قضايا

المعرفة الجمالية (اللذة والمتعة)

نعرف أن الجمَال لحظات متناوبه بين الزمان والمكان، وهو صورة، والصورة لا تتولد إلا من خلال مادة، والمادة لا تحيا من العدم إلا من خلال تجلي الصورة فيها، سواء حدث ذلك فعلاً أو خيالاً، وقد أشار أرسطو لذلك عندما أكد أن المادة عدم، والصورة كون، ولا يمكن أن توجد المادة إلا بصورة، لتنقلها من القوه إلى الفعل، اي من العدم إلى الوجود، وهكذا يتم الوجود عند الفلاسفة، كذلك الخلق الجمالي للأشياء  أو صناعتنا الجمال ليس بعيده عن هذه لأنها جزء من النظرية الوجودية، كما أن نظام الخلق عند الله لا يتم إلا من خلال ربط الغاية بالجمال كما لو أن انتشار الغيوم في السماء لا تخلو من فائدة وجود المطر، فالجمال صورة والصورة تحتاج المادة للتجسيد لكي يتم تذوقها والاحساس بها، كما إن اللذة تنفعل من خلال المادي كون الحواس هي المسؤولة عن فعل التذوق، اما المتعة فهي الصورة التي تتكون عن اللذة سواء كانت خيرة أو شريرة، مفرحة أو حزينة، رائعة أو مؤلمه، وهذا كله يقع على مسؤولية الإحساس والادراك الذي يخضع لدوافع نفسية ومكونات ثقافية  .فاللذة معرفة، و المعرفة تصور، وصورة اللذة تكمن بالمتعة اي معرفتها، والمعرفة  تذكر كما يرى أفلاطون  وتبعه في ذلك كروتشه الذي اعتبر المعرفة الجمالية تذكر لأنها ترتبط بالإحساس، ثم بعد ذلك يتدخل الحس المشترك من خلال الخيال  لتكوين تلك الصورة الجمالية التي تبقى محفوظة بالذهن متى ما حدث موقف مشابه يتم استحضار صورة اللذة، فهذه اللحظة تجمع بين تذكر المتعة والموقف التي رافقها أثناء التذوق، وهذا يمكن تمثله بالمريض الذي يشعر بالألم ويتناول شيئاً يجعله يشعر بالراحة، يبقى يتذكر هذه الراحة حتى عندما يصح بدنه بمجرد تذوق الذي شعرهُ بالراحة، وهكذا هي اللذة الجمالية، فعندما نستمع لقصيدة شعرية ذات كلمات جميلة تذكرنا بحدث معين أو شخص معين، يجري الفرح أو الحزن في عروقنا، وكلما تكرر سماع القصيدة تحضر نفس الصورة، إذ تمتزج المتعة بالحدث ليتجلى الجمال في نفوسنا، فاللذة الجمالية لا تكتمل إلا بوجود حدث أو موقف، النظر إلى الأشياء، وهي عبارة عن تجلي الصورة بالمادة أو جعل اللذة تمتزج  بالحدث لكي يسهل على الحس الشعور بها وتصورها، وهذا ما يحدث في الدراما والسينما والصور الشعرية أو النثرية إذ تستمد جمالها من ربط الأحداث باللذة، لذلك يرى كروتشه أن النظر إلى لوحة جميلة يثير في انفسنا شعور كئيباً، أو النظر إلى لوحة قبيحة يثير فينا شعورا طيباً، هذا ما يدلل على أن الحدث هو الذي يجسد اللذة الجمالية في نفوسنا، وخير من توسع بتلك المعرفة الحسية للجمال هو الفيلسوف كانت عندما قرر أن التذوق يخضع لأربع لحظات، الأولى : كيفية الشعور، وكمية الرضا، وعلاقة الاتفاق بين الاستمتاع والموضوع، والتقاط الشكل دون تصور مسبق . فاللحظة الجمالية هي التي تجمع الشعور بالحدث لتكوّن المُتعة الجمَالية، اذن اللحظة الجمالية هو الذي يجمع الارتياح بالفهم .

***

كاظم لفته جبر

في المثقف اليوم