميع دوافعنا. يمكن أن يحكم السلوك دوافع غير واعية أيضا. إذا كان فهمنا للدوافع صحيحا، فلدينا أداة قوية لشرح السلوك. نحن نشرح سلوكنا اليومي من حيث الدوافع المختلفة و تساعدنا الدوافع أيضا على التنبؤ بالسلوك فقد نتوقع ما سيفعله الشخص في المستقبل. قد لا تخبرنا الدوافع بالضبط بما سيحدث ولكنها تعطينا فكرة عن مجموعة الأنشطة التي سيقوم بها الشخص. وبالتالي فإن الشخص الذي يحتاج إلى تحقيق نجاح أكاديمي سيعمل بجد في المدرسة، والفرد الذي يسعى للتفوق في الرياضة سيبذل الجهد الكثير في التدريب الشاق في هذا المجال ؛ وبالمثل في الأعمال التجارية وفي العديد من الحالات الأخرى.

المفاهيم الأساسية للدوافع

هناك بعض المصطلحات التي ستصادفها عادة عندما تقرأ حول الدوافع مثل الاحتياجات والأهداف والحوافز وما إلى ذلك. دعونا نفهم بعض هذه المفاهيم.

(أ) الاحتياجات والدوافع

الحاجة هي حالة من نقص أوعجز فقدان شيء مطلوب من قبل الكائن الحي. من أجل الحفاظ على التوازن، يجد الكائن الحي أنه من الضروري تلبية الاحتياجات. الاحتياجات هي من أنواع مختلفة مثل الحاجة إلى الغذاء أو الماء وهي حاجات فسيولوجية، والتي تنشأ عن نقص أو فقدان الغذاء أو الماء لدى الكائن الحي. احتياجات الإخراج والتبول هي أيضا احتياجات فسيولوجية ويرجع ذلك إلى ضرورة قيام الكائن الحي بالتخلص من الفضلات من الجسم. الحاجة إلى الاتصال مع أشخاص آخرين هي حاجة اجتماعية وتشمل الاحتياجات الاجتماعية الأخرى الحاجة إلى الهيبة والمكانة والمودة واحترام الذات وما إلى ذلك. يصبح الشخص أكثر وعيا باحتياجاته عندما لا يتم تلبيتها وبعبارة أخرى، عندما تكون جائعا، فأنت بحاجة إلى الطعام، وعندما تشعر بالعطش تحتاج إلى الماء، في هذه الحالات تكون في حالة من الحرمان ويعاني نظامك الجسدي من نوع من عدم التوازن. يمكن تصنيف الاحتياجات على نطاق واسع على أنها احتياجات أولية أو فسيولوجية واحتياجات ثانوية أواجتماعية. الاحتياجات من الغذاء والماء والجنس والنوم والراحة وقضاء الحاجة هي الاحتياجات الأساسية. احتياجات الإنجاز والانتماء والسلطة هي أمثلة على الاحتياجات الاجتماعية. يشير مصطلح "الدافع" إلى السلوك الموجه نحو الهدف والظروف المحركة داخل الكائن الحي التي تقود السلوك. والتي تستخدم بشكل عام للإشارة إلى ظروف معينة، إلى جانب الإثارة، تهيئ الشخص للاستجابة، أو التصرف بطريقة مناسبة لهذا الدافع، الدوافع توجه فعل الفرد نحو أهدافه.

(ب) الأهداف

التفكير في الهدف يحفز الشخص على تنظيم عمله فإذا كان الجوع حاجة، فإن تناول الطعام هو الهدف وبالتالي فإن الهدف مرتبط بحالة الحاجة. ومع ذلك، في بعض الحالات، يسترشد السلوك أيضا بأهداف داخلية وهذا يعني أن السلوك لا يحتاج دائما إلى هدف خارجي فقد يكون مرضيا وممتعا في حد ذاته. قد يرغب بعض الأشخاص في الغناء أو الرقص أو اللعب فقط من أجل الغناء أو الرقص أو اللعب لانهم يحبون مثل هذه الأنشطة وبالتالي يمكن أن تكون الأهداف داخلية أو خارجية.

(ج) الحوافز

تشير الحوافز إلى ألاشياء المستهدفة (التي يهدف الشخص للحصول عليها) والتي تلبي احتياجاته. تختلف الحوافز من حيث النوعية والكمية مما يجعلها أقل أو أكثر إرضاء وجاذبية. وبالتالي يمكن للمرء أن يبذل قدرا أكبر من الجهد لتحقيق حافز أكثر جاذبية.والواقع أن العديد من الحوافز تكتسب أهمية كبيرة في حياة الناس ويفعلون كل شيء ممكن للحصول على تلك الحوافز.

