قضايا

الحكم والإسلام!!

لكي لا يُساء فهم المقال، فهو إقتراب سلوكي نفسي بحت من التأريخ بمتوالياته المأساوية، ومحاولة للفهم!!

ولا بد من العودة إلى الأساسيات التي إنطلق منها، فالمقال ليس معنيا بالإنجازات، ويركز على نظام الحكم الذي بقي متأرجحا حتى اليوم، وبسبب إنعدام الرؤية الواضحة الراسخة، تمكنت الفردية والإجتهادات الشخصية منه.

فالخلفاء الراشدون الذين هم الأعرف بالشرائع وجوهر الدين، لرفقتهم لنبيه وأخذهم الدين من منبعه، لم يضعوا دستور حكم تمضي عليه الأجيال، ولم يجدوا حلا لعلاقة الدين بالدولة، أو كيف يكون الحكم في دولة الدين.

فلم يأتوا بصيغة عملية لمعنى "وأمرهم شورى بينهم "، "وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل"، وغيرها من أمّهات الأفكار التي بموجبها يكون الحكم ، واعتبروا القرآن هو الدستور، وتركوا الأمور لإجتهادات فردية أدت إلى تداعيات دامية.

هذا الإخفاق تسبب بقتل ثلاثة منهم، ولو إستمر حكم الخليفة الأول أطول لربما كان مصيره القتل أيضا، لكنه توفى مبكرا ولم يحكم إلا لأقل من ثلاث سنوات.

فعند وفاة النبي لم يكن للمسلمين دستور حكم مدني واضح ، فنهضت القبلية والإجتهادات الشخصية والتأويلات المتضاربة، وأدت لإنشقاقات وتناحرات قاسية بينهم، بل بين الصحابة أنفسهم الذين صاروا يتقاتلون، وما أكثر الصحابة الذين قتلهم الصحابة.

وإزدحمت المدينة بالصحابة وأولادهم وما عرفوا حلا لها، مما تسبب بتصارعات حامية بينهم، وسببها طلب السيادة والحكم والرئاسة أيا كان نوعها.

فدولة الإسلام المتسعة أيقظت الرغبات الدفينة ومنطلقات الغنيمة، فهم يريدون الإغتنام والقيادة والإقتحام، لكنهم في المدينة يقيمون، ومع بعضهم يتجادلون ويتخاصمون .

وهذه الحالة أدّت إلى تداعيات تواصلت بعد إنتهاء فترة حكمهم، وكانت مروعة ولا علاقة لها بالدين، وإنما حروب شرسة إنتهكت فيها جميع الحُرمات.

ووفقا للإجتهاد ولما هو متعارف عليه آنذاك، بدأت فكرة التوريث، التي كانت سائدة في أنظمة الحكم من حولهم، وأضافوا إليها البيعة، وإنطلقت عندما تولى الخلافة الحسن بعد مقتل أبيه في الكوفة، ولو أنها أعتبرت بيعة، ولا دخل لعلي بها، لكنها ظهرت بثياب التوريث، ومضى على نهجها معاوية وفقا للمنطق القبلي التناحري بين الأمويين والهاشميين، فأرادها توريثا لأبنائه، وكان إختياره ليزيد إنتحاريا، كاد أن يقضي على دولته، لولا تدخل بنو مروان.

ومنذ إنطلاق نظام الحكم بالوراثة وحتى اليوم، والعرب في مضطربات الحكم الفردي الخالي من الثوابت الدستورية والأهلية التي تحمي الدولة وحقوق المواطنين، فكلٌّ يحكم على هواه ومنطواه، وبسبب ذلك تأكد الضعف وما تمكنت الأمة من الإرتقاء المتواصل إلى جوهر ما فيها من الطاقات والقدرات.

فتراكمت الأخطاء والخطايا في مسيرة دولة الدين وما أعقبها من دول وحكومات معاصرة، إدّعت الدين.

ولا يزال العرب عاجزين عن كتابة عقد إجتماعي يصون كرامتهم وعزتهم، ويحافظ على وجودهم القوي الأبي المَكين.

وبموجب ما تكرر وترسخ في الوعي الجمعي، صار الحاكم أو السلطان يمثل الزمان، ولهذا قالوا " إذا تغير السلطان تغير الزمان"، مما يشير إلى عدم وضوح نظام الحكم، وفقدانه للثوابت والأسس والمنطلقات الراسخة.

 ترى لماذا لم يتقدم أي من الخلفاء الراشدين برؤية واضحة، ولا بصورة دستورية وشرعية، لبيان أسس ومنطلقات الحكم وثوابته التي على المسلمين إتباعها؟

لماذا تقيّدوا بالبيعة وبإجتهادات لم تفلح في المنظور البعيد؟

الخلفاء الراشدون، لو نظرنا إلى نظام حكمهم لتبين أنه فردي يرتكز على مفهوم الخليفة صاحب الصلاحيات المطلقة، والإجتهادات التي تدعو لطاعتها وتمثلها، ؤغم قول البعض بأنهم كانوا يستشيرون.

وفكرة الخليفة من الخطايا التي لا تزال فاعلة فينا، لأنها تطورت وإكتسبت معان وتوجهات ما كانت تقصدها في بدايتها، وصارت تعني نواب الله أو الحاكمين بأمره، فالخليفة أمير المؤمنين، وإن كان بلا إيمان ولا فهم بسيط لمعنى الدين.

ويبقى المسلمون يتصارعون في دوامة مفرغة مبهمة، لا توجد فيها صورة واضحة لمعنى الخليفة، ولا يترتب عليها دستور حكم ذو قيمة إنسانية معاصرة، وما تعنيه في جوهر ترجمتها هو الفردية المقدسة والطغيان والإستبداد والقول بالسمع والطاعة، وهو ديدن الكراسي التي سفكت دماء المسلمين، وربما يكون المسلمون هم الذين قتلوا من المسلمين أكثر مما قتله منهم أعداؤهم عشرات المرات، فمسيرتهم مفعمة بقتلهم لبعضهم، ولا يزال المسلمون أعداء المسلمين، وتلك مصيبة أمة بدين.

فهل من قدرة على الخروج من هذا المستنقع ؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم