قضايا

محنة ميسون السويدان بين المعري والحلاج

في الأسبوع الماضي أثارت الشاعرة الكويتية "ميسون السويدان" الكثير من الجدل حول أفكارها ومعتقداتها وتوجهاتها الدينية، الشاعرة التي لطالما حلمت بأن تُصبح فيلسوفة تجمع بين عُمق المتنبي وصوفية الحلاج؛ إضافة إلى أسلوب نتشيه، وسلاسة ابن زيدون.

وميسون السويدان هي ابنة الداعية الكويتي الشهير الدكتور طارق السويدان، من الشاعرات اللاتي لقين شهرة واسعة من خلال برنامجها التلفزيوني “صالون ميس”،، وهذا الصالون يستضيف دائما عددا من المواهب الشعرية العربية الصاعدة.

وقد نشرت ميسون تغريدة تقول: انها تتيه في شوارع مكة تبحث عن الله.. ولم تجده في الحرم..!!.. وعقب كتابة هذه التغريدة قامت الدنيا ولم تقعد، مما جعلها تحذف التغريدة وتؤثر الصمت، إلا أن أصحاب الجاهلة لم يتركوها وإنما راحوا بسبوها ويتهمونها بأبشع الشتائم والهجوم، ورغم أن  ميسون آثرت الصمت، إلا أنها رأت أن من انتقدوها أصحاب (عقول جاهلة).

وقد ردت قائلة: لو أنّي بحثت عن الله في مكّة لكفرت من زمان، أتظنونني سأسكت عنكم يا مكفّرين؟؟.. لا والله لن أسكت.. لم أتمسّك بديني كل هذه السنين في الغرب، حتى يأتي "المسلمون" ليسلبوني إياه، لقد عدنا والله إلى الجاهلية، أنتم تعذّبون المسلمين بالشتم حتى تخرجوهم من دينهم.. وأنا والله لن أخرج من دين الله ولو كره المكفرون هذا الدين الذي تدافعون عنه ليس بديني هذا صحيح.. أنا ديني الإسلام والرحمة وأنتم دينكم التكفير والنَّقمة.. لم أذهب إلى مكة لأرى من يدَّعي أنَّه يمثِّل الدين، يضرب أرجل النساء بالعصا ويهشّهن كالغنم.. أنا لست بعيراً بيد راعٍ !.. أنا إنسانة جاءت لتقلى ربها، لم أذهب إلى مكة كي أرى متاجر إسرائيل على بُعد خطوات من بيت الله الحرام.. لم أذهب إلى مكة لأرى آلاف الفقراء المساكين يقفون بين يدي الله بأثوابهم البالية،فيجبرهم الإمام أن يدعوا للملوك والسلاطين الذين لا يصلّون أصلاً.. لم أذهب إلى مكة ليبكي قلبي ما فعلتموه بهذه المدينة الطاهرة.. بالمسجد الحرام،ذهبت إليها بحثاً عن الله.. فلم أجدْه عندكم.. نعم، ما وجدته إلا بقلبي.. لو أنّي بحثت عن الله في مكّة.. أو في مذهبكم التكفيري العنيف الملطّخ بالدماء لكَفرتُ من زمان..هذا صحيح.. فالحمد لله أنّي لم أبحث عنه إلا بقلبي إن لم يسعنا الإسلام جميعاً - فاذهبوا أنتم. أنا هنا في رحاب الله باقية.. مسلمة أنا لن أتخلّى عن ديني ولو قاتلتموني عليه بالسلاح.. أنتم قتلتم الحلاج..أنتم قتلتم الروحانية في مكة.. أنتم قتلتم الله في قلوب الناس.. أنتم شوّهتم دين الله ألا شاهت وجوهكم.. مَن كان يعبد محمد بن عبدالوهاب - فإنّه قد مات، ومَن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت.أحدٌ أحدْ.. ربُّ المكَفِّرِ شيخُهُ..رب المكفِّرِ سيفُهُ.. وأنا إلهي ليس يسكن في جمادٍ أو جسدْ..أ َحدٌ أحَدْ.. أحَدٌ أحَدْ.. إن تضعوا حجر التكفير على صدري فلا أقول إلا: أحدٌ أحدْ.. أنا ما وجدتُك في بلدْ،أنا ما وجدتك في جسدْ، أنا ما وجدتك في سوى قلبٍ لغيرك ما سجد.. ْأحدٌ أحَدْ.. أحَدٌ أحَدْ.. ربُّ المُكفِّرِ قاتلٌ..ربُّ المكفِّر مُستَبِدْ.. وأنا إلهي في فؤادي..ليس يقتلُهُ أحَد.