(د) الغرائز

الغريزة هي مفهوم قديم في مجال الدوافع. يتم تعريفه على أنه قوة بيولوجية فطرية تهيئ الكائن الحي للعمل بطريقة معينة. في وقت من الأوقات كان هناك افتراض بأن جميع السلوكيات نتيجة لبعض الغرائز. بعض الغرائز التي حددها علماء النفس الأوائل هي القتال، والنفور، والفضول، وإهانة الذات، والاستحواذ، إلخ. كان يعتقد أن الغرائز موروثة ومصادر مقنعة للسلوك، ولكن يمكن تعديلها من خلال التعلم والخبرة. لم يعد هذا المصطلح يستخدم فيما يتعلق بالسلوك البشري. يتم استخدامه لتفسير سلوك الحيوان في بعض الأحيان . في الاستخدام الحالي، يستخدم مصطلح "الغريزة" لوصف ميول الاستجابة الفطرية بين الحيوانات.

أنواع الاحتياجات

من الصعب تصنيف الاحتياجات إلى فئات متميزة لأن السلوك الذي يظهره الفرد في وقت معين ليس نتيجة لحاجة واحدة. تساهم العديد من الاحتياجات أو الدوافع في ذلك، ولكن على أساس المعلومات المكتسبة من خلال تحليل السلوك البشري، حاول علماء النفس تصنيف الاحتياجات البشرية إلى فئتين عريضتين. كما ذكرنا سابقا، هذه الفئات هي كما يلي: (ط) الاحتياجات الأولية أو الفسيولوجية، و (ب) الاحتياجات الثانوية أو الاجتماعية-النفسية.                           الاحتياجات الأساسية متجذرة في الحالة الفسيولوجية للجسم، فهي فطرية وتشمل الظروف الجسدية مثل الجوع والعطش والجنس وتنظيم درجة الحرارة والنوم والألم. هذه الاحتياجات هي من النوع المتكرر يمكن تلبيتها لفترات قصيرة فقط. الاحتياجات الثانوية أو الاجتماعية-النفسية هي فريدة من نوعها وخاصة بالبشر. يتم تعلم الكثير منها وتدفع الفرد نحو أنواع خاصة من السلوكيات. نظرا لأن هذه الاحتياجات يتم تعلمها، فإن قوتها تختلف اختلافا كبيرا من فرد إلى آخر. بعض الاحتياجات الاجتماعية-النفسية الهامة هي السلطة والانتماء والإنجاز والقبول. طور علماء النفس عددا من الاختبارات الموحدة لتقييم هذه الاحتياجات ويمكن أيضا تقييمها من خلال إجراءات اخرى.

التسلسل الهرمي للاحتياجات

جادل أبراهام ماسلو، الذي كان عالما نفسيا إنسانيا، بأن الاحتياجات مرتبة في خطوات تشبه السلم. اقترح ترتيبا متزايدا للاحتياجات من المستوى الفسيولوجي إلى السمو الذاتي. يبدأ ترتيب الاحتياجات من البقاء الأساسي أو احتياجات الترتيب الأدنى إلى احتياجات الترتيب الأعلى و مع تلبية مستوى واحد من الحاجة، ستظهر حاجة أخرى أعلى مرتبة وتكتسب أهمية في الحياة وسماه التسلسل الهرمي للاحتياجات ويسمى (هرم ماسلو) . الاحتياجات كما اوردها هرم ماسلو هي:

الاحتياجات الفسيولوجية: أقوى وأدنى مستوى من جميع الاحتياجات هي الاحتياجات الفسيولوجية. وبالتالي فإن احتياجات الجوع والعطش والجنس وتنظيم درجة الحرارة والراحة تحتل أدنى خطوة في السلم. وفقا لماسلو، عندما تحرم هذه الاحتياجات الفسيولوجية لفترة طويلة، تفشل جميع الاحتياجات الأخرى في الظهور يجب أن نأكل لنعيش. العمليات الكيميائية الحيوية التي تحافظ على الحياة تحصل على طاقتها والمواد الكيميائية من الطعام. يؤدي الحرمان من الطعام إلى تقلصات في المعدة يشعر بها الفرد كآلام جوع. عندما يحدث هذا، ينفق الفرد الطاقة في محاولة للحصول على الطعام. عوامل مثل العادات والتقاليد الاجتماعية تؤثر أيضا على سلوك الأكل. يمكننا أن نبقى بدون طعام لأسابيع ولكن لا يمكننا العيش بدون ماء لأكثر من بضعة أيام. يوجه الدماغ الكائن الحي للحصول على الماء. تختلف الحاجة الجنسية في كثير من النواحي عن الجوع والعطش، الجنس ليس حيويا لبقاء الكائن الحي ولكنه ضروري لبقاء النوع.

