قضايا

في الدعوة الى نقد العلمانية ومثقفها

بعد هذه المائة السنة الاخيرة من تاريخنا التي تحفل بالاحتلالات والتبعية والهزائم والدكتاتوريات وقمع الحريات والدمار والخراب الذي عشناه وتشظي الهوية وتمزق الاوطان والاقصاء والعنصرية!؟

أما آن لنا ان نعيد قراءة هذا التاريخ ونقد الافكار التي قادته وسادت فيه وكانت مهيمنة عليه!؟

أما آن الأوان لمراجعة حقيقية للفكر الذي وعدونا انه سيكون سبب خلاصنا وحريتنا ووحدتنا وقوتنا ونهضتنا وتطورنا ووو وكل الوعود الذي اطلقها هذا الفكر المستورد على انه البضاعة التي ان استهلكناها فسنصبح ماوعدونا اياه من قوة ووعي وحرية ووحدة ونهضة وتطور!؟

أما آن لدعاة هذا الفكر وهذه الايديولوجيا المسماة (العلمانية) ان يمارسوا النقد الذاتي لفكرهم وايديولوجيتهم ومسيرتهم خلال هذه المائة سنة الاخيرة ويحسبوا الحصيلة التي وصل اليها العرب بعد ان عاشوا في كنف ايديولوجيتهم ، ويصارحوا انفسهم بالفشل الذي وصلوا اليه والخراب الذي تسببوا به والدمار الذي الحقوه بهذه الامة والتمزق الذي كانوا سبباً به والحروب التي اشعلوها والهزائم التي تكبدوها والتبعية التي اسروا بلداننا فيها والاوهام التي صنعوها في ثقافتنا والكراهية والحقد على ذاتنا وتاريخنا وهويتنا الذي زرعوه في نفوسنا!!!

أما آن لعاقل ان يقف ويقول: كفى!

إنَّ بضاعتكم فاسدة وفكركم مشوه وحكمكم دكتاتوري ومنهجكم إقصائي واسلوبكم متعالي وثقافتكم مستنسخة مشوهة وايديولوجيتكم عمياء!!!

أما آن للمثقف أن يكون حرّاً ونقدياً حقيقياً لايخاف من المقولات التي استوردت لكي تجعله يشعر امامها بالعبودية، وان يكون شجاعاً ولايشعر بالصغار والدونية والتبعية (الثقافية) امام المقولات المشوهة!

كيف لمثقفٍ ان يكون حراً وهو يشارك المستبدين والدكتاتوريين والاقصائيين الايديولوجيا نفسها ويدافع عن الفكرة نفسها التي يستبد باسمها الحاكم ويستذل بها شعبه ويقمع الشعب بها ويقود باسمها الحروب ويدمر البلدان ويستذل الشعوب!!!

كيف يكون حراً وهو يبرر الاستبداد ويفلسف الخراب ويدافع عن الايديولوجيا التي انتجت كل ذلك!!!

نقد العلمانية، وكشف نتائجها، واظهار التشوهات التي رافقت استعارتها من ثقافة ومجتمعات اخرى ونقلها الى ثقافتنا ومجتمعاتنا، وبيان الحال الذي وصلت اليه بلداننا ومجتمعاتنا في ظلها، 

مطلب حضاري ومهمة ضرورية وفعل راهني يجب ان يتعلم مثقفنا ممارسته لكي يستطيع اعادة التوازن لحركة الوعي الفكري والثقافي داخل الحياة …

ان كان التنوير عند اهم فلاسفته هو ماقدمه في الاجابة عن السؤال: (ما التنوير؟).

عندما يحدد "إيمانويل كانت" مفهوم التنوير بأنه:

خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه من خلال عدم استخدامه لعقله إلا بتوجيه من إنسان آخر. ويحصر كانت أسباب حالة القصور تلك في السببين الأساسيين التاليين: الكسـل والجبــن! فتكاسل الناس عن الاعتماد على أنفسهم في التفكير أدى من جهة إلى تخلفهم، ومن جهة أخرى هيأ الفرصة للآخرين لاستغلالهم، وذلك بسبب عامل الخوف فيهم).

فان المثقف العربي لم يصبح تنويرياً، لانه لم يخرج عن قصوره الذي اقترفه في حق نفسه، من خلال عدم استخدامه لعقله، إلا بتوجيه من إنسان آخر (فرض عليه فكرته العلمانية)، وبسبب تكاسل مثقفنا في الاعتماد على نفسه،  وجبنه امام الاخر وتصاغره ازاءه، هيأ الفرصة للآخر ان يستغله ثقافياً، ويستعبده فكرياً، ويجعله تابعاً له، فظل مثقفنا قابعاً في ظلاميته الايديولوجية العلمانية، وقاصراً عن استخدام عقله، فلم يدخل هو الى التنوير ولم يدخل التنوير الى فكره!.

لذا نقول آن الأوان ان يدخل مثقفنا عصر التنوير، وان يخرج عن قصوره، ويمارس التفكير الحر بلا وصايةٍ من أحدٍ، ولا توجيه من فكرةٍ مسبقة مفروضة عليه ، بل عليه ان يمارس فكراً نقدياً حراً ومستقلاً وشجاعاً لمقولاته التي شكلت موجهات فكره خلال هذه المائة سنة الاخيرة، واهمها؛ مقولة (العلمانية)،  لكي يكون تنويرياً خارجاً عن قصوره الذاتي، ومتمرداً على توجيه الاخر لفكره، ومتخلصاً من كسله الفكري، وجبنه الثقافي …

نحتاج عقولاً حرة ونقداً شجاعاً وتنويراً واعياً …

ولانحتاج افكاراً مستوردة تقيد التفكير وتحجم العقول وتحجب النقد وتؤسس للتبعية الثقافية للآخر …

الخلاصة اننا وبعد مائة سنة من ترديد مقولة العلمانية اصبح لدينا قطيع ثقافي علماني كله يردد خلف بعضه كلمة العلمانية حتى وهو يقاد الى مجازر ثقافية كبرى كما حصل مع الدكتاتوريات والاحتلالات والهزائم وقمع الحريات وتدمير الثقافات!

بعد مائة سنة اصبح لدينا قطيع ثقافي يثغو بالعلمانية خلف ناي الآخر بلا وعي ولا فهم ولا إرادة ولا نقد ولا حرية …

***

د. احمد حمادي

 

في المثقف اليوم