قضايا

من هو المثقف؟

محمد عرجونيحينما نتحدث عن المثقف، غالبا ما نستحضر المستوى المعرفي فيصبح المثقف هو ذلك الشخص الذي يعرف بطبيعة الحال القراءة والكتابة، معتقدين أنهما سمتان أساسيتان تميزان المثقف عن الإنسان "العادي". ثم سرعان ما نضيف إليهما سمتي الكاتب والمفكر، وهكذا نكون شكلنا صورة المثقف. صورة نمطية ما عداها لن يكون الشخص مثقفا. فإذا بحثنا عن مفهوم المثقف، ونكتفي في ذلك بفيلسوفين اثنين تركز عليهما اهتمامات الباحثين، وهما الفيلسوف الإيطالي جرامشي و الفيلسوف الفرنسي، فوكو. فنجد بالنسبة للأول على أن مفهوم المثقف مرتبط بالانتماء الطبقي، فيركز خاصة على ما يسميه بالمثقف العضوي. فيكون هكذا هذا المثقف بمثابة لسان حال الطبقة العاملة حيث يصبح الوسيط بينها وبين السلطة مدافعا عن مصالحها ومرافعا عنها أمام الطبقة التي تستغله. وترجع عضويته تلك إلى كونه منتميا لهذه الجماعة ومساندا لها وشاحذا وعيها بدورها في المجتمع. المثقف العضوي إذن هو الذي يلعب دور المنظم والمحفز من أجل توعية جماعته التي ينتمي إليها. فقد يكون هذا المثقف معلما أو تقنيا أو مسؤولا إداريا عن مصنع الخ… فنفهم من جرامشي أن المثقف هو ضمير المجتمع.

أما عند فوكو، فالمثقف لم يعد ضميرا للمجتمع. لم يعد ذلك المثقف الكوني كما نظرت له الفلسفة الماركسية والوجودية. بالنسبة لفوكو، أصبح مفهوم المثقف يعني التخصص. أي يتحدث فوكو عن المثقف المتخصص وليس المثقف الكوني. وهكذا يسحب منه ذلك الدور الطلائعي، أي يسحب منه مهمة سن القوانين واقتراح الحلول لمشكل ما أو القيام بدور الموجه. المثقف يصبح بالنسبة إليه يقوم بدور المحلل للفكر كما يقوم بتوضيح مسألة معينة أو الكشف عن حالة خاصة. وهكذا يكون مرتبطا بميدان اهتمامه كناقد أو محلل أو مفسر لظاهرة معينة لها علاقة باختصاصه.

بعد أن أشرنا باقتضاب لمفهومين متداولين، فماذا يعني مصطلح : المثقف لغويا؟

بالرجوع إلى المعجم اللغوي، نجد ما يغني حديثنا : ثقِف و ثقُف الشخص، أي صار حاذقا وفطنا. هنا نتساءل : هل الكاتب أو المفكر وحدهما من يكونا حاذقين وفطنين؟ ما يعني أن الأغلبية الساحقة، التي لا تدخل في هذا التنميط، لا تتميز بهاتين الميزتين؟ لكن الواقع يبرز لنا العكس. إن الشخص الحذق وصاحب الفطنة هو من يمارس واقعه يوميا ويكتوي بمشاكله، هو من يلمس واقعه ويتصرف حسب ظروفه. وهذا الشخص في مجتمعنا، لا ينتمي لصنف المثقف الذي اعتدنا على تصوره كاتبا مبدعا، أو كما تحدث عنه جرامشي أو فوكو مثلا، الخ... فغالبا هذا الصنف الأخير، مع بعض الاستثناءات، يكون أقل فطنة من الشخص "العادي"، لأنه يكتفي بعالمه الذي يتخيله وينظر له بعيدا عن الواقع. لهذا، وحسب مفهوم المثقف كما تطرقنا إليه لغويا، لا يمكن أن ينعت بالمثقف وإنما نكتفي بنعته بالكاتب الحالم أو المنظر فقط.

وجب علينا إذن أن نوضح أن المثقف، سواء كان صاحب قلم أو صاحب غنم، هو الإنسان الواعي بواقعه والذي يسعى إلى تغييره او تحسينه او تكييفه، أي خلاصة القول، المثقف مفهوم مرتبط بمستوى وعي الشخص. ولهذا حينما نتحدث عن مجتمع مثقف فإننا نستحضر مستوى تحضر هذا المجتمع الذي استطاع بفضل وعيه أن يقدم للإنسانية حضارة لا تبلى...

***

 محمد العرجوني

 

في المثقف اليوم