احتياجات السلامة : عندما يتم تلبية الاحتياجات الفسيولوجية تصبح احتياجات السلامة هي القوة المهيمنة في الحياة. تهتم احتياجات السلامة بشكل أساسي بالحفاظ على النظام والأمن، للشعور بالأمن والأمان والخروج من الخطر.

احتياجات الحب والانتماء: هذه هي احتياجات إقامة علاقة حميمة مع أعضاء المجتمع الآخرين. يريد الناس أن يصبحوا أعضاء مقبولين في مجموعة منظمة، ويحتاجون إلى بيئة مألوفة مثل الأسرة. وتعتمد هذه الاحتياجات على تلبية واشباع الاحتياجات الفسيولوجية واحتياجات السلامة.

احتياجات التقدير: تنقسم احتياجات التقدير إلى الفئتين التاليتين:(أ) الاحتياجات المتعلقة باحترام الآخرين مثل السمعة والمكانة والنجاح الاجتماعي والشهرة. تحدث الحاجة إلى التقييم الذاتي في الأشخاص الذين يتمتعون بموقع مريح وراضون بعد أن تم تلبية احتياجات الترتيب او السلم الادنى. على سبيل المثال، قد يصبح المحترف المختص الذي اكتسب سمعة عالية وليس لديه قلق بشأن الحصول على وظيفة، في موقع الذي يختار نوع العمل الذي سيقبله.                                                                                                              (ب) احترام الذات وتقديرالذات واعتبار الذات هو النوع الآخر من احتياجات التقدير تشمل الحاجة إلى تحقيق والحصول على القبول والاعتراف بالكفاءة من قبل الاخرين،الحاجة إلى الشعور بالتفوق على الآخرين تندرج أيضا تحت هذه الفئة. لتحقيق ذلك، قد يشتري الشخص ملابس ذات نوعية جيدة ومكلفة.

تحقيق الذات: يشير تحقيق الذات إلى الرغبة في الاستفادة من قدرات المرء الشخصية، وتطوير إمكاناته على أكمل وجه والانخراط في الأنشطة التي تناسب المرء تماما. يجب على المرء أن يدرك ويكون راضيا عن أنه حقق ما يستطيع تحقيقه. لا يمكن تحقيق الذات إلا عندما يتم تلبية احتياجات الشخص إلى درجة أنه لا يشتت أو يستهلك كل الطاقة المتاحة. عندما ينجح الشخص في تلبية احتياجاته ذات الترتيب الأدنى،عندها فقط يمكنه التصرف بناء على احتياجاته العليا.

تجاوز الذات او التسامي الذاتي: هذا هو أعلى مستوى من الحاجة حيث يصبح الشخص واعيا للواقع الأوسع. إنه يتجاوز حدود الذات ويهتم باحتياجات الجماعة والمجتمع. في هذا المستوى يصبح المرء على بينة من البشرية جمعاء، في هذا المستوى تصبح الاهتمامات الروحية مهمة جدا. في هذا التسلسل الهرمي، من المفترض أن احتياجات الترتيب الأدنى مضمونة حتى يتم تلبية هذا المستوى إلى حد ما ثم يأتي التالي وهلم جرا. ومع ذلك، يشرح ماسلو أن ذلك لايعني أن كل فرد يتبع هذا التسلسل الهرمي خطوة بخطوة، هنالك استثناءات. يخاطر الفرد أحيانا بحياته لإنقاذ شخص ما أو لإنقاذ شيء عزيز من خلال المخاطرة باحتياجات السلامة الخاصة به. هناك أمثلة معينة في التاريخ عندما ضحى ناس بحياتهم لإنقاذ اخرين. كان هناك مناضلون من أجل الحرية جاعوا حتى الموت وهم يقاتلون من أجل قضية حرية البلاد. هنا حلت احتياجات الترتيب الأعلى محل احتياجات الجوع والعطش. في بعض الأحيان يرفض الفرد الحب والعائلة والأصدقاء وما إلى ذلك عن طريق الانتحار، وبالتالي يتحدى احتياجات الحب والشعور بالانتماء. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن التسلسل الهرمي لا يعني أن احتياجات الترتيب الأدنى تصبح نائمة بمجرد تلبيتها وتصبح احتياجات الترتيب الأعلى نشطة .

***

د.أحمد المغير/طبيب اختصاصي وباحث

في المثقف اليوم