قضايا

غرب يتاجر بالقيم

(Global Warming) و(Greenhouse Effect) مصطلحان أطلقا على ظاهرة طبيعية اكتشفت قبل عدة سنوات هي ظاهرة الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي أو ظاهرة الدفيئة، التي عرفت بأنها ظاهرة حدثت نتيجة احتفاظ الغلاف الجوي المحيط بالأرض بجزء من الطاقة التي تصله من الشمس؛ على شكل حرارة، بدأ أثرها ينعكس على درجة حرارة الأرض والتأثيرات الناجمة عنها.

أسباب حدوث هذه الظاهرة عزيت إلى زيادة غير طبيعية في نسبة معدلات بعض الغازات الطبيعية الموجودة في قسم من طبقات أسفل الغلاف الجوي يعرف باسم طبقة التروبوسفير أو المتكور الدوار، هي الطبقة الجوية السفلى الملاصقة للأرض، والطبقة الأولي من طبقات الجو، وأقرب الطبقات الجوية إلى الأرض. ومن هذه الغازات غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2)، غاز الميثان (CH4)، غاز أكسيد النيتروجين (NO2)، والغازات المفلورة المعروفة باسم مركبات كلوروفلوروكربون (CFCs)، وبخار الماء. ويعد تأثير بخار الماء من بين جميع الغازات الأخرى الأكبر تأثيرا من نوعه في نشوء هذه الظاهرة، والمعروف أن هذه الغازات قليلة النفاذ نسبياً للأشعة تحت الحمراء، وللإشعاع الحراري، وهي التي تُمتص وتتحول إلى حرارة تصعب إعادة إشعاعها من الأرض إلى الفضاء الخارجي مرة ثانية.

وقد عزا العلماء سبب حدوث الظاهرة فضلا عن العوامل الطبيعية المعروفة مثل إزالة الغطاء الطبيعي والغابات، وإسهام الحيوانات المجترة البرية والحيوانات العاشبة والنمل الأبيض من خلال عمليات الهضم التي يقوم بها في زيادة انبعاث غاز الميثان. وإسهام حرائق الغابات في زيادة انبعاث غازات مضرة، مثل أول أكسيد الكربون، والميثان، وثاني أكسيد الكربون، وأكسيد النيتروس، وأكاسيد النيتروجين. فضلا عن الاستخدام المفرط للأسمدة الكيمياوية الذي يزيد من نسبة أكسيد النيتروس (N2O) في الغلاف الجوي، وأثر النشاطات البركانية، والتحلل الطبيعي للحيوانات والنباتات، فضلا عن العوامل الطبيعية الأخرى، عزا العلماء حدوث الظاهرة إلى بعض الأنشطة البشرية التي مورست منذ منتصف القرن الثامن عشر، بعد أن أدت الثورة الصناعية إلى زيادة مستويات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي بشكل كبير أدى إلى تغيير النسبة الطبيعية من 280 إلى 387 جزءاً من مليون (ppm)، وبعد أن أسهمت النفايات الصناعية ومكبّات النفايات بإنتاج العديد من الغازات الضارة، كما وتسهم مكبات ومدافن النفايات في انبعاث غازي الميثان وثاني أكسيد الكربون اللذين يسهمان بشكل كبير في زيادة تأثير غازات الدفيئة. وتكاد زيادة استخدام الوقود الأحفوري والفحم الحجري الذي يولد غاز الميثان بكميات تفوق بأشواط المصادر الأخرى للغازات المسببة للاحتباس الحراري أن تكون أحد أخطر وأكبر أسباب حدوث الظاهرة.

من هنا جاء التأكيد على مخاطر الوقود الأحفوري بشكل أكبر من غيره، ولاسيما بعد أن هيمنت الشركات الغربية على صناعة البترول والغاز في العالم وبدأت المضاربة بينها. وعلى مدى سنين عديدة أخذنا الحديث عن الاحتباس الحراري الذي يعتبر الوقود الأحفوري مسببه الأكبر إلى مراكز الخوف والوجل مما ينتظر العالم من ويلات، بدءً من ارتفاع درجات الحرارة الذي سيغير الفصول، إلى ذوبان ثلوج القطبين التي ستؤدي إلى غرق بلدان كاملة سيغمر ماء الثلوج الذائبة أرضها وأهلها وحضارتها، وصولا إلى انتشار الإصابة بأمراض السرطان والأمراض الجلدية المهلكة بسبب اتساع رقع ثقب الأوزون والانعكاس الغازي.

ولغرض تطبيق تلك الدعوات على أرض الواقع عقدت عشرات المؤتمرات الدولية الداعية إلى تقليل انبعاث الغازات، والحد من استخدام الفحم والوقود الأحفوري، تحت عنوان قمم التغير المناخي.

وفي قمة التغير المناخي التي عقدت العام الماضي في غلاسكو بالمملكة المتحدة، توصل المشاركون إلى اتفاق يهدف إلى تقليل حجم المخاطر البيئية التي يتعرض لها كوكب الأرض، حيث نص الاتفاق صراحة على وجوب تقليل استخدام الفحم الذي يتسبب في زيادة الانبعاثات الغازية في الغلاف الجوي.

وقتها قال الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش": "يجب علينا تسريع العمل المناخي بهدف الإبقاء على الهدف المتمثل في الحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى حدود (١.٥) درجة مئوية، وقد حان للانتقال إلى حالة الطوارئ، وإنهاء دعم الوقود الأحفوري، والتخلص التدريجي من الفحم".

والمعروف عالميا أن أمريكا ودول الاتحاد الأوربي هي التي تبنت العمل بهذه القرارات والترويج لمخاطر الفحم والوقود الأحفوري، وقد تماهى العالم كله معها باعتبار أنها دعوة من أجل الحفاض على كوكب الأرض سليما معافى، وقد اعتبرت جميع دول العالم هذا النشاط نشاطا علميا بحتا لا علاقة له بالسياسة نظرا لطبيعته العلمية وتبني الأمم المتحدة لمشروعه، لكن مع ازدياد أثر نقص تدفق الغاز الروسي إلى أوربا الذي عماد حياتها العامة، نست أوربا كل تلك المخاطر التي يسببها استهلاك الفحم والوقود الأحفوري؛ والتي كانت تحذر العالم منها، وارتفعت الدعوات الرسمية فيها إلى وجوب إعادة فتح المناجم، والإسراع باستخراج الفحم بكميات غير مسبوقة لسد النقص، وبذا تخلت أوربا عن قيمها المعلنة لتثبت أن الحديث عن القيم في العالم الغربي مجرد خدعة صلعاء، تكشف عن زيفها عند أول أزمة تواجههم، وأن المقصود بذلك الحديث عن الاحتباس الحراري كان موجها للدول النامية والفقيرة وحدها، لكيلا تطور مصانعها ومعاملها فتستغني عن السلع والمنتجات الغربية وتكتفي ذاتيا.

إن مثل هذه المواقف تؤكد للعالم أجمع أنه يجب عليه ان يعي حجم اللعبة القذرة التي يمارسها الغرب من أجل الحفاظ على مصالحه على حساب مصالح البشرية التي يسحقها الجوع والفقر والمرض.

***

الدكتور صالح الطائي

في المثقف اليوم