قضايا

تراجيديا التغيير الراهن

على مر التاريخ، كان الفضول الإنساني، والفطرة المعرفية لديه، تدفعهُ نحو البحث، وأدراك أسرار الكون، والاستفادة القصوى من جوهره الوجودي، فقام الإنسان تدريجيا بدراسة الظواهر، وتحليلها، ومحاولة إخضاعها للمنفعة الإنسانية، حتى أخذت استكشافاته، تتجه إلى ما هو أبعد من ذلك، ففي منتصف القرن العشرين، بدأت رحلة البحث، حول أمكانية وجود حياة خارج كوكب الأرض، جميع هذه الدراسات ومحاولات الاستكشاف؛ أدت الى تطور المعرفة الإنسانية بشتى أنواعها، وتخصص مجالات العلوم، وظهور التكنولوجيا؛ فأصبحت السبب الرئيسي في تغيير حياة الإنسان المعاصر ولكن هل هذا كافً؟ هل هناك نوعاً من التغيير المفقود؟.

في الوقت الحاضر، فأننا نواجه معضلة لا نستطيع الإفصاح عنها، بل حتى أننا نحاول تضليلها برداء الثقافة! ألا وهي عقولنا التي ما زالت أين ما بدأت، فهي باقية بصدأ الماضي، وبما جبلت عليه؛ وألا فكيف نستطيع تفسير الوضع الراهن، من انحدار المجتمع نحو الهاوية، وتفشي الدمار فيه، على الرغم من التطور المعرفي الذي نحظى به، ولعلك عزيزي القارئ تقع في تناقض للوهلة الأولى، فتتساءل كيف من الممكن أن نصل إلى هذا التطور المعرفي، والتكنولوجي، أن كان العقل ما زال بدائياً، ألا أن المقصد من قولنا، هو أن هناك بعض الأفكار التي تسحب العقل إلى الخلف، أي إلى نقطة البدء، حتى وأن أستمر بالتقدم، وعلى الرغم من تحضر العقل المعاصر؛ ألا أن إحاطة هذه الأفكار بالعقل البشري، وتمسكنا بها؛ هي العقبة أمام تغيير الذهن، والوصول إلى التطور الحقيقي الفعال، وهنا سنقوم بتسليط الضوء على بعض هذه الأفكار، وأهمها ؛بهدف التخلص منها، حيث نصنع بذلك تغييراً حتميا، لا فقط صورة ظاهرية . الفكرة الأولى، هي التقليد والأتباع: أعتاد الإنسان قديما، أن يكون تابع لكل ما كان يفرض عليه بالقوة، من حكم سياسي، أو سلطة قومية، أو طقوساً معينة، ولعل هذا يبرر بالجهل، ومقاومة العلم، والمعرفة، الذي كان يسود تلك العصور، وعلى الرغم من ذلك، فقد ظهر رواد مفكرين، كانوا الشواذ لتلك القاعدة، أما اليوم ونحن في ذروة التطور، وانتشار الحكمة، فلا يوجد مبرر للتبعية، وخصوصاً منها الفكرية، التي أصبحت آفة العصر الحالي؛ فهي تتضمن كافة أنواع التبعيات، كالاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وحتى الدينية ؛ وهي أحدى مدمرات العقل البشري خصوصا، والمجتمع عموما، تمرض التابع، فتسلبه رأيه وموقفه الشخصي، فيصبح أحدى أفراد القطيع، وهذا التعبير الأمثل للجماعات المنقادة دون دراية، وتفكير، نحو من يوجهها إلى غاياته، وأهدافه الشخصية، حتى وأن كانت عدوانية، ولا أصلاح فيها، فهذا ليس مهماً عند التابع؛ لأنه ومن الأساس قد أختار أن يكون ظلاً لا كياناً موجود، فقضى على ذاته فيها، وهذا ما نشاهده اليوم في المجتمع، الذي أصبح مفككاً نتيجة لهذه الظاهرة، كما وأن الأتباع جاء مخالطاً للتقليد هنا، فهو ليس فقط سلوك طريق المتبوع والإخضاع له فقط؛ أنما ترديد ما يقوله، ويحث عليه، دون تفكيراً من التابع في ذلك القول .

 أما الفكرة الثانية، فهي عدم تقبل الآخر: يجب أن ندرك، أن الاختلاف شيء ضروري وواقعي، فالتشابه يوقعنا في دائرة الركود، ويوقف نشاط الفكر من التساؤلات، والبحث، كل إنسان يحمل هذه الاختلافات، كالاختلاف الفكري، أو الديني، أو اختلافاً بالرأي، أو حتى بمعايير الصواب والخطأ، فالبعض يعتقد أن معيارها هو السلطة الدينية، والبعض الأخر هو الذات الإنسانية، والبعض القانون وهكذا، عند رفض هذه الاختلافات؛ فنحن نعلن عدم تقبل الأخر، الذي قد يكون من المجتمع ذاته، أو من خارجه، وهذه كارثةً لا فرار منها؛ فهي تفكك المجتمع الواحد، وتمنعه من التواصل مع المجتمعات الباقية، فيبقى سجين هذه الحفرة، لا يستطيع التقدم خطوة واحدة، أذن تقبل الاختلاف، خيرا من الاستمرار بالخلاف، وهذه أهم مشكلات عصرنا الراهن، كما أن تقبلنا للأخر، ليس بالضروري أن يكون بتغير وجهة نظرنا، حول مسألة ما أو تغيير أحد مبادئنا، أنما هو احترام، وتفهم الآخرين، والاستماع لوجهة نظرهم؛ وهذا يفتح أمامنا بوابة النقاش، والحوارات التي تصلح ما بين إفراد المجتمع، وتزيد من تماسكه، على أن لا يكون هذا التقبل لما هو مخالف لطبيعة البشر، ألا وهي مسألة الشذوذ الجنسي، فهي المسألة الوحيدة، التي من غير الممكن تقبلها، وإنما أتفق الجميع على رفضها؛ حيث لا تنتمي للاختلافات، والبحث يطول فيها .

الفكرة الثالثة، هي وضع المرأة في مستوى الأدنى أو المساواة : تعتبر هذه الفكرة تحديداً، الفجوة التي تبتلع كل ما ينجز من تطور، وتعاني منها جميع المجتمعات، باختلافها الغربية، والعربية، حيث أن المجتمع الغربي، يضع المرأة في مستوى المساواة مع الرجل، ويؤكد عليها، بل ويطالب العرب القيام بذلك، وهذا خاطئ جداً؛ لان المرأة لا يمكن أن تتساوى مع الرجل، لا من حيث الطبيعة، ولا الهيئة، كلاً منهما يناسبه إعمال وأدوار مختلفة، فلا يمكن للمرأة أن تكون عامل بناء؛ لان بنيتها رقيقة، كما أن ظروف العمل غير ملائمة لها، كذلك الرجل، لا يمكن أن يعمل كمربية أطفال، فالمساواة هي فقدان التوازن بطبيعتنا وجوهرنا، بالجانب الأخر، يرى الأغلبية من المجتمع العربي، المرأة أدنى من الرجل، بالحقوق والاحترام، وفرص العمل، وكل شيء، فأصبحوا يعاملوها كأنها مجرد شيء ينتمي لهم لا ككيان، يحق لهم التفكير، والاختيار نيابة عنها، والتصرف بها كما يحلو لهم، وهذا خاطئ أيضاً؛ لأنها إنسان مثلها مثل الرجل، فما الذي يميزه عنها! وكما قال كارل ماركس:" إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما، فانظر إلى وضع المرأة "، نحن ضد فكرة الأدنى كما أننا ضد المساواة، الصواب، هو أن يكون لكلاً منهما حقوق واحترام مختلفة، فللمرأة حق التعلم، والعيش، والاختيار، والعمل، وما شابه ذلك، ولا يحق للرجل أن يسلبها، أو يجردها من هذه الحقوق، كما إن لها احتراما، فلا يحق له أهانتها، أو الإساءة لها، حتى الإسلام، فهو كما وضع حقوق للرجل، وضع أيضا للمرأة، وكرمها وأوصى بها، فلا يكون التطور باختلال التوازن، من خلال المساواة، والأدنى، بل بالحفاظ على مكانة كل من المرأة والرجل، كما يناسب طبيعتهم، وحفظ حقوقهم التي تناسب جوهرهم.

طالما أن هذه الأفكار وغيرها من الأفكار السلبية هي التي تسيطر على عقولنا فأن تغيرنا الحاضر ما هو إلا مسرحية مأساوية تدور حول ما نستطيع التوصل إليه من أبداع دون معالجة الخلل في التفكير وتجديد العقل البشري .

***

الباحثة / حوراء ستار

 

 

في المثقف اليوم