قضايا

الزواج بين الجوهر وجنون الرأسمالية..

قد يصادف أن تكون بعيدا كل البعد عن الحفلات والأعراس منذ زمن بعيد كنت فيه صغيرا وكانت الأعراس مزيجا من البساطة والفرح. ثم يحدث أن يتزوج أحد أفراد العائلة فتعود لجو لم يعد بسيطا كما كان تحضيرا لدخول: حياة زوجية.

منذ أن وُجد الزواج على سطح الأرض وهو مؤسسة قائمة بذاتها لها أسسها وقوانينها وجوهرها الروحي، فقد تزوج أجدادنا القدامى وآباؤنا وأمهاتنا على أساس تكوين أسرة وتربية أبناء وعلى بساطة تفكيرهم كانت زيجاتهم وإن لم تساير العصر الحديث لكنها ارتباط وثيق بين شخصين لم يعد كما كان عليه منذ أن أتت الرأسمالية على كل شيء ولم تترك مجالا من مجالات الحياة إلا واقتحمته فحولت الزواج من مؤسسة لها أهدافها البَعدية إلى مظهر مؤقت تحكمه المؤسسات التجارية.

هي نظرة اعجاب أو حب ربما تتحول لخطوبة، خطوبة تتحكم فيها آخر صيحات الموضة بدء بالخاتم الذي صار مظهرا اجتماعيا أكثر منه علامة ارتباط ووسيلة، وسيلة تليها عديد الوسائل، فالرأسمالية لم تترك شيئا لم تبتكره لتصبح بحرا يبتلع كل ما في جيوب البسطاء في المجتمعات العربية والمغاربية من الذين يسهل خداعهم على مواقع التواصل الاجتماعي التي هي من ضمن أدوات السيطرة على العقول حينما تقع في يد التجار الذين يستعدون لفعل أي شيء مقابل خداع العقول البسيطة التي يتم سلبها عن طريق قنوات تعلم الفتاة كيفية التحضير للخطوبة من اللباس إلى ديكور البيت وآخر صيحات الموضة حتى في تحضير الحلويات، نعم هذا الرباط المهم صار خاضعا لآخر صيحات الموضة بدء بما يتم تقديمه عند دخول أهل العريس من مملحات أو سكريات مع عصائر ثم الانتقال إلى القهوة وما يرافقها من شتى أنواع الحلويات التي يجب أن تكون على الموضة من لون الحلوى حتى زينتها التي هي مزيج من مواد كيميائية تضر الجسم أكثر مما تنفعه، والتي يجب حسبهم وضعها في دانتيل يعبر على عن أرستقراطية زائفة وسط علبة تشبه علب الملوك التي كانوا يخبئون فيها مجوهراتهم الثمينة، وكل هذا صنيع الرأسمالية التي اقتحمت الزواج وجعلت منه مظهرا منذ خطواته الأولى.

وتستمر خطوات التحضير للزواج وسط هوس بمحلات بيع سلع العرائس التي تثير ولعا عند الفتيات خاصة لتتدخل العادات والتقاليد في شقها البالي وتجعل منه الشركات مصدرا للثروة من خلال فساتين تقليدية تجهزها العروس وكأنها ليست ذاهبة لبناء أسرة بل من أجل الذهاب لحفلات أعراس أخرى تتكرر فيها نفس المظاهر.

نعم الفتيات في المجتمعات العربية والمغاربية (لسن كلهم) يتمحور اهتمامهن على شراء وخياطة فساتين الأفراح والمجوهرات التي تكلف ثروة في غياب كل تفكير عملي وجوهري، فهذه مظاهر لا يختلف عليها اثنان وليست جوهر الزواج الذي هو ارتباط من نوع آخر قد لا يكتشفه الزوجان حتى بعد عمر وعشرة طويلة يقضيانها في ركض وراء ما تقدمه الشركات من عروض لتغيير ديكور البيت وآخر صيحات الموضة كذلك في لباس الأطفال وطريقة الاحتفال بعيد ميلادهم وحتى موضة الأدوات المدرسية وموضة لباس الأطفال والتباهي بشراء أغلى الألبسة وما تبعها من اكسسوارات هي مجرد مظاهر ولا يختلف في هذا الرجال عن النساء، فالعريس يهتم ببشرته وموضة طاقم الخطوبة والعقد والزفاف وشكل الخاتم وقصة الشعر والسيارة أو ربما الكالاش وصالة العرس والعشاء وكلها خدمة لمصالح التجار الرأسماليين.

لهذا يختلف حفل الزفاف عن الخطوبة في الاهتمام بالمظاهر دون الجوهر، هذا الأساس الذي لا يلتفت إليه أي طرف ليجد نفسه مع شخص لا تربطه به سوى مظاهر أنجبتها الرأسمالية على حساب مشاعر الود والاحترام بين الطرفين، فقضت على الاحترام لعدم تلبية مظهر زائد عن الحاجة يتحول إلى أساس قد تُدمر بسببه أسرة لم تنتبه في غفلة التباهي بالماديات أمام المجتمع المولع بها تقوية رباطها الروحي، هذا الرباط الذي قوى أواصر المودة بين أجداد أجدادنا وآبائنا وأمهاتنا والذي نراه جليا أمامنا فيما تبقى من تلك البساطة الآخذة في الاندثار.

***

لامية خلف الله/ كاتبة من شرق الجزائر

 

في المثقف اليوم