قضايا

ما الذي يجعل كافكا فيلسوفا وجوديا؟

كان يجلس كالعادة في مكانه المعتاد في المقهى، يبدو محني الظهر منهمك بالكتابة. بين الحين والآخر ينظر باتجاه النافذة المطلة على الشارع. كان في الثلاثين من عمره، يخطط لنشر مقالته الشهيرة " تعالي الأنا الموجود " في كتاب بعد ان لفتت اليها الانظار عندما نشرها في مجلة " دراسات فلسفية " عام 1934. دخلت رفيقته سيمون دي بوفوار كانت آنذاك في السابعة والعشرين من عمرها، جلست، قال لها بطريقة توحي باكتشاف سر عظيم انه عثر على نصوص جديدة لهوسرل. كان سارتر آنذاك قد انغمس حتى اذنيه في الفلسفة الظاهراتية ومؤسسها الالماني إدموند هوسرل. تتذكر سيمون دي بوفوار كيف حفز ريمون آرون صديقه سارتر على قراءة كتابات هوسرل، فهذا فيلسوف غير تقليدي، هكذا نطق آرون وهو يتحدث بحماسة عن الظاهراتية التي تذهب الى الحياة مباشرة تُجربها لحظة بلحظة. عندما وضعت سيمون دي بوفوار حصيلتها من الكتب والمجلات على المنضدة. قالت انها حصلت على نسخة من رواية كافكا " المحاكمة ". كان سارتر وسيمون دي بوفوار قد قرءا رواية " المسخ " في المجلة الوطنية الفرنسية:" فهمنا ان الناقد الذي وضع كافكا الى جانب جويس وبروست لم يكن مازحا " – سيمون دي بوفوار قوة العمر ترجمة محمد فاطومي – كانت وجهة نظر سارتر ان نصوص كافكا لايمكن اختصارها في تفسير واحد، وانه من غير الملائم البحث عن رموز تساعد على تاويلها، لأن هذه الاعمال تُعبرعن نظرة شمولية للعالم. تكتب سيمون دي بوفوار في مذكراتها " قوة العمر " بعد الانتهاء من قراءة المحاكمة، عن كافكا قائلة:" كان بالنسبة الينا واحدا من الكتب النادرة والرائعة التي لم نقرأ مثلها منذ زمن بعيد ".ستكتشف دي بوفوار بعد سنوات عندما اصدر سارتر روايته " الغثيان " ان " ك " بطل رواية "المحاكمة "، كان انسانا شديد الاختلاف، متطرف ويائس جدا، مثله مثل انطوان روكنتان بطل الغثيان، ففي كلتا الروايتين اتخذ البطل من محيطه العائلي مسافة تهدم النظم الانسانية، تجعله يسقط في ظلمات موحشة. كان اعجاب سارتر وسيمون دي بوفوار بكافكا جذريا منذ القراءة الاولى. يكتب سارتر ان كافكا يعلمنا كبشر كيف نحب انفسنا حتى حين نتذمر من العالم، وكيف نبقى انسانيين في وجه ابشع الهزائم واقساها، كان كافكا مثل سارتر مغرما بالاخوة كرامازوف، ووجد في ايفان رمزللتمرد الوجودي. ومثل دوستويفسكي تمت رسم صورة لكافكا تتغير على مدى الاعوام، فمرة وجودي، ومرة اخرى انسان عبثي، ووضعه كولن ويلسون في قائمة الاديب اللامنتمي، والبعض اشار الى " رسالة الى الوالد" بانها تحليل ذاتي يقترب من مدرسة التحليل النفسي، وقد وجدت " آنا فرويد " ان كافكا تمتع بشخصية مركبة وعبقرية، كانت تصيبه احيانا شكوك في نفسه تجعله يصف ذاته على انها حالة فريدة في العالم باكمله.