وهنا أود أن أقول بأن هذا الشعر يجمع بين فكرين مهمين: الأول فكر أبي العلاء المعري وأبو منصور الحلاج ؛ بمعني أن ميسون السويديهنا تحاول أن تجمع في شعرها بين شخصيتين: الأولي :شخصية أبي العلاء المعري في إلحاده، والثانية: شخصية أبي منصور الحلاج في شطحاته، فأما أبو العلاء المعري فيتضح من خلال تأثرها بكلام المعري هنا والذي يقول فيه: " «الله لا ريبَ فيه، وهو محتجبٌ بادٍ، وكلٌّ إلى طَبعٍ له جذبا.. أُثبتُ لي خالقاً حكيماً، ولستُ من معشرٍ نفاة.. إذا كُنتَ من فرط السّفاه معطِّلاً، فيا جاحدُ اشهَدْ أنني غيرُ جاحِدِ.. أدينً بربٍّ واحدٍ وتَجَنُّبٍ قبيحَ المساعي، حينَ يُظلَمُ دائنُ.. إذا قومُنا لم يعبدوا الله وحدهُ بنُصْحٍ، فإنَّا منهمُ بُرآءُ»

كذلك تأثرت ميسون بكلام المعري حين قال واصفا المتديّنين:

عاشوا كما عاش آباءٌ لهم سلفوا

وأورثوا الدين تقليدا كما وجدوا

فما يراعون ما قالو وما سمعوا

ولا يبالون من غي لمن سجدوا

وهنا يعلق المعري على البيتين فيقول: إن هؤلاء المتدينون ورثوا الدين عن آبائهم، فمن كان أبوه مسلما سنّيا ولد مسلما سنّيا وعاش كذلك، ومن كان أبوه مسلما شيعيا فعل كذلك، ومسيحيا، وبوذيا وغيره. ويظهر نبوغ المعري وحكمته في هذين البيتين لأن الأديان خاصة في عصرنا هذا أصبحت تورث مع الأسماء والألقاب عن الأب والأم وقلما يتخلّى الإنسان عن دينه الذي ورثه، وإن فعل فغالبا يتجه إلى اللادينية أو اللاأدرية وهذا ما نلاحظه في عالمنا اليوم.

كذلك نجد في شعر وتغريدة ميسون أنها تأثرت بالحلاج، فلا ننشي قولها في التغريدة : أنها تتيه في شوارع مكة تبحث عن الله.. ولم تجده في الحرم..!!.. فهذه هي شطحة أو  لغة الحلاج،  حيث كانت السمة المميزة للحلاج هي عدم وضوح كلامه، فتارة تكون ذات معنى واضح وتارة أخرى لا يُفقه من أقواله شيء، إضافة إلى عدم استقرار مزاجه فقد كان في نظر البعض متصوفا زاهدا وفي نظر البعض الآخر ملحدا لا يستقر على مذهب دنيي واحد وإنما يتلون من الإسلام إلى الشيعة فالسنة ثم التصوف خصوصا مع الأشعار التي نظمها، ويقول الحلاج في هذا الصدد "أنا أنت بلا شك فسبحانك سبحاني"، "فإذا أبصرتني أبصرته"، " أنا من أهوى ومن أهوى أنا"، تلك كلمات بعض أبيات الحلاج التي أثارت الجدل حوله بسببها، واتهموه بالكفر والزندقة، ليخرج الحلاج عن صمته مدافعًا عن نفسه، قائلًا: “إن الله تبارك وتعالى وله الحمد ذات واحدة، قائم بنفسه متفرد عن غيره بقدمه، متوحد عمن سواه بربوبيته، ولا يمازجه شيء، ولا يخالطه غيره، ولا يحويه مكان، ولا يدركه زمان، ولا تقدره فكرة، ولا تصوره خطرة، ولا تصوره نظرة، ولا تعتريه فترة.".. واكتفي بهذا القدر.

***

أ. د. محمود محمد علي

أستاذ بقسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

في المثقف اليوم