قضايا

مفهوم العنف الاجتماعي.. دلالاته وأشكال تجليه (10): ما هو الصراع؟!

من المفارقات إن العديد من معاجم وموسوعات العلوم الاجتماعية المعتمدة، بالإضافة إلى بعض من علماء الاجتماع ذائعي الصيت، يستخدمون مفهوم (النزاع) كمرادف لمفهوم (الصراع)، الأمر الذي حمل الكثير من الكتاب والباحثين للحذو حذوهم والنسج على منوالهم، دون أن يروا في ذلك ما يشكل مأخذا "مفهوميا" وابيستمولوجيا" يستدعي التأمل والمناقشة. باعتبار إن مصطلح (الصراع) – كما عبر عن ذلك الكاتب والسياسي الفلسطيني (شفيق الحوت) - هو (تعبير يقتصر على وصف العلاقة التصادمية بين متناقضين يستحيل التعايش بينهما ومحكومين بإهلاك الواحد منها للآخر والخروج بصيرورة جديدة. بينما مصطلح النزاع هو تعبير عن وصف علاقة بين متناقضين يمكنهما المساومة دون حاجة أي منهما للقضاء على الآخر. باختصار، إن مصطلح الصراع ينتمي إلى عالم الفلسفة وقوانين الحياة العامة التي تحكم هذا الكون في ظواهره الطبيعية كما في سلوك الإنسان الذي يحيا فيه، بينما مصطلح النزاع يخضع لعالم السياسة ومناوراتها)(1).

وفي إطار تحديد مفهوم (الصراع) فان هناك تاريخ حافل من السجالات الفكرية والمنهجية يخبو تارة ويستعر تارة أخرى، بين رواد كبريات النظريات السوسيولوجية يمتد منذ مطلع القرن التاسع عشر ولم يحسم لحد الآن. وعلى هذا الأساس، فقد (ظهرت في ذلك الوقت نظريتان تفسران طبيعة وخطورة الصراع الاجتماعي، كل نظرية كانت تستند على افتراضات معينة تتناقض مع افتراضات النظرية الأخرى. فهناك نظرية هوبز التي أيدتها النظرية الدارونية والتي تقول بأن المجتمع البشري هو في حالة صراع وحرب مستمرة، فالقوي دائما"يسلب حقوق الضعيف وهذا القوي لابد أن يضعف فيتقدم عليه شخص أقوى منه فيسلبه أمواله وحقوقه. وقد دعمت نظرية دارون نظرية هوبز هذه لكنها أضافت بأن البقاء هو للأصلح والصراع الذي يخوضه الجنس البشري ما هو إلاّ حالة طبيعية يمارسها بصورة مستمرة من أجل البقاء. أما ماركس فقد اعتقد بأن جوهر الصراع يكمن في التضارب والتناقض بين مصالح الطبقات الاجتماعية التي تقررها طبيعة العلاقات الإنتاجية التي يكونها الإنسان مع وسائل الإنتاج والتي تقود إلى الصراع الطبقي الدائم)(2).

ومن هذا المنطلق (الثنائي) نجد أن نظرية هوبز التي أيدتها النظرية الدارونية، تعتمد في طرحها على وجهة النظر (الطبيعية / البيولوجية) التي تقول بأن المجتمع البشري هو في حالة (صراع) دائم و(نزاع) مستمر، أو كما وصفها مؤلف (اللوياثان) بحالة (حرب الجميع ضد الجمع). فأنصار النظريات البيولوجية والدارونية يعتقدون - كما لاحظ عالم الاجتماع الفرنسي بيير بيرنباوم - أمثال (هوبز) و(سبنسر) بان ثمة (مماثلة أو حتى وحدة بين المنظومة البيولوجية والمنظومة الاجتماعية، إذ أن الناس يتصارعون فيما بينهم على شاكلة الحيوانات، إذ يبنون في الوقت نفسه نظاما"عبر صراع لا رحمة فيه)(3). هذا في حين تتبنى النظريات الأخرى وجهة النظر (التاريخية / الاجتماعية)، والتي يمثلها أنصار النظريات السوسيولوجية - والماركسية من أبرزها - إن ظاهرة الصراع نابعة أساسا"من واقع التناقض في العلاقات الاجتماعية، حيث (يسودها صراع طبقي بين الطبقة المسيطرة والتي تمتلك وسائل الإنتاج وبالتالي يكون لها السيطرة السياسية والقانونية والعسكرية والفكرية، وبين طبقة البروليتاريا وسوف يظل الصراع هذا هو الدافع إلى التطور في المجتمع الطبقي)(4).

وبقدر تعلق الأمر بوجهة نظر هذه المقالة المتواضعة حيال المفاضلة بين مفهوم (الصراع) ونظيره (النزاع)، لجهة الصيغة الأشد دلالة والأكثر إحالة لمفهوم (العنف) وتمظهراته على الصعيد الاجتماعي، فإنها قد حسمت أمرها باختيار مفهوم (الصراع / العنف)، بدلا"من مفهوم (النزاع / المسلومة) الذي يحيل – في بعض الحالات إلى تعبيرات العنف - إلى صيغ المساومة والحلول الوسط بين الأطراف المتنازعة، حيث تنتفي مظاهر العنف وتختفي ظواهر العدوانية.

***

ثامر عباس

......................

الهوامش

1. شفيق الحوت؛ الفرق بين النزاع والصراع، جريدة الاتحاد (أبو ظبي) بتاريخ 6/9/2000.

2. البروفيسور دينكن ميشيل (محرر) معجم علم الاجتماع، مصدر سابق، ص77.

3. ريمون بودون (مشرف)؛ المطول في علم الاجتماع، الجزء الأول، ترجمة الدكتور وجيه أسعد، (دمشق، الهيئة العامة السورية للكتاب، 2007)، ص283. مضيفا"إلى ذلك قوله أن (رأي المنظرين المحافظين العديدين، أن النزاع بين الناس مصدر الحرية والتقدم، فالدولة لا ينبغي لها أن تسنّ أي تشريع اجتماعي يمكنه أن يكبح هذا النزاع، ذلك أن الحرية هي التي ستكون عندئذ موضوعة موضع التساؤل). نفس المصدر، ص284.

4. الدكتور محمد الغريب عبد الكريم؛ السوسيولوجيا الراديكالية: دراسة نقدية تحليلية في النظرية الماركسية

 

في المثقف اليوم