 ينبهنا روجيه غارودي في كتابه الممتع " واقعية بلا ضفاف " – ترجمة حليم طوسون - ان اعمال كافكا هي دروس في التحليل النفسي، ويشير غارودي الى " رسالة الى الوالد " بانها تحليل نفسي واجتماعي لحياة كافكا يُذكر فيها والده بانه لم يكن عطوفا معه وكان يهدده دوما بالقول: "سأمزّقك مثلما أمزّق سمكة "، وفي الرسالة يقول كافكا بان والده كان يتمتع بالقوة، والصحة، عكسه هو الذي عاش حياته يعاني من الضعف والخوف من المجهول فالاب بالنسبة للابن كافكا، كان طاغية مستبد يفرض نفسه من خلال قوة جسده..ويعترف كافكا حتى وهو يكتب رسالته على الآلة الكاتبة انه لم يكن بوسعه الحديث وجها لوجه مع ابيه:" ولو جزئياً. وإنني إذ أحاول هنا أن أجيبك خطياً، فإن كل ما أقوم به لن يكون سوى محاولة مبتورة، وذلك لأن الخوف وتبعاته يصدانني عنك حتى في الكتابة، ولأن جسامة الموضوع تتعدى نطاق ذاكرتي وإدراكي "..ومع هذا بقيت الرسالة في درج كافكا لم يرسلها إلى والده، فقد اقنعته امه أن رسالته هذه تفيده في الكشف عن ذاته اكثر مما تفيد في اشعال حالة من الصدام مع والده.. لم يكن الأب يرغب في قراءة ما يكتبه ابنه، فهو في معظم الايام يبدو متعبا ما أن ينتهي من العشاء حتى يذهب الى السرير، بينما كان الفتى كافكا يشرع في الكتابة الساعة العاشرة مساء ويبقى حتى الثالثة او الرابعة فجرا، وهو يذكر في يومياته انه حاول مرة أن يقرأ احدى قصصه على والديه، فكان الاب يصغي مكرهاً، اما الام فكانت تبتسم دون أن تفهم ماذا يريد ابنها.

هل كان كافكا وجوديا ؟ تجيب سيمون دي بوفوار على هذا السؤال انها وسارتر وجدا انفسهما تحت سحر الكاتب التشيكي:" دون ان نتمكن من معرفة لماذا راودنا احساس بان نصوص كافكا تهمنا بشكل خاص.انه يكشف عن مشاكلنا في مواجهة عالم دون رب ".كان كافكا على دراية تامة بكتابات كيركيغارد ودوستويفسكي، ولعل مراجعة لحياة كيركغارد سنجد اوجه الشبه بينها وبين حياة كافكا حيث عاش الاثنان علاقة معقدة مع النساء، وفشلا في الزواج،، كان كيركغارد يتغنى بعزوبيته ويرى ان تنازله عن النساء وصية ألهية ، بينما كانت العزوبية بالنسبة لكافكا رمز للاغتراب، في المقابل كان كافكا يسخر من حالة التصوف التي يمثلها كيركغارد، لكنه لم يتخلى عن ايمانه يكتب في يومياته: "لا يمكن للمرء أن يقول إننا نفتقر إلى الإيمان. الحقيقة البسيطة التي نعيشها في حد ذاتها لا تقلل في قيمة الإيمان".

