قضايا

ظاهرة هجرة الأدمغة العربية.. من المسؤول عنها؟

و أنا أقرأ مقالا تحت عنوان: (عثمان بوقطاية.. نجم زيّن سماء أستراليا )، للكاتبة ليلى تباني، تناولت فيه قصة نجاح وسنوات كفاح العالم، الباحث الجزائري" عثمان بوقطاية "، المغترب في قارة أستراليا، والذي تقول عنه الكاتبة ليلى تباني، أنّه رفع " التحدّي، وطوّر طريقة جديدة لتحسين مجال الحوسبة الذكية والمشاريع الإلكترونية التي تلبي احتياجات المجتمع، ونشر أوراق بحثية عالية الجودة في مجال الحوسبة والداتا رقمية، التي تعتبر من المشاريع الإلكترونية التي تلبّي احتياجات المجتمع وتسهل التواصل الرقمي حتى مع الأشياء " بيانات إنترنت الأشياء " " data things" والتي تسرع وتيسر في تطوير الخدمات، ونظير تطويره هذا التطبيق الذكي العملي اختير من طرف جامعة سيدني " مساهما متميّزا في جمعيّة "IEEE Coputer Society ". فضلا عن الجوائز والتكريمات التي حصل عليها من جامعات أميركا " *.

بلعت ريقي وتضمّخ جبيني دهشة وعرقا، إعجابا بهذا العربيّ المسلم، الذي سطع نجمه في سماء غير سماء بلاده وأمته، وقفزت إلى ذهني الأسئلة التالية: من المسؤول عن هجرة هذه الأدمغة العربية إلى الغرب؟ لماذا يشعّ العقل العربي في الغرب، وينطفيء في وطنه الأم؟ من المسؤول؟ من المستفيد؟ ما هو الحلّ للحدّ من هذه الظاهرة؟ ألم تكفنا السواعد والأبدان، حتى تضاف إليها هجرة الأدمغة النيّرة؟

ما أكثر العلماء العرب، الذين حقّقوا نجاحات باهرة في جامعت أوربا الغربيّة وأمريكا وأستراليا واليابان، في شتى مجالات العلوم الدقيقة والعلوم الإنسانيّة. بينما كانوا في أوطانهم مغمورين ومهمّشين و( محقورين ) ومحاصرين. فمنهم من بزّ أقرانه من علماء الغرب وتفوّق عليهم، بل ارتقى إلى مرتبة المعلّم والأستاذ المتفوّق، وجعلهم في مرتبة الطلاب والتلاميذ. فقد برع أساتذة وعلماء خارج أوطانهم – بالرغم من أنّهم أخذوا معارفهم الابتدائيّة والإعدادية والثانويّة والجامعيّة في مدارسها وثانوياتها وكليّاتها ومعاهدها – برعوا، في ميادين الفيزياء والكيمياء والرياضيّت، كالعالم المصري أحمد زويل – رحمه الله -. وو جرّاح القلب البروفيسور مجدي يعقوب وعالم الفضاء البروفيسور فاروق الباز، سهى القيشاوي، مصطفى شاهين، يوسف تومي كمال، محمد الأوسط العياري، وداد المحبوب، إدوارد سعيد، إلياس جيمس خوري، وغيرهم من علماء الفضاء والاجتماع والفلسفة والأدب

عنّ ما يحز في النفس، ويملأ القلب حسرة. هو عدم اهتمام اهل الحل والعقد في بلادنا العربيّة بأبنائهم ومواطنيهم من العلماء المهاجرين إلى بلاد الشرق والغرب. وكأنّهم في حلّ من أمرهم، ولا علاقة لهم بهم.

و هكذا نجد أمتنا تزرع وتغرس، فإذا أينع الزرع وأثمر الغرس، ذهب الحصاد والجني إلى أمم اخرى. وذلك راجع، في الأصل، إلى عوامل متعدّدة، لعلّ من أهمها، فقدان مناخ الحريّة في ميادين البحث العلمي، وانعدام الإمكانيات الماديّة التي يقوم عليها البحث العلمي، وتعرّض العالم، الباحث إلى التهميش الاجتماعي والمعنوي، ووضع العالم في خانة مصلح الأحذية أو نادل المقهى أو بائع المناديل والساندويشات في عربات القطار الشعبي، وهلّم جرّا. ألا ما أفدحها من خسارة.

و في هذه الحالة، سيكتشف العالم، الباحث العربي، أن عقله في خطر، وما تعلّمه وأنجزه من بحوث علميّة، لا محلّ لها من الإعراب. ولا أحد من مسؤولي المؤسسات الاقتصادية ؛ الصناعيّة والفلاحيّة، قد التفت نحوه. وكأنّه يعيش في بيئة ملقّحة ضد (فيروس) العلم. ممّا يضطرّه، ذلك، إلى الهجرة نحو أوربا أو أمريكا أو كندا أو أستراليا، بحثا عن مستقبل حياته الضائع في وطنه، وحفاظا على سلامة عقله من الجنون، وسعيا لاستثمار أفكاره العلميّة أو الفلسفيّة أو الأدبيّة، في جوّ من الحريّة والطمأنينة والتطلّع إلى المزيد من البحث والرقيّ والازدهار، بعيدا عن بيئة الاستبداد السياسي والتسلّط الطوباوي، والتهميش الثقافي والعلمي.

إنّه، لمن العيب والعار، أن تعاني فئة العلماء الباحثين في وطنه من البطالة، والأجر الزهيد، والتسلّط السياسي، ومصادرة الحريّة، في الوقت الذي تجد فيه، هذه الفئة، في أوربا، وبلاد الغرب، عوامل النجاح كلّها.

و تشير الأبحاث الاجتماعية والدراسات السياسية إلى أنّ ظاهرة هجرة الأدمغة العربيّة نحو الغرب، قد تفاقمت مؤخرا، خاصة بعد اندلاع الربيع العربي.

و قد أشار الأستاذ الباحث، سلام الكواكبي، وهو مدير مكتب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بباريس وباحث مشارك في مبادرة الإصلاح العربي إلى أنّ "

50% من الأطباء و،23 % من المهندسين و15% من العلماء في البلدان العربية يهاجرون، متجهين بوجه الخصوص إلى أوربا وأمريكا الشمالية، كما أن ما يقرب من من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم ".* %54

وقال الدكتور نوير في حوار خاص مع swissinfo.ch: "في الوقت الذي بدا فيه الاتفاق بين منظِّـري التنمية في العالم على أهمية قطاع البحوث والتطوير، بوصفه قاطرة التنمية ومحرّكها وتصاعدت الدعوات مؤكدةً على أهميته وأولويته، كانت قوافل العقول والأدمغة العربية تنزح من الدول النامية، متّـجهة ناحية الشمال والغرب، فيما عُرف باسم هجرة العقول التي تعطي مَـن يملك الكثير، خصماً ممّـن لا يملك إلا القليل، بفعل جاذبية الحياة الأفضل والإمكانات الأكبر والشُّـهرة العالمية الواسعة". *

أما الباحث الأكاديمي التونسي أنور الجمعاوي، فقد خلص في مقال له بعنوان (عقول العرب المهاجرة)، على نتيجة مفادها أن " لا سبيل اليوم إلى بلوغ سنام الحداثة وكسب معركة التقدّم التّقني والتطوّر الاقتصادي للعالَم العربي من دون العمل على استنبات المعرفة في سياق عربيّ، والسّعي إلى الإحاطة بالعقول الذاتيّة المُبدعة ورعايتها وتوفير الظّروف المناسبة لصقل مواهبها، واستثمار قدراتها الذكيّة في إنتاج الأفكار وإبداع المخترعات والانتماء إلى مجتمع المعرفة، ذلك أنّ العقل العربيّ المُبدِع هو أساس التقدّم المنشود لا محالة." ***

إذن، هي ظاهرة مرضيّة، بل جائحة مدمّرة - أخطر من جائحة كورونا، واشدّ دمارا - أصابت المجتمعات الجنوبيّة عامة، والمجتمعات العربيّة على وجه الخصوص، في مقتل. يتحمّل مسؤوليتها الأنظمة السياسيّة القاصرة والعاجزة عن احتوائها ومعالجتها بحكمة راشدة وآليات ذكيّة، وتأنّ وبعد نظر عاجلا وليس آجلا.

***

بقلم الناقد والروائي: علي فضيل العربي – الجزائر

.................

هامش:

 * حوار الدكتورعبد السلام علي نوير على موقع:

 SWI swissinfo.ch

** مقال (عثمان بوقطاية.. نجم زيّن سماء أستراليا) – ليلى تباني صحيفة المثقف العدد5859 – 20/09 / 2022.

*** الكواكبي سلام – 2011 م. ويكيبيديا.

****مقال (عقول العرب المهاجرة) - أنور الجمعاوي. مجلة أفق التابعة لمؤسسة الفكر العربي.

في المثقف اليوم