كان والد كافكا " هيرمان " قد نشأ في عائلة فقيرة في قرية تقع جنوب التشيك، في صباه وشبابه عمل بائعا متجولا، عاش مع عائلته التي تتكون من ثمانية افراد في بيت صغير بحجرتين، لم يدخل مدرسة لكنه تعلم ما هو ضروري من الكتابة والحساب وبعض الكلمات التي يرددها في الصلاة بعدوفاة والده – جد كافكا - سينتقل بعائلته إلى براغ، وسيسكن عند ابن عمه ويواصل عمله بائعاً للملابس. في الثلاثين من عمره يقرر الزواج يتعرف على جولي البالغة من العمر سته وعشرون عاما، قضت سنواتها تساعد والدها في محل القماش الخاص به وتدير له حساباته، وهي نفس المهنة التي ستتوالها بعد الزواج، حيث يتمكن هيرمان من افتتاح محل لبيع الاقمشة وانواع اخرى من البضائع، وفي هذا المحل سيعمل عنده خمسة عشر عاملا اضافة الى زوجته التي كانت تتولى الامور الحسابية.. كان العمل في المحل يبدأ في الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة الثامنة مساء، وكانت الام تذهب في الثانية عشر ظهرا لمساعدة زوجها ولتجلس الى جانب الخزنة.. ولهذا لم يكن فرانز الصغير يرى والديه اكثر من ساعة يوميا حيث تتجمع الاسرة لتناول الغذاء ثم يسرع الاب والام بالذهاب إلى المحل، لان التفكير في ترك المحل بلا رقابة لا يسمح لهما بالاسترخاء والاستراحة، كان هذا الامر مؤلما للطفل فرانز الذي كان يرى نفسه وحيدا على الدوام لأن الام والاب كانا دائما في المحل، وبسبب غياب الام عانى فرانز من الامراض في طفولته، كان جسمه نحيلاً عكس والده، عاش طفولة مليئة بالوحدة، في مقاطع من رسالة الى والده يكتب: " كنت طفلاً عصبياً، غير انني كنت – بالمؤكد – متجهماً، كل ما هنالك أنك عاملت طفلاً بالشكل الذي خلقت انت به، بالعنف والضجيج والطبع الحاد." - ترجمة ابراهيم وطفي – سيعيش وسط عائلته اشبه بالغريب، يخبرنا في يومياته – ترجمها الى العربية خليل الشيخ – انه لم يتحدث مع والدته اكثر من عشرين كلمة في اليوم، ومع والده لم يتبادل اكثر من كلمات التحية:" ينقصني دوما حس للمشاركة في الحياة مع الاسرة ".

تقترب وجودية كافكا من فلسفة دوستويفسكي، فاوجه الشبه بينهما تشمل الوعي الذي لا يرحم والضمير الصارم المنبثق عنه. مثلما تعيش الشخصيات في أعمال دوستويفسكي في غرف مجهولة المصدر وغريبة ، فإن جدران قفص صاحب المحاكمة ، وغرفة نوم جريجور سامسا ليست سوى جدران السجن الضيقة التي لا ترحم.

عندما بدأ كافكا الكتابة كان يحلم بعالم معزول، شديد الوحدة. في رسالة يبعثها الى ميلينا يقول فيها:" أركض في الجهات كافة أو أبقى جالساً، جامداً، كما يفعل حيوان هو فريسة اليأس في جحره". في العام 1923 يبدأ بكتابة قصته الطويله " الجحر " والتي يبدأها بالجملة التالية:" لقد هيأت جُحري وبدا لي أنني نجحت فيه". في هذه القصة يسرد لنا كافكا حلمه بعالم معزول، سرداب محكم الغلق حيث يجلب له الطعام ويوضع خلف الباب، وما عليه إلا أن ينتقل مسافة قصيرة حتى يأخذه وياكله قبل ان يستانف نشاطه الذي لايعوقه أي احتكاك بالبشر. هذا المخلوق الذي قرر ان يبني لنفسه جُحرا ذا سراديب متشابكة، يشبه القلعة المهجورة: " اجمل شيء في جحري هو الصمت ". في الوقت نفسه يوجد اعداء غير مرئيين في الجُحر وكافكا عُرف عنه دوما احساس بالرعب " لا يهددني الاعداء الخارجيون فحسب، ولكن هناك ايضا اعداء في حشايا الارض. لم ارهم مطلقا. لكنهم اسطوريون وانا اؤمن بهم ".

في معظم كتاباته اعتبر كافكا ان الوجود نوع من اناع العبث، ولا يمكن الانسجام معه. والحالة الإنسانية، بالنسبة لكافكا، أبعد من كونها مأساوية أو عبثية. إنه "سخيفة ". فقد ظل يؤمن أن الجنس البشري كله نتاج أحد "أيام الله السيئة". لا يوجد "معنى" لفهم حياتنا.واي معنى نحاول صياغته سينهار، يكتب صمويل بيكت ان اعمال كافكا تنبهنا إن الكاتب "ليس لديه ما يعبر به، ولا شيء يمكن التعبير عنه، ولا قوة للتعبير، ولا رغبة في التعبير ". في الفصل الاول من اسطورة سيزيف يقول كافكا: " لا توجد سوى مشكلة فلسفية جادة واحدة وهي الانتحار." إنه يردد صدى قول كافكا في يومياته: "أول علامة على بداية الفهم هي الرغبة في الموت". سيرفق كامو نص " اسطورة سيزيف بمقالة بعنوان الأمل والعبث في أعمال فرانز كافكا " تخليدًا لذكرى الكاتب الذي كان مدينا له في فلسفة العبث.

وسنجد تاثير كافكا اكثر وضوحا في رواية كامو الشهيرة " الغريب " والتي نجد فيها ميرسو لا يهتم بأي شيء. وهو يقر بأنه "فقد عادته في ملاحظة مشاعره". بدون سبب معين، يطلق النار على رجل فيقتله. ونجده يواجه صعوبة في تقديم تفسيرات، لإنقاذ حياته من الموت، فهو بشسبب الجو الحار يذهب إلى المقصلة، غير مهتم بما يجري حوله..

يستيقظ " ك " صباحاً ويرنّ جرس الهاتف وهو مايزال في سريره ليحمل له طعام الفطور، وبدلاً من الخادمة يصل مجهولون، يرتدون ثياباً عادية، لكنهم يتصرفون بسيادة تبلغ حدا ان " ك " لا يستطيع ان لايشعر بقوتهم وسلطتهم، لكنه مايزال مستغرباً وجائعاً في الوقت نفسه، ويبحث عن الخادمة فلا يجد امامه سوى رجلاً نحيلاً يرتدي رداء اسود اللون لم يكن قد رآه قط من قبل، ويقول " ك " بتهذيب: "من انت؟"، لكن الرجل تجاهل السؤال واكتفى بالقول: لقد قرعت الجرس، كنت اريد من انّا ان تحضر لي الطعام قال " ك".

منذ البداية نرى ان " ك " يعيش في حيرة مطلقة بين ضعفه المستعد للانحناء أمام الإهانة التي لاتصدق، وخوفه من الظهور مضحكاً، لكنه في النهاية يقرر ان يكون حاسماً: "لا أريد البقاء هنا، ولا ان توجهوا إلي الكلام دون ان تقدموا انفسكم.".

 توحي قصص كافكا بمعاني لا يمكن الوصول إليها إلا بعد عدة قراءات عدة. إذا بدت نهاياتها، أو عدم وجود نهايات، منطقية على الإطلاق، انها تقدم لنا مجموعة متنوعة من المعاني الممكنة دون تأكيد أي منها. وهذا بدوره نتيجة لوجهة نظر كافكا - التي يتقاسمها مع العديد من كتّاب القرن العشرين - بأن ذاته هي جزء من قوى متفاعلة بشكل دائم تفتقر إلى جوهر ثابت. إذا كان يجب أن يصل إلى تقدير تقريبي للموضوعية، فيمكن أن يتحقق ذلك فقط من خلال وصف العالم بلغة رمزية ومن عدد من وجهات النظر المختلفة. وبالتالي، يجب أن يظل الوصول إلى الصورة الكاملة امرا بعيدًا عن متناوله. إن مثل هذا الكون الذي لا يمكن أن يقال عنه شيء ولا يمكن مناقضته في نفس الوقت - وبنفس الوقت هو مثير للسخرية، وليس مفارقة عندما يشاهد المرء أبطال كافكا وهم يحاولون تجميع حطام كونهم يعيشون معا. في كتابه " الوجود والعدم " نجد ان سارتر يدرك جيدا تأثير الآخر في تكوين الذات. فهو يصف "الآخر" على أنه " وسيط لا غنى عنه بيني وبين العالم ". يمكن القول أننا نعرف أنفسنا إلى حد كبير بما يقوله ويفكر فيه الآخرون عنا..فانا لست وسيما إذا كان معظم الناس لا يجدونني امتلك جاذبية. وانا لست طويلا إذا كان الآخرون يحلقون فوقي. يصبح البعض الآخر هو المقياس الذي يتم قياسنا به. ومع ذلك، فإننا غالبا ما نتحدى مثل هذا المقياس: فالحدود التي وضعها الآخرون تشكل منطلقات للقفز إلى الهويات التي يتم السعي وراءها بطريقة أخرى. وهكذا، سواء اعتنقنا أو رفضنا ما يريده الآخرون لنا، لا يمكننا الهروب من التأثير الذي يمارسونه علينا.

عاش فرانز كافكا حياته مراقبا من والديه، فقد كانا والدا كافكا يكلفان بعض الاشخاص لتقصي اوضاع اي فتاة يريد كافكا الزواج منها.. كان الاب يعيب على ابنه انه لايستطيع تحمل المسؤولية، فهو برغم كونه حقوقي يعمل في مؤسسة للتامين، إلا انه لم يستخدم خبرته هذه لمساعدة والده في تجارته، الامر الذي كان يعتبره الاب عملا عدائيا، إلا ان العلاقة مع الاب تحسنت في الاشهر الاخيرة من حياة فرانز كافكا – توفي والد كافكا بعد وفاة ابنه بسبعة اعوام 1931، وتوفيت والدته عام 1934 - ويكتب فرانز قبل يوم من وفاته رسالة الى والديه يتذكر فيها جلساتهم القليلة وكيف كان يتناول الطعام معهم..لكنه لم يخبرهم بحالته الصحية.. كان قد كتب في ورقة صغيرة لصديقه ماكس برود، فقد منع من الكلام بسبب المرض الذي اصابه في حنجرته: " اقتلني وإلا فانت مجرم " كان يعلم أن امه لا تتحمل منظر مشاهدته لا يستطيع شرب الماء.

كانت محنة كافكا وكذلك محنة ابطاله ليست في الاذلال الذي تلقوه من عوائلهم ومجتمعهم، وانما من الشعور بالوحدة الذي لازم كافكا كما لازم معظم ابطال رواياته، ولهذا نجد ان اعمال كافكا اثارت سؤالا مهما: ما الذي يتعين على البشر فِعله ليحظوا بقبول مجموعةٍ ما، ولماذا لا يحظى البعض بالقبول؟ وهو السؤال الذي تصدّى له كافكا في رواياته وخصوصا في عمله الكبير " القصر " التي لم ينتهي منها وبقيت صفحاتها الاخيرة ترافقه حتى اليوم الاخير من حياته، الخامس من حزيران عام 1924، وكان قبلها قد طلب من صديقه ماكس برود أن يُتلف جميع مخطوطاته. غير أن الصديق، رفض تنفيذ وصية الكاتب فرانز كافكا، وذهب في اليوم الثاني لينشر الاعلان التالي في احدى الصحف والذي جاء فيه:" "توفي أمس في مشفى كيرلينغ، فرانز كافكا، كاتب الماني عاش في براغ". قلة هم من يعرفونه هنا، لأنه كان منعزلاً، رجلاً حكيماً يهاب الحياة، عانى لسنوات من مرض رئوي، ومع انه كان يتلقى العلاج، غير انه كان يغذي مرضه متعمداً، ويشجعه نفسياً، كتب ذات مرة في احدى رسائله: عندما يعجز كل من القلب والروح عن تحمل العبء، تأخذ الرئتان النصف، وهكذا يصبح الحمل موزعاً بالتساوي تقريباً. كانت لديه حساسية تقارب الإعجاز ونقاء أخلاقي صارم الى أبعد حد، إلا أنه جعل مرضه يتحمل عبءَ خوفه من الحياة، كان يرى عالماً مملوءاً بشياطين لامرئية تحارب الأشخاص الضعفاء وتدمرهم. كان صافي الذهن، أحكم من أن يعيش وأضعف من أن يقاوم ".

يكتب البير كامو:" ان أعمال كافكا و كیركغارد، و لكي نكون مختصرین: أعمال كل الفلاسفة و الروائیین الوجودیین، تتجه بكاملھا نحو اللامعقول و نتائجه. أي إنھا تصل في النھایة المطاف الى إعلان تلك الصرخة المدویة للأمل.. إن ھؤلاء الكتاب یحتوون القوة الإلھیة التي تلتھمھم. و یتم ذلك عن طریقي الخشوع و الأمل. لأن (لامعقولیة) ھذا الوجود تؤكد لھم، إلى حد ما واقع ما فوق الطبیعة. و إذا أوصل طریق ھذه الحیاة إلى الله، فھناك إذن المخرج. وھكذا یظل الدأب والعناد اللذان یكرر بھما أبطال كافكا وكیركغارد تجولاتھم ھما الضمان الوحید للقدرة النابعة من ھذا الامل ".

***

علي حسين – كاتب

